أحمد الجلولي

من الموسوعة التونسية
نسخة 08:01، 10 جانفي 2017 للمستخدم Bhikma (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[1930 - 2011م]

أحمد الجلولي

هو أحمد بن الحبيب بن علي بن فرحات بن محمود بن بكار الجلولي ولد بمدينة نابل في 31 أوت سنة 1930 وتوفي بتونس في 26 مارس سنة 2011 ودفن في تربة آل الجلّولي بمقبرة الزلاج. ينتمي إلى أسرة تونسية عريقة أصلها من مدينة صفاقس اشتهرت بتولي أفرادها المهام السياسية في عهد الدّولة الحسينية (1705 - 1957م) كقيادة الجهات والمناصب الوزارية وقد استقر القائد محمود، جدّ أحمد الجلولي، بمدينة تونس بحكم علاقاته المتينة بالباي حمودة باشا (1782 - 1814م) الذي اعتمد عليه في تسيير شؤون البلاد. تلقّى أحمد الجلّولي تعليما عصريا في مدرسة قرطاج الابتدائية ثم في معهد كارنو الشهير الصيت وبالاضافة إلى تكوينه المدرسي حظي أحمد الجلولي، منذ نشأته،ومن لدن خاله شيخ الاسلام العلاّمة محمد الطاهر ابن عاشور. وقد كان أحمد منذ صغره حريصًا على حضور الجلسات التي تجمع والده بخاله ومصاحبتهما في جولاتهما والاغتراف من علمهما الغزير والاقتداء بهما، فكان فخورًا بعرض مواهبه في الأدب والعلوم الشرعية أمام خاله شيخ الإسلام وكان يلاقي استحسانه وتشجيعه على مواصلة النهل من أمّهات الكتب وحفظ نفائس القصائد علاوة على القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وقد أجازه الشيخ الإمام لرواية الحديث بسنده.

فسرعان ما تحصل أحمد الجلّولي على ثقافة عربية وإسلامية واسعة واستطاع بذكائه وعلوّ همته أن يجمع بين التكوين العصري المعتمد وقتئذ على الثقافة الفرنسية والرسوخ في الثقافة العربية الإسلامية وآدابها، كما شملت رعاية والده مجال الفروسية فدرّب ابنه أحمد على هذا الفن تراثا ورياضة واعتنى بتعليمه خصوصيات الثقافة التونسية.

وقد كان أحمد الجلّولي يحرص على النسج على منوال والده وأجداده فاتجه بعد تخرجه في معهد كارنو نحو خدمة الدولة والتقلب في خطط الإدارة الجهوية: فعيّن سنة 1954 خليفة (أي نائب العامل) بمركز عمل ولاية باجة ثم بمدينة مجاز الباب، وفي سنة 1956 تم إقصاؤه من الوظيفة العمومية لأسباب متصلة بالوضع السياسي السائد وقتئذ وعلى وجه الخصوص على مستوى ديوان وزير الداخلية، فاضطر إلى الانخراط في مهن القطاع الاقتصادي الخاص وهو مجال غريب عنه وعن تربيته وجذوره فلم يهتم به إلا بما هو ضروري لتوفير مورد العيش. واتجهت همته نحو التاريخ فامتاز وتفوق بتفرد في هذا الميدان وكان له قصب السبق في تاريخ الدولة الحسينية حتى إنّك لا تكاد تجد تأليفا واحدًا أو مقالا أو بحثا حول هذه الحقبة من التاريخ إلا واستشهد المؤلّف بالوثائق والصور وغيرها التي اكتشفها عنده واعتمد على الأحاديث التي أُجريت معه. وقد نوّه الكثير من المؤلفين في كتبهم وبحوثهم بما وجدوا لديه من إعانة ومعلومات ومراجع ومن حسن قبول.

كما اعتنى أحمد الجلّولي بمكتبته اعتناء شديدًا فتجمعت لديه كتب في شتى الفنون والعلوم من ذلك كتب علوم القرآن والحديث والفقه والآداب والشعر والفروسية، مخطوطة ومطبوعة ومنها طبعات نادرة بالعربية والفرنسية وغير ذلك. وهو الذي أبرز الوثائق المهمة التي كانت محفوظة في بيت آل الجلّولي منذ عهد جده محمود فأفاد بما في محتواها من إرشادات ثمينة حول تاريخ الأسرة وتراثها وتاريخ البلاد التونسية وغيرها من دول البحر الأبيض سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، وسرعان ما صارت داره مقصدًا لكلّ من يهتمّ بتونس وبتراثها وقبلة الباحثين والجامعيين من تونس مثل الأساتذة محمد الهادي الشريف ومحمد العزيز ابن عاشور والمختار باي وحمادي الساحلي، ومن الخارج أمثال جاك ريفو ولوسات فالنزي وجان قنياج واندري ديمرسمان وارنلد قرين وليون كارل بروان وغيرهم.

لقد كان أحمد الجلّولي مرجعًا تاريخيا قلّ نظيره يعتمد على موهبة فطرية حباه الله بها منذ صباه وعلى ذاكرة خارقة للعادة لاستحضار الوقائع التاريخية باليوم والساعة والمكان وفي أدنى جزئياتها والمراجع المختلفة بدقة مذهلة. وقد استفادت المؤسسات الحكومية التونسية المهتمة بالتاريخ والتراث والتقاليد استفادة كبيرة من معارف أحمد الجلّولي فكان مستشارا لدى وزارة الثقافة ومؤسساتها كالمكتبة الوطنية والمعهد الوطني للتراث والمتاحف وكذلك لدى ديوان الصناعة التقليدية وبصفة عامة لم يتردّد في إفادة مختلف المشاريع ذات البعد التاريخي والمتحفي برحابة صدره وبشاشة محياه ودقة معارفه ومراجعه. كما استفاد من معارف أحمد الجلّولي عدد كبير من الشخصيات التونسية والعربية والإسلامية والأجنبية السياسية والثقافية. فكان كل زائر بيته من ضيوف تونس يدرك العمق الحضاري للبلاد من خلال مجالسته والاستماع إلى إرشاداته وحديثه المفيد ويطلع في الوقت نفسه على النفاس والعيّنات النادرة ونفائس المخطوطات والوثائق المكتوبة والمصورة والتحف وخاصّة منها السروج العربية ويكتشف بيتا تونسيا عتيقا بطابعه التقليدي الحيّ.