إبراهيم الرياحي

من الموسوعة التونسية
نسخة 13:49، 21 فبفري 2017 للمستخدم Bhikma (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[1766 - 1850م]

إبراهيم الرياحي

حياته[عدّل]

ولد الفقيه إبراهيم بن عبد القادر بن أحمد بن إبراهيم الرياحي سنة 1766 بتستور، حيث حفظ القرآن، ثم انتقل إلى تونس لمواصلة التعلم في مدرستي حوانيت عاشور وبئر الحجار وجامع الزيتونة حتى أصبح من أبرز علمائه مستفيدا من فضل الوزير يوسف صاحب الطابع عليه. انتسب الرياحي إلى الطريقة الشاذلية ثم إلى التيجانية منذ سنة 1796م عندما التقى بعلي حرازم في تونس وأحمد التيجاني في فاس سنة 1804م وعلي التماسيني في جنوب الجزائر سنة 1822م، وهو أوّل من اعتنقها في تونس ونشط لنشرها انطلاقا من زاويته. في سنة 1804م أرسله الأمير حمّودة باشا الحسيني إلى سلطان المغرب سليمان بن محمد لجلب الميرة، والبلاد مهدّدة بالمجاعة نتيجة الجفاف، فانجز مهمّته ودعّم الصّلات الثقافية بين البلدين. وفي سنة 1806م فرّ من خطة القضاء إلى زاوية سيدي علي عزّوز بزغوان حتى لا يتقدّم على شيخيه إسماعيل التميمي وأحمد بوخريص. وفي سنة 1814م كلّفه الوزير يوسف صاحب الطابع بالتدريس بجامعه بالحلفاوين والاشراف على مدرسته. وفي حجّته سنة 1826م اجتمع بعلماء الحرمين. ولم يقبل رئاسة أهل الشورى (الدائرة المالكية بالمجلس الشرعي) سنة 1832، بعد وفاة شيخه التميمي، إلاّ على مضض. وبمناسبة حجّته سنة 1836، نيابة عن مصطفى باي، درّس في الأزهر، ووقف عند قبر الرسول منشدا شكواه من تلميذه العنيد القاضي محمد بن عبد الستار البحري، وعاد يوم 13 أكتوبر1837، بعيد وفاة الأمير وارتقاء ابنه أحمد واحتفل رسميّا بعودته. وفي سنة 1838م أوفده المشير أحمد باي الأوّل إلى السلطان العثماني بإستانبول محمود خان لاعفاء الإيالة التونسية من الضريبة. وفي السنة الموالية ولاّه أحمد باي إمامة جامع الزيتونة، فكان أول من جمع بينها وبين رئاسة المذهب المالكي بتونس وكان الشيخ مناصرا للاجراءات التحديثية التي أقرها أحمد باي. وفي سنة 1842م انتخب في مجلس النظارة العلمية بالجامع الأعظم مع شيخ الاسلام الحنفي والقاضيين الحنفي والمالكي، حسب أمر أحمد باي بتنظيم التعليم به. وكان ابراهيم الرياحي لا يتورع عن نقد ظلم القياد أمام أحمد باي، وهو ما يعبّر عن شجاعة كبيرة في ذلك الزمان.

فجع الرياحي بوفاة ابنه محمد الطيّب بوباء سنة 1850م، فرثاه، وخطب بعده ناعيا نفسه، فلم يلبث أنّ مات بنفس الدّاء في نفس السنة (28 رمضان 1266/7 أوت ، (1850 ودفن بزاويته التي أتمّ بناءها أحمد باي سنة 1854م، ورتّب بها محمد باي ميعاد التيجانيّة، وجدّدها محمد الصادق باي سنة 1878م. وهي اليوم معلم تاريخي ومزار مشهور.

آثاره[عدّل]

