«محمود مڨديش»: الفرق بين المراجعتين

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث
سطر 21: سطر 21:
  
 
* حاشية على العقيدة الوسطى للسنوسي، مطبوعة على حجر بتونس سنة 1321هـ/1903م، جزءان في مجلد واحد.
 
* حاشية على العقيدة الوسطى للسنوسي، مطبوعة على حجر بتونس سنة 1321هـ/1903م، جزءان في مجلد واحد.
 
 
* حاشية على تفسير أبي السعود العمادي سماها:"مطالع السعود على تفسير أبي السعود" في 13 مجلدا. مخطوطة.
 
* حاشية على تفسير أبي السعود العمادي سماها:"مطالع السعود على تفسير أبي السعود" في 13 مجلدا. مخطوطة.
 
 
* شرح على المرشد المعين في الفقه المالكي للشيخ عبد الواحد بن عاشر. جزءان
 
* شرح على المرشد المعين في الفقه المالكي للشيخ عبد الواحد بن عاشر. جزءان
 
 
* شرح جانب من تذكرة القرطبي، انفرد بذكره الشيخ محمد المهيري، في بحثه الذي نشره بمجلة الثريا، جويلية 1946.  
 
* شرح جانب من تذكرة القرطبي، انفرد بذكره الشيخ محمد المهيري، في بحثه الذي نشره بمجلة الثريا، جويلية 1946.  
 
 
* شرح على كشف الأستار للقلصادي سماه "إعانة ذوي الاستبصار على كشف الأستار عن علم حروف الغبار" وهو مختصر من كتاب القلصادي "كشف الجلباب في علم الحساب".
 
* شرح على كشف الأستار للقلصادي سماه "إعانة ذوي الاستبصار على كشف الأستار عن علم حروف الغبار" وهو مختصر من كتاب القلصادي "كشف الجلباب في علم الحساب".
  
 
ويذكر في الخطبة قيمة علم الحساب، وحالته في عصره، والاقبال على تآليف القلصادي في القطر التونسي وخصائص كتابه "كشف الأستار".
 
ويذكر في الخطبة قيمة علم الحساب، وحالته في عصره، والاقبال على تآليف القلصادي في القطر التونسي وخصائص كتابه "كشف الأستار".
 
 
* القول الجاري في جواب وفقه الشيخ يحيى الشاوي في الفرق بين السبب والشرط. مخطوط محفوظ بالمكتبة الوطنية بتونس ضمن مكتبة [[حسن حسني عبد الوهاب]].
 
* القول الجاري في جواب وفقه الشيخ يحيى الشاوي في الفرق بين السبب والشرط. مخطوط محفوظ بالمكتبة الوطنية بتونس ضمن مكتبة [[حسن حسني عبد الوهاب]].
 
 
* نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار المعروفة في الأوساط الشعبية بدائرة مقديش، وهي على الاطلاق أهمّ مؤلّفاته وبها اشتهر.
 
* نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار المعروفة في الأوساط الشعبية بدائرة مقديش، وهي على الاطلاق أهمّ مؤلّفاته وبها اشتهر.
  

مراجعة 14:05، 29 ديسمبر 2016

[1154 - 1228هـ/1741 - 1772م]

