أبو القاسم بن ناجي

من الموسوعة التونسية
نسخة 09:03، 3 سبتمبر 2019 للمستخدم Bhikma (نقاش | مساهمات) (أنشأ الصفحة ب''''ابن ناجي (760 - 839 هـ‍) (1) (1359 - 1435 م)''' أبو القاسم (2) بن عيسى بن ناجي التنوخي القيرواني أبو الفضل،...')

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث

ابن ناجي (760 - 839 هـ‍) (1) (1359 - 1435 م)

أبو القاسم (2) بن عيسى بن ناجي التنوخي القيرواني أبو الفضل، الفقيه، حافظ المذهب من أسرة فقيرة، كان والده معلم بناء (3) وتوفي وتركه صغيرا في كفالة عمه.

ولد بالقيروان سنة 760 كما يؤخذ ذلك مما ذكره أنه عند دخول السلطان الحفصي أبي العباس أحمد القيروان كان سنّه واحدا وعشرين عاما وقد كان ذلك سنة 781 كما حقّقه الزركشي (أعلام الفكر الإسلامي في المغرب العربي) ص 103 وقد نشأ بالقيروان وبها تعلم.

قرأ القرآن على الشيخ الفقيه أبي محمد عبد السلام الصفاقسي وعلى عمه خليفة بن ناجي وكان رجلا صالحا.

لما وصل سورة طه أمره عمّه خليفة أن يعرض عليه ما يقرأ فأبى وقال حتى أصل إلى سورة البقرة كغيري، فأعطاه درهما وقال له إذا حفظت هذه السورة أعطيك درهما آخر وبقي إذا فرغ من سورة أعطاه درهما آخر حتى حفظ سورا ترك عنه ذلك فحفظ من ذلك إلى سورة البقرة ولما كثرت أحزابه كان يعرض على عمه خمسة أحزاب بعد الغداء أو خمسة أحزاب بعد العشاء إلى أذان العشاء الآخرة في الظلام، فضربه ليلة من الليالي بكفّه على أحد خدّيه لأنه توقف في كلمة بعد كلمة ولم يضربه إلا هذه المرة وبقي يقرأ وهو يبكي فوقفت والدته على الباب من خارج وبكت لبكائه، فلما سمع بكاءها أسكته وقال: يا عائشة أنت التي عملت له هذا أخرجته معك إلى الزرع فبقي عن أسواره ضائعا أزيد من شهر وطلبت منك ألاّ تفعلي ذلك فأبيت وقلت لا أقدر على فراقه ولولا هذا ما يخصّه شيء، فقالت يا سيدي: وبكائي عليه لوجه آخر وهو كونه طفلا صغيرا يقرأ في الظلام كل ليلة ولم تتركني أشعل المصباح فيما مضى فأمرها بإشعاله فيما يأتي (4).

وبعد حفظ القرآن قرأ العلم على شيوخ القيروان منهم القاضي محمد بن قليل الهمّ، ومحمد بن فندار، وأحمد بن سلامة الموساوي الوسلاتي الفقيه بداره، وعلي بن حسن الزياتي المعروف بابن قيراط، ومحمد الرماح، وقرأ الرسالة على قاضي القيروان الشيخ محمد بن أبي بكر الفاسي، وكان يخرج من عنده ليقرأها على الشيخ عبد الله الشبيبي، وكان هذا يطول بالوعظ وقراءة الرقائق، وكان المترجم يحفظ كل يوم شيئا من مختصر ابن الحاجب، وحدّثه عمّه خليفة أن شيخه القاضي الفاسي قال له إن بقي ابن أخيك يقرأ يكون منه مالك الصغير (5).

