أحمد بن ميلاد

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[1902 - 1994م]

أحمد بن ميلاد

هو طبيب من رواد الحركة النقابية والوطنية والاجتماعية والثقافية. ولد بتونس في 2 ماي 1902 وتنامى شعوره الوطني منذ أن عاين مشاهد مثيرة من حوادث الجلاز الدامية (1911) وما كان من أثر في نفسه للأجواء التي صاحبت جنازة الوطني البشير صفر (1917).

اقتحم الدكتور ابن ميلاد مجال العمل السياسي وهو طالب بمعهد كارنو الثانوي بعد أن أمن دخلا ماليا بصفة عامل سرّاج بمحل عمّه بسوق السرّاجين في أوقات فراغه وأيام العطل متدرّجا في هذه المهنة إلى أن بلغ رتبة "قلفة" (وهو العون المباشر لصانع "الجبّة" التونسيّة) سنة 1922، وقد كان لهذا النشاط توجّه اشتراكي إلى سنة 1924 نتيجة لتأثير أساتذته ورفاقه في المحيط المدرسي، انخرط في الشبيبة الاشتراكية مع المواظبة على حضور اجتماعات الحزب الاشتراكي وأسهم في تأسيس جمعية النادي الافريقي سنة 1919 ثم الحزب الشيوعي التونسي سنة 1921 ونشرت له مقالات في جريدة " المستقبل الاجتماعي (L'Avenir social) الناطقة بالفرنسيّة. وكان مع رفاقه يبيع بنفسه جريدة الحزب ويشرف على توزيعها في كامل البلاد.

وعلى هامش نشاطه بالحزب توصّل سنة 1923 إلى بعث أول نقابة لعملة سوق السرّاجين تابعة ل C.G.T ثمّ التقى بالنقابي محمد علي الحامي وتابع عن قرب جهوده لبعث النقابات الوطنيّة التونسية. وفي سنة 1924 اضطلع بتكليف من الحزب الشيوعي بالتأطير النقابي لعملة معمل الاجر والمطار العسكري بسيدي أحمد (منزل بورقيبة) ثمّ قاد مظاهرة عملة بنزرت قضى على إثرها 4 أشهر سجنا دون محاكمة.

وفي مرحلة التعليم العالي بكليتي الطب بمونبوليي (فرنسا) ثم باريس (1925 - 1933) أسهم في تأسيس جمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين في فرنسا وأصبح كاتبا عاما لها سنة 1928 وتمكّن من ربط الصّلة وتعميقها مع مجموعة من الشخصيات التونسية والمغاربية أمثال الحبيب بورقيبة ونور الدّين الزاوش وعلال الفاسي للاسهام في مناشط ذات طابع اجتماعي (تقديم العون للطلبة وجملة من الخدمات كإحداث مطعم خاصّ بالطلبة) وذات طابع ثقافي في فرنسا (تنظيم ألفية ابن الجزار ومحاضرة للزعيم الهندي غاندي) وفي تونس (تنظيم سهرات فنية لصالح الجمعية في عطل الصيف). وفي الحقل السياسي، كان أحمد بن ميلاد الوحيد الذي استجاب لنداء الحزب الحر الدستوري (القديم) للطلبة المقيمين بفرنسا خاصّة لفضح ممارسات السلطة في تونس بمناسبة خمسينية الحماية: وقد كان ذلك بنشر التحقيق الذي كلف بإعداده حول وضع التعليم في تونس بعنوان "خمسون سنة من الهيمنة الفرنسية بتونس".

أمّا عودته إلى تونس بعد حصوله على 4 شهادات في التخصّص والدكتوراه في الطب ونشر أطروحة الدكتوراه حول "المدرسة الطبية بالقيروان في القرنين الرابع والخامس الهجريين، فقد كانت منطلقا لمناشط متنوعة، أوّلها ممارسة مهنة الطب الذي لقّب من أجلها ب "طبيب الفقراء" و"طبيب الشعب" لمجانية الخدمات التي كان يسديها إلى الفئات المعوزة سواء بعيادته في حي الحلفاوين أو في "مستوصف ابن الجزار" الذي أسسه سنة 1935 الحي نفسه وجنّد للعلاج به مجانا مجموعة من أصدقائه مساء كل يوم. وعلى هامش هذا النشاط، مارس العمل الاجتماعي التطوعي، كالمبادرة بحملة ضد مرض القملة في ثلاثينات القرن العشرين ودروس حفظ الصحة التي كان يلقيها يوميا بالخلدونية وبداية من سنة 1947 بدار المعلمين لتفادي تفشي أمراض القملة والسل والأمراض التناسلية وتعاطي المخدرات، والتطوّع بمعية زوجته السيدة نبيهة بنت عثمان بن عبد الله لعلاج جرحى أحداث 9 أفريل 1938م وجرحى القصف في الحرب العالمية الثانية بصفته الطبيب المسؤول على منطقتي باب سويقة والحلفاوين في لجنة الدفاع، كل هذا، علاوة على تأسيسه لجمعيتي إغاثة منكوبي فلسطين والكشاف المسلم والمبادرة بتأسيس مدرسة ابتدائية على حسابه ببرج الطويل لنشر التعليم في الوسط الريفي سنة 1948 ونجاحه في التصدي لضمّ معهد باستور إلى ممتلكات الفرنسية.

أمّا العودة إلى النشاط السياسي فكانت بناء على طلب الزعيم الشيخ عبد العزيز الثعالبي الذي لازمه الدكتور بن ميلاد وزوجته إلى حدّ وفاته، بصفته المشرف على علاجه وأقرب رفقائه إليه إذ كان رفيقا له في جولاته والحريص على مواصلة كفاحه من أجل الاستقلال من بعده.

وقد نشط في هذا المجال بتنظيم مؤتمرات الحزب بصفته أحد أعضاء هيأته التنفيذية، والسهر على تحقيق أهدافه. وفي مظاهرة أوت 1945 جدّد المطالبة بالاستقلال في ختام الخطاب الذي ألقاه بالمناسبة وزجّ به في السجن صحبة الزعيم صالح بن يوسف، كما كان من الوطنيين المسجونين إبان مؤتمر ليلة القدر سنة 1946. بادر أحمد بن ميلاد بتأسيس جريدة "الاستقلال" وعند توقيف النشاط السياسي والصّحفي من سلطة الاحتلال إثر أحداث 1951 - 52 أسس جريدة "كفاح" السرية وكانت خاتمة هذا النشاط استقالته من اللجنة التنفيذية مع الابقاء على انتمائه إلى الحزب عند رجوعه إلى تونس بعد مشاركته باعتباره عضوا ناشطا في وفد الحزب إلى مؤتمر منظّمة الأمم المتحدة بباريس.

ومنذ ذلك التاريخ اقتصر نشاطه السياسي والاجتماعي على عضوية لجنة السلام وتقديم المساندة والعون للثورة الجزائرية والتطوّع لمعالجة الجرحى الذين أصيبوا في معركة بنزرت بمستوصف منزل بورقيبة مع التفرّغ لممارسة مهنة الطب إلى سنة 1975 ثم لمجال البحث في تاريخ الطب وتاريخ الحركتين الوطنية والنقابية حتى وفاته في 2 نوفمبر 1994 ومن ثمار هذا العمل عدد مهمّ من المقالات الصحفية والمؤلفات منها "تاريخ الطب العربي بتونس" - "الشيخ الثعالبي والحركة الوطنية" - "محمد علي الحامي ونشأة الحركة النقابية بتونس".