إبراهيم التيبلي

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[ق 16 - 17م]

اقترن اسم هذا الكاتب والشاعر الاسباني التونسي بقصة دون كيشوت (Don Quijote) للكاتب الإسباني الشهير ثيربانتس Cervantes (1547 - 1616م) بصفته مكتشف الطبعة الأولى منها سنة 1604م، وهي التي ترجمت إلى عدة لغات باعتبارها إحدى روائع الأدب العالمي وأوّل أثر في الأدب الهزلي في العالم وأهم أثر في الأدب الإسباني. ذلك أنهما كانا متعاصرين إذ ولد إبراهيم التيبلي في الثلث الأخير من القرن السادس عشر. وكان اسمه الاسباني خوان بيريث (Juan Perez)، وبمجرّد أن استرجع إسلامه في وطنه الجديد مع جملة المهاجرين إلى تستور سنة 1609م تسمى بإبراهيم تأصيلا لدينه وهويته وتلقب بالتيبلي انتسابا إلى موطن أجداده تيبلة (Taibilla). وهي قرية اندثرت وخلفت اسمها في أحد روافد شقورة (Segura). وقد استقرت عائلته الموريسكيّة في مرسية (Murcia) ثم انتقلت إلى طليطلة مسقط رأسه. ومن هناك هاجر مع إخوانه إلى تونس واختار بلدة تستور الآمنة منة ليؤلف في العزلة والسكينة كتابه "الأنشودة" (El Cantico) سنة 1073هـ/1628م حسب ما جاء حرفيا في المقدمة. وهذا الكتاب يجمع بين الشعر والنثر، إذ يحتوي على قصيدة طويلة ذات 4608 أبيات ومقدمة وخاتمة وفصلا مهمّا يشير إلى أوّل طبعة لدون كيشوت، وكل ذلك بالقشتاليّة، كما يحتوي على بعض الهوامش والتعاليق بالعربية إلى جانب آيات قرآنية وأحاديث نبويّة. ويهدف به مؤلفه إلى الدفاع عن الإسلام وتثبيت الموريسكيين في عقيدتهم تجاه حملات التشكيك الصادرة عن الاسبان المسيحيين. فبعد المقدمة الثرية الموجهة إلى حاكم تونس آنذاك يوسف داي (1610م - 1637 م) وأحد أعوانه علي السراج ينطلق بالشعر في مدحه وتمجيد الرسول (ص) وصحابته الخلفاء الأربعة (رض). ثم يتوسع في تسجيل محنة الهجرة الأندلسية من حيث أسبابها فظروفها، ثم يتعمق في مواطن الخلاف بين النصارى والمسلمين كالتثليث والصلب وتحريف التوراة والإنجيل. وهكذا يغني هذا الكتاب مدونة الجدل العقائدي في القضايا الكلاسيكية المعروفة في كتب الردود على النصارى واليهود. ويعكس الصراعات الحادة في مستوى الدين والهوية بين الموريسكيين والإسبان. وقد أسهمت لغته المبسطة في تداوله.

وقد كان التيبلي يحذق الإسبانية واللاتينية قبل أن يضيف إليهما العربية، كما كان مزدوج الثقافة الدينية. وهو ما مكنه من الدفاع عن الاسلام وإبراز تناقضات المسيحية. وقد وظف فكره وجهده لتعليم مواطنيه الموريسكيين مبادئ دينهم باللغة الإسبانية بوساطة الكتب التي نسخها أو ترجمها لهم، إذ لم يتعلموا العربية إلا بعد أكثر من قرن من استيطانهم بتستور. وكان مطالعا نهما لا يفوّت فرصة لاشتراء الكتب، على حدّ قوله، كما كان مولعا بكتابات سقراط وزنون وهوارس ومعاصري كارلوس الخامس من الشعراء والرّوائيّين... ويمكن أن يكون التيبلي صاحب كتاب "إنجيل برنفي" (El Evangilio de Bernabé) الذي يعدّ من أهم المصادر المسيحية، ونسخته في سيدناي (Sydney) الأسترالية. أمّا "الأنشودة" التي ظلت مخطوطة بمكتبة كازاناتنس (Casanatense) بروما فقد اكتشفها المستعرب خيم أوليفر آسين (Jaime Oliver Asin) سنة 1948 ونشرها لويس فرناندو برنابي بونص (Luis Fernando Bernabe Pons) بسرقوسة سنة 1988. وقد لفتت طرافتها أنظار الباحثين في العالم، في حين غفل الأدب التونسي عنها. يعد التيبلي أحسن ممثل للكتاب الموريسكيين المزدوجي الثقافة الذين أغنوا الأدب الديني في المسيحية والإسلام وفي الإسبانية والعربية وفي إسبانيا وتونس، وأصدق شاهد على استشراء التعصّب الديني الذي لم يتورّط فيه وإنّما كان ضحيته.