http://www.mawsouaa.tn/w/api.php?action=feedcontributions&user=Marwa&feedformat=atomالموسوعة التونسية - مساهمات المستخدم [ar]2024-03-28T17:07:58Zمساهمات المستخدمMediaWiki 1.27.1http://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%86%D8%AC%D9%8A%D8%A8_%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%88%D8%AC%D8%A9&diff=4694نجيب بالخوجة2016-12-30T08:16:14Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>[1933 - 2007م]<br />
<br />
ولد [[نجيب بالخوجة]] بتونس العاصمة سنة 1933 من أب تونسي وأمّ هولندية. تلقّى تكوينا أكاديميا في قيادة الطائرات في الخمسينات، ولكنّ ميله إلى فنّ الرسم كان أقوى من انشغاله المهني في مجال الطيران، كما كان يمكن لبالخوجة الشاب أن يلتحق بوالدته ويحصل على إقامة هولندية. لكنّه فضّل أن يبقى بحيّ "باب الجديد" بالعاصمة، حيث نشأ. وكان في هذا الحي قد تعرّف إلى الرسّام الايطالي المقيم بتونس فابيو روكشجياني الّذي وجد فيه صدى لأفكاره الفنية فتفاعلا.<br />
وبعد أن أدركت تجربة هذا الشاب النضج في أواخر الخمسينات (وقد تجسدت في الأعمال التي عرضها ولقيت استحسان الفنانين والنقاد الطّلائعيّين ومنهم الرسّام التونسي [[حاتم المكي|حاتم المكّي]]) التحق بورشة روكشجياني. وأسّس معه سنة 1962 "مجموعة السّتة" التي كانت تدافع عن مواقف ثقافية طلائعية وتنبذ التقليد وتتصدّى بالنقد لما يأيّبه بعض الرسّامين الفرنسيّين المقيمين بتونس وعدد من جماعة مدرسة تونس من توظيف للتراث والفولكلور المحلّيّين، بدا لها سطحيّا. ثمّ نشطت "مجموعة السّتة" بنهج القاهرة في قلب العاصمة وقدّمت عدة معارض جماعية. وقد كانت تضمّ فضلا عن بالخوجة وروكشجياني كلاّ من التونسيّين لطفي الأرناووط والصّادق قمش والفرنسيّين جوليات قرمادي وجون كلود ألان. وعندما لقيت أعمال بالخوجة صدى واسعا في بيانال باريس الدولي، كانت الفرصة سانحة للالتحاق بالحي الدولي للفنون بعاصمة الأنوار للحصول على إقامة به. وكان ذلك سببا رئيسا لتلاشي هذه المجموعة قبل عودتها سنة 6691 في صيغة أخرى. وهي "معرض الخمسة" الذي يُعدّ وريثا شرعيّا لها...<br />
ويعتبر الرسّام التونسي [[نجيب بالخوجة]] من روّاد نزعة التحديث في ثقافة الفنون التشكيلية بتونس خاصّة وفي العالم العربي عامّة. وقد تجلّى ذلك في خصوصيّة أسلوبه الفنّي الذي بدأ إرهاصه في الخمسينات من القرن العشرين.<br />
وذلك من جهة تركيزه على استعمال الفعل الخطّي المتواصل، في لحظة الأداء، دون رفع القلم من الورقة. وقد أدّى هذا الخطّ المتواصل إلى تكوين فضاء متاهيّ يصهر الشكل التشخيصي الأوّلي داخل فضاء ممتدّ ذي عناصر شبه متجانسة. وبمثل هذه النتائج التي تمخّض عنها التشكيل المتاهي - وقد أضحى هندسيّا - يحيل الرسّام فيما بعد على صورة مّا لمعمار المدينة العربيّة أو إلى هيئة ما لكتابة تشكيليّة بالخط الكوفي الهندسي. وقد دفعت هذه الاحالات بالرسّام إلى تدارك هذه الصّور وهذه الهيئات المستفادة والاشتغال بها باعتبارها موضوعات مستقلّة بذاتها داخل لوحة حديثة، لا تتعاطى مع صورة المدينة على نحو ما كان يبدو في الفنّ الساذج والفنّ شبه الانطباعيّ والتشخيصيّ السائدَين، أو على نحو ما كان يبد وفي التصاوير السياحيّة. بل كان موضوع المدينة اكتشافا داخل الفعل الفنّي وليس منطلقا جاهزا يحتّمه الحنين إلى الماضي.<br />