من آ ثاره المطبوعة

  • نبذة من أشعاره وخطبه ومكاتيبه وأدعيته في "تعطير النواحي بترجمة الشيخ سيدي إبراهيم الرياحي" جمع عمر الرياحي، في جزءين في مجلد واحد، تونس 1902م.
  • الديوان: تحقيق محمد اليعلاوي وحمادي الساحلي، دار الغرب الاسلامي، بيروت 1990.
  • مختارات من شعره ونثره في كتاب : علم الزيتونة الشيخ إبراهيم الرياحي، ميدياكوم، تونس 1996.
  • النرجسة العنبرية في الصلاة على خير البرية: تعطير 2/57 - 62، مجموع ط. فاس 1319هـ/1901م، محمد سنوسي: مسامرات الظريف 1 /152 - 159.
  • مبرد الصوارم والأسنّة في الردّ على من أخرج سيدي أحمد التيجاني من دائرة أهل السنّة (ردّ على محمد النميلي) تعطير 1 /36 - 60.
  • قطع اللجاج في نازلة أولاد سليمان بن الحاج (ردّ على محمد البحري) : تعطير 1 /111 - 118، رسائله ط. تونس، ص 1 - 9.
  • اختصار مولد البكري، مولد خير الأنام: تعطير 2/2 - 11، ط. الرسميّة، تونس 1293هـ/1876م.
  • فتح المتعال في فضل النعال (نعال الرسول) : تعطير 1 /18 - 19.
  • نظم متن ابن آجروم: تعطير 1/64 - 72.
  • خطبة بمناسبة إصدار أحمد باي قانون الدخان والجلود: الاتحاف 4/2.
  • تحرير في تعقّب الخلاف الذي استدركه قاضي تونس أبو مهدي عيسى الغبريني على عبد الله الشبيبي: تعطير 1/199 - 122، رسائله، ط. تونس، ص 10 - 13.
  • رسالة في الاعذار الذي يجب على القاضي عند الحاكم في النوازل: تعطير 1 /140 - 143.
  • جوانب عن سؤال في الانزال ضمن مجموع في الانزال والكردار: ط. الرسمية، تونس 1316هـ/1898م. وبالاضافة إلى ذلك له عدّة آثار أخرى مازالت مخطوطة.

دراسة آثاره[عدّل]

بلغ المنشور من شعر الرياحي 2050 بيتا، من البيت اليتيم إلى القصيدة ذات 85 بيتا، إلى المنظومة النحويّة ذات 188 بيتا، موزّعة على أغراض متنوّعة أهمّها المدح والرّثاء والتوسّل والاستغاثة وشكوى الظلم والتشاؤم بالفساد والتحاليل العلميّة والجامع بينها شعر المناسبات. فلقد اقتفى آثار معاصريه في الاهتمام بالأغراض الفرعيّة أكثر من الأغراض الأصليّة. وكانت أكثر مدائحه توسّلا بالنبّي وشيوخ التصوّف والأولياء الصالحين ومخاطبات للسلاطين تتمّة لمهمّاته السياسيّة، كما كانت مراسلاته للعلماء إجازات لهم وتقاريظ لمؤلفاتهم. أمّا مدائحه للأمراء وخاصة أحمد باي فكانت تهاني لهم وتأريخا لمنشآتهم، وأطولها مدح شيخه الطاهر بن مسعود واستشفاء شيخه البشير بن مشيش وتهنئة محمد بوراس الواسطي. وكانت أكثر مراثيه في شيوخه وأصحابه، وأصدقها في ابنيه، وأطولها في يوسف صاحب الطابع، وفيها تتردّد معاني الزّهد. ولم ينظم في الغزل إلاّ استهلالا تقليديّا للمدح كما في مدحيّة عبد الشكور المدني، ولم يهج إلاّ بثمانية أبيات، كما أنّه لم يفخر بغير بيتين. أمّا منظوماته العلميّة فهي كثيرة لكنّها قصيرة. ولأنّ الرّياحي رجل دين وعلم ومهمّات فقد غلبت الفكرة على الخيال في شعره غلبة التقليد والتكلّف باستثناء توسّلاته ومدائحه للنّبي وآل البيت والمغاربة وتفجّعه على ولديه.

ومهما شاب شاعريّته من تفاوت فنّي فإنّ صورة عصره في شعره تضمن له قيمة وثائقيّة مفيدة. ولئن لم يشذّ عن تقاليد معاصريه الشعريّة فقد تميّز عنهم بكتاباته النثريّة وتحاريره العلميّة. فقد ضمّ تعطير النّواحي 35 خطبة و16 رسالة خاصة و6 أدعية عند ختم "البخاري" وإجازتين علميّتين نثرا إلى جانب "المولديّة" و"النّرجسة العنبريّة". ومن تلك الخطب الجُمَعيّة ما يرتبط بإحدى المناسبات الدينيةّ، إلا ّ أن ّ أكثرها لا يتقيّد بمناسبة، ومحورها زهدي وأخلاقي، ومنطلقها الاسلام دينا وخطابة وتصوّفا وشعرا، وأسلوبها التّرغيب والتّرهيب وتضمين القرآن والحديث. أمّا قيمتها الفنيّة فضئيلة رغم سجعها المطبوع لبساطة بلاغتها وقلّة صورها. وأجود خطبه خطبته بمناسبة إهداء أحمد باي كتبا لجامع الزيتونة. وفي بعض الأحيان يرتقي مستوى خطبه فنّيا بالايجاز البليغ وأساليب التأثير من استفهام وتعجّب. وهي من حيث المضمون صورة لأحوال تونس العامّة وصدى لدعوات الاصلاح الشّامل.

