«البحرية التونسية»: الفرق بين المراجعتين

من الموسوعة التونسية
اذهب إلى: تصفح، ابحث
سطر 111: سطر 111:
 
*La marine carthaginoise :Approche  des activités  militaires des carthaginois  sur mer depuis les origines  jusqu’en 146 av J.C ,L’Or du temps,2003.
 
*La marine carthaginoise :Approche  des activités  militaires des carthaginois  sur mer depuis les origines  jusqu’en 146 av J.C ,L’Or du temps,2003.
 
*Decret F,Chartage ou L’empire de la mer, Paris,1977
 
*Decret F,Chartage ou L’empire de la mer, Paris,1977
*Devisse J,Routes de commerce et échanges en Afrique Occidentale en relation avec la méditerranée »,Revue d’Histoire Economique et Sociale,1972,no1,p42-73
+
*  
 
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]
 
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]
 
[[تصنيف:التاريخ]]
 
[[تصنيف:التاريخ]]

مراجعة 11:51، 24 فبفري 2017

تمتاز البلاد التونسية بموقع إستراتيجي مهم وتمتد مياهها الاقليمية على مساحة تقارب 120000 كم مربع ويبلغ طول سواحلها 1300 كم تقريبا وهو ما يجعل منها حارسا طبيعيا لمراقبة المناشط والتحركات عبر قنال صقليّة الذي هو بمنزلة "مفترق طرق" للاتصالات بين حوضي البحر الأبيض المتوسط شرقيه وغربيه من جهة، ومضيق جبل طارق وقنال السويس من جهة أخرى. وتجدر الاشارة إلى أن تاريخ هذا البحر كان كله مدا وجزرا بين ضفّتيه الشمالية والجنوبيّة اللّتين كانتا تتنازعان السيطرة عليه. هذه المعطيات جعلت من البلاد التونسية طوال القرون الماضية مسرحا للنزاعات والحروب، ومطمعا للاغتصاب والاحتلال، فكانت دوما حريصة على اقتناء قوّة بحريّة وأسطول قادر على الدفاع عنها وعلى سلامة سواحلها والسهر على صيانة مصالحها الاقتصاديّة.

الأسطول الافريقي قبل الفتح الاسلامي

طيلة ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، كانت تتقاسم السيطرة على حوض البحر الأبيض المتوسط ثلاث قوى بحرية، هي مصر الفرعونية وبابل واليونان. وبداية من الألف سنة الأولى قبل الميلاد، أخذت هذه الامبراطوريات المذكورة تندثر وتتلاشى تاركة مكانها لقوى فتية ناشئة ببلاد فارس وببعض جزر البحر الأبيض المتوسط. وفي مطلع القرن التاسع ق.م ظهر البونيون في إفريقية ووطّدوا أقدامهم بتأسيس مصارف ووكالات تجارية على طول السواحل الممتدة من صبراطة بليبيا إلى طنجة قرب "أعمدة هرقل" (جبل طارق) ، من أهمها "لبتيس الكبرى" (لبدة) وطرابلس وصبراطة و"طاكبيس" و"ثائينة" و"طاماروس" و"لبتيس الصغرى" (لمطة) و"روسبينة" و"هدرومات" و"نيابوليس" و"أوتيكا" وغيرها.

ولدعم إدارة مصالحهم التجاريّة عبر البحر الأبيض المتوسط، بين عاصمتهم "تير" (صور) ومستعمراتهم الإفريقيّة، أسّس الفينيقيون سنة 814 ق.م مدينة " كارت "حدشت" المدينة الجديدة (قرطاج) ، في وقت بلغت فيه الملاحة البحرية درجة عالية من الازدهار، وأصبح حوض البحر الأبيض المتوسط ميدانا تعج فيه قوافل السفن التجارية، وممرا بحريا للأساطيل الحربية.وبدأت قرطاج تبحث لنفسها عن مكان في هذا المحيط. ودعما لمناشطها البحرية، اعتنت بإنشاء الموانيء ودور الصناعة مثل أوتيكا وهدرومات وغيرهما. وبعد سقوط مملكة صور، وضعت قرطاج يدها على كامل الممتلكات البونيّة بإفريقيّة ثم شرعت في التوسع على حساب البلاد المجاورة حتى صارت من أعظم القوى البحريّة والتجاريّة بالبحر الأبيض المتوسط. لكنّ قرطاج لم تكن وحدها تهتم بالتجارة وتسعى إلى بسط نفوذها على ممرات هذا البحر بل هناك الامبراطوريّة الاغريقيّة، والامبراطوريّة الرومانيّة. وهو ما حمل قرطاج على التسلح للمحافظة على مصالحها.