ومن ثمّة، انبنت لوحة بالخوجة على رؤية فنيّة ذات مواقف ثقافيّة تتعارض مع المألوف في ممارسات الرسّامين الفرنسيين بتونس وتلامذتهم من التونسيين. وتنهل مبادئها من شروط التأصيل والتحديث على حدّ سواء. فأن نكون حداثيّين في نظر هذا الرسّام هو أن لا نتمسّك بتراثنا جثّة هامدة آتية من الزّمن التليد بل أن نؤكّد قدرة هذا التّراث على نقل فكرة الخلق والابتكار التي تسكنه إلى الزّمن الحاضر والأزمان اللاحقة.<br />
وهكذا ربط بالخوجة تصوّره للشّكل الفنّي بذاكرة الأنا وتراثها الجمعي من جهة وبجدليّة تاريخيّة ينفتح فيها هذا الشّكل على الزّمن المتوثّب والخلاّق من جهة أخرى. وهو الذي راهن على الافادة من تراث الشكل الفنّي (المدينة - الخطّ العربي - الزربيّة) في الوقت نفسه الذي راهن فيه على الافادة من تاريخ الفنّ الحديث وخاصّة منه ما يتعلّق بثورة الأساليب التجريديّة في مستهلّ القرن العشرين، من قبيل أعمال الهولندي بيات موندريون والسويسري بول كلي.<br />
ومثل هذه المواقف أكّدت أنّ الفنّ التشكيلي الذي يدافع عنه بالخوجة ليس مهارة تقنيّة أو خبرة بتقنية اللون وسحر الخطوط، بل هو أيضا خطاب ثقافي وفكر جدليّ له مرجعيّاته ما بين تاريخ الفنّ العربي الاسلامي وتاريخ الفن الحديث وتاريخ الفكر النّقدي والجدلي. وذلك ما أدّى ببالخوجة إلى أن يكون أبا الفنّ الطّلائعي والتجريدي التونسي داخل مجموعة الستّة، تلك التي أغنت السّاحة الثقافيّة بتونس بأفكار إبداعيّة ومواقف ثقافيّة بارزة، في الستينات والسبعينات على الأقل. وقد رافقت نزعات الطليعة والتجديد في واقع الفنون والاداب والفكر وقتذاك.<br />
مثلما حظيت أعمال بالخوجة التي كان يعمل على إنجازها حتّى في آخر حياته، بمكانة لدى المؤرّخين والنقّاد التونسيّين والعرب عامة، فقد لقيت كذلك صدى في عدّة ربوع متوسّطيّة وخاصّة بفرنسا، منذ المشاركات اللامعة التي سجّلها بالخوجة ببيانال باريس في الستينات ومعارضه ببعض الأروقة الفرنسيّة والمركز الثّقافي الايطالي بتونس ومشاركاته بمعهد العالم العربي بباريس.ليس فنّ بالخوجة فنّا مجرّدا خالصا. إنّه نتاج فعل في الأشياء وصناعة تشكيليّة لمنظر العالم - المدينة، حتى يتوصّل إلى أشكاله التجريديّة. إنّه عمليّة تنقية واختزال. وبفضل هذا المسار الذي يخوضه الشكل، تتخلّص اللّوحة من المحتوى المشهدي المباشر لتصير إلى نسيج تشكيلي ذي عناصر تتحرّك إيقاعيّا وتتجانس مع تركيبة الحروف في الخط الكوفي. إنّ التجريد هو بمنزلة استثمار للبنى التشكيليّة في منظر العالم والأشياء. وهو مسار يؤكّد وحدة الرؤية وعمارتها. يقول [[نجيب بالخوجة]] في شهادة له سنة 1970 "وبفعل هذه التّنقية أو هذه التّعرية التي تؤدّي بي إلى انتزاع كلّ الزوائد والحفاظ على الهيكل، تمكّنتُ من إيجاد مقاطع حروف، بل ومقاطع كلمات أيضا".<br />
ومثل هذا المسار التجريدي الذي تتماهى فيه العناصر المعماريّة مع الحروف، هو وجه من الذّكاء التشكيلي الذي ينشط داخل ممارسة دؤوبة للأشياء، تولّد خداعا فنيّا ولذّة جماليّة.<br />
وهو ما يتأكّد عندما "يتردّد الشكل ما بين اندثاره من جهة وإعادة تشكيله من جهة أخرى" أو عندما "يراوح نسيج اللوحة ما بين خلاء وملاء، سالب وموجب، وتتشكّل عمارة الرؤية في نوع من المتاهة، حيث تفضي العناصر إلى بعضها وتتقاطع الاتجاهات ما بين عمودي وأفقي".<br />
