«إبراهيم الأول»: الفرق بين المراجعتين

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث
سطر 2: سطر 2:
  
 
[[إبراهيم الأول]] بن الأغلب بن سليم بن عقال، مؤسس [[دولة الأغالبة]] الإفريقية، كان تميميّا من عشيرة بني سعد بن زيد مناة، وقد استقر هؤلاء، بفضل الفتوحات الاسلامية، بصفة مبكّرة جدا في خراسان حيث واجهوا خاصّة المهلّبيّين الذين سيلقاهم إبراهيم فيما بعد في مصر ثم في [[إفريقية]]. هكذا ولد الأغلب، جدّ الأغالبة ومانح اسمه لهم، بمرو الرّوذ. وقد اعتنق دعوة العبّاسيين، وكان من أكثر أبطالهم حماسة إلى جانب أبي مسلم الخراساني. اتّصل أوّل مرة بالمغرب في خدمة العباسيّين ضمن جيش ابن الأشعث. وقد عيّنه ابن الأشعث حاكما على الزّاب (144هـ/761م) ، أي منطقة الأوراس جنوب جهة قسنطينة الحالية. وفي سنة 148هـ/765م، طَرَدَ جيوش ابن الأشعث قائدهم، وعوّضه الأغلب ب[[القيروان]] وتحت أسوارها لقي حتفه خلال إحدى حركات التمرّد الكثيرة التي لم تكفّ عن إغراق البلاد في الدّم.
 
[[إبراهيم الأول]] بن الأغلب بن سليم بن عقال، مؤسس [[دولة الأغالبة]] الإفريقية، كان تميميّا من عشيرة بني سعد بن زيد مناة، وقد استقر هؤلاء، بفضل الفتوحات الاسلامية، بصفة مبكّرة جدا في خراسان حيث واجهوا خاصّة المهلّبيّين الذين سيلقاهم إبراهيم فيما بعد في مصر ثم في [[إفريقية]]. هكذا ولد الأغلب، جدّ الأغالبة ومانح اسمه لهم، بمرو الرّوذ. وقد اعتنق دعوة العبّاسيين، وكان من أكثر أبطالهم حماسة إلى جانب أبي مسلم الخراساني. اتّصل أوّل مرة بالمغرب في خدمة العباسيّين ضمن جيش ابن الأشعث. وقد عيّنه ابن الأشعث حاكما على الزّاب (144هـ/761م) ، أي منطقة الأوراس جنوب جهة قسنطينة الحالية. وفي سنة 148هـ/765م، طَرَدَ جيوش ابن الأشعث قائدهم، وعوّضه الأغلب ب[[القيروان]] وتحت أسوارها لقي حتفه خلال إحدى حركات التمرّد الكثيرة التي لم تكفّ عن إغراق البلاد في الدّم.
وانسحبت أسرته إلى مصر، وكان عمر ابراهيم آنذاك عشر سنين. فبدأ بتلقّي دروس في الفقه، وكان من ألمع تلامذة الليث بن سعد (المتوفى 179هـ/795م) ولكن كان عليه، وهو سليل واحد من مشاهير قواد الجيش العباسي أن يتبع تقاليد أسرته. فانضمّ إلى جند مصر، وشارك حتما في الانتفاضات التي كانت تهزّ البلاد. وشارك بوجه خاص سنة 174هـ/790م في نهب بيت المال، ليأخذ مقدار رزقه، "لم يزد على ذلك شيئا" حسب تأكيد البلاذري. وتسبّب هذا التصرّف في طرد الوالي المهلّبي له من مصر، وإرساله إلى الزّاب في الاقامة الجبرية. وكان يحكم الزّاب آنذاك مهلّبي آخر، أي عدوّ تقليدي لأسرته.
+
وانسحبت أسرته إلى مصر، وكان عمر ابراهيم آنذاك عشر سنين. فبدأ بتلقّي دروس في الفقه، وكان من ألمع تلامذة الليث بن سعد (المتوفى 179هـ/795م) ولكن كان عليه، وهو سليل واحد من مشاهير قواد الجيش العباسي أن يتبع تقاليد أسرته. فانضمّ إلى جند مصر، وشارك حتما في الانتفاضات التي كانت تهزّ البلاد. وشارك بوجه خاص سنة 174هـ/790م في نهب بيت المال، ليأخذ مقدار رزقه، "لم يزد على ذلك شيئا" حسب تأكيد البلاذري. وتسبّب هذا التصرّف في طرد الوالي المهلّبي له من مصر، وإرساله إلى الزّاب في الإقامة الجبرية. وكان يحكم الزّاب آنذاك مهلّبي آخر، أي عدوّ تقليدي لأسرته.
 