لما توفي شيخه محمد بن أبي بكر الفاسي قاضي القيروان، وتولى عوضه قاضيا محمد بن قليل الهمّ بادر عند وصوله إلى القيروان أن عمل الميعاد فيها بكرة، فحضر معظم أصحاب ابن ناجي ثم ينصرفون إذا فرغوا إلى مواعيدهم، وحضر المترجم. وفي أول حضوره لم يجد موضعا يجلس فيه لكثرتهم فجلس خلفهم، فتكلم كثيرا ثم سأل بعض الطلبة الحاضرين عن إمام أحدث وهو راكع فرفع رأسه ليستخلف لهم، فلم يحضر القاضي ولا جميعهم جوابا، فقال المترجم في بطلانها قولان قال ابن الحاجب فإن رفعوا مقتدين لم تبطل على الأصحّ كالرفع قبل إمامه غلطا، فقالوا ما قيل هذا فلعلّه ليست المسألة فجلب لهم ذلك ناجزا، وكان عمه - رحمه الله - حاضرا لذلك، وكان المترجم إذ ذاك ابن خمس عشرة سنة، وله في الميعاد سنة وزيادة أشهر، وكان حفظ في ذلك جملة من مختصر ابن الحاجب حتى جاوز الضحايا.

فلما خرج من الميعاد ناداه عمه فدخل معه داره وكانت مجاورة للمسجد الذي فيه الميعاد المذكور، وهو مسجد الدباغ فقبّل رأسه وقال ثبت عندي قول القاضي أبي عبد الله محمد الفاسي إن عاش ابن أخيك يكون منه مالك الصغير (6). وسكن المترجم الزاوية العوانية بالقيروان، وكان في أول عهده فقيرا جدا، وقد حكى في شرحه الكبير للمدونة عن شدة فقره واشترائه الكسور (قراقش الخبز الجاف) من سائل بالدين، وقد بلغ مقدار ما بذمّته لذلك السائل ما يزيد على الدينار، وشكر الله على ما أنعم به بعد ذلك، ثم سكن بعد بدار أمام مسجد التلالسي، ولما ظهرت عليه مخايل النجابة وحسن السلوك ولي الإمامة والخطابة بجامع الزيتونة بالقيروان وله واحدة وعشرون سنة بتقديم شيخه البرزلي.

وسبب رحلته إلى تونس لطلب العلم الحاج الشيخ عبيد الغرياني عليه في ذلك فقد حكى أن الشيخ عبيد الغرياني اجتاز عليه وهو جالس على دكانة دار سكناه فقام إليه وقبّل يده ومشى معه فقال له امش لتونس تعلّم العلم بها فلم يقبل كلامه لأن في الغالب إنما يسافر إليها من الطلبة من يريد القضاء أو الشهادة أو هما معا، وكان في ذلك الزمان لا يريد المترجم ذلك وإنما غرضه تعلّم العلم، وكان يومئذ يعمل الميعاد بالعشي ويقرأ على شيخه القاضي محمد بن قليل الهمّ بكرة مع جماعة من أصحابه وذلك بعد انصراف شيخه البرزلي إلى تونس، وكان المترجم يقول في نفسه إن مات من هو أكبر منه يحتاج الناس إلى قارئ التفسير والحديث بكرة فلا يفتقر أن يمشي إلى تونس، فأعاد عليه الشيخ عبيد الغرياني كلامه مرة ثانية وثالثة وألحّ عليه في ذلك، وقال لا يخرج الخبر إلا من تونس، فوقع كلامه بتكرره في قلبه فتحرك خاطره للمشي إلى تونس، فأقام بها أربعة عشر عاما مجتهدا في الفروع ليلا ونهارا يتعلم ويعلّم حتى خرج منها قاضيا وخطيبا بجزيرة جربة فأقام بها ثلاثة أعوام وخمسة أشهر، وخرج زائرا فرأى الصواب استعفاءه منها فطلب ذلك من شيخه أبي مهدي عيسى الغبريني فوافقه على ذلك ومشى إلى بلده القيروان فسكنها سنة يعمل فيها الميعاد من قراءة التفسير وغيره ويتكلم على الناس بالوعظ وحكايات الصالحين، فسأل الشيخ أبو علي حسن البيار الشيخ عبيد أن يكلّم السلطان في أن يعمل له مرتبا حتى لا يخرج من القيروان، فتكلم في ذلك فخرج الظهير بقضاء قابس، فمشى إليها وعرفه وقال من هذا خفنا عليه ولو كان له راتب ينفق منه ما خرج من القيروان فقال أرأيت إن سبق في سابق علم الله أن يتولى بلادا وأوطانا أتقفصه أنت في القيروان (7)؟

