«باجة»: الفرق بين المراجعتين

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث
سطر 1: سطر 1:
 
تقع مدينة [[باجة]] في الشمال الغربي للبلاد التونسيّة بعيدا عن العاصمة بنحو 89 كلم، في منطقة غنيّة بثرواتها الطبيعية وخاصة بتربتها السوداء المدرّة للخيرات الوفيرة من الزراعات الكبرى، حتّى تسمّت في عهد الرومان بمطمور روما وفي العهد العربي ب[[باجة]] القمح وبهري [[إفريقية|إفريقيّة]].
 
تقع مدينة [[باجة]] في الشمال الغربي للبلاد التونسيّة بعيدا عن العاصمة بنحو 89 كلم، في منطقة غنيّة بثرواتها الطبيعية وخاصة بتربتها السوداء المدرّة للخيرات الوفيرة من الزراعات الكبرى، حتّى تسمّت في عهد الرومان بمطمور روما وفي العهد العربي ب[[باجة]] القمح وبهري [[إفريقية|إفريقيّة]].
 +
 +
  
 
وتعتبر اليوم، كما هو الشأن في ذلك العهد، عاصمة الشمال الغربي ومركز ولاية منفتحة على البحر المتوسّط شمالا من جهة الزوارع، ويغلب عليها الطابع الريفي المناسب لطبيعتها الغابيّة والفلاحيّة والمتميّز بالسكن المتشتّت موازاة للملكيّة المتوارثة، وإن تضافرت الجهود للاصلاح الزراعي والتجهيز الأساس للحدّ من النزوح. وهذا لم يمنع من ارتفاع عدد السكّان ب[[باجة]] المدينة وتوسّع العمران حول المدينة العتيقة على حساب الأراضي الزراعيّة ممّا غيّر ملامح البنية السكانيّة.
 
وتعتبر اليوم، كما هو الشأن في ذلك العهد، عاصمة الشمال الغربي ومركز ولاية منفتحة على البحر المتوسّط شمالا من جهة الزوارع، ويغلب عليها الطابع الريفي المناسب لطبيعتها الغابيّة والفلاحيّة والمتميّز بالسكن المتشتّت موازاة للملكيّة المتوارثة، وإن تضافرت الجهود للاصلاح الزراعي والتجهيز الأساس للحدّ من النزوح. وهذا لم يمنع من ارتفاع عدد السكّان ب[[باجة]] المدينة وتوسّع العمران حول المدينة العتيقة على حساب الأراضي الزراعيّة ممّا غيّر ملامح البنية السكانيّة.

مراجعة 08:01، 11 أفريل 2017

تقع مدينة باجة في الشمال الغربي للبلاد التونسيّة بعيدا عن العاصمة بنحو 89 كلم، في منطقة غنيّة بثرواتها الطبيعية وخاصة بتربتها السوداء المدرّة للخيرات الوفيرة من الزراعات الكبرى، حتّى تسمّت في عهد الرومان بمطمور روما وفي العهد العربي بباجة القمح وبهري إفريقيّة.


وتعتبر اليوم، كما هو الشأن في ذلك العهد، عاصمة الشمال الغربي ومركز ولاية منفتحة على البحر المتوسّط شمالا من جهة الزوارع، ويغلب عليها الطابع الريفي المناسب لطبيعتها الغابيّة والفلاحيّة والمتميّز بالسكن المتشتّت موازاة للملكيّة المتوارثة، وإن تضافرت الجهود للاصلاح الزراعي والتجهيز الأساس للحدّ من النزوح. وهذا لم يمنع من ارتفاع عدد السكّان بباجة المدينة وتوسّع العمران حول المدينة العتيقة على حساب الأراضي الزراعيّة ممّا غيّر ملامح البنية السكانيّة.