على أنّ إبراهيم بموجب الاضطرابات التي لم تنفكّ تهزّ [[إفريقية]]، دعم مركزه بالزّاب حيث مازال ذكر أبيه حيّا. وتعلّم خاصّة كيف لا يخرج عن الشرعيّة،وعرف، وقد أنضجته التّجارب، تجنّب الانتفاضات وتوصّل، بفضل شغور الحكم بالزّاب نتيجة لهذه الانتفاضات، إلى الاضطلاع بسلطة حقيقية فعلية. وفي سنة 971هـ/597م، حوّل هرثمة، الذي قدم من بغداد لإعادة النظام والشرعيّة في البلاد، هذه السلطة الفعلية إلى تنصيب قانوني. ومن المرجح أنّ إبراهيم، بعد سنتين، رقّاه الرّشيد، وقد رضي فيما يبدو عن خدماته، من خطة مساعد الوالي إلى والي الزّاب العائد إليه مباشرة بالنظر.
 
على أنّ إبراهيم بموجب الاضطرابات التي لم تنفكّ تهزّ [[إفريقية]]، دعم مركزه بالزّاب حيث مازال ذكر أبيه حيّا. وتعلّم خاصّة كيف لا يخرج عن الشرعيّة،وعرف، وقد أنضجته التّجارب، تجنّب الانتفاضات وتوصّل، بفضل شغور الحكم بالزّاب نتيجة لهذه الانتفاضات، إلى الاضطلاع بسلطة حقيقية فعلية. وفي سنة 971هـ/597م، حوّل هرثمة، الذي قدم من بغداد لإعادة النظام والشرعيّة في البلاد، هذه السلطة الفعلية إلى تنصيب قانوني. ومن المرجح أنّ إبراهيم، بعد سنتين، رقّاه الرّشيد، وقد رضي فيما يبدو عن خدماته، من خطة مساعد الوالي إلى والي الزّاب العائد إليه مباشرة بالنظر.
 
وسرعان ما وضعت انتفاضة جديدة مفاتيح [[القيروان]] بين يديه. وفي رمضان 381هـ/أكتوبر 997م، طَرَدَ تمّام، والي تونس التميمي - وهو من عشيرة بني مالك بن زيد مناة، المعادية لبني سعد بن زيد مناة - ابن العكّي من [[القيروان]].فسارع ابراهيم، من الزّاب، إلى دَعْم الشرعيّة، وأعاد للوالي حقوقه. وفي الواقع لم يلق هذا الرجوع إلى الوضع القائم سلفا موافقة الخلافة ولا موافقة الأفارقة، فدعي إبراهيم إذن، لأسباب مختلفة من السياسة البغدادية والافريقية، إلى تعويض ابن العكّي، وبواسطة اتفاق مالي ملائم حمل الرشيد على منحه رتبة الامارة الوراثية.وهكذا ارتقت إفريقية، دون صعوبة إلى وضع إمارة مستقلّة.
 
وسرعان ما وضعت انتفاضة جديدة مفاتيح [[القيروان]] بين يديه. وفي رمضان 381هـ/أكتوبر 997م، طَرَدَ تمّام، والي تونس التميمي - وهو من عشيرة بني مالك بن زيد مناة، المعادية لبني سعد بن زيد مناة - ابن العكّي من [[القيروان]].فسارع ابراهيم، من الزّاب، إلى دَعْم الشرعيّة، وأعاد للوالي حقوقه. وفي الواقع لم يلق هذا الرجوع إلى الوضع القائم سلفا موافقة الخلافة ولا موافقة الأفارقة، فدعي إبراهيم إذن، لأسباب مختلفة من السياسة البغدادية والافريقية، إلى تعويض ابن العكّي، وبواسطة اتفاق مالي ملائم حمل الرشيد على منحه رتبة الامارة الوراثية.وهكذا ارتقت إفريقية، دون صعوبة إلى وضع إمارة مستقلّة.

مراجعة 08:59، 2 جانفي 2017

[184 - 196هـ/800 - 812م]