بمثل هذا التقاطع بين العمودي والأفقي تتوحّد خطوط المتاهة في شبكة اللوحة (وهو حلّ تشكيليّ قديم كما في الفنّ العربي الاسلامي) ويعيد إلى العناصر لحمتها وإلى النسيج وحدته بعد أن يفتت منظر الأشكال وتحليله.<br />
وهكذا، فبقدر تجذّر الشّكل الفنّي لدى بالخوجة في مرجعيّته التراثيّة والمحليّة (المعمار<br />
<br />
* الخط العربي - تشكيلات الزربيّة التونسية) يكون التقاؤه باللغة المعاصرة للفنّ التجريدي في نقائها الشكلي. إنّ مسار التنقية الشكليّة هو ولوج إلى كونية اللغة البصريّة وتواصل جمالي مع راهنيّة تاريخ الفنّ.<br />
فقد قامت لوحة بالخوجة على تشذيب الشكل وتحليله إلى مربّعات ومستطيلات وأنصاف دوائر داخل نسيج من علاقات القوى الديناميكية - البنائيّة يبيح الانخراط في التجارب الكبرى للتجريد والتفاعل مع مكتسبات الفنّ الحديث.<br />
لا ريب في أنّ مسار النقاء الشكلي وإن كان يحتكم إلى عين هندسيّة، فيرتدّ إلى النظر الذهني والحسابي في التعامل مع الامتداد المساحي فيصبح الشكل فكرة أو قوّة هندسيّة، فإنّه ينمّ عن عمليّة تجري أفعالها في الزمن الحي يتجاوز فيها الشكل حدود الثنائيّات (تشخيص<br />
* تجريد، موضوع - شكل). ويؤكد نوعا من الصناعة المخبريّة للشكل، تلك التي تتحرّك داخل تجربة شعورية - حسيّة حيّة تربط بين الرؤية التشكيليّة والتدبير الحرفي أو الحذلقة التّصنيعيّة. وهو ما يفسّر نزوع الفنّان إلى مخالطة أجناس تشكيليّة أخرى غير الرسّم مثل النحت أو الحفر أو التلصيق، إذ كانت له تجربة حيّة مع خامات مختلفة مثل الورق المقوّى والخشب والأليمينيوم والبلور... قال بالخوجة في آخري حياته "لو كُتبت لي حياة فنيّة جديدة سأكون فيها نحّاتا بامتياز..."<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:الرسم]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%86%D8%B3%D9%8A%D9%85_%D8%B4%D9%85%D8%A7%D9%85%D8%A9&diff=4693نسيم شمامة2016-12-30T08:09:22Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>[1805 - 1873م]<br />
<br />
ولد نسيم في بداية القرن التّاسع عشر ب[[صفاقس]] وتحديدا سنة 1805, في أسرة يهوديّة تونسيّة. وثبت أنه كان تاجرا بسيطا للأقمشة قبل التحاقه بخدمة واحد من أفراد عائلة ابن عيّاد. وإذا كان فعلا تاجرا بسيطا من الناحية المالية أو من جهة الاستثمار في الحقل التجاري، فإنّه لم يكن كذلك على مستوى الفطنة والنّباهة وبناء العلاقات المثمرة. ويكفي أن ينتدبه تاجر من أثرى تجّار الايالة ويلحقه بأتباعه حتّى نتحقّق من مقدرة الرّجل في الميدان. ويبدو أنّ العمل في السّمسرة ووكالة الأعمال لدى محمود بن عيّاد قد أبرز المواهب التّجارية لنسيم.فحظي بثقة مؤجّره الذّي عهد إليه بمسك كلّ حساباته الخاصّة. وإلى جانب عمله أجيرا، دخل سنة 1845 الميدان التّجاري بتمويل ذاتي، إذ تكشف بعض الوثائق أنّ له علاقات تجارية مع مورّدين فرنسيّين.<br />