تاريخ مدينة باجة

باجة في التاريخ القديم

فمن آثار العهد البوني المقبرة ذات المائة والعشرين قبرا المحفورة في الصخر والمعروفة بالحوانت، وقد اكتشفها بجبل الفوّار أو بوحانبة شمال غربيّ المدينة الضابط فنسان (Vincent) رئيس مكتب الاستعلامات الفرنسية سنة 1883. وقد ركّز بها القرطاجيّون مجلسا بلديّا، وجَعَلُوها خاضعة لإدارة حاكمين منتخبين، وألحقوها بقرطاج وطبرقة عبر طريقين، وركّزوا بها حامية عسكريّة، ودعموا أسوارها، إلاّ أنّ الازدهار الذي حقّقته آنذاك قد قضت عليه الحروب البونيّة بسبب تصدّي باجة للقائد الروماني ريقولوس وللقائد البربري ماسنيسا المتحالف مع القائد الروماني سقيبيون، وكذلك بسبب دعمها العسكري لحنّبعل. وبعد ثلاثين سنة خضعت باجة لماسينيا بعد حصار طويل.وبعد وفاته سنة 118 ق. م. خلفه ابنه مسيبسا وكان لابنيه هيامبسال وأدربعل أن يتولّيا الحكم بمعيّة يوغرطة ابن عمّهما مستنبعل، ولكنّ طموح يوغرطة جعله ينفرد بحكم باجة ويتّخذها عاصمة لشرقيّ المملكة النوميديّة طوال ستّ سنوات، ويعمل على افتكاك نوميديا الغربيّة من أدربعل نفسه لمحاربة الرومان.

واختار يوغرطة أن يماطل الرومان لاعداد جيشه، وأن يجرّهم إلى أعماق الشمال الغربي ليبعدهم عن باجة ويرهقهم، ولكنّ القائد الروماني متّلوس بادر باحتلال باجة، ثمّ غاب عنها، فاستغلّ يوغرطة الفرصة لاسترجاعها بالحيلة، ثمّ جاء متلّوس ودخلها مستغلاّ هو أيضا فرصة غياب يوغرطة عنها. وكان الرومان يدركون أهميّة باجة (Vaga) الاستراتيجيّة فرمّموا قلعتها وأسوارها. فقد بنى الامبراطور تراجان أوّل جسر في البلاد على وادي باجة سنة 105م، وشيّد بها سبتيون سيفيروس الكنائس المسيحيّة في المواقع الوثنيّة، حيث كان يعبد إله الماء في منطقة الغيريّة، وكذلك فعل الامبراطور فالونس، حيث بنى كنيسة سنة 375م، هدمها الوندال سنة 480م. وأعيد بناء كنيسة ثانية في العهد البيزنطي سنة 533م، بفضل القائد باولوس (Paulus). وفي ذلك العهد أصبحت تسمّى تيودرياس، وهو اسم زوجة الامبراطور جوستينيان (Justinien) اعترافا له بعد أن تمكّن قائده بليسار (bélisaire) من الاطاحة بآخر ملوك الوندال جلمار (gilmar)، حسب رواية المؤرّخ بروكوب (procope) (ت 562م). وفي باجة وجد فريق من الحامية البيزنطيّة بقرطاجة مأواه، عندما حاصرها حسّان بن النعمان نحو سنة 76هـ/695م. فلم يلبث هذا الفريق فيها أكثر من ثلاث سنوات حتّى أدركها حسّان موطّدا بها الإسلام نهائيّا.

باجة في القرون الوسطى

وحلّت بباجة قبائل عربيّة من بني سعد وقريش وربيعة وقضاعة. وذلك مع الطائفة المسيحيّة التي ظلّت محتفظة بكنيستها حتّى توافد القبائل البدويّة الهلاليّة، قبل أن يحوّلها العرب فيما بعد إلى جامع، مثلما ظلّت محتفظة بكنيسة الغيريّة المجاورة إلى زمان البكري (ت487هـ/1094م). وقد لخّص اليعقوبي (ت897م) العناصر الاجتماعيّة بباجة في عهدي الولاة والأغالبة بقوله: "... وبها قوم من جند بني هاشم القُدُم، وقوم من العجم. ويلي مدينة باجة قوم من البربر يقال لهم وزداجة، لا يؤدّون إلى ابن الأغلب طاعة".

