أحمد بن عروس الهواري

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث
مقام سيدي أحمد بن عروس بمدينة تونس العتيقة

خص عمر الراشدي الجزائري الوافد على إفريقية الحفصيّة في حدود سنة1453م شيخه أحمد بن عروس الهواري (ت1465م) بعرض سيري مناقبي يحمل عنوان "ابتسام الغروس ووشي الطروس في مناقب الشيخ أحمد بن عروس"، وهو عبارة عن عرض شامل نقل ضمنه روايات كبار أصحابه وجلّة المنسوبين لطريقه على غرار إمام زاويته محمد شوشو وبوابها الحاج أبي الحسن النفاتي وغيرهما من أصحاب الشيخ وأقاربه. قسم الراشدي أثره إلى ثلاثة أبواب ترجم في أوّلها للشيخ متعرضا لبدايته وجميع الأحوال الدالة على صلاحه. واعتنى في الباب الثاني بما ميز طريقته الصوفية من تعمد للجذب وممارسات نزقة ألح المؤلف على ضرورة التصديق بها وردها إلى قواعد التسنن والاعراض عن التقوّل على الشيخ أو التشنيع بتصرفاته. وعول المؤلف في إتمام تلك المهمة على عدد من المواعظ والحكايات المأثورة عن مالك بن أنس والشافعي وأحمد بن حنبل وإبراهيم بن الأدهم وأبي القاسم الجنيد والقشيري وأبي العباس السبتي والششتري والشاذلي وغيرهم، نقلها بالأساس عن مؤلفات عبد الله بن سعد اليافعي (ت 768 هـ/1369م) الذي خلف عدة آثار في الغرض اعتمد الراشدي من بينها خاصة على كتابي "نشر المحاسن الغالية في فضل المشايخ أولي المقامات العالية" و"روض الرياحين في حكايات الصالحين" وهو أثر جمع ضمنه عفيف الدين اليافعي أكثر من 500 حكاية مأثورة عن كبار شيوخ ومتصوفة الاسلام السني وعلى رأسهم ذو النون المصري. أما الباب الثالث والأخير من هذا الأثر فقد خصّصه الراشدي لاستعراض مائتي حكاية تتصل بكرامات الولي، وهي كرامات شدّدت كما هو معلوم على المساعفة وتأمين السابلة من غوائل الطريق (السلب والغرق والأسر) ، فضلا عن تنبؤاته أو فراسته الصادقة ومرائيه وقصاصه من المنكرين لولايته والمتحرشين أو المؤذين لمريديه.

وتمكّن تلك الحكايات على إغراقها في التهويم من تكوين فكرة مفيدة عن الواقع السياسي والاجتماعي الذي عاينته تلك المرحلة الحساسة من عمر المخزن الحفصي، راسمة بعفوية وصدق معالمها الكبرى ومختلف الفاعلين الذين أسهمت جملة مبادراتهم في تحديد تلك المعالم أو الخصوصيات. ولئن وجد الراشدي كبير عناء في تبرير شطحات شيخه المنسوبة إلى التصوف الملامتي، فقد أورد حال تركيبه لمسيرته معطيات حول مرحلة شبيبته وانتقاله إلى تونس لخدمة زوايا كبار أوليائها ثم خروجه للسياحة وتنقلاته بين مدن باجة وبنزرت وعنّابة وقسنطينة وعباد تلمسان وسبتة ومراكش وفاس، قبل العودة مجددا إلى تونس والدخول في تجربة الانجذاب والوله أو الخروج عن الحسّ "بتخريب العادات"، وهي تجربة حاول المؤلف تقديمها لقرائه من بوابة الحيرة التي انتابت معاصريه بخصوص تأويل أعراض القطيعة التي طرأت على سيرته أو ذلك الانكسار الذي اعترى مساره.