لم يكسبه العمل في دائرة محمود بن عيّاد الخبرة في إدارة الأموال والأعمال فحسب. بل أطلعه على مزايا خدمة أصحاب النّفوذ وما يمكن أن يجنيه من ورائهم، كما حفّز لديه هذا العمل طموح الارتقاء متأثّرا بشخصيّة مؤجّره وثرائه ونفوذه. وفعلا بدأت تتحقّق لنسيم رفعة الشّأن والحظوة بتعيينه سنة1849 م قابض أموال الدّولة، خلافا لما ذهبت إليه عدّة دراسات من أنّ تعيينه في هذا المنصب كان سنة1859 م. بل إنّ هذه السّنة هي تاريخ تعيينه رئيسا على القباضة ومديرا للماليّة برتبة أمير لواء، بعد أن نُصّب رئيسا على سائر اليهود في جميع ما يخصّهم.وكانت الانطلاقة الفعليّة لنسيم في عالم المال وتوطيد علاقته بأصحاب السّلطة والنّفوذ بعد تقلّده لهذا المنصب الذّي استطاع أن يجمع بينه وبين خدمته لابن عيّاد من جهة ويتابع مناشطه التّجارية الخاصّة من جهة أخرى. وهي أعمال ذات مسؤوليّات جسام، تتطلّب منه قدرة ذهنيّة وبدنيّة عالية حتّى يتمكّن من إنجازها والتّوفيق فيها بما يرضي رؤساءه.<br />
أمكن لنسيم تبعا لهذه المكانة التّي نزّلته مرتبة عليا، أن يمتّع بعض أفراد عائلته بحظوة خدمة الدّولة. فبعد تعيين ناتان شمامة قابضا لمجابي منطقة الأعراض كما سبق أن أشرنا، نصّب ابنه شلومو (قائد الفضّة) ليشرف على مداخيل هذه المؤسّسة الحديثة التّي أطلق عليها اسم دار الفضّة. ويتابع ما تستلزمه متطلّبات الدّولة من هذه المادّة لصنع الأوسمة والنّياشين وتحلية الأزياء الرّسمية للباي والوزراء وآل البيت وأعوان المخزن.وكما هو بيّن من هذه الخدمات، اختصّ أفراد عائلة شمامة بالاشراف على أهمّ الوظائف الماليّة للمخزن، لكن دون أن يكون لهذا الاشراف تأثير في مناشطهم الخاصّة في الحقلين التّجاري والمالي. بل إنّ حظوظهم قويت واستثماراتهم توسّعت بإشراف إسرائيل بن شلومو رغم حداثة سنّه على مصاريف القصر، مع عمّه يوسف بن ناتان. وهو ميدان صعب ودقيق لارتباطه مباشرة بالغذاء اليومي للباي وآل بيته وحاشيته لا يقدر على التكفّل به إلاّ مَنْ توفّرت لديه سيولة نقديّة مهمّة لمجابهة كثرة الطّلبات وارتفاع أثمانها.ويبدو أنّ النّجاح الذّي حققه نسيم من مسكه للحسابات الماليّة قد أغرى [[مصطفى خزنه دار|مصطفى خزندار]] بأن يتّخذه عونا من أعوانه ويقرّبه إليه. وهنا اقترنت المصالح الذّاتية لهذين الشخصين لتفرز علاقة قامت في بدايتها على ولاء المرؤوس لرئيسه، ثمّ أسّست لتحالف متين بينهما.<br />
انبنى هذا التّحالف على انهيار مكانة محمود بن عيّاد. فوجّهت كلّ التّهم إليه. وحُمّل وحده مسؤوليّة انتهاك أموال الدّولة. وتبعا لهذا تسنّى لخزندار إبعاد الشّبهات عنه بإعانة [[نسيم شمامة]] الذّي سخّر خبرته وطاعته لقضاء مآرب سيّده الجديد. وتسنّى له هو أيضا أن "يرث" جزءا من وظائف ابن عيّاد التّجارية. وهو ما تكشف عنه بعض الوثائق.<br />
وسواء "ورّث" بعض الموارد المخزنيّة من مؤجّره القديم، أو أحيلت إليه، فلا يعدّ هذا إشكالا في حدّ ذاته، ما دام نسيم هو المؤهّل الوحيد لمتابعة هذه الموارد بحكم إشرافه عليها سابقا. لكن الاشكال يكمن في كيفيّة الاحتفاظ بها لسنوات عدّة إلى حدّ احتكارها. فهل تأتّى هذا الاحتكار من فراغ السّاحة التّجارية للايالة من مموّلين كبار؟ أم هل هو نتيجة لنفوذ نسيم وسلطته في هذا الوسط؟.في الحقيقة تجتمع كلّ هذه الأسباب مع علاقته بأصحاب القرار النّهائي في الميدان لتركّز سطوته على هذه الموارد وهيمنته عليها. وإذا تمعّنا في نوعيّة هذه الموارد لاحظنا أنّ نشاطها يرتبط بقطاع التّجارة الخارجيّة إلى جانب ارتباطه ببضائع استهلاكية. وفي هذا التوجّه اختيار حدّدته خبرته في الميدان. وإلاّ لما عزف عن توجيه استثماراته صوب اللّزم الريفيّة الكثيرة التّي خلّفها محمود بن عيّاد.<br />
وقد تماشت سلطة الاشراف مع اختياره هذا. وقبلته بتجديدها لعقود التزاماته المرّة تلو المرّة، حتّى اصبح محتكر جباية مكوسها على وجه شرعي. فلزمة الخشب والحديد والدّهن والأدوية التّي افتتح بها نشاطه سنة 1846, منحت له مرّة أولى ثمّ جدّدت له بعد ذلك لمدّة عامين ومرّة ثانية لمدّة أربع سنوات ثمّ مرّة ثالثة لمدّة عشر سنوات بالسّعر نفسه الذّي انطلقت منه في السّنة الأولى من التزامها والمحدّد بمبلغ 50.000 ريال عن العام الواحد. وقد ضمن في أداء هذا المبلغ مؤجّره محمود بن عيّاد آنذاك.<br />
قادته هذه الخبرة إلى أن يضيف لزمة الخشب وتوابعها إلى مواد أوليّة أخرى من النّوعيّة نفسها تتماشى معها. وهي الاشراف على لزمة الجير والياجور. فأصبح تبعا لهذا النّشاط أوّل مزوّد للدّولة ولمقاولي البناء بهذه البضائع التّي لها من الرّواج السّهل ما يسهم في إعادة طلبها من جديد. فسوقها في أوج ازدهاره خاصّة أنّ وجهتها معيّنة. ولم يخرج إطار استعمالها عن مشروعات أحمد باشا باي.<br />
كما توصّل إلى متابعة مكوس التّجارة الخارجيّة بأكبر موانئ الايالة، بتمكّنه من لزمة قمرق السّلعة وتوابعه، أي تحصيل الأداءات على البضائع العابرة لمينائي [[حلق الوادي]] والبحيرة تصديرا وتوريدا، لمدّة تسع عشرة سنة على التّوالي. وللمدّة نفسها عُهدت له المهمّة ذاتها في ميناء [[صفاقس]]، ولمدّة سبع عشرة سنة بميناء و[[سوسة]].<br />
أتاح له هذا الاشراف الطويل على الموانئ حريّة النّشاط داخلها وتكثيف استثماراته بها دون أدنى مراقبة، ما دام المأمور الأوّل عليها ومن حقّه أن يحظى بامتيازات هذا القطاع حتّى ولو كانت بطرق لم تجر بها العادة. فمسؤولياته ومركزه لدى السّلطة كانا يسمحان له بأن يشرّع لنفسه ما لا يشرّعه لغيره من التجّار. فقد توصّل في غضون بعض الأشهر من سنة 1271هـ إلى [[تصدير]] كلّ كميّات الزّيت التّي أعدّت للغرض، وفق ستّة أوامر سراح تضمّنت 321 ألف مطر من الزّيت تجاوزت قيمتها المليون ريال (1.056.000 ريال). وتبعا لهذه الكميّة المرتفعة ومبالغها الضّخمة عدّ المصدّر الأوّل بالسّاحة التّجارية للايالة.<br />
وحصل نسيم في التّاريخ نفسه على لزم الخلّ والمسكرات والشّريحة بأهمّ حواضر البلاد (الحاضرة، و[[سوسة]]، و[[المنستير]]) لمدّة لم تقلّ عن خمس عشرة سنة، محافظا على الأسعار نفسها التّي اقتناها بها أوّل مرّة. ولم تقتصر مرافق استثماراته على هذه المناشط فحسب. بل أضاف إليها سلعا استهلاكية أخرى لها قيمتها في أسواق الايالة مثل الملح والفحم والصّابون الطري بالحاضرة.وسواء كانت كلّ هذه الاستثمارات له أو لخزندار أو للاثنين معا، فإنّ حجمها ومدّة العمل بها يوحيان بأنّ لنسيم سلطة ونفوذا مارسهما في هذه الحقول التّجارية وغنم منها واستطاع في سنوات قليلة تجميع ثروة طائلة أقرض منها الدّولة 19 مليون ريال لمجابهة عجزها المالي وهو ما زاد في علوّ مرتبته لدى السّلطة.<br />
سمحت له كثرة أمواله كذلك من اقتناء الكثير من الدّور الفخمة ذات المساحات الشاسعة خاصّة بعد قرار السّماح لليهود والأجانب بكسب أملاك عقاريّة، وظّف بعضها للكراء وبعضها الاخر استغلّه لاقامته واستجمامه. وقد بلغ عدد هذه العقارات 65 عقارا، توزّعت بين الحاضرة و[[حلق الوادي]] والمرسى وأريانة ومنوبة و[[المحمدية|المحمّدية]].<br />
لم يتمتّع نسيم طويلا بالمجد الذّي بلغه والعزّ الذّي حقّقه. فقد ساوره خوف مرعب على شخصه وماله بانتفاضة علي بن غذاهم التّي أدّت إلى إفشال التجربة الاصلاحية وتعليق العمل بالقوانين الدستورية سنة 1864. وقد طالب المنتفضون بعزل الوزير [[مصطفى خزنه دار|مصطفى خزندار]] لتسبّبه في الاضطرابات الماليّة والانحطاط الذّي آلت إليه البلاد من جرّاء سرقاته وسطوته على الموارد المخزنيّة، كما أشير بأصابع الاتهام إلى تورّط نسيم في إفلاس الخزينة وتحريضه للباي على مضاعفة مبلغ مال الاعانة من 36 إلى 72 ريالا. وهو السّبب المباشر لاندلاع فتيل الانتفاضة.سافر نسيم إلى فرنسا حاملا معه كلّ أمواله وأمتعته ما عدا ما لا ينقل. واستقرّ بباريس في حيّ من أحيائها الفخمة، مستقدما معه عشرة من أقربائه، وقد احتضنهم جميعا بمقرّ إقامته.<br />
رأت الدّولة في مدّة غياب نسيم أنّ من مصلحتها إسناد منصب رئيس القبّاض ومدير الماليّة إلى شلومو بدلا عن عمّه. لكن فشلت في اختيارها هذا. ذلك أنّ شلومو لم ير بدّا من استغلال منصبه وعلاقته بالسّلطة وبأعوان عمّه ووكلائه ليحوّل لحسابه الخاصّ بين 1864 و1866 مبلغا ماليا قدّر بأكثر من عشرة ملايين ريال من أموال الدّولة ثم فرّ إلى جزيرة كورفو حيث استقرّ نهائيّا.لم يعرف عن نسيم على امتداد فترة إقامته بباريس التّي تواصلت إلى سنة 1870 استثمار في المجال التّجاري أو المالي ويبدو أنّه عزف عن العمل وخيّر التّقاعد محافظا على ثروته وأملاكه هناك. وقد حفّزه هذا العزوف عن المناشط التّجارية إلى نسج علاقات على مستوى مغاير، فقد ركّز أعماله التطوّعية في نشر الكتب العبرية ودعمها بأمواله الخاصّة، كما تمكّن من إقامة علاقات مع رجال الدّين اليهود بباريس وبالقدس.<br />
حرّر وصيته في 22 سبتمبر 1868, بخطّ يده، مركّزا اهتمامه فيها على أنّه في أتمّ مداركه العقليّة، وقد تضمّنت تقسيمه لثروته إلى ثلاثة أجزاء أوصى بها إلى من جمعه بهم حبّ شديد:<br />
<br />
* الجزء الأول لعزيزة حفيدة ناتان شمامة وابنها نسيم بدرجة أولى، إذ عاد لهما النّصيب الأوفر من الارث.<br />
* والجزء الثّاني من ثروته مَنّ به على أقربائه وبعض مساعديه ونخبة من رجال الدّين اليهود بتونس وباريس والقدس.<br />
* أمّا الجزء الأخير فقد أوصى به لاقامة مشروعات خيريّة. ووزّعه على مدن احتفظت بذاكرة الشّتات اليهودي وهي القدس والخليل وصفد وطبرية. وكأنّه أراد بعلاقاته ووصيّته أن يبلغ العالميّة.<br />
<br />
حصل على الجنسيّة الايطالية بعد استقراره بليفورنو حيث توفيّ في 24 جانفي 1873 عن سنّ ناهزت 68 عاما. ونقش على قبره عبارات تمجّد رفعته ومكانته وتشيد بكرمه وسخائه وأعماله الخيريّة. وكشفت وصيّته عن الحجم الحقيقي لثروته التّي أغرت أصحاب السّلطة بالايالة. فرفعت قضيّة للمطالبة باسترداد الأموال التّي كان قد اختلسها. وفي الحقيقة ليست قضيّة في هذا الغرض، بقدر ما هي قضيّة للحصول على نصيب من الميراث.<br />
ورغم كثرة المصاريف التّي أنفقها الوكلاء في القضيّة وعلى رأسهم الفريق حسين ورغم المحاولات المتكرّرة من السّلطة لايجاد صيغ من التّفاهم والحلول المشتركة مع الورثة للتنازل عن حقّهم في الميراث، فإنّ القضيّة قد طالت ولم تحسم نهائيّا إلاّ بعد انتصاب الحماية، حين وجد حلّ توفيقيّ على يد القضاء الفرنسي استفاد منه خاصّة الورثة الشّرعيّون. ولم تحطّ هذه القضيّة من شخصيّة [[نسيم شمامة]] بل دعمتها وأصبحت مسيرته بمثابة الأسطورة.<br />
<br />
<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:السياسة]]<br />
<br />
[[تصنيف:المالية]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%85%D8%AD%D9%85%D9%88%D8%AF_%D9%82%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AF%D9%88&diff=4680محمود قابادو2016-12-29T14:52:36Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>[1230 - 1288هـ/1815 - 1871م]<br />
<br />
== أسرته وتربيته ==<br />
<br />
هو المصلح الحداثي الشّيخ محمود بن محمّد بن محمّد بن عمر قابادو الذي كان غالبا ما يمضي كتاباته باسم محمود الشريف. ويبدو أنه كثيرا ما كان يستعمل صفة "الشريف" هذه المهاجرون القادمون من الأندلس أو من المغرب. ويبدو من دراسة أجيال "الأشراف" أنّ أغلبهم ينتمون إلى منطقة"الساقية الحمراء" في الصحراء الغربيّة.<br />
أمّا عائلة قابادو فأصلها من الأندلس. ولعلّها هاجرت إلى تونس سنة 1609 في عهد عثمان داي. واستقرّت في أوّل الأمر ب[[صفاقس]] حيث ولد أبوا [[محمود قابادو]] وتزوّجا. ثمّ تحوّلا إلى تونس العاصمة حيث ولد محمود سنة 1815. ويقال إنّ والده غادر مدينة [[صفاقس]] لأنّ صناعة الأسلحة التي كان يمارسها أصبحت غير ذات جدوى.<br />
فتربّى حينئذ في [[تونس|مدينة تونس]] وحفظ القرآن في الكتّاب مثل سائر الأطفال الذين هم في سنّه. ولكن سرعان ما تعرّض لأزمة صوفيّة، فحاول إشفاء غليله بمطالعة كتب أعلام الصوفيّة وفي طليعتهم ابن عربي. وكان عصاميّا، لأنّه رفض مزاولة دروس نظامية أو الامتثال للانضباط المدرسي. وكان يتسكّع في [[تونس|مدينة تونس]]، وهو أشعث الشعر، رثّ الثياب، حافي القدمين.<br />
<br />
== إقامته في مصراتة ورجوعه إلى تونس ==<br />
<br />
وفي سنة 1832 غادر [[محمود قابادو]] تونس متوجّها إلى مصراتة بايالة طرابلس الخاضعة للحكم العثماني، حيث التحق بالطريقة المدنيّة المتفرّعة عن الطريقة الشاذليّة، وكان يشرف عليها الشيخ محمد حسن بن حمزة ظافر المدني المتوفّى سنة 1852. والملاحظ أن ّ مذهب هذه الطريقة الصوفيّة يلحّ على أن يبذل المريد أقصى ما يمكن من الجهد للتأمّل في الذات الالاهية والاتحاد الصوفي مع اللّه. "فأخذ يتابع يوميّا دروس شيخه المتدرّجة والمنتظمة، ويسعى بانصياع إلى الامتثال لما يصدره إليه من أوامر: كالمكوث مدّة متواصلة بالزاوية وإقامة الصلوات آناء الليل وأطراف النهار والصوم عدة أيّام متتالية وحضور حلقات الذكر والاشتراك مع المريدين الباحثين مثله عن الطريق المؤدّية إلى الحقيقة والباذلين قصارى الجهد للتعجيل بساعة الالهام النافع. ولم يهمل أيّ عمل من الأعمال الصوفية اللاّزمة في نظره للفوز باكتمال الذات، وبلوغ تلك الغاية التي رضي في سبيلها بالاغتراب والحرمان".<br />
وبعد أن أقام [[محمود قابادو]] ثلاث سنوات في مصراتة، رجع سنة 1835 إلى تونس حيث تابع دروس أشهر شيوخ [[جامع الزيتونة]]. فتتلمذ للشيخ الحنفي محمد بيرم الثالث المفتي ثم رئيس المجلس الشرعي، المولود سنة 1787, مع التدريس في الوقت ذاته. ودرس أيضا على الشيخ أبي العباس أحمد بن الطاهر اللطيف أصيل جهة الساحل، العالم الفقيه وتلميذ الشيخ [[إبراهيم الرياحي]] والشيخ محمد بن الطاهر بن مسعود والشيخ [[حسن الشريف]].<br />
وواصل الشيخ أحمد بن الطاهر التدريس إلى أن عيّنه الباي قاضي المحلّة سنة 1838. ومن تلاميذ الشيخ الاخرين، بالاضافة إلى [[محمود قابادو]]، نذكر [[عمر بن الشيخ]] و[[سالم بوحاجب]]، كما أن ّ الشيخ المذكور هو الذي أشار إلى أحد وزراء الباي، [[سليمان]] كاهية، بتعيين قابادو مربّيا لابنه أو مؤدّبا خاصّا، كما يقع ذلك عادة لدى كبار العائلات بتونس العاصمة.<br />
أمّا أستاذ [[محمود قابادو]] الثالث، فهو الشيخ محمد بن صالح بن ملوكة الذي كان والده، هو أيضا، شيخا متميّزا. فتابع دروسه ودروس الشيخ أحمد بوخريص، قبل أنّ يصبح هو ذاته مدرّسا.<br />
ولعل الشيخ ابن ملوكة هو الذي كان له الأثر الأكبر في تكوين [[محمود قابادو]]، بعد الشيخ المدني الذي درّبه على التصوّف، في حين درّبه الشيخ ابن ملوكة على العلوم الكونيّة التي كان يحذقها جيّدا، حسب طريقته في التدريس، القائمة على الجمع بين التعليم النظري والتعليم التطبيقي، مع ممّارسة الرياضة البدنيّة، مصداقا لقاعدة "العقل السليم في الجسم السليم".<br />
ونجد أيضا من تلامذة الشيخ ابن ملوكة: [[عمر بن الشيخ]] و[[سالم بوحاجب]]. تلك هي المرحلة الأساسيّة الأولى من مراحل دراسات قابادو، وقد بدأ يهتمّ فيها بالعلوم الكونيّة بعد ما بحث كثيرا في "العلوم الحكميّة ".<br />
<br />
== إقامته في استانبول ==<br />
<br />
لكنّ [[محمود قابادو]] سلك من جديد طريق الهجرة بعد وفاة مخدومه [[سليمان]] كاهية سنة 1838. وكان قد توقّع، فيما يقال، سقوط أحمد باي الأوّل الذي اعتلى العرش سنة 1837, ومن ثمّة خشي انتقام الباي. وبالاضافة إلى هذا السبب السياسي، يبدو أنّ قابادو استهوته إستانبول التي كانت عهدئذ عاصمة العالم الاسلامي السياسية والفكرية. وكان ذلك العصر عصر إصلاح الجيش والتعليم والادارة في عهد السلطان العثماني محمود الثاني. فكانت الاقامة في إستانبول مفيدة له، إذ تابع بعض الدروس وتولّى هو ذاته التدريس، وتمكّن من الاجتماع في الوقت نفسه بعلماء المدينة، كما تدلّ على ذلك بعض القصائد الواردة في ديوانه (1 / 150 - 2 / 85 - 137). وشهد في الوقت ذاته الشروع في تطبيق الاصلاحات في دار الخلافة العثمانيّة.<br />
<br />
== [[محمود قابادو]] في تونس ==<br />
<br />
عاد [[محمود قابادو]] إلى تونس سنة 1842, وكان ذلك دائما في عهد المشير الأوّل أحمد باي (1837 - 1855) الذي يعتبر هو أيضا من رجال الاصلاح والذي ينحدر من أمّ إيطاليّة ويجيد التكلّم باللغة الايطاليّة والكتابة والحديث باللغة التركيّة. ومنذ مبايعته، أمر ببناء قصره الجديد ب[[باردو]] الذي أصبح مقرّ سكناه، وبتشييد قصور أخرى مثل قصر [[المحمدية|المحمّدية]] الواقع في الطريق الرابطة بين تونس و[[زغوان]]، وقد استقرّ فيه سنة 1846, وأراد أنّ يجعل منه نسخة من قصر فرساي الفرنسي الذي شاهده إبان زيارته عام 1846 لفرنسا.<br />
كان هذا الباي أوّل من اهتمّ بإصلاح التعليم ب[[جامع الزيتونة]]، وقد خصّص له اعتمادات من بيت المال، وأقرّ إنشاء مناظرة لانتداب المدرّسين الذين أصبح نصفهم من المالكية والنصف الاخر من الحنفيّة. ولا غرو في ألاّ يكون هذا وحده كفيلا بأن يصلح التعليم بهذه المؤسسة العتيقة إصلاحا جوهريّا، ولكنّ هذه هي المرّة الأولى التي تكفّلت فيها الدولة بالمؤسّسة التعليميّة.<br />
وقبل ذلك أعاد أحمد باي ترتيب المدرسة الحربية ب[[باردو]] (