والرّياحي في رسائله لا يختلف كثيرا عن خطبه إذ هو يحافظ فيها على السّجع، ولكنّها لا تبلغ مستوى الرسائل الديوانيّة، إذ المبالغة والتكلّف باديان فيها مع بعض الثقل في التراكيب والاغراب في المعنى واللّفظ مقتفيا أساليب الصوفيّة والعلماء والفقهاء. ولا تشذّ عنها "النرجسة العنبريّة" و"المولديّة" وبقيّة أدعيته، غير أنّها تدلّ على تعلّقه المتين بالرسول صلى الله عليه وسلم.على أنّ شهرته لم تكن بأشعاره وخطبه فحسب، إنّما كانت بتحاريره الفقهيّة وتحاليله العلميّة إذ كان فقيها عالما قبل أنّ يكون أديبا شاعرا.

فقد نظم الرّياحي 8 قصائد حلّل فيها مسائل قضائية، وكتب 29 مكتوبا أجاب فيها عن عدّة أسئلة فقهيّة سأله عنها علماء وفقهاء وقضاة من مختلف أنحاء تونس، ومن طرابلس والمغرب، وهي تتعلّق بصفات الله والزواج والشركة والميراث والأحباس والجرائم. فبيّن فيها أحكام المذهب المالكي موجزا حينا مطنبا أحيانا بفكر ثاقب وبرهان قاطع. وقد حرّر رسائل فقهيّة مطوّلة مثل دفاعه عن الأولياء الصالحين وقطع اللّجاج ومبرد الصّوارم ورسالة في تعقّب الخلاف الذي استدركه الغبريني، وهي مسجوعة، وفيها يستند إلى أقوال الفقهاء والفلاسفة، مستغنيا عن ذكر مصادرها إلاّ نادرا، مبيّنا نقاط الخلاف بينهم، مقارنا بين جملة من الفتاوى، مرجّحا كفّة إحداها، متحمّسا، متهكّما، مستشهدا بالقرآن والحديث وأقوال شيوخه وفقهاء المالكيّة، موفّقا بين المتقدّمين والمتأخرين. وتدلّ هذه الرسالة على أنّه كان حجّة عصره ومرجع العلماء من كلّ الأنحاء لما تفوّق به من ثقافة لغويّة وكلاميّة وتشريعيّة شاملة وعميقة في جلّ المذاهب، كانت له عماد القضاء والافتاء ونبراس الحقّ والعدل.

وليس له فهم تجديديّ للقرآن، إنّما كان يدافع عن الفهم السليم، ويقطع أسباب الاختلاف. ولئن لم يفسّر القرآن فقد عثرنا له على شرح الاية 103 من سورة النساء حسب المنهج اللغوي البلاغي المفصّل. وكذلك كان منهجه في تفسير حديث "الأعمال بالنيّات". وله أيضا أجوبة علميّة كثيرة في الفيزياء والكيمياء والطبّ والحكمة والعزائم، أغلبها مخطوط كجوابه عن الظلّ، وبعضها منشور في تعطير النّواحي وديوانه كنظمه لمفردات الكيمياء، وفيها خلط بين العلم ونقيضه. وهكذا تبدو قيمة الشيخ إبراهيم الرّياحي في تمثيل تونس الحسينيّة بثقافته المتنوّعة ومهامه المختلفة. فمن الناحية العلمية حافظ الرّياحي على تواصل السند العلمي باستيعابه علوم عصره كما نضجت بفضل "الزيتونة" وشيوخها، أمثال صالح الكوّاش واسماعيل التميمي ومحمد الطاهر بن مسعود، الذين أسهموا في تكوينه وأثّروا في شخصيته ومواقفه حتى أصبح منهم ومحلّ إعجابهم لتميّز طريقته النشيطة في التدريس التي بسببها توافد على دروسه عدّة طلاّب ومدرّسين وتخرّج على يديه عدّة أعلام من طبقة أحمد بن أبي الضياف وسالم بوحاجب ومحمد الطاهر ابن عاشور الأوّل.

