أبو يزيد مخلد بن كيداد

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث

[270 - 336هـ/883 - 947م]

نسبه

أبو يزيد مخلد بن كيداد بن سعد الله بن مغيث بن كرمان... بن يفرن بن شانا (وشانا هو زناتة) اليفرنيّ الزناتيّ، النكاري، (صاحب الحمار) الثائر على الفاطميّين بإفريقية.

ولد بكوكو من بلاد السودان سنة 270هـ/883م تخمينا إذ كان عمره لمّا بدأ ثورته سنة 943 - 944م ستّين سنة (ابن حمّاد، 19), من أب زناتيّ كان يختلف إلى السودان للتجارة وأمّ سوداء من تادمك تدعى سبيكة (وقال ابن الأثير: من جارية صفراء هوّاريّة).

تكوّنه على مذهب النكّار

رجع به أبوه إلى قيطون زناتة (أي مجتمع خيامهم ورحالهم) من بلاد الجريد بتقيوس قرب توزر، فحفظ مخلد القرآن وتأدّب وخالط الإباضيّة النكّاريّة فمال إلى مذهبهم، وكانوا مثل الأزارقة والصفريّة المتشدّدين يبيحون الاستعراض، أي قتل مخالفيهم في المذهب وسبي نسائهم وأولادهم وغصب أموالهم. وكان رأس النكّاريّة أبا عمّار الأعمى واسمه عبد الله أو عبد الحميد الحميدي الحجري، تتلمذ له أبو يزيد في المذهب وتسلّم مشيخة العزّابة، وهو مجلس الجماعة عند البربر وبخاصة عند الإباضيّة (انظر أطروحة فرحات الجعبيريّ) عملا بمبدإ الشورى ونظريّة الأفضل، التي لم يقرّهم عليها عبد الوهّاب بن عبد الرحمان ابن رستم صاحب تاهرت فنبذوا ولاءه ورفضوا إمامته فسمّوا النكّار.

ولازم أبو عمّار أبا يزيد من مبدإ حركته إلى أن قتلا معًا في محاصرة إسماعيل المنصور العبيديّ لقلعة كيانة بجبال المعاصيد شماليّ المسيلة في المحرم سنة 336هـ/جويلية 947م. ورحل مخلد إلى مشيخة النكّاريّة بتاهرت أيّام اعتقال عبيد الله الفاطميّ بسجلماسة، أي قبل أن يخلّصه أبو عبد الله الشيعيّ في ذي الحجّة سنة 296هـ/سبتمبر 909م، وأخذ عن بعض مشايخهم، وانتصب يعلّم القرآن للصبيان، وهكذا فعل حين رجع إلى تقيوس وأخذ في بثّ دعوة النكّار والطعن على الحكام العبيديّين فاستفحل أمره وكثر أنصاره فسجنه والي توزر فخلّصه أبو عمّار بالسطو على السجن، ولجأ به إلى جبل أوراس عند بني برزال وكانوا نكّاريّة أيضا. واستعان في تخليصه بابني أبي يزيد: فضل ويزيد. وذكروا له أبناء آخرين: أحمد ويونس وأيّوب وامرأته تاخيريت كانت نكّاريّة مثله، وقد سانده أبناؤه في ثورته، خصوصا فضل وأيّوب، ووفد اثنان منهم على الناصر الأمويّ بقرطبة في طلب المدد لأبيهما. وقصد الحجّ سنة 310هـ/921م فأرهقه الطلب لضيق ذات اليد فقفل راجعا من طرابلس إلى تقيوس.