وكان من الطبيعي أن تتسبّب السياسة الأمويّة في ظهور انتفاضات قام بها البربر بمساندتهم لحركة التمرّد بزعامة الخوارج خاصّة. فكان أن ساندوا في باجة الثائرين عكاشة الفزاري وعبد الواحد بن يزيد الهوّاري. وهو ما جعل الخليفة بدمشق هشام بن عبد الملك (105هـ/724م - 125هـ/743م) يضاعف إمداداته لواليه على إفريقيّة كلثوم ابن عياض القشيري وخلفه حنظلة بن صفوان الكلبي (124هـ/742م - 127هـ/745م).وقد روى الرقيق (417هـ/1026م) كيف زحف عبد الواحد المذكور على باجة معتصما بها أمام اللخمي قائد الجيش الأموي قبل أن تدور الدائرة عليه بناحية القيروان حيث كانت نهاية الثائرين سنة 124هـ/742م، كما ثار بباجة معتصما ثابت بن وريدون الصنهاجي سنة 171هـ/787م. ولمّا قام عبد الله بن عبد ربّه الجارود على عامل تونس المغيرة بن بشير بن روح سنة 178هـ/794م وسانده جند باجة من أهل خراسان حتّى احتلّ القيروان.

باجة الأغلبية

ولقد أولى الأغالبة باجة عناية فائقة مكّنتها من استرجاع دورها الاقتصادي مع شيء من الاستقرار والازدهار خاصّة في عهد إبراهيم بن الأغلب (184هـ/800م - 196هـ/812م) وابنه عبد الله (196هـ/812م - 201هـ/817م) حتّى أصبحت عاصمة الجهة الممتدّة من طبرقة إلى حدود الأربس شرقيّ الكاف. وتنافس فيها العمّال من أسرة بني حميد أصهار الأغالبة مذ كان علي بن حميد وزير زيادة الله الأوّل (201هـ/817م - 223هـ/837م). وكانت رئاسة الجند تسند إلى أبرز القواد. وكان قاضي باجة يختار من أبرز قضاة القيروان جامعا بين باجة والأربس. وفي عهدهم ازدهرت باجة فلاحيّا بحبوبها وثمارها وصيدها البحري، وعمرانيّا بترميم أسوارها وقصبتها وجامعها وأسواقها وحمّاماتها وفنادقها، وثقافيّا بعلمائها وقضاتها أمثال:سليمان بن عمران (ت270هـ/884م) وبعض تلاميذ الإمام سحنون. لكنّ الاستقرار والازدهار لم يصمدا في أواخر عهد زيادة الله الأوّل أمام ثورة منصور الطنبذي ابتداء من سنة 209هـ/824م.

وتواصلت الأوضاع مترديّة منذرة بأفول نجم الأغالبة حتّى إنّ اليعقوبي أشار إلى أنّه "يلي باجة قوم من البربر يقال لهم وزداجة، لا يؤدّون إلى ابن الأغلب طاعة" فيمتنعون عن الضرائب ويناوشون والي إبراهيم الثاني في باجة حتّى أجلاهم قائده محمد بن قرهب سنة 270هـ/883م وقضى ابنه على قادتهم.

باجة الفاطمية

وبعد استفحال فساد آخر الأمراء الأغالبة وجد العبيديون الشيعة في غضب العامّة مساعدا على انتشار دعوتهم حتّى لم يجد أبو عبد الله الداعي مقاومة من المدن أمام تراجع الجيش الأغلبي. هكذا دخل باجة صلحا سنة 296هـ/909م قبل أن يدخل القيروان. ولذلك استفادت باجة من عناية الفاطميين بها إعمارا وترميما مع المحافظة على طابعها الفلاحي حتّى نقل البكري أنّ "فيها حمّامات ماؤها من العيون، وفنادق كثيرة، وهي دائمة الدجن والغيم، كثيرة الأمطار والأنداء، وحولها بساتين عظيمة ترد فيها المياه، وأرضها سوداء مشقّقة توجد فيها جميع الزروع، وبها حمص وفول قلّما يوجد مثله... وبها حوت بوري ليس في الآفاق له نظير، يخرج من الحوت الواحد عشرة أرطال شحم. وكان يُحْمَلُ إلى عبيد الله حوتها في العسل فيحفظه حتّى يصل طريّا"، مشيرا إلى حوت درنه (سيدي مشرق).وفي نصّ لابن حوقل (ت977م) إشارة إلى خراج باجة من الحبوب خاصّة إذ قال إنّها "صحيحة الهواء، كثيرة الرخاء، واسعة الفضاء، غزيرة الدخل على السلطان، وافرة الأرباح على تجّارها والمزارعين بها"، إلاّ أنّ ذلك الرخاء زال بزوال الأمن مدّة ثورة أبي يزيد مخلّد بن كيداد المعروف بصاحب الحمار ردّا من الخوارج على مغالاة الشيعة ومفاسد المتشرّقين، وذلك من سنة 333هـ/943م إلى سنة 336هـ/946م. وهكذا تمكّن قائده أيّوب في هذه المرّة من الإطاحة بباجة وحاميتها وقائدها مولى الخليفة القائم بأمر الله منتقما هدما وإحراقا وفتكا. ولكنّ المنصور بعد قضائه على أبي يزيد أعطى باجة فرصة أخرى من الأمن والازدهار.