جنّد الراشدي لانجاز ذلك حُججا ومقولات نقلها عن مؤلفات السهروردي واليافعي، دافعا بقرائه إلى الاعتبار بعلو كعب شيخه ورد شطحاته إلى خط التصوّف الشاذلي. ومما أورده بهذا الصدد ناسبا إياه إلى شيخ الطريقة العروسية: "جلت في السرّ الأعظم فوجدت عقيدتي ثابتة في الرسول الأكرم... جعلت نظري متصلا في نبي المحبة، كفى معرفته في قلوبنا متجلّ على الحق... والشرع وإتّباعه هو طريقنا المعتقد...منّ الله عليّنا بنبيّنا فجعلناه واسطة السلوك لربنا". ويبدو جليا من خلال مدلول هذه الشطحات المنسوبة إلى ابن عروس مدى تقارب المعاني مع مبادئ التصوف الشاذلي خاصة فيما يتصل بالتركيز على إشاعة نوع التمسك الكبير بشخص النبي كما تأولته الذائقة الشعبية. غير أنه من الصعب مجاراة وجهة نظر المؤلف بعد أن أفرد فصلا بحاله بغرض "التماس" الحجج التي "تسدد الأمر" في مدلول تلك التوجهات السلوكية القلقة لشيخه، ونقض ما شاع حول إتيانه مكروه الأفعال ونابي الأقوال وربط حقيقتها بما ارتضته الشريعة ودعت إليه السّنة. ومن بين تلك التحفظات المرصودة في حق الوليّ أحمد بن عروس نشير إلى إسقاط التكاليف الشرعية وممازحة النساء والتلفظ بفاحش الألفاظ ونابيها. وجميعها تصرفات أحالها الراشدي بالاستناد على "لطائف الممن" لابن عطاء الله السكندري (ت1308م) على خط التصوف الملامي، وهو خطّ بظهر أصحابه "المساوئ ويخفون المحاسن ولا يبالي أحد [منهمّ بكونه بين الخلق زنديق إذا كان عند الله صديق".

وبصرف النظر عن مسألة مدى توفق الراشدي في إقناعنا بوجاهة ما حشده من تبريرات من عدمه، فإن الدافع إلى استحضار عينات منها يتمثل في اعتمادها كشهادة مباشرة عن كيفية تعبير أدب المناقب عن واقع الأزمة كانكسار في مسار شخصي، وكذا على واقعها الموضوعي كمرحلة تاريخية عاينت حالة تعسّر ترتب عليها اختلال واضح للتوازنات. مما يجعلنا في حلّ عن مسايرة مختلف التلفيقات المعتمدة من قبل واضعي تلك السير الوعظية قصد تأمين عدم خروجها عن دائرة الوفاق المسجل بين الاسلامي الرسمي والاسلام الشعبي، ذلك الوفاق الذي برعت منظومة التصوّف الشاذلي ضمنه في لعب دور صمّام الأمان الذي حاول التسوية بين جميع التجارب الصوفية ودفع أصحابها إلى اتخاذ شروط التسنّن المالكي معيارا لجميع التصرفات التي أتوها. غير أن مثل تلك الخطة لم تمنع من تسرّب ما يكفي من الوقائع الدالة على اتساع المسافة الفاصلة بين تلك التوجهات التوفيقية غير الخافية، وما عاينته سير أبطالها من شروخ واهتزازات رشحت بالرغم عن جميع دواعي التكتّم من داخل خطابهم، معبرة عن صعوبة تواؤم سلوكهم مع الواقع التاريخي المأزوم ذاك الذي كيّفت صعوباته القاهرة وتحولاته المفاجئة شطحاتهم الملغزة وردود أفعالهم المربكة المفتوحة، وعلى غرار الواقع التاريخي لحظة تشكّله على جميع الاحتمالات.

ببليوغرافيا

  • الراشدي عمر بن علي الجزائري،ابتسام الغروس ووشي الطروس في مناقب سيدي ابن عروس،ط1،مطبعة الدولة التونسية،1888.