وقد كانت سفاراته الرّسمية، التي اقتضاها الوضع الاقتصادي الصّعب، علمية أيضا انتهزها لربط الصّلات الثقافية بين تونس والمغرب والمشرق حتى أصبحت الكتب التي أجازها أو أجيز فيها ومساجلاته ومجالسه العلمية دليلا على نوعية الثقافة ومستواها في العالم العربي الاسلامي في عصره. وتشير مدائحه لأحمد باي إلى إنشاء المكتبة الأحمدية وإلى اهداء الباي كتبا لجامع الزّيتونة وتشير مدائحه ليوسف صاحب الطابع إلى تأسيسه جامع الحلفاوين وإلى مدرسته، كما تضمّ هذه المدائح تهانيه لشيوخه ورثاءه للمتوفين منهم، كلّ ذلك يؤكّد غيرته على العلم ورجاله وتشجيعه لرعاته باعتباره منير العقول وسبيل النهضة ورادّ الفساد. وبصفته باش مفتي المالكيّة عبّرت أجوبته وفتاويه عن شواغل عصره وبرهنت على تأصّل ثقافته وتشبّثه بالعقل ومقاصد الشرع في طلبه العدل والمصلحة العامة. وقد استغلّ مكانته لدى السلطة للدفاع عن الاسلام المالكي مذهب البلاد أمام المذهب الحنفي المذهب الرّسمي المدعوم من البايات والنخبة، وذلك بالسعي إلى المعادلة بين المالكية والحنفية في المرتّب وفرض وجهة النظر المالكية في التعليم والافتاء والتمثيل الرّسمي بصفته شيخ الاسلام المالكي الذي لا سابق له في العهد العثماني.

إنّ سبب الخلاف الذي نشب بينه وبين تلميذه ابن عبد الستار البحري حول حضانة اليتيم دليل على اجتهاده المعقول في اعتبار عمّ اليتيم أولى بكفالته من جدّته للأمّ المتزوّجة بعد وفاة أبيه. ولئن أفتى بهذا خلافا للمشهور في المذهب فإنّه لم يخالف حكما أو قولا. وكذلك اجتهاده في إمكان الاحتماء بالأجنبي إذا خيف من ظلم قاتل، وقد بدأ آنذاك في تونس بعض التونسيين يلجؤون إلى القناصل الأجانب طلبا لحمايتهم من ظلم بني جلدتهم. فإنّه أثبت تعلّق المجتهد بالقيم وتوقه إلى الاصلاح الذي بدأ بتحرير العبيد والذي ستتوفّر أسبابه وظروفه فيما بعد مع تلميذه الشيخ ابن أبي الضياف في مواقفه وتأليفه "الاتحاف" ومع الوزير الأكبر خير الدين التونسي في تنظيماته وتأليفه أقوم المسالك وهو ما مهّد للنهضة التي يمكن اعتبار الرّياحي أباها الرّوحي.

ولم يكن يستند إلى قوّة مكانته العلميّة والشرعيّة فقط بل أيضا إلى اعتقاد العامة والخاصة في نفوذه الروحي المستمد ّ من الطريقة التيجانية التي كان مثلها الأعلى وناشرها في المناطق الحدوديّة المضطربة في البلاد بفضل إشعاع زوايا تستور والسرس ونفطة وانطلاقا من زاويته بتونس التي تعدّ إلى اليوم الرّمز المعماري والامتداد الرّوحي له مع الأوساط الشعبية التي لا يمكنها التواصل معه زمنيّا وفكريّا وإنّ ظلّت حافظة لكراماته متوسّلة بأدعيته وبركاته منذ حادثة دعائه على مصطفى باي وتلميذه اللّجوج المنافس محمد البحري في حجّته الثانية وتوسّله بالرّسول (صلعم) حتى مات الباي قبيل عودته بثلاثة أيام ولحقه قاضي تونس في أربعينيّته، ولم تنفع إنابته في الحجّ تبريدا لخاطره. وقد كان الرّياحي نفسه مهيّئا من قبل لدور صوفي، وظلّ من بدايته شاذليّا إلى أنّ انتهى تيجانيّا محافظا على قناعاته بالأولياء بدليل مدحه لسيدي علي العريان شيخ أولياء تستور.