باجة الزيرية و الغزوات الهلالية و الموحدية

انتقل المعزّ لدين الله الفاطمي إلى القاهرة مستخلفا على إفريقيّة والمغرب أهل الثّقة والفضل والولاء بني زيري بن مناد الصنهاجيين برئاسة بلّكين بداية من سنة 362هـ/973م وفي كنف استقرار لم تشبه إلاّ بعض المناوشات التقليديّة التي نشبت فيما بعد بين ابنه حمّاد المستقلّ بقلعة بجاية سنة 398هـ/1007م وابن أخيه باديس ابن المنصور. فقد تضرّرت باجة بهجمة حمّاد عندما لجأ إليها هاشم بن جعفر سنة 405هـ/1014م وخضعت للحمّاديين منذ ولاية الناصر بن علّناس من سنة 454هـ/1062م إلى آخر أمرائهم يحيى بن عبد العزيز سنة 547هـ/1152م. ولأنّ المعزّ بن باديس لم يعد يرى فائدة في ولاته للفاطميين الذين لم يعاضدوه في محاولة التصدّي لنزعة الحمّاديين الانفصاليّة - ولأسباب أخرى - أعلن سنة 440هـ/1048م استقلاله عنهم وقطع دابرهم. فكان انتقام المستنصر بتسريح بني هلال إلى إفريقية سنة 443هـ/1051م. وكان نصيب جهة باجة الخصبة لعشائر مرداس بن رياح بقيادة مؤنس بن يحيى الذي استخلص الضرائب واستبعد البربر. وكان من نتائج الانتشار الهلالي تعريب جهة باجة باستقرار عشائر رياح وزغبة وقد عاينت الحقبة الممتدة بين القرنين الخامس والعاشر هـ/11 - 16م توسع حياة البداوة والترحال.

وممّا زاد الحالة سُوءًا وجود باجة على طريق الحملات العسكريّة القادمة من الغرب. وأخطرها حملة الأمير الموحّدي عبد المؤمن بن علي سنة 550هـ/1155م بعد فشل القبائل البربريّة بزعامة يحيى بن العزيز في التصدّي له في معركة سطيف متحالفين مع آخر الحمّاديين ببجاية الحارث بن المنصور (ت551هـ/1156م). ومثلما اعتزم الموحّدون طرد الغزاة النرمان سعى علي بن غانية الميورقي ثمّ أخوه يحيى لاجلاء الموحّدين. فبعد تشتيت المنصور الموحّدي (580هـ/1184م - 595هـ/1199م) للرّياحيين وتعويضهم ببني سليم سنة 583هـ/1187م لمساندتهم علي بن غانية أجلى يحيى سكّانها إلى الأربس والكاف سنة 595هـ/1199م. وعندما حثّهم والي تونس الموحّدي أبو زيد بن أبي حفص بن عبد المؤمن على العودة إلى مدينتهم عاد إليها يحيى منتقما منها وهازما جيش أبي زيد بقيادة أخيه والي بجاية أبي الحسن. ولم تطمئنّ قلوب أهل باجة إلاّ بعد تدخّل الخليفة الموحّدي محمد الناصر بن يعقوب المنصور سنة 603هـ/1206 - 1207م في إطار توحيد إفريقية والمغربين الأوسط والأقصى بمساعدة أبي محمد عبد الرحمان بن أبي حفص الهنتاتي الذي سيستخلفه على إفريقيّة دون توقّع لقيام الدولة الحفصيّة المستقلّة (626هـ/1230م - 981هـ/1574م).