الحروب اليونانية القرطاجية أو "حروب صقلية"

في سنة 604 ق.م احتلّت قرطاج الجزيرة اليابسة "إيبيصا" من جزر الباليار جاعلة منها خطا دفاعيا متقدّما. وفي العام الموالي، اشترك أسطولها في الدفاع عن هذا الخط ضد غارات القراصنة. وفي سنة 600 ق. م حاول الأسطول نفسه منع الاغريق من تأسيس مراكز تجارية في مرسيليا. وبدأ التهديد اليوناني القادم من جزيرتي سردينيا وصقلية يشتد ويتفاقم، واتسعت جبهة القتال فجعلت قرطاج من أهدافها الاستراتيجيّة طوال القرنين الخامس والرابع احتلال هاتين الجزيرتين. وفي النصف الثاني من القرن التاسع ق.م أسست قرطاج مصارف تجاريّة على سواحل جزيرة مينوركا وعلى أماكن استراتيجيّة بصقلية منها بلّرمة ومعطية (Motye) وسالنطة (Sélitone). وفي سنة 535 ق.م طرد الأسطول القرطاجي بقيادة أمير البحر "ماغون" Magon اليونانيين من جزيرة كرسيكا وأقام فيها حلفاءه الأتروريين (Etrusques) ثم انتصب القرطاجيون بسردينيا وببعض المدن الساحلية الاسبانيّة. ومن سنة 535ق.م إلى سنة 275ق.م، اندلعت معارك طاحنة دارت رحاها بين الأسطولين القرطاجي واليوناني، كانت الغلبة فيها سجالا بين القوتين وانتهت بمغادرة الملك "بيروس" لجزيرة صقلية وكان قدم إليها من إيطاليا لنجدة اليونانيين. وبانسحابه انتهى دور اليونان على مسرح الصراع في البحر الأبيض المتوسط. ويذكر أن "بيروس" (Pyrrhus) قال لقادته وهو يغادر صقلية مشيرا إلى البحر: "ما أروعها من حلبة للحرب نتركها الان بين روما وقرطاج".

السيادة القرطاجيّة على البحر الأبيض المتوسط

في سنة 509 ق.م وقبل اندلاع الحروب البونية بمدة طويلة، عقدت قرطاج معاهدة مع روما، كان الهدف منها منع الرومان من تأسيس مراكز نفوذ وإقامة مصالح تجارية بإفريقية وسردينيا وبالمناطق القرطاجية في جزيرة صقلية، ومن فصولها: "اتفق الرومانيون وحلفاؤهم من جهة، والقرطاجييون وحلفاؤهم من جهة أخرى على الشروط التالية: يحجر على السفن الرومانية وسفن حلفائهم اجتياز الرأس الجميل (سيدي علي المكي قرب مدينة غار الملح) إلا عند الضرورة ولأسباب قاهرة، كالوقاية من الزوابع والفرار من القراصنة، كما يمنع عليهم تعاطي البيع والشراء مع الأهالي باستثناء عمليات إصلاح السفن المعطبة وترميمها وجلفطتها، وإقامة الشعائر الدينيّة، وأن لا تتجاوز مدة إقامتهم بها أكثر من خمسة أيام، مهما كانت الظروف..." وفي السنة نفسها عقدت بين البلدين معاهدة ثانية تحدد المياه الاقليمية القرطاجية. وفي سنة 279ق.م، إثر هجوم الملك "بيروس" على إيطاليا، لجأت روما إلى قرطاج وأمضت معها معاهدة أخرى تعترف فيها ضمنيا بتفوق الأسطول القرطاجي جاء فيها "مهما كان الطرف المطالب بالنجدة، تلتزم السفن القرطاجية بنقل الجنود والمعدات الحربيّة". لكنّ مرحلة التقارب هذه لم تعمر طويلا لأن الرومان ساءهم البقاء تحت الحماية القرطاجية.وهو ما أدى إلى اندلاع الحروب البونية بين القوتين.

الحرب البونية الأولى (من 264 إلى 241 ق.م)

في سنة 266ق.م بينما كانت الحماية القرطاجية تحرس قلاع مدينة مسّينا الاستراتيجيّة وتراقب مسالك الملاحة البحرية بين إيطاليا وبلدان البحر الأبيض المتوسط، أغارت عليها جماعة من المارتيين "أبناء مارس" بإيعاز من مجلس شيوخ روما قصد الاستيلاء على المدينة.وفي سنة 264 وفي غفلة من الأسطول القرطاجي الرابض عند المدخل الجنوبي للمضيق هاجمت جيوش رومانية مدينة مسينا واحتلتها، مقيمة بصقلية، حسب التعبير العسكري الحديث، "رأس جسر" ثم سيرت أسطولا لاغلاق الممر أمام الملاحة القرطاجية فكان هذا الحادث بمنزلة الفتيل الذي أضرم نار الحرب بين قرطاج وروما وتوالت الأحداث فكانت:

معركة ملّيس البحرية (Myles) (260 ق.م)

وهي التي دارت رحاها عند خط الدفاع الثاني عن مضيق مسيّنا، قرب مدينة "مليس" في اشتباك عنيف استعمل فيه قائد الأسطول الروماني القنصل ديليوس (Dilius) جسوره المتحركة (corbeaux) واجتاح السفن القرطاجية بموجات من قوات المشاة، تحولت فيه حروب الأسطول لأوّل مرّة في تاريخ القتال البحري إلى نوع من الصّدام البري، انتهى بانهزام أمير البحر حنّبعل الذي لم يقدّر قوّة خصمه ودقة إستراتيجيته التي استطاع بها إستدراجه إلى الحرب على جبهة لم يكن مستعدا لخوضها.

واقعة أقنوما (Ecnome) البحرية (256 ق.م)

وفي صيف 256 ق.م وعلى بعد 60 كيلومترا، غرب مدينة أقنوما، فشل الأسطول القرطاجي بقيادة أمير البحر حنبعل في التصدي للأسطول الروماني بقيادة القنصل ماركوس أتيلييوس رغولوس (Marcus Atilius Regulus) والقنصل لوقيوس مانتيوس فولفو (Lucius Mantius Vulvo) ومنعه من إنزال قواته على السواحل الافريقية.

واقعة ليلبي وطرابنيا (250 ق.م)

في سنة 250 ق.م أراد القنصل بوليوس كلوديوس بولشر مداهمة مدينة ليلبي القاعدة القرطاجية، فهيأ أسطولا عظيما لتدميرها، فتصدى له اللواء هيملكون قائد الحامية من الداخل. أما بحرا فقد قسمت القيادة القرطاجية قواتها إلى مجموعتين، الأولى بقيادة حنبعل هاجم بها ميناء ليلبي، مخترقا صفوف وحدات الأسطول الروماني، وأنزل جنوده بالمدينة لنجدة الحامية المحاصرة بحرا. أما المجموعة الثانية التي كانت بقيادة أمير البحر ادربعل (Adherbal) فقد أرست أمام بناء طرابانيا لتعزيز الحامية القرطاجية المقيمة بها. وفي صائفة سنة 249 ق.م أبحر الأسطول الروماني بقيادة القنصل بوليوس كلوديوس بولشر من ميناء ليلبي تحت جناح الليل متجها نحو طرابانيا حيث وجد الأميرال القرطاجي ادربعل في انتظاره. وفي معركة بحرية ضارية، استطاع أميرا البحر ادربعل وقرثلون (Cartalon) تدمير الأسطول الروماني بقيادة القنصل يونيوس بولوس (Junius Pollus) والقنصل بوليوس بولشر. واسترجعت قرطاج بعد هذه الواقعة سيطرتها على البحر الأبيض المتوسط، وهيبتها باعتبارها قوة بحرية.

معركة جزر أغاثي (Iles Agats) (ق.م242)

في سنة 241 ق.م وبعد خمس سنوات من حرب الاستنزاف، اضطرّ عبد ملقرت بركا قائد الجيوش القرطاجية بصقلية إلى عقد الصلح مع روما لانهاء حالة الحرب. وبموجب صلح آخر تخلت قرطاج عن جزيرتي سردينيا وكرسيكا وكانت بذلك نهاية الحرب البونية الأولى و"خروج قرطاج من ميدان الصراع بجزر البحر الأبيض المتوسط". وبعد أن قضى على الثورة اللّوبيّة النوميديّة، قاد حملة بحرية استولى بها على جنوب البلاد الاسبانيّة حيث أقام سنة 237 ق.م قاعدته بمدينة قادس.

الحرب البونية الثانية (201 - 218)

كان من نتائج الحرب البونية الأولى وثورة اللوبيين اندلاع الحرب البونية الثانية التي دامت ثماني عشرة سنة (من 201 - 218 ق.م)

الأسطول البحري القرطاجي وهزيمة حنبعل بإيطاليا

قد نتساءل عن أسباب غياب الأسطول القرطاجي "صاحب السيادة بالبحر الأبيض المتوسط" عن ميدان المعركة في هذه الحرب. فمن المؤسف أن حنبعل لم يترك مذكرات كان بوسعها الإجابة عن هذا السؤال. ولم يتوقّف المؤرخون من ناحيتهم عند الأسباب الحقيقية والمنطقية التي حملت حنبعل على المجازفة بقواته عبر جبال الالب للهجوم على إيطاليا، وترك الطريق البحرية وهي أقصر مسافة وأكثر أمنا. هل يكمن السبب في ضعف قواته البحرية الرّاسية في السواحل الاسبانيّة وقلة عددها وعدم كفايتها للتصدى لوحدات الأسطول الروماني؟

القوات الحربيّة المتقابلة قبل اندلاع الحرب

في بداية سنة 218 ق.م كانت القوات البحرية البونية المتمركزة في موانئ إسبانيّة تعد خمسين من نوع الخماسيات ورباعيتين وخمس ثلاثيات منها 32 خماسية و5 ثلاثيات صالحة للاستعمال والبقية معطبة. وفي المقابل كان باستطاعة القائد كرنليوس سقيبيون (Cornelius Scipion) الاعتماد على ستين سفينة من الخماسيات العاملة على السواحل الاسبانيّة وعلى مائة وعشرين من النوع نفسه كانت راسية في القواعد الصقلية بقيادة سنبرونيوس لنغوس. وقد يكون هذا الخلل في توازن القوى البحرية بين الطرفين المتقابلين من العوامل التي جعلت حنبعل يتخلى عن الطريق البحرية في هجومه على إيطاليا بجيوش محمولة.

كان لقرطاج في بداية الحرب ثلاث قواعد لمؤازرة جيوش حنبعل، وهي مدينة قرطاج وإمبراطوريّة مقدونيا حليفتها وإسبانيا، ولا يمكن أن يتحقّق الاتصال بين ميدان المعارك بإيطاليا والقاعدتين الأولى والثانية إلا عن طريق البحر. أما مع إسبانيا، فقد كانت لها طريقان، الأولى مباشرة عن طريق البحر، والأخرى عبر بلاد الغال وجبال الالب، وكانت الطريق البحرية مراقبة من طرف الأسطول الروماني. ولما قضت روما على النفوذ القرطاجي بإسبانيا يئس حنبعل من وصول الامدادات الضرورية لمواصلة الحرب بعيدا عن وطنه الذي يفصله عنه بحر تعج مياهه بسفن العدو وكانت الغلبة في آخر الأمر لمن حافظ على طرق مواصلاته وأمن سيادته على البحر.

نشاط الأسطول القرطاجي في أواخر الحرب البونيّة الثانية

ورغم سيطرة روما على المسالك البحرية، قام الأسطول القرطاجي ببعض العمليات كمجازفة الأميرال بوملقرت في السنة الرابعة من اندلاع هذه الحرب وبعد واقعة كانا، حين أنزل (4.000) مقاتل وعددا من الفيلة على الساحل الجنوبي بإيطاليا قرب (Bruttium). وفي السنة السابعة لتلك الحرب، تمكن هذا القائد من الافلات من مراقبة الأسطول الرومانيّ الرابض أمام سيرقوسا والوصول إلى مدينة طارنتا عندما حل بها حنبعل قادما من كابو ونقل حنبعل سالما مع ما تبقى من رجاله، من إيطاليا إلى ميناء لمطة.

الحرب البونيّة الثالثة (149 - 146 ق.م)

بعد سنوات من التّعْبئة حاولت قرطاج نفض غبار الهزيمة فعرضت على روما دفع الغرامة التي فرضتها عليها والمبرمج تسديدها على أربعين سنة دفعة واحدة والسماح لها بأن تهديها أسطولا بحريا من دار صناعتها. فقبضت روما الغرامة ورفضت الأسطول حتى لا تعود قرطاج إلى بناء السفن ويصعب عليها مراقبتها. وفي سنة 149 ق.م أجبر القنصل سقيبيون الأصغر قرطاج على إبرام معاهدة جردتها بمقتضاها من أسطولها البحري ومعداتها الحربيّة ومن رمز عزتها. وفي سنة 146 انتهت هذه الحرب بحرق قرطاج وتدميرها وانقراض الأسطول الذي غاب عن الوجود إلى أمد بعيد.

الأسطول الإفريقي في عهد الولاة العرب

في أوائل الفتح الاسلامي، كانت نظرة العرب إلى البحر حذرة، يخافون من أمواجه وعواصفه، ويهابون أساطيل الغزاة البيزنطيين، ويفضّلون الأماكن البعيدة عن الشواطئ لإقامة مدنهم في البلاد التي يفتحونها. فهذه القيروان مثلا، يخطها عقبة بن نافع في وسط بلاد إفريقية، بعيدة عن سواحل البحر التي كانت تنبض بالحيوية والنشاط والازدهار الاقتصادي. فقد روى المالكي في كتابه "رياض النفوس" أن بعض أصحاب عقبة عرضوا عليه حينما اختار موقع مدينة القيروان، أن يقربها من البحر، حتى يكون أهلها مرابطين، فأجابهم "إني أخاف أن يطرقها صاحب القسطنطينية فيمتلكها، ولكن بينها وبين البحر ما لا يدركه غزاة البحر". وكذلك كانت مدينة الفسطاط التي شيدها عمرو بن العاص في قلب البلاد المصرية، بعيدة عن البحر، في حين ظل اليونان والرومان يحكمون مصر، نحو عشرة قرون، من الاسكندرية، ودمشق بسوريا التي كان يحكمها البيزنطيون من أنطاكية.

وسرعان ما أخذت هذه العقلية تتغيّر شيئا فشيئا، لما شعر العرب بالخطر يداهم سواحلهم بالغارات التي تشنها عليهم الأساطيل القادمة من الجزر المتاخمة. وهو ما اضطرّهم إلى التفكير في إنشاء قوة بحرية لمواجهة هذا العدو بسلاحه وفوق ميدانه. فظهرت تحرّكات بحرية محتشمة، صادرة في أغلب الأحيان عن تصرّفات شخصيّة، يقوم بها بعض الولاة من تلقاء أنفسهم، وذلك لأن السلطة المركزيّة ممثّلة في الخليفة عمر بن الخطاب، كانت لا تزال ترفضه إطلاقا. من ذلك مثلا، ما قام به العلاء بن الحضرمي، والي عمر على البحرين، حين ركب البحر غازيا سنة 17هـ السواحل الايرانيّة، وانتهت الغزوة بتحطيم سفنه فعاقبه عمر بنقله من البحرين.

لهذا مرت ولاية عقبة بن نافع في بلاد إفريقية دون أن تخامر صاحبها فكرة بناء أسطول بحري لرد غارات الروم، حتى تخلص الخليفة عبد الملك بن مروان من منافسه عبد الله بن الزبير سنة 37هـ/196م، فوجه تفكيره نحو بلاد المغرب، وجهز جيشا عهد بقيادته إلى أحد قادة الشام، حسان بن النعمان الغساني وولاه على إفريقية. وتجدر الإشارة إلى أن فتح بلاد إفريقيّة كان من أصعب الفتوحات الاسلاميّة وأطولها أمدا، امتد قرابة نصف قرن في حين لم يدم فتح مصر أكثر من سنتين وفتح الشام نحو سبع سنوات، ولا شك في أن قرب شواطئ هذه البلاد من السواحل البيزنطيّة كان من الأسباب في تأخير فتحها.

مدينة تونس ودار صناعتها

وما إن تخلص حسان من خطر الكاهنة، حتى بدأت تخامره فكرة بناء "مدينة تكون نافذة تطل منها إفريقيّة على العالم الخارجي وتحل محل مدينة قرطاج" التي كانت بحكم موقعها الجغرافي، وبعدها عن مركز الامارة بالقيروان، وكرا من أوكار الأسطول البيزنطي على ضفتي البحر الأبيض المتوسط. فكاتب الخليفة عبد الملك بن مروان يستشيره في الأمر، فاستجاب لطلبه وأذن له بإقامة دار صناعة (قاعدة بحرية).فبدأ يبحث عن المكان المناسب لايوائها، إذ كان يريد أن تكون له قاعدة بعيدة عن البحر، تخفيها مضايق محروسة شبيهة " بدار صناعة الجزيرة" بالفسطاط. وقد تحدّث الدكتور سعد زغلول عبد الحميد في كتابه "تاريخ المغرب العربي" عن مكان دار الصناعة الذي اختاره حسان قائلا : خرج حسان من القيروان سنة 84هـ/703م لايجاد موضع غير بعيد من ضرائب قرطاج... حتى وصل إلى المحمدية (طنبذة) ومنها تقدم إلى قرية عرفت باسم "ترشيش"، فأقام بها مدينته الجديدة "تونس" القريبة من المرسى الذي كان يسمى في ذلك الوقت رادس. ويروي البكري أن عبد الملك بن مروان كتب إلى حسان بن النّعمان يأمره ببناء دار صناعة تكون قوّة وعدّة للمسلمين إلى آخر الدّهر، وأن يجعل على البربر جرّ الخشب لانشاء المراكب ومجاهدة الروم في البرّ والبحر. ويشير البكري إلى موقع دار الصناعة فيقول: "فصارت له دار صناعة بتونس متّصلة بالميناء، والميناء متّصل بالبحيرة، والبحيرة متّصلة بالبحر". ويضيف قائلا: "وبقبليّ الميناء قصر مبنيّ بالحجارة، متقن البناء، وفي الجوف منه حائط صخر كالسور، فصار المدخل للسفن في هذا الميناء بين حائط القصر وهذا السور، وتعرض بينهما سلسلة من حديد تمنع المراكب من الدخول والخروج مادامت متعرّضة، وهذا القصر يعرف بقصر السلسلة". وهكذا يكون حسان بن النعمان قد أنشأ في مدينة تونس القاعدة البحرية الأولى في إفريقيّة وجعل منها عاملا رئيسا من عوامل السيادة، فهي بحكم موقعها البعيد عن البحر وعن الغارات البحرية، سرعان ما أعطت نتائجها المهمّة في الدفاع عن البلاد، وكذلك في الهجوم على جزر الروم وعلى سواحلهم، فقد كانت نقطة تحول بالنسبة إلى الاستراتيجيّة الحربية الاسلامية في الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط. وبعد أن كانت مبنية كليا على العمليات البرية، أصبحت تعتمد أيضا على البحر وعلى المعدات البحرية. وجعل من هذه القاعدة عاملا رئيسا من عوامل السيادة الاسلاميّة بإفريقية.

ولاية موسى بن نصير

في أوائل 86هـ/705م، عين عبد العزيز بن مروان، موسى بن نصير واليا على إفريقيّة، فاستأنف النشاط العسكري، ووجه اهتمامه إلى الأسطول قصد السيطرة على جزر البحر الأبيض المتوسط ومن أهمها صقلية، لاتخاذها قواعد بحريّة أمامية تحمي سواحل إفريقيّة وتنطلق منها الغزوات على السواحل الأوروبية والأندلسية، ولبلوغ غايته وسّع دار الصناعة بتونس، وبادر بإنشاء مئات السفن الحربية وسيرها إلى تلك الجزر لفتحها مبتدئا "بغزوة الأشراف" بقيادة ابنه عبد الله لفتح صقلية، فأغار على سواحلها وعاد بالغنائم والسبايا.

فتح الأندلس

كثرت الروايات حول هذه الغزوة التي قادها طارق بن زياد وعن الوسائل البحريّة التي استعملها، فمن المؤرخين مثل المقري من يرشح استعمال طارق لأربع سفن استعارها من حليفه يليان حاكم مدينة سبتة. ومنهم من يرى أنها سفن تجارية تستعمل عادة لنقل المسافرين والبضائع بين ضفتي المضيق، حتى لا يتفطن الناس إلى عملية الانزال، إلا أن جيوش طارق كانت تستوجب عدّة مراكب لنقلها حتى سواحل الأندلس، وقد كانت دار صناعة تونس تعدّ السفن التي تشارك في الكثير من الفتوحات والغزوات. فمن البديهي أن لا يغامر موسى بن نصير بجيوشه دون أن يهيّئ لها ما يلزمها من السفن والمعدات لنقلها إلى الأندلس.

ولاية عبيد اللّه بن الحبحاب

وفي ربيع الأول من سنة 116هـ/ (أفريل 734م) ، عهد الخليفة هشام بن عبد الملك بولاية إفريقيّة إلى عبيد الله بن الحبحاب، فوجه عنايته إلى الأسطول الذي أصبح قوة هجومية، يمتد نشاطها إلى ما وراء البحار، وجدد دار الصناعة بتونس ووسعها وأضاف إليها أقساما. ويقول البكري في هذا الموضوع: "وقد تقدم أن عبيد الله بن الحبحاب، بنى دار الصناعة، فلعل من روى ذلك يريد أن عبيد الله جددها وزادها تحصينا".

نشاط الأسطول

في سنة 116هـ/734م سيّر عبيد الله بن الحبحاب أسطولا بقيادة حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع، غزا به جزيرة صقلية، واشتبكت سفنه مع سفن الروم في قتال عنيف انتهى بانتصار المسلمين ثم سير سنة 117هـ/735م القائد نفسه إلى جزيرة سردينيا، وفي سنة 118هـ/736م أغزاه جزيرة قوصرة كما أمره بالتوجه للمرة الثانية إلى صقلية سنة 122هـ/740م. وعن هذه الواقعة، يقول ابن الشباط "إن ابن الحبحاب، سيّر حبيب بن أبي عبيدة على رأس أسطول غزا به صقلية سنة 122هـ/740م، فظفر بالكثير، وحل أمام سيرقوسة، فقاتل أهلها، وقاتلوه حتى ضرب بابها فصالحوه على الجزية".

وفي سنة 130هـ/744م سيّر حملة بحرية بقيادة عبد الرحمان ابن حبيب الفهري أتمّت فتح جزيرة قوصرة. وفي سنة 135هـ غزا عبد الرّحمان صقلية وسردينيا وسبى منها وغنم وصالح أهلها على دفع الجزية. وبذلك مهدت البحرية التونسيّة للفتوحات الاسلاميّة التي قام بها الأغالبة ثم الفاطميون من بعدهم حتى أصبح البحر الأبيض المتوسط كما وصفه المؤرخ ابن خلدون: "بحيرة إسلاميّة لا يمكن للنصارى إبحار خشبة عليه". ببليوغرافيا==

  • Barkaoui A, Notes sur le réseau portuaire african de la flotte carthaginoise:le cas de la côte centre-orientale de la tunisie ,L’homme et la mer,Actes du colloque de Kerkennah 7-8-9 mai,1999,Sfax,2001,p15-28.
  • La marine carthaginoise :Approche des activités militaires des carthaginois sur mer depuis les origines jusqu’en 146 av J.C ,L’Or du temps,2003.
  • Decret F,Chartage ou L’empire de la mer, Paris,1977