إبراهيم الأول بن الأغلب بن سليم بن عقال، مؤسس دولة الأغالبة الإفريقية، كان تميميّا من عشيرة بني سعد بن زيد مناة، وقد استقر هؤلاء، بفضل الفتوحات الاسلامية، بصفة مبكّرة جدا في خراسان حيث واجهوا خاصّة المهلّبيّين الذين سيلقاهم إبراهيم فيما بعد في مصر ثم في إفريقية. هكذا ولد الأغلب، جدّ الأغالبة ومانح اسمه لهم، بمرو الرّوذ. وقد اعتنق دعوة العبّاسيين، وكان من أكثر أبطالهم حماسة إلى جانب أبي مسلم الخراساني. اتّصل أوّل مرة بالمغرب في خدمة العباسيّين ضمن جيش ابن الأشعث. وقد عيّنه ابن الأشعث حاكما على الزّاب (144هـ/761م) ، أي منطقة الأوراس جنوب جهة قسنطينة الحالية. وفي سنة 148هـ/765م، طَرَدَ جيوش ابن الأشعث قائدهم، وعوّضه الأغلب بالقيروان وتحت أسوارها لقي حتفه خلال إحدى حركات التمرّد الكثيرة التي لم تكفّ عن إغراق البلاد في الدّم. وانسحبت أسرته إلى مصر، وكان عمر ابراهيم آنذاك عشر سنين. فبدأ بتلقّي دروس في الفقه، وكان من ألمع تلامذة الليث بن سعد (المتوفى 179هـ/795م) ولكن كان عليه، وهو سليل واحد من مشاهير قواد الجيش العباسي أن يتبع تقاليد أسرته. فانضمّ إلى جند مصر، وشارك حتما في الانتفاضات التي كانت تهزّ البلاد. وشارك بوجه خاص سنة 174هـ/790م في نهب بيت المال، ليأخذ مقدار رزقه، "لم يزد على ذلك شيئا" حسب تأكيد البلاذري. وتسبّب هذا التصرّف في طرد الوالي المهلّبي له من مصر، وإرساله إلى الزّاب في الإقامة الجبرية. وكان يحكم الزّاب آنذاك مهلّبي آخر، أي عدوّ تقليدي لأسرته. على أنّ إبراهيم بموجب الاضطرابات التي لم تنفكّ تهزّ إفريقية، دعم مركزه بالزّاب حيث مازال ذكر أبيه حيّا. وتعلّم خاصّة كيف لا يخرج عن الشرعيّة،وعرف، وقد أنضجته التّجارب، تجنّب الانتفاضات وتوصّل، بفضل شغور الحكم بالزّاب نتيجة لهذه الانتفاضات، إلى الاضطلاع بسلطة حقيقية فعلية. وفي سنة 971هـ/597م، حوّل هرثمة، الذي قدم من بغداد لإعادة النظام والشرعيّة في البلاد، هذه السلطة الفعلية إلى تنصيب قانوني. ومن المرجح أنّ إبراهيم، بعد سنتين، رقّاه الرّشيد، وقد رضي فيما يبدو عن خدماته، من خطة مساعد الوالي إلى والي الزّاب العائد إليه مباشرة بالنظر. وسرعان ما وضعت انتفاضة جديدة مفاتيح القيروان بين يديه. وفي رمضان 381هـ/أكتوبر 997م، طَرَدَ تمّام، والي تونس التميمي - وهو من عشيرة بني مالك بن زيد مناة، المعادية لبني سعد بن زيد مناة - ابن العكّي من القيروان.فسارع ابراهيم، من الزّاب، إلى دَعْم الشرعيّة، وأعاد للوالي حقوقه. وفي الواقع لم يلق هذا الرجوع إلى الوضع القائم سلفا موافقة الخلافة ولا موافقة الأفارقة، فدعي إبراهيم إذن، لأسباب مختلفة من السياسة البغدادية والافريقية، إلى تعويض ابن العكّي، وبواسطة اتفاق مالي ملائم حمل الرشيد على منحه رتبة الامارة الوراثية.وهكذا ارتقت إفريقية، دون صعوبة إلى وضع إمارة مستقلّة. إلاّ أن هذه الولادة لم تجنّبه الصعوبات. فقد كان على إبراهيم الأوّل أن يقاوم عداء أوساط الفقهاء والجند، واضطر إلى أن يتحمّل رهانات كثيرة وأن يبذل كنوزا من الاعتدال والحيلة والنشاط لدعم نظامه. وبمجرد تولّيه الحكم، أسّس على ميلين جنوب القيروان قصرا محصّنا سمّاهُ، العباسية، وسينقذ هذا القصر المزوّد بفرقة حراسة عتيدة زنجية الدولة أكثر من مرة. وقد اندلع التمرّد الأول بتونس (186هـ/802م) ثم كان دور طرابلس في التحرك (189هـ/805م) لكن أخطر انشقاق كان انشقاق الجند الذي لم يهزم إلاّ بفضل المعونة المرسلة من قبل الخليفة في الوقت المناسب. ولمّا توفي إبراهيم الأوّل (21 شوال 196هـ/5 جويلية 812م)، كان ابنه وخلفه عبد الله محاصرا في طرابلس. وقد عُرف إبراهيم بحزمه وعدله. ويذكر النويري أنه "كان فقيها عالما، خطيبا، شاعرا، وكان أيضا رجل رأي وحزم... لم يحكم إفريقية قبله أمير أعدل في سيرته وأمثل في سياسته وأرفق بالرعيّة وأحزم في تصريف الأمور".