باجة الحفصية

وفي أوّل عهد الدولة الحفصية كانت باجة "موفورة الخيرات، عامرة بالحرفيين" بحيث تعتبر أهمّ مركز حضري واقتصادي وإستراتيجي على الطريق الرابطة بين تونس وقسنطينة، إلاّ أنّها بعد ذلك فقدت أمنها بسبب الصراع على السلطة بين عمر بن يحيى الحفصي وأخيه أحمد وانتفاضات القبائل، قبل أن يخمدها ابن تافراجين حاجب المستنصر. وعرفت مرّة أخرى الاضطرابات المؤذنة بنهاية الحفصيين عندما تحارب فيها علي باشا باي الجزائر بمساندة القبائل مع أحمد بن الحسين الحفصي المُنْهَزم هناك سنة 977هـ/1569م، فلم يبق لملك تونس، حسب إشارة الحسن الوزّان الذي زار باجة سنة 933هـ/1526م، سوى أن "يثقل كواهل سكّان هذه المدينة بالضرائب".

باجة العثمانية

وفي العهد العثماني (التركي والمرادي والحسيني) حافظت باجة، بحكم موقعها على الطريق من تونس إلى قسنطينة ومن طبرقة إلى الجنوب، على دورها العسكري والدفاعي بانتصاب حامية تعدّ حوالي مائة جندي ويرأسها عجم داي، بالاضافة إلى جالية تركيّة كبيرة متعدّدة الأعراق، ظلّت ألقابها دالّة على استمرار حضورها إلى اليوم بداية من مطلع القرن السابع عشر، ومنها عائلات ابن بليطة وابن يوسف وبرناز وبولكباشي وكاهية ومبزّعية. وقد أنجبت إحداها فلاّحا ومؤرّخا للأحداث التي شهدها، هو الكرغلي محمد الصغيّر بن يوسف (1693 - 1771م) مؤلّف "المشرع الملكي في سلطنة أولاد علي التركي" الذي يعتبر شهادة مهمّة على أوضاع باجة وجهتها في النصف الأوّل من ق 18م. وقد تميّزت تلك الأوضاع بانعدام الأمن إلى درجة أغرت الجزائريين بغزو سهول مجردة. وهو ما اضطرّ السلطة المركزيّة إلى اتّخاذ إجراء عسير على أهل باجة، يقضي بإجلائهم وأرزاقهم من القمح إلى تونس، مرتين، الأولى سنة 1734م والثانية سنة 1746م. وقد تكرّر ذلك سنة 1756م بأمر علي باشا إبّان ثورة ابنه يونس عليه خشية استغلال الجزائريين الفرصة للحرب، ومرّة أخرى سنة 1764م عندما رفض أهل باجة رسل يونس ووالوا ابني حسين بن علي المستنجدين بالجيش الجزائري والقادمين من جهة الكاف.

ويذكر بوننفان (Bonnenfant) سببا آخر لانعدام الأمن في جهة باجة متمثّلا في المواجهة بين سكّان السهول من الفلاّحين والحضر وبين الجباليّة المنتشرين في جبال خمير المستقلّين عادة عن سلطة الباي. ففي سنة 1769م أحبط كاهية باجة انتفاضة للجباليّة تزعّمها عثمان الحدّاد مدّعيا أنّه نجل يونس باي.