محمود بن سعيد مقديش الصفاقسي، فقيه مؤرخ مدرس، ولد سنة 1154هـ/1741م في بيت قال عنه ابن أبي الضياف إنّه "من أنبه بيوت صفاقس" وأصل هذا البيت من أنشلة، وينسب إلى سيدي مخلوف الشرياني إحدى قرى صفاقس من الجهة الشرقية. اعتبره كراتشكوفسكي من المؤرّخين التونسيين القلائل في القرن الثامن عشر، وكذلك اعتبره أحمد عبد السلام إذ ابتدأ به تقديم المؤرّخين التونسيين في هذه الفترة ضمن أطروحته. نشأ على طلب العلم، تلقاه أولا في مدينة صفاقس، مسقط رأسه، عمن أدركهم من تلامذة الشيخ علي النوري، كالشيخ محمد الزواري، والشيخ رمضان بوعصيدة والشيخ علي الأومي، كما تلقّاه عن الشيخ محمد الدرناوي الليبي عند إقامته بصفاقس قبل أنّ يستقرّ نهائيا بالحاضرة تونس. وكانت صفاقس آنذاك باقية على نهضتها العلمية الثقافية التي انطلقت مع الشيخ علي النوري وعبد العزيز الفراتي والتي هي في خاتمة المطاف وجه للنهضة الثقافية التونسية التي تأصّلت في القرن الثامن عشر، لعدّة أسباب، لعلّ أهمّها الاستقرار السياسي، والتقدم الاقتصادي واعتناء الحكام بالتعليم ببناء المدارس وتكوين المكتبات، وتنظيم الدروس بجامعة الزيتونة، وإكرام أهل العلم، وإجراء المرتّبات لهم والاحسان إلى الطلبة. وانساق محمود مقديش وهو في صفاقس مع التيارات الثقافية والعلمية السائدة فيها والتفاعل معها وهي التيار الديني الذي يشمل الفقه والأحكام والأصول والفرائض والقراءات والحديث والتفسير، والرياضيات بأقسامها: الحساب والفلك والميقات وصناعة الأرباع، ثم الأدبيات: النحو والشعر والأدب النثري. وانتقل محمود مقديش بعد ذلك إلى الحاضرة، متبعا عادة أسلافه المتعطّشين لمزيد من المعارف والعلوم. وفي رحاب جامع الزيتونة تتلمذ لعدّة مشايخ، منهم قاسم المحجوب، ومحمد الشحمي كبير علماء المعقولات في عصره، والمحدّث عبد الله السوسي السكتاني المغربي. ولمّا عاقته قلّة ذات اليد عن مواصلة طلب العلم بالحاضرة، انتقل إلى الزاوية الجمنية بجربة التي كانت تتكفل بالانفاق على الطلبة المقيمين بها من ريع أوقافها وتبرعات أهل الفضل والكرم. وانتقل في آخر مرحلة من طلبه العلم إلى القاهرة حيث جاور الأزهر، وكان وقتها كهلا، متزوّجا وله أبناء. كان أثناء طلبه للعلم بالأزهر، يتعاطى نسخ الكتب الثمينة، ويتعاطى التجارة، وكان يعود بين الفينة والأخرى إلى مدينة صفاقس، يبيع الكتب التي نسخها، ويقوم باتّصالاته التجارية، ثمّ يرجع إلى القاهرة لاستكمال دراسته التي لم تكن تتسنّى له لولا اللجوء إلى طرق الارتزاق هذه.