ثورة صاحب الحمار

اندلعت سنة 333هـ/944م وعمّت كامل ربوع إفريقية فاحتلّ أبو يزيد بجموع الثوّار، مرماجنّة والأربس وباجة وتونس وجزيرة شريك والقيروان وحاصر المهدية طيلة أربعة أشهر، من ذي القعدة سنة 333هـ إلى صفر 334هـ/جويلية - أكتوبر 945م وأجهد أهلها حتى أكلوا الجيف، ولم يقدر عليها رغم هجماته المتلاحقة، فتحوّل إلى حصار سوسة، فخلّصها منه المنصور بمجرّد تولّيه الحكم بعد وفاة القائم، وبدأ التراجع لأبي يزيد وملاحقة المنصور له إلى أن ظفر به في المحرّم سنة 336هـ/جويلية 947م، فتشفّى منه بأن سَلَخَهُ وحشا إهابه تبنا وحصره في قفص أعدّه للغرض صحبة قردين يصفعانه وينتفان لحيته وطاف به مدن إفريقيّة مشهّرا مفتخرا فعل أباطرة روما بأسراهم المصفّدين في مواكب الظفر عند قفولهم المظفّر. وبعد موته واصل ابنه فضل الثورة في جنوب البلاد فقتل حول قفصة في ذي القعدة 336هـ/جوان 948م. والتجأ أبناؤه الآخرون إلى البلاط الأمويّ بقرطبة.

صفته

وكان أعرج وعلى لسانه شامة، وزاد بعضهم العور، وكان في أوّل أمره يلبس خشن الثياب ويغطّي رأسه بقلنسوة كدرة ويركب حمارا أشهب أهدي إليه بمرماجنّة في بداية زحفه على إفريقية، ويتلقّب بشيخ المسلمين ثمّ، لمّا ظفر بمدنها تباعا وأوشك على أخذ المهديّة آخر معاقل الفاطميّ، ترك التقشّف ولبس الحرير وركب الخيل الفرهة وأكثر من التسرّي، فلامه أبو عمّار فرجع إلى سيرته الأولى خصوصا بعد أن توالت عليه الهزائم على يد المنصور الفاطميّ. وكان يقول إنّه قام محتسبا للّه تعالى ناقما على القبالات (أي الجبايات) التي فرضها الفاطميّون على الرعايا، طالبا صلاح المسلمين، ساعيا إلى تخليصهم من الجور: هذه الغاية هي فحوى محاورته المزعومة مع المنصور بعدما ظفر به (عيون الأخبار ص 447).

موقف المؤرّخين من ثورته

لم يجد أبو يزيد مدافعا عنه من المؤرّخين القدماء، بل ألحّوا كلّهم على سفكه للدماء وارتكابه للمحرّمات وعبثه بالدين ونقضه للعهود. وهذا العداء، إن لم يستغرب من المؤلّفين الفاطميّين أو السنّيّين - على أنّ فقهاء القيروان ساندوه وحملوا السلاح معه واستشهد خمسة وثمانون من صلحائهم في وقعة وادي المالح سنة الأثلاث (رياض النفوس 2 / 292)، فإنّه مستغرب من الكتّاب الإباضيّين، إلاّ إذا برّرنا تحفّظهم إزاءه باختلاف إباضيّتهم: فهم وهبيّون أوفياء للرستميّين، أما أبو يزيد فنكّاريّ منشقّ. وإنّما وجد أنصارا عند المعاصرين، فقد رأت طائفة منهم في هذه الفتنة الكبرى التي زعزعت أركان الدولة الفاطميّة منذ انتصابها تجسيما للصراع بين عصبيّتين عظيمتين في قبائل البربر: كتامة "المناصرين" للدولة الشيعيّة المستولين على المناصب العالية الرافلين في النعم، وزناتة الإباضيّة التائقين إلى نصيبهم من الدنيا. هذا هو رأي فرحات الدشراوي في أطروحته: "الخلافة الفاطميّة بالمغرب" (نقلها من الفرنسية إلى العربية حمّادي السّاحلي، دار الغرب الاسلامي، بيروت 1994)، ورأى فيها آخرون انتفاضة تحرّريّة من البربر سكّان البلاد الأصليّين ضدّ الدخلاء الشيعيّين على غرار حروب الاستقلال المعاصرة (هذا موقف لوترنو Le Tourneau في كتابه « La révolte d'Abu Yazid au Xe siècle» وجورج مارسي G. Marçais في كتابه « La Berbérie musulmane et l'Orient au Moyen âge" Paris ,1946 وفي كثير من فصوله).