ويذكر الباحث نفسه سببا آخر لانعدام الأمن هو محلّة الصيف السنويّة التي يقودها باي الأمحال إلى باجة ليعسكر في قصر باردو ويجبر الفلاّحين بالعنف على دفع الضرائب والخطايا العينية والماليّة. وقد اضطرّهم مراد ابن علي باي بن حمّودة باشا، ذات صائفة، سنة 1699م، إلى الفرار تاركين كلّ شيء لجنده ينهبونه ليلا ونهارا. وقد دام العمل على ذلك النحو من الظلم والقهر طوال النصف الثاني من القرن الثامن عشر وكامل القرن التاسع عشر إلى تاريخ انتصاب الحماية الفرنسيّة سنة 1881م، رغم ثورة علي بن غذاهم سنة 1864م التي فشلت في تغيير سياسة الباي الجبائيّة الشاملة للفلاّحين والتجّار، خلافا للطريقة المرضيّة التي انتهجها حسين باي طيلة النصف الأوّل من ق 18م، وجعلت أهل باجة فيما بعد يناصرون أبناءه على ابن أخيه.

وكان من الطبيعي أن ينعكس الفارق بين سياسة حسين باي وسياسة خلفائه الجبائيّة على الحياة الاقتصاديّة والاجتماعيّة في باجة، إلى جانب عوامل طبيعيّة. فقد قارن محمد الصغيّر بن يوسف بين فترتين من حياة مدينته، مشيرا إلى زهادة أسعارها ووفرة منتوجاتها سنة 1139هـ/1726م وإلى ارتفاعها وندرتها منذ سنة 1177هـ/1763م التي تأثّرت بالجفاف والجراد والبرد والحرائق. ومن جهة أخرى تضرّرت باجة قبل ذلك التاريخ، في صائفة 1741م بقضاء يونس باي على مصرفي طبرقة وراس سرّات اللّذين كانت تصدّر منهما باجة الحبوب والصوف والشمع والجلود إلى أوروبا، فضلا عن الجنوب وبقيّة أنحاء البلاد.

وقد استجلى الباحث نفسه ملامح مدينة باجة في القرن الثامن عشر استنادا إلى شهادات ابن يوسف وزاكّون (p. zaccone) فأشار إلى عدم استتباب الأمن. وهو ما دعا علي باشا إلى العناية بقصبتها ترميما وتوسيعا، كما أشار إلى توسّع المدينة بربضين استوطنهما الطرابلسيون والوسلاتيون دون أن يتمّ علي باشا تسويرهما. وقد اقتضى حضور الأتراك إلى جانب أصيلي المدينة وبعض الأندلسيين إضافة جامع حنفي ومدرسة لتعليم الفقه الحنفي منذ نهاية ق 17م، بناهما الحاج بقطاش داي. وهو نفسه الذي مهّد طريق باجة تونس. وفي سنة 1734م كلّف علي باشا الأول المهندس الأندلسي عمر البلانكو ببناء قصر باردو ليسكنه سليمان باي، ويونس أحيانا، وخاصّة سنة 1737م، لغرض جمع المجبى. ورغم ما بذّر من أموال في بنائه فقد تهدّم قبل نهاية القرن الثامن عشر.

وقد استفحل الاضطراب في باجة طوال ق 19م فازدادت تقهقرا متأثّرة برداءة أحوال الايالة السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة وحتّى الصحيّة والطبيعيّة إذ شهدت في ذلك القرن انتفاضة علي بن مصطفى سنة 1240هـ/1824م ومناوشة المقراني سنة 1260هـ/1844م وانتفاضة علي بن غذاهم الكبرى سنة 1864م والجدب والكوليرا سنة 1867م وتمركز "الحماية الفرنسيّة" سنة 1881م بما تسبّب في دوام الصراع بين الأهالي والسلطة المركزيّة وممثّليها نتيجة مضاعفة المجبى ثمّ لضرورة مقاومة الاستعمار بقيادة علي بن عمّار وغيره من الثُوّار.