لا نعلم تاريخ التحاقه بالأزهر ومدّة إقامته الكاملة بمصر غير أنّنا نعرف من خلال "نزهة الأنظار" مصنفه في التاريخ الذي اشتهر به أنّه كان بالاسكندرية سنة 1201هـ/1786م. ولعل إقامته بمصر كانت محدودة، فقد ذكر كراتشكوفسكي، اعتمادا على نالينو، أنّ "محمود مقديش أمضى معظم حياته بمسقط رأسه ولو أنّه كما يبدو ساح كثيرا، وزار عدة مواضع، البندقية مثلا". وتقلّب بين أربعة أوساط حضرية: صفاقس، وتونس، وجربة، والقاهرة، مختلفة اجتماعيا، ومتفاوتة علما وتعليما مكنته من معرفة معمّقة لعلوم الفقه، والحديث، واللغة، والرياضيات، زادها نسخه للكتب إدراكا وعمقا.ورجع إلى بلده بعد أن تخرّج في الأزهر، قال ابن أبي الضياف: "ولمّا تضلّع بالعلوم، رجع إلى بلاده صفاقس، فأفاد وأجاد، ونفع العباد، وتزاحمت على منهله الورّاد، وأفنى عمره في هذا المراد، وأتى فيه بما يستجاد، وتلاميذه بصفاقس أعلام، وأيمة في الاسلام"، وأثنى على علمه وتدريسه محمد مخلوف صاحب "شجرة النور الزكية". تصدّى للتدريس بصفاقس للطلبة نهارا، والعوامّ ليلا. وكان يعتمد في تدريسه على أسلوبين يراهما متكاملين، يعتمد أحدهما الالقاء والتلقين ويعتمد الاخر التحاور مع الطلبة. كان يستخدم الأسئلة عن المشاكلّ والقواعد في قالب قصصي لاختبار ذكاء طلبته والتعرّف إلى مدى استيعابهم لما تلقّوه، وإثارتهم للمشاركة الحيّة ودفعهم إلى فهم أسرع وأعمق. وعلى غرار المشايخ المتضلّعين كان يقوم إلى جانب التدريس بالمطالعة للتعمّق في علوم عصره، والتأليف فيها بما يسمح له وقته الذي خصص جانبا منه للأعمال التجارية، مورد رزقه، إذ كان يدرّس مجانا، ورافضا للمناصب الادارية والقضائية. يقول الشيخ محمد المهيري في محاضرة له نشرها بمجلة الثريا (جويلية 1944) إنّ أهل صفاقس رفعوا إلى العامل رغبتهم في تولية الشيخ محمود مقديش قاضيا عليهم فامتنع وقال لهم: إذا تهيبوني وأنا من أفراد الناس فكيف بهم إذا صرت قاضيا عليهم، أتذهب منهم الأنفاس، فليطلبوا غيري، فما لهم عليّ من سبيل". فكان بسيرته هذه متبعا شيخ شيوخه، الشيخ علي النوري، رائد نهضة صفاقس التعليمية والعلمية. واختياره للتجارة للارتزاق أجدى إذ تعدّ من أشرف المهن ومحاصيلها آنذاك في صفاقس وافرة لثبوت قواعدها، واتساع دورتها المالية، وارتباطها ببلدان المشرق. ولا يستبعد أنّ يكون محمود مقديش عقد، على غرار سلفه الشيخ علي النوري، روابط تجارية مع مصر أثناء إقامته بها. والتجارة أسلم أيضا، إذ هي شريفة المقصد، مرموقة في المجتمع، ليس لها ما للفكر من خطر على الحاكم فلا تعرض صاحبها إلى أذيته. ومحمود مقديش ذاق تجربة هذا النوع من الأذى، الناتج عن الفكر المكتوب والمسموع. ذاقه مرّتين، مرّة بسبب وحشة وقعت بينه وبين أحد المستمعين إلى دروسه، إذ أوّل هذا كلامه على إثرها تأويلا خاطئا، واتّهم بالباطل، وضايقه عامل المدينة، ولم يسلم إلاّ بعد أنّ رفع ظلامته إلى الباي. ومرة ثانية لما صادرت الحكومة التونسية كتابه "نزهة الأنظار" لما ظهر، ولعلّ سبب ذلك يرجع إلى ما أبداه فيه من تقدير لعلي باشا الأوّل الذي نازع سلطة عمه حسين بن علي وذريته. وقد أكّد كراتشكوفسكي ذلك حين قال: "يبدو أنّ محمود مقديش قد مسّ مسائل معاصرة لأن حكومة تونس صادرت كتابه على الفور ولم ينشر". وبعد استقرار طويل بصفاقس، وعمل في التدريس والتأليف والتجارة متواصل، "سافر من بلده في غرض الزيارة إلى القيروان" فتوفّي بها وحمله ابنه الشيخ محمود الذي كان معه إلى مسقط رأسه بتربة أجداده. اتفّق أحمد بن أبي الضياف في "الاتحاف"، ومحمد مخلوف في "شجرة النور الزكية" على أنّه توفّي سنة 1228هـ/1813م، وأقرّ هذا التاريخ أحمد عبد السلام في أطروحته التي خصّصها للمؤرخين التونسيين، وخالفهم نالينو وكراتشكوفسكي اللذان اعتبرا 1233هـ/1818م سنة وفاته. وسنة 1228هـ/1813م هي أقرب إلى الواقع. فكما بيناه بعد تحليل ومقارنات في مقدمتنا لنزهة الأنظار، نشر دار الغرب الاسلامي، تمثّل سنة 1233هـ/1818م سنة الانتهاء من نسخ المخطوط الذي اعتمدته الطبعة الحجرية لهذا الكتاب حيث أضاف إليها ناسخها ملخّصا لأخبار عثمان باشا ومحمود باشا اللذين تعاقبا على رأس الدولة بعد وفاة حمودة باشا، فاختلط الأمر على نالينو واستخلص ما استخلص على خطإ. ولمحمود مقديش عدة تآليف هي:

  • حاشية على العقيدة الوسطى للسنوسي، مطبوعة على حجر بتونس سنة 1321هـ/1903م، جزءان في مجلد واحد.
  • حاشية على تفسير أبي السعود العمادي سماها:"مطالع السعود على تفسير أبي السعود" في 13 مجلدا. مخطوطة.
  • شرح على المرشد المعين في الفقه المالكي للشيخ عبد الواحد بن عاشر. جزءان
  • شرح جانب من تذكرة القرطبي، انفرد بذكره الشيخ محمد المهيري، في بحثه الذي نشره بمجلة الثريا، جويلية 1946.
  • شرح على كشف الأستار للقلصادي سماه "إعانة ذوي الاستبصار على كشف الأستار عن علم حروف الغبار" وهو مختصر من كتاب القلصادي "كشف الجلباب في علم الحساب".

ويذكر في الخطبة قيمة علم الحساب، وحالته في عصره، والاقبال على تآليف القلصادي في القطر التونسي وخصائص كتابه "كشف الأستار".

  • القول الجاري في جواب وفقه الشيخ يحيى الشاوي في الفرق بين السبب والشرط. مخطوط محفوظ بالمكتبة الوطنية بتونس ضمن مكتبة حسن حسني عبد الوهاب.
  • نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار المعروفة في الأوساط الشعبية بدائرة مقديش، وهي على الاطلاق أهمّ مؤلّفاته وبها اشتهر.

كانت بداية كتابة النزهة فيما بين سنتي 1203

  • 1207هـ/1788 - 1793م. ويرى المستشرق الروسي كراتشكوفسكي أنّ محمود مقديش أتم الجزء الأوّل من مصنفه في سنة 1210هـ/1796م.

اعتمد محمود مقديش لتصنيف كتابه على مصادر متنوّعة: رياض النفوس للمالكي، وزبدة التواريخ للبيضاوي، وعجائب المخلوقات للقزويني، وكتاب العبر لابن خلدون، ونزهة المشتاق للادريسي، ومعالم الايمان للدباغ وغيرها... هي تقريبا المصادر التي اعتمدها المؤرخون التونسيون في العصر الحديث كالوزير السراج، مستعملا لذلك مكتبته الخاصة التي كانت على ما يبدو تشتمل على كتب التاريخ والتراجم والبلدان. واعتمد محمود مقديش لكتابة النزهة النقل الحرفي، والنقل مع تغيير بعض الكلمات، والتلخيص مع استعمال بعض العبارات الجزئية من المرجع المستند إليه. واقتضى تصحيحه لكتابه، وترتيبه له، واقتضت نظرته التاريخية أنّ لا يتّبع تسلسل نصوص المراجع التي استعملها، بل كان في نقله وتلخيصه يستعمل ما جاء بالتقديم والتأخير دون ضبط وإشارة. أمّا المقدمة والاضافات التي تهم بعض المدن كالاسكندرية وتونس والجزائر والمهدية وصفاقس... وجلّ ما جاء بخاتمته فهو من تحريره الذي اعتمد فيه على تكوينه الخاص، ومشاهداته والأخبار والمعلومات التي تلقّاها من أصدقائه أو الوسط الاجتماعي الذي عاش فيه. وعن الوسط الشعبي الصفاقسي أخذ بعض مأثوراته، ومنها الطريقة التي سلكها الصفاقسيون لمقاومة احتلال النرمان لمدينتهم، كما أخذ الأساطير الدينية التي تتعلّق بآدم وذريته، والأنبياء والرسل، إذ لا نجد لهذه الأساطير أثرا في كتب التراث. قسّم محمود مقديش "نزهة الأنظار" إلى جزءين متعادلين تقريبا، يضمّ الجزء الأوّل مقدمة وعشرة فصول خصصها لتحديد المغرب وأسماء البلدان، والخلافة والخلفاء بالمشرق والمغرب، والدول والدويلات التي قامت هنا وهناك، ويضمّ الجزء الثاني مقالة خصّصها لدولة عثمان وخاتمة خصّصها لمدينة صفاقس ووطنها. ضبط محمود مقديش لنفسه وصف المغرب ورواية تاريخه ثمّ ركّز الاهتمام على مدينة صفاقس. والمتتبّع لحلقات الكتاب يشعر بأنّ مؤلّفه يتردّد فيما ضبطه لنفسه لأنّه يتأرجح بين المشرق والمغرب، وتاريخ المغرب وتاريخ الاسلام عامة، ومردّ ذلك إلى غاية منهجية جعلته يبدأ بالأصل ثم ينتقل منه إلى الفرع، هدفه منها الشمول والايضاح. لكنّ هل في متناول محمود مقديش التمييز بين التاريخ الاسلامي والتاريخ المغربي ؟ يجيب أحمد عبد السلام عن هذا التساؤل بقوله:"الحقيقة أنّ التمييز بين التاريخ الاسلامي والتاريخ المغربي ليس في متناول محمود مقديش ومعاصريه إذ أنّ تاريخ المغرب جزء من تاريخ العالم الاسلامي، وهذا التاريخ هو في نظر مقديش التاريخ كلّه، والمغرب يدخله عن طريق الفتح الاسلامي". والخاتمة أهمّ ما جاء بالنزهة، وإن لم تتجاوز في حجمها ثلثه، وأفردها المؤلف لمدينة صفاقس، وكأّنّ كلّ ما سبق سياق لها، وفيها يعطينا معلومات هامّة عن هذه المدينة ينفرد بها، تتعلّق بتأسيسها، وموقعها، وتاريخها، وحركتها الديمغرافية، وطبائع الناس، وحركة التعليم بها، وجملة من تراجم مشايخها وأدبائها وصلحائها، ويطنب في الحديث عن مقاومة صفاقس لأعدائها خاصة النرمان وفرسان مالطةن، في اعتزاز وفخر دون أنّ يهمل معنى ولا قصّة بطولية حتى ولو بدت خرافية. الخاتمة تمثّل مرجعا من أهمّ المراجع لمعرفة أحوال صفاقس في القرن الثامن عشر، وشتى ألوان حياتها على مرّ الزمن، كما تمثّل مرجعا مهمّا لبعض الأحداث العامّة أهمّها الحروب التونسية المالطية، والحروب التونسية البندقية. ولا بدّ من الحذر لمن يتناول نزهة الأنظار من أولها فالمؤلّف له ميوله الدينية والسياسية والميول السياسية امتداد للأولى، فهو سنّي راسخ العقيدة، فاختار ما يلائم هذا الاتجاه، وصنّف كتابه على أساسه، فهو يتحيّز للاسلام في معاركه ضد "الكفار" فأسقط من نزهة المشتاق التي ينقل عنها جلّ ما يتعلّق باحتلال النرمان لبلاد الاسلام. واتّخذ موقفا ممّاثلا تجاه الحركات الاسلامية المتطرفة المضادة للحكومات التي يراها شرعية، ومنها حركة أبي يزيد الخارجي، والحركة الشيعية الفاطمية، وحركة التتر. وفي آخر المطاف يتشيّع للسلطنة العثمانية التي يرى فيها منقذ بلاده من "أهل الكفر والضلال" فيمجد رجالها وأعمالها، كما يتشيع لعلي باشا الأوّل، ويشيد بالجزائر العثمانية، ويغضّ الطرف عن تدخلاتها الحربية في تونس. وإن قبلنا تشيّعه كرجل مؤمن مساير لتقاليد عصره فمن المتأكد على قارئ النزهة - إن عنّ له أن يبقى في حيّز التاريخ - أن لا ينسى اتّجاهات المؤلّف. إنّ المتتبّع لمؤلّفات محمود مقديش يجد داخلها الهش والمتين لغة ومضمونا، ومن السهل التمييز بين الكاتب والناقل، وميزته جلية حتى في نقله، فمقالاته التي خصّصها في النزهة للتاريخ تعتمد على النقل كما أشرنا، وهي وإنّ كانت أقلّ شمولا من عمل الوزير السرّاج الذي سار في نفس الاتجاه في حلله واستعمل نفس المراجع فهي أقلّ غموضا من هذا الكاتب الجادّ الذي سبقه زمنيا. ولغة المؤلف متفاوتة المستوى، فهي متينة في مقدمة نزهة الأنظار، ومتينة بليغة في خطبة شرحه لكشف الأستار للقلصادي، وهي ضعيفة في أغلب النزهة، يستعمل فيها الكلمات الدارجة على غرار عدول الاشهاد في ذلك الوقت. وفي القسم الأخير من مؤلّفه هذا يصل أسلوبه إلى حدّ كبير من الاسفاف والضعف خاصة عند كلامه على الصوفية والصالحين.واعتبار نزهة الأنظار مؤلفًا في التاريخ، لا قطعة أدبية تستوجب الديباجة المتأنّية، لا يبرر أسلوبه في الكتابة. هل كان في عجلة من أمره أم هل كان ذلك نتيجة نقص في معارفه؟ ذكر لنا في خطبة شرحه لكشف الأستار للقلصادي، أنّ تأليفه لهذا الشرح كان باقتراح من بعض الاخوان، ثمّ أكّد مسألة صعوبة الكتابة والشرح واعترف باستحالة بلوغ الكمال بكلام العماد الاصبهاني:"إني رأيت إنّه لا يكتب إنسان كتابا في يومه إلاّ قال في غده: لو غيرت هذا الكتاب لكان أحسن ولو زيد هذا لكان يستحسن، ولو قدم هذا الكلام لكان أفضل، وهذا من أعظم العبر وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر". وبعد سنوات عديدة يعيد الكرّة من جديد مع النزهة. فنزهة الأنظار تبدو من خلال ما كتبه بمقدّمتها وكأّنّه صنّفها لارضاء طلب وأن ّ سعيه لكتابتها كان صعبا، وأكّد ذلك بقوله: "فرأيت فيما دون ما طلب خرط العتاد سيما من مثلي ممّن لا مادة له في تعاطي هذا الخطب العظيم الشأن، ومع ذلك فلست أعدّ نفسي أهلا لأن أكون من فرسان هذا الميدان".أيعتبر هذا الاعتراف حقيقة أم تواضعا؟ لا شكّ في أنّ محمود مقديش بالنّسبة إلى مدينته، واعتبارا لحياته، وثقافته، ومستوى كتاباته يمثّل حدا فاصلا بين عصرين متباينين ثقافيا وعلميا هما القرن الثامن عشر المزدهر، والقرن التاسع عشر الذي نزلت فيه المعرفة والتدريس والكتابة وإقبال الناس على التعلم درجات. ففي السنوات الأخيرة من القرن الثامن عشر لاحت بوادر تدهور الحياة التعليمية والعلمية في صفاقس، وكان محمود مقديش واعيا بها إلى حدّ أنّه فسّر عدم إقبال الناس على التعلم والتعليم بإقبالهم على الدنيا وتشبّثهم بها وقال عندما علل الصعوبة التي لقيها في كتابته للنزهة: ".. وأحرى وأنا في بلد مطروح في زوايا الاهمال لاقبال أهله على تحصيل الدينار والدرهم والسعي على العيال، ولم يعتن الماضون بضبط أحوالها إلاّ بقدر ما ليس له بال". ونرى من جهتنا أنّ هذا التدهور مرتبط أيضا بالطاعون الجارف الذي انتشر في سنة 1199هـ/1784 - 1785م، إذ أخذ من المؤدّبين والمدرّسين ومن بقية العلماء عددا وافرا، نذكر مهم حسن بن أحمد الشرفي الفقيه والحيسوبي الفلكي، والشاعرين علي ذويب وإبراهيم الخراط، ومحمد المصمودي القاضي وعلي المصمودي الفقيه والنحوي وغيرهم. وكان عمل الطاعون فاحشا في النّاس إلى حدّ أنّه عطّل سير حركة العلم والتعليم في وقته وبعده أيضا بموت الكثيرين من رواد الحركة، ويبقى محمود مقديش أقرب إلى علماء القرن الثامن عشر بصفاقس، انفرد دونهم بكتابة التاريخ، وعن طريق هذه المادة عرف وذكر.