وفي تونس قرأ على أعلامها البارزين كالإمام ابن عرفة وتلامذته كالأبي والزغبي والغبريني والوانّوغي وأبي القاسم القسنطيني والبرزلي وأبي الفضل أبي القاسم الشريف السلاوي وقرأ على عبد الله الشبيبي ومحمد العواني وعمر المسرّاتي القيروانيين وشيخه محمد بن قليل الهمّ المنتقل من القيروان إلى تونس وغيرهم.

تخرّج به الشيخ أحمد حلولو القيرواني وغيره.

تولى القضاء كما سبق بجربة وبباجة ومكث بها سبعة أشهر ثم نقل إلى الأربس ثم إلى سوسة وقابس وتبسة، ثم إلى القيروان وأقرأ بها التفسير وغيره.

وكان عارفا بقيمة خطة القضاء، صلبا في الحق، لا يداري أصحاب السلطة التنفيذية السياسية على استيفاء الحقوق ممّن صدرت ضده الأحكام، ويقدّم الولاة شكاياتهم إلى ملك الوقت، وشيخه الغبريني يحميه من كيدهم على ما يستفاد من ترجمة أحمد بن أبي محرز فقد قال: «وشاهدت في زماننا قائد الموضع يخرج من سجنه القاضي ويقول: عليه طلب المخزن، وهو يكذب في ذلك، وهب أنه يصدق فلا يجوز له ذلك، وإن هو فعله فأقل المراتب أن يردّه كما كان، ويتغافل بعض القضاة عن ذلك لئلا يتخاشن معه فما ينصفه في مرتبه، فأحرى أن لو خاف من تسبّبه في عزله، وقد وقفت في هذا الباب في مدينة باجة وطاردني ولاتها بمكاتبتهم لأمير المؤمنين أبي فارس عبد العزيز وغلبتهم عنده، والمباشر لي في ذلك شيخنا أبو مهدي عيسى الغبريني - رحمه الله تعالى - فإن جواب أمير المؤمنين أن من عليه طلب المخزن من البوادي وسبق حكم الشرع فيه فإن ادّعى ذلك فحكمه مقدم وإن سبق حكم المخزن فيه ودعا الشرع يؤخذ طلب المخزن من حكم وغيره ويرد يفوز ذلك القاضي وينفذ الحكم على هذا يكون العمل» (8) وهو قرار حاسم لتطاول الولاة على المسّ من حرية القضاء والتدخل في شئونه حسب الهوى.

ويبدو أنه كان معتنيا بأخبار علماء القيروان مند عهده بالطلب، فقد جاء في آخر ترجمة أبي بكر بن أبي عقبة التميمي ما نصّه «ولما قرئ على شيخنا أبي الفضل البرزلي قول الشيخ أبي سعيد البراذعي في خطبته (أي في تهذيب المدونة) قال وصححتها على أبي بكر بن (أبي) عقبة عن جبلة بن حمود عن سحنون» فعرّف بأبي سعيد وجبلة وسحنون وأما هبة الله فلم يذكره عياض ولا أعرف من عرّف به، فقلت له ذكره الدباغ وذكرت له ما تقدم من إعطائه لذلك الرجل ما تقدم وما نقلته الكافة عن الكافة باختصار فأمرني أن أوقفه على ذلك فأوقفته عليه وأمسكته إياه وأعطاني إياه فيغلب على الظن أنه نسخ ذلك (معالم الإيمان 3/ 88 (ط 2/) تونس 1978).

[تآليفه كثيرة منها]

1) شرح تهذيب المدونة للبرذعي بشرحين صغير سمّاه الصيفي في جزءين ضخمين، والشرح الكبير يعرف بالشتوي في 15 جزءا في أربعة أسفار منه جزءان بالمكتبة الوطنية رقم 5808 أصلهما من المكتبة العبدلية.

2) شرح تفريع ابن الجلاب في ثلاثة أسفار منه نسخة بالمكتبة الوطنية.

3) شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني ط/مع شرح أحمد زروق على نفقة ابن شقرون بمصر سنة 1330 هـ‍ وهو من أوائل مؤلفاته، ونقل عن الشيخ محمد بن عبد الكريم المغيلي أنه كان يبالغ في الثناء على هذا الشرح ويقول له المذهب.

4) اختصار مع تذييل لمعالم الإيمان وتذييله فيه زيادات تراجم بعد عصر الدباغ من سنة 690 إلى سنة 837 هـ‍.

ويبدو أن ابن ناجي تصرّف بالاختصار حتى في اسم الكتاب واختصاره لا يدلّ على أن الدباغ كان محدّثا والعادة أن المحدّث مهما بالغ في التخفّي فإن أسلوبه ينمّ عنه كالعناية بالأسانيد لأدنى مناسبة، وكان الدباغ من كبار المحدّثين المعتنين بالرواية ومن البعيد خلو كتابه من أية إشارة إلى الصناعة الحديثية.

المصادر والمراجع

- الأعلام 5/ 179 (ط 5/) - أعلام الفكر الإسلامي في تاريخ المغرب العربي لمحمد الفاضل بن عاشور 009 - 106 مط/النجاح تونس بلا تاريخ - برنامج المكتبة الصادقية 3/ 282، 305، 306، 308، 309، 313 - تاريخ آداب اللغة العربية لجرجي زيدان 3/ 223 (ترجمة سقيمة مشحونة بالأخطاء) - تكميل الصلحاء والأعيان ص 6 - 9، مقدمة الكتاب المذكور لمحقّقه الأستاذ محمد العنابي وهي ترجمة نفيسة فيها تصحيح الخطأ الشائع في اسمه وتاريخ وفاته اعتمادا على وثيقتين خطيتين كانتا بمكتبة جامع القيروان وفيها إلمام واسع بأطوار حياته وفيها فوائد وجزئيات غير معروفة - الحلل السندسية 1 قسم 3/ 707 - 708 (تونس)، (وفهم من شرحه في المدوّنة أنه إذا أطلق لفظ شيخنا فالمراد به البرزلي، وبعض شيوخنا فمراده ابن عرفة وما عداه يصرّح باسمه وكان اشتغاله على البرزلي أكثر ويفهم من سياق الكلام أنه بالنقل عن القرافي)، درّة الحجال 3/ 282، شجرة النور الزكيّة 244 - 245، الضوء اللامع 11/ 137، الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي 4/ 90، كشف الظنون 873، معجم المطبوعات 261، معجم المؤلفين 8/ 110، نيل الابتهاج 1223، توشيح الديباج لبدر الدين القرافي ص 266 - 267، الحلل السندسية 1/ 691، (دار الغرب الإسلامي بيروت 1985)، مقدمة الجزء الأول من معالم الإيمان (مكتبة الخانجي مصر 1968) ص وز.






الهوامش

(1) في المصادر التي ترجمت له أنه توفي سنة 837 والوثائق الخطية أثبتت خطأ ذلك التاريخ.

(2) في المصادر القاسم وفي تكميل الصلحاء والأعيان أبو القاسم وهو ما أثبتته وثيقة إشهاد علي بن ناجي مؤرّخة في ربيع الثاني 839.

(3) معالم الإيمان 4/ 193.

(4) معالم الإيمان 4/ 194 - 195.

(5) معالم الإيمان 4/ 197 - 198 في ترجمة عمّه.

(6) معالم الإيمان 4/ 197 - 198 في ترجمة عمّه.

(7) معالم الإيمان 4/ 260 - 261 في ترجمة عبيد الغرياني.

(8) معالم الإيمان 2/ 47 - 48 (ط 2/).