باجة في التاريخ المعاصر

باجة تحت الحماية الفرنسية

إحتلال المدينة

التأثير الإستعماري على باجة

مساهمة المدبنة في الحركة الوطنية

باجة إثر الإستقلال

معالم باجة

المعالم الدينية

المساجد

مئذنة الجامع الكبير

1 - الجامع الكبير: هو من أقدم معالم باجة، أسّسه الأمير الفاطمي إسماعيل المنصور في منتصف ق 4هـ/10م. أدخلت عليه عدّةإصلاحات منها الترميم الذي أمر به محمد الناصر باي سنة 1922م، وأهمّها الترميم الذي شرع فيه المعهد الوطني للتّراث سنة 1999. وممّا يَلْفتُ الانتباه الصومعة المتأثّرة بالفنّ الموحدّي والمزولة بصحنه والنقيشة اللاّتينيّة المُثبّتة في الجدار المحاذي لباب العين.

2 - الجامع الحنفي: هو أحد المعالم المعمارية الدينية لمدينة باجة ويعود إلى العهد المرادي ويقع بالمدينة العتيقة، وتحديدا خارج السور الغربي، في أحد سفوح الجبل وهو جبل عين الشمس. بناه مراد باي (ت1086هـ/1675م) على يد الحاج بقطاش داي. فرمّم وأبرز طابع صومعته الأندلسي.

الزوايا

1 - الزاويّة الصمادحيّة : حسب نقيشتها أسّسها المرابط علي الصمادحي المصمودي المغربي سنة 1076هـ/1665 - 1666م.

2 - الزاوية القادريّة الباجيّة : تقع زاوية سيدي عبد القادر كما يسميها الباجية في المدينة العتيقة قرب ساحة باب العين و خلف الجامع الصغير, أسسها الحاج ميلاد الشريف بها ضريح الحاج ميلاد الشريف (ت1259هـ/1843م) سنة 1812 و بها ضريحه.

3 - زاوية سيدي بوتفاحة هي زاوية تقع في مدينة باجة قرب رحبة القلال (ساحة المنصف باي), بنيت سنة 1737 و حملت إسم الولي الصالح علي بن سليمان التميمي المعروف بإسم بوتفاحة و الذّي قدم لمدينة باجة سنة 1621.

4 - زاوية سيدي صالح الزلاوي

5 - زاوية الخضارين أو كما تسمّى محليّا زاوية سيدي الطيّب هي ثالث زاويا الطريقة القادرية في البلاد التونسية, بنيت سنة 1780 من قبل الشيخ أحمد البلاقى الشريف الملقب بالعلامة النحرير و سميت الزاوية بإسم الشيخ الطيب البلاقي حفيد الشيخ المؤسس بعدما ورث هذا الاخير الطريقة عن جده ويلقب بالعمدة البركة الولي وهو رابع الشيوخ القادرية في باجة و غلب إسمه على الزاوية, و تقع الزاوية في ساحة البرادعية.

الكنائس المسيحية

1 - البزيليك : هو بزيليك مسيحي قديم بني في القرن الرابع على أنقاض معبد وثني ثم تم هدمه سنة 480 من قبل الوندال و بعد تحرير البلاد من قبل البيزنطيين تم إعادة بناءها سنة 533 بأمر من الإمبراطور جستينيان الأول. إثر ثورة الخوارج بقياد صاحب الحمار تم تدمير البزيليك أثناء إجتياح المدينة و بني إثر ذلك الجامع القديم على أنقاذها.

2 - كنيسة السيدة الوردية (Notre Dame du Rosaire) هي أحد الكنائس الحديثة التّي تم بناءها في مدينة باجة, بنيت في الثلاثينات على مكان كنيسة أخرى, الكنيسة الأولى بنيت سنة 1883 بعد أن أصبحت صغيرة على تحمّل العدد المتزايد من المصلّين المسيحيين, فتم إنشاء كنيسة جديدة مكانها و ذلك وفق المعمار الرومانسكي المحدّث. بعد الإستقلال تحوّلت الكنيسة إلى مركز ثقافي.

الكنائس اليهودية

المعالم العسكرية

القصبة

تشرف على المدينة من الجهة الغربيّة. وقد شيّدها الموحّدون في ق 6هـ/12م، ثمّ رمّمها ووسّعها يونس بن علي باشا سنة 1741م على يد المهندس الأندلسي عمر البلانكو. وتتّجه النيّة إلى ترميمها وتوظيفها ثقافيّا.

