«أحمد بن الخوجة»: الفرق بين المراجعتين

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث
سطر 1: سطر 1:
  
 
[1830م-1895م]
 
[1830م-1895م]
 +
[[ملف:شجرة نسب [[ابن الخوجة - أسرة|أسرة ابن الخوجة]] ابن مراد.jpg|تصغير|بدون|شجرة نسب [[ابن الخوجة - أسرة|أسرة ابن الخوجة]]  ابن مراد]]
  
 
أحمد الثّاني (المعروف بإحْمَيْدَة) بن محمّد بن أحمد الأوّل ولد بتونس عام 1830.
 
أحمد الثّاني (المعروف بإحْمَيْدَة) بن محمّد بن أحمد الأوّل ولد بتونس عام 1830.

مراجعة 11:14، 21 نوفمبر 2016

[1830م-1895م] [[ملف:شجرة نسب أسرة ابن الخوجة ابن مراد.jpg|تصغير|بدون|شجرة نسب أسرة ابن الخوجة ابن مراد]]

أحمد الثّاني (المعروف بإحْمَيْدَة) بن محمّد بن أحمد الأوّل ولد بتونس عام 1830.

يرجع أصله إلى قاض في الجيش العثماني، فأسرته جاءت من تركيا إلى تونس بعد أسرة بيرم بقليل. ويعدّ أحمد الثّاني أبرز من أنجبته الأسرة الخوجيّة من الزّعماء الدّينيّين; كان أبوه قاضيا ومفتيا وشيخ إسلام وأمّه فاطمة بنت السيّد الكاهية [ملاّك عقاري ومزارع]; تزوّج من ثلاث نساء هنّ: ابنة خالته بنت محمّد الكاهية [تاجر عطور]، وفاطمة بنت محمّد الأصرم [وزير قلم]، وجارية حبشيّة. أنجب ستّة أبناء وبنتا واحدة هم: محمّد الأكبر، وحسين، ومصطفى، ومحمّد الأصغر، وعلي، وعبد الرّحمن.

بعد التخرّج في جامع الزّيتونة، أصبح مدرّسا حنفيّا من الطبقة الثانية في عام 1851، وتقدّم إلى مرتبة الطبقة الأولى في العام الموالي. وفي الوقت نفسه تقريبا، أصبح شيخا للمدرسة الشماعيّة وإماما بجامع يوسف صاحب الطابع. ودأب على التّدريس مدّة خمس وأربعين سنة، تناول فيها أهمّ الكتب المتداولة في التّدريس بالزّيتونة.

وفي عام 1862، نقل في خطة إمام إلى جامع محمّد باي المرادي خلفا لوالده عند وفاته.

وعيّن قاضيا حنفيّا في 1860، ثمّ صار مفتيا حنفيّا سنة 1864: وفي فتاويه أجاز الخلطة بين المسلمين والنّصارى كما سوّغ لمدحت باشا إدخال نوّاب غير مسلمين في مجلس المبعوثان (البرلمان العثماني). وإثر وفاة الشيخ محمد معاوية عُيّن سنة 1875، في منصب شيخ الاسلام بدعم من خير الدّين، الوزير الأوّل الذي طلب منه تأليف كتاب في تبرير التّنظيمات من وجهة نظر الفقه الاسلامي. وألّف أحمد بلخوجة في ذلك رسالتين: "الصّبح المبين عن معروضات خير الدّين" وهو دفاع عن الاصلاح والتّحديث وتبرير للتّنظيمات، و"كشف اللثام عن محاسن الاسلام" حاول أن يقيم فيه الدليل على أنّ الاسلام قابل للتطوّر ومسايرة المدنيّة الحديثة.

ومع الأسف، يبدو أنّ هذين المخطوطين مفقودان إلاّ أنّه يمكن الاطلاع على مضمونهما في سيرة أحمد بلخوجة الذي توفّي عام 1895.

وعلى الرّغم من توجّه هذا الفقيه التحديثي والاصلاحي (إذ تناول مرّة في خطبته فوائد التلغراف) وفتاويه المتسامحة، فقد كان من جيل العلماء الذين دافعوا بكلّ غيرة عن صفتهم باعتبارهم ناطقين باسم الاسلام، ويعدّون كلّ من تجرّأ على الكلام في الشّريعة من غير مجموعتهم متطفلا وجاهلا. صحيح أنّ العلماء كانوا في زمانهم يحتلّون مكانة وسطى بين الحكام والرعيّة ولهم علاقة فريدة مع كلا الطرفين، وكان دورهم بآعتبارهم مصلحين روحيّين للأمّة يخوّل لهم، في نظرهم طبعا، أن يفرضوا رقابة على الأفكار والأخلاق. وقد طالب شيخ الاسلام أحمد بلخوجة، سنة 1869، بأن ترفع كلّ الكتابات عن الاسلام إلى المجلس الشّرعي للنّظر فيها والموافقة أو عدم الموافقة عليها قبل نشرها.

ولا ننسى فتوى أحمد بلخوجة (أو إحْمَيْدَة) الذي أصدر "فتوى الشوكلاطة" يحلّل فيها أكل الشوكلاطة المستوردة. لكن الشّيخ عبد العزيز الثعالبي تجرأ على انتقاد هذه الفتوى كاتبا في جريدته "سبيل الرّشاد"، عام 1895: "بفتواه يكون شيخ الاسلام [إحْمَيْدَة بلخوجة] قد ساعد على ترويج المنتوجات الأجنبيّة". وهذا أدّى إلى إيقاف الجريدة، بطلب من شيخ الاسلام الذي ذهب بعيدا، إذ طلب حقّ مراقبة المقالات الصحفيّة التي لها مساس بالدّين.

وقد أثارت "فتوى الشوكلاطة" ضجة كبرى في الشوارع وفي صحافة العصر.

وقد عيّن أحمد بلخوجة في لجنة متركبة من تسعة أعضاء ترأسّها خير الدّين كانت مهمّتها تنظيم مشروع المدرسة الصادقية، وكانت تضمّ كلاّ من محمّد العزيز بوعتّور (باش كاتب) والعربي زروق (رئيس بلديّة تونس) مع ستّة علماء منهم أحمد بلخوجة. والحقّ أنّ المدرسة الصّادقيّة احتلّت، في إصلاحات خير الدّين، ما احتلّته المدرسة الحربيّة بباردو في إصلاحات أحمد باي (1837 1855). وقد وضعت اللجنة برامج التّعليم على منهج يجمع بين الرّوح العصريّة والتّعليم التّقليدي، وضمّ سلك الأساتذة مدرّسين أوروبيين وعددا من المدرّسين الزّيتونيّين. فمن العلماء الذين باشروا التّدريس في عهد خير الدّين، أحمد بلخوجة.

وكان إصلاح المناهج التربويّة وكذلك مواد التّدريس بجامع الزّيتونة من المسائل الشّائكة الدّقيقة. وقد أوكل هذا الأمر إلى اللجنة نفسها الّتي سهرت على بعث الصّادقيّة فانتهت أعمالها إلى القرار المؤرّخ في 28 ذي القعدة 1292ه / 26 ديسمبر 1875م، الهادف إلى وضع حدّ للتجاوزات مثل محاربة الغيابات المتكرّرة للمدرّسين والنّهوض بمستوى التّعليم فألزم كلّ عضو من مجلس النّظارة العلميّة (التي أنشئت بمقتضى قانون 1842) بأداء مهمّته في تفقّد سير الدّروس أسبوعيّا وتسجيل أسماء المتغيّبين من الشيوخ باستثناء الزّيتونيين بالمدرسة الصّادقيّة الذين لم يقع تتبّعهم. وأنيطت النّظارة المذكورة بمسؤوليّة جديدة وهي رفع تقارير دوريّة عن أوضاع التّعليم بالجامع الأعظم إلى الوزير الأكبر.

وتناولت الاصلاحات أخيرا ميدان القضاء، وهو ميدان حسّاس كان تقليديّا من اختصاص العلماء، شأنه في ذلك شأن التّعليم والأوقاف.

وقد كان خير الدّين على بيّنة من أهميّة الموضوع، فحرص على مشاركة قضاة المجلس الشّرعي في تكوين اللّجنة المشرفة على الاصلاح وكان أحمد بلخوجة من أعضائها وخلصت أعمالها إلى ما تضمّنه المرسوم المؤرّخ في 25 ماي 1876 ذلك الذي جمع بالأساس القوانين الجارية في قانون موحّد للقضاء الشّرعي. وقد تضمّن هذا المرسوم بين مقتضياته سحب أجور القضاة في حالات الغياب غير المبرّر كما تضمّن إجراءً جديدا بارزا وهو جعل المجلس الشّرعي محكمة استثنائيّة تنظر في الأحكام الّتي تصدرها المجالس الشّرعيّة بالمدن الدّاخليّة أو يصدرها قضاة القرى.

وكان الشيخ الاسلام أحمد بن الخوجة من العلماء الذين لم ينادوا بمقاومة الاحتلال الفرنسي (1881): ففي مقابلة مع الكسندر برودلي A.Boadly قال شيخ الاسلام: "إنّه منذ أن بدأت الاضطرابات لم ينفك هو وأبناؤه وأشقاؤه يعظون النّاس على الملا وفي المجالس الخاصة بالصّبر والتجلّد وعدم المقاومة وطاعة الباي في جوامع العاصمة. وقد كتبوا رسائل في ذلك إلى أتباعهم من علماء القيروان والايالة عامة"، إلاّ أنّه يجدر أيضا ذكر مواقف الزّيتونيّين (علماء وغير علماء) الذين بعثوا برسائل إلى القاهرة وإلى مراكز إسلامية أخرى لتعبئة الرّأي العام الاسلامي ضدّ الاحتلال الفرنسي. وتناقلت الروايات الشفويّة خبر اجتماع عدد من العلماء احتجاجا على الاحتلال، طُردوا من قصر الباي والمرسى، كما تضمّن مخطوط موقف علماء مدينة تونس الموالين للباي والمناهضين للوزير الأكبر مصطفى بن إسماعيل الذي حمّلوه مسؤولية فسح المجال أمام الاحتلال الأجنبي، إلاّ أنّه من الواضح أنّ سخط علماء تونس واستياءهم من الغزو الفرنسي لم يفض، عكس ما حدث في مدن الجنوب، إلى تبنّي الكفاح المسلّح.

وكان أحمد بلخوجة قد حارب مشروع ماشويل Machuel الذي حاول فرض سلطته على الشؤون التّعليميّة والاداريّة بجامع الزّيتونة ففشل فشلا ذريعا. ولا غرابة في أن يقاوم علماء الزّيتونة، وعلى رأسهم أحمد بلخوجة جهود ماشويل، فلم تستسلم الزّيتونة، في النّهاية، للانضواء تحت إدارة التّعليم العمومي، بل ألحقت رأسا بالوزارة الأولى، كما أنّ السلطة الفعليّة بقيت بيد النّظارة مادامت هي تعيّن الامتحانات.