أحمد بن مخلوف الشابي

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[حوالي 835 - 898هـ/1431 - 1492م]

اختلفت البحوث المتخصصة في تاريخ الطريقة الشابية حول أصول شيخها ومؤسسها أحمد بن مخلوف الشابّي (ننوّه على صعيد البحث بدراسات كل من علي الشابي، وشارل مونشكور، ولوي شارل فيرو التي تعرّضت بشكل مباشر أو بطريقة جزئية إلى تراجم الشابيّين). أما بخصوص المصادر فنشدّد على العناوين التالية: الشابي (محمد المسعود) ، الفتح المنير في تعريف الطريقة الشابية وما ربو به الفقير، مصورة عن مخطوطة علي الشابي نسخة منقوصة تضم 272 صفحة. ابن مخلوف (أحمد) ، مجموع الفضائل في سر منافع الرسائل في بداية الطريق لأهل التحقيق، رصيد قسم المخطوطات بدار الكتب الوطنية بتونس، نسخة رقم 18039. العدواني (محمد بن محمد بن عمر) ، تاريخ العدواني، تقديم وتحقيق وتعليق أبو القاسم سعد الله، دار الغرب الاسلامي، بيروت، الطبعة الثانية 2005). فقد نُسب الشابيون إلى هذيل، بطن من عرب مضر وفد على إفريقية أيام "الفتح" واختلط بهوارة من البرابرة. كما تم نسبهم إلى الفصائل الهلالية من أولاد المهلهل الذين تنازعوا رئاسة الكعوب السليميين مع أبناء عمومتهم أولاد أبي الليل. وتنخرط تجربة التصوّف الشابي في سياق الانتعاشة التي عاينها التصوّف الطرقي وساهم في تكريسها أولياء القواعد وأصحاب الزوايا الكبرى. لذلك يحسن عدم الذهول في تجربتهم الصوفية على ما سبق أن بذل من مجهود مثّلت الشابية تتويجا له. فقد تحوّلت مدن وسط وساحل إفريقية إلى مخبر حقيقي لنشر توجهات تلك الطريقة السلوكية وتوسيع أنشطة دعاتها الرامية إلى إدماج الفصائل البدوية الممانعة وإكسابها مستوى مقبولا من التجانس والاستقرار. والبّين أن سجلات الأخبار التي تمّ تأليفها بعد أفول تلك التجربة الطرقية لم توَفّ شيوخها حقهم، هذا إذا لم تتجاهلهم بالمرة. كما أن المؤلفات التي خاضت في شأن سيرهم تلك التي حَبّرَتْ معظمها أطراف منحدرة عن تلك العائلة (محمد المسعود الشابي عند أواخر القرن السادس عشر وعلي الشابي أثناء الربع الأخير من القرن الماضي)، لم توفّق في نقل صورة دقيقة عن أرباب تلك التجربة. ويعود الفضل في إعطاء إشارة الانطلاق لهذه التجربة إذن، إلى شخصية اتسمت بالصلاح لا نملك حول سيرتها سوى بعض المعطيات الشحيحة والسطحية. فقد اتفق الرواة على أن مسقط رأس أحمد بن مخلوف هو قرية الشابة الساحلية القريبة من مدينة المهدية، غير أن جميعهم قد ضرب صفحا على أصول عائلته. كما أنهم لم يتفقوا بخصوص الفترة التي عاش خلالها، فقد اقترح شارل منشكور الفترة الممتدة بين 1401 - 1482م، بينما خالفه علي الشابي الذي اقترح من جانبه الفترة الممتدة بين 1431 - 1492م. ومهما يكن من أمر، فقد شدّ انتباهنا ضمن مختلف الروايات المتصلة بترجمته تمكّن الصبي الناسل عن عائلة قروية متواضعة من تلقي جانب من التحصيل من خلال التوجه للاقامة لزمن طويل نسبيا بحاضرة البلاد تونس، وهو مؤشر إضافي يقطع بأهمية المجهود الميداني للمؤسسات الصوفية التي انتشرت بمختلف جهات الساحل ووسط إفريقية زمن الحفصيين. قضّى ابن مخلوف ما لا يقلّ عن ثماني سنوات (امتدت وفقا لما قدره "علي الشابي" دائما بين 1449 و1456) في استكمال التحصيل في مدلوله العلمي، متتلمذا لمحمد بن قاسم الرصاع (ت1488م) ، والذوقي من خلال التردّد على زاوية الولي المُوَلّه أحمد بن عروس الهواري (ت1463م). فقد أورد مؤلف "الفتح المنير" أن ابن مخلوف قد توجه إلى تونس "بنية التحصيل زمن الرصاع، فمكث فيها يدرس العلم وكان في زمن الشيخ...أحمد بن عروس". تلت هذه المرحلة فترة "خدمة" للمشايخ بالمدلول السلوكي، قضى مؤسس الشابية بمقتضاها، وبقرية قصور الساف القريبة من موطنه تحديدا، مدة خدم خلالها شيخه أبا القاسم ابن عبد الله محمد المحجوب (ت 1467م) سليل الولي علي المحجوب (ت1454م) ، هذا الذي اعترف له بعلو الكعب في مسار السلوك الصوفي وأشار عليه بالانتقال إلى القيروان بعد أن بلغ مبلغ المشايخ: "يا أحمد شيخ ما يخدم شيخ". حزم ابن مخلوف أمره وحلّ بمدينة القيروان، تلك التي وُسمت ب"الجزيرة التي أحاط بها البدو من كل جانب" ولم يكن له أي أمل في كسب موضع قدم داخل أسوارها اعتبارا لكثرة أعلام التصوّف المنسوبين لها، واستبداد الغريانيين (نسبة إلى الشيخ عبيد الغرياني ت1405م) المتمركزين بزاوية الجديدي (ت 1387م) بموقع الصدارة الصوفية داخلها. لذلك شددت المناقب على حالة التجرّد الباطني والكفاف الظاهري التي لازمت ابن مخلوف مدة طويلة بعد انتقاله إلى تلك المدينة، واتخاذه من مسجد الداروني بحي الشرفاء مقرا ومأوى. لازمت حالة العسر شيخ الشابيين مدة قاربت وفقا لتقديرات علي الشابي عشر سنوات (1465 - 1474م) ، قاسى خلالها صنوفا من الازدراء مُبديا جلدا كبيرا في الوقوف أمام ظروف مثبّطة لأصدق العزائم، أجبرته على إرجاء مرحلة التأهل والزواج وإنجاب الذرية حتى سنّ متأخرة. على أن توصّله، وفقا لرواية مؤلف "الفتح المنير"، إلى تكوين مجلس وعظ وفتوى أَمّهُ "الأعراب" والحجيج للسؤال في أمر دينهم، هو الذي أعاد صياغة تجربته بالكامل معوّلا في ذلك على آليات الاقتراب من أوساط البدو "وجمع الغرباء لمفاتحتهم في علوم التوحيد والأخلاق". ويذكّرنا هذا الأسلوب على ما ورد في "مجموع الفضائل" بأسلوب شيخ الطريقة الزروقية (أحمد زورق ت1494م) الوارد ضمن العديد من مصنفاته السلوكية. ولعل في تعويل شيخ الشابيين على توجيه المكاتيب وأخذ العهود والمواثيق وطواف البلاد والتوغل في أوطان البدو شرقا وغربا لنشر توجهاته الصوفية بالتعويل على مضاء دعاته على غرار "المناقعة" و"التباسيين"، أولئك الذين تكثّف استثمارهم فيما وسمه "ماكس فيبر <Maw Weber> في استعارة بليغة ب "اقتصاد الخلاص الجديد"، ما يؤشر عن تحوّل فارق في تجربته الطرقية. فقد أفاد محبّر مناقب التبّاسييّن أبو الحسن علي بن ميمون أن الشيخ أحمد التباسي (ت1524م) قد بذل وسعه في جمع "فتوح" الشابيين والذود عن طريقهم في التصوّف : "فقد دخل قرى إفريقية وبواديها... فنشر بها خبره وبثّ في كل نواحيها علمه وذكره"، لذلك اعتبر مؤلف مناقب التبّاسيّين أن هذا الداعية قد "أمعن في صحب (ت) هـ (ويقصد ابن مخلوف طبعا) فوق الجهد وصنع معه فوق ما كان يصنعه الخليل لخليله وأنهى ما كان يفعله لحبيبه". نفس تلك الشهادة يسوقها مؤلف كتاب "الفتح المنير" بخصوص أحمد بن نصر المنقعي الذي سهّل على الشابيّة الانتشار بين فصائل الحنانشة وطرود وغيرها من جموع بدو الجهات الغربية لافريقية. فقد "كان [أحمد ابن مخلوف الشابيّ فقيرا لا مال عنده فلما أراد الله...إظهاره أتاه الفقير أحمد بن نصر المنقعي وأخذ عنه، فأمدّه فصار يدعو الناس ويدلهّم على الشيخ... ويدعو الخلق إلى الدخول في طريقته". وهكذا يتبين لنا أن الدور الذي لعبه الدعاة من أمثال "المنقعي" و"التبّاسي"، هو الذي حدّد في الأخير توصّل ابن مخلوف إلى اقتلاع صيت صوفي جاوز أفق مدينة القيروان واضعا حدّا لما لازمه من ضيق مادي لسنوات طويلة بعد انتقاله إلى تلك الحاضرة العريقة. ولئن استعصى على شيخ الشابيين تركيز زاوية على غرار ما استأثر به الغريانيون، فإن المعطيات الموثوقة بخصوص تاريخ وفاته أو بخصوص موضع دفنه قد بقيت لغزا محيّرا بعد أن فنّدت أبحاث "شارل منشكور" الميدانية ما شاع لدى عامة سكان مدينة القيروان من دعاوى بخصوص مصاقبة مثوى ابن مخلوف لقبر مؤلّف "الرسالة" وشيخ المالكية محمد بن أبي زيد القيرواني.