القصبة

سور المدينة و أبوابه

كان لمدينة باجة سور يحيط بكامل المدينة العتيقة يعود تاريخ تأسيسه إلى أزمنة بعيدة, عنى من التهميش في القرون الوسطى إلى أن هدم بشكل كامل أثناء فترة الإستعمار الفرنسي. كان يوجد في مدينة باجة 11 بابا يعود بعضها إلى الحقبة الرومانية فيما بني بعضها من قبل العرب, و هذه الأبواب هي :

1 - باب العين و يسمى أيضا بعين الشمس. بني على أعقاب باب روماني لا تزال بعض أثاره متواجدة لليوم

2 - باب بوتاحة و قد سمي على عين بوتاحة و هي أيضا بني على بقايا باب روماني

3 - باب الجنائز أو باب الجنايز كما يسميه الباجية, سمي على هذا الإسم لأنّ الجنائز كانت تخرج من الجامع الكبير نحو مقبرة الزلاوي من خلال هذا الباب.

4 - باب الرحبة أو باب بوتفاحة, كان في مدخل رحبة القلال (ساحة المنصف باي) من جهة زاوية سيدي بوتفاحة

5 - باب السبعة, سمي على سبعة شخصيّات باجية معروفة كانوا كثيري الجلوس قرب ذلك الباب

6 - باب السوق, بني على أنقاض باب روماني ذو قوسين

7 - الباب الفوقاني

8 - باب الجديد

9 - باب خنانو

10 - باب الخلى

11 - باب المدينة

لم يبقى أيّ من هذه الأبواب التّي دمّرت مع تدمير السور.

المعالم المدنية

الأسواق

1 - باب الجنائز أو حسب لهجة سكان مدينة باجة بباب الزنايز و رسميا يسمى بشارع خيرالدين باشا و هو السوق الرئيسي في المدينة العتيقة بباجة و تنتشر فيه دكاكين و حوانت باعةاللحوم و الخضار و الفواكه و الأسماك و الأجبان و المخارق و الزلابية.

2 - فيما كانت تنتشر حوانت باعة العطور و بهارات و الصوف والألبسة و المكتبات حول الجامع الكبير و الجامع الصغير.

3 - قرب ساحة البرادعية كانت توجد محلات و ورشات بيع السرج و الجلود و النعال و المسامير و الحرير.

4 - أمّا في رحبة القلال فتوجد متاجر باعة الخزف و الفخار

المدارس

1 - المدرسة الحنفيّة: أسّسها علي داي (1689 * 1694م). وتنسب أيضا إلى محمد باي (1675 - 1678م). وقد أشرف على بنائها بقطاش داي.

الحمامات

1 - حمّام بوصندل: مازال موجودا ومستغلاّ عند باب العين، إذ ذكره البكري في ق 5هـ/11م.

السبل

1 - سبيل باب العين: بناها يوسف صاحب الطابع سنة 1800م.

2 - سبيل باب السبعة

3 - سبيل باب الجنائز

4 - سبيل بير دلنسي (بئر الأندلسي)

5 - سبيل عين عمال

6 - سبيل سيدي الهواري

لم يبقى اليوم إلا سبيل باب العين.

الساحات

1 - ساحة البرادعية

2 - ساحة المنصف باي و تسمى محليّا رحبة القلال

3 - ساحة باب العين

قصر باردو

بناه علي باشا الأول سنة 1734م على يد المهندس عمر البلانكو لإقامة باي الأمحال في الصيف لجمع المجبى، ثمّ جدّده علي باشا الثاني (1759هـ/1782م). كان خارج المدينة ثمّ طوّقه التوسّع العمراني. تهدّم قبل نهاية ق 18م فلم يبق منه إلا الطابق السفلي الذي رُمّم.

شخصيات تاريخية من مدينة باجة

شخصيات سياسية

شخصيات عسكرية

شخصيات علمية

ببليوغرافيا

  • Cambuzat P,L’évolution des cités du Tell en Ifriqiya du VII au XI s ,2T,Alger,1972
  • Foucher L,"Localisation de la ville de Vaga mentionnée dans le Bellum Afircum",in Mélanges d’archéologie et d'histoire offerts à André Piganiol II,Paris,1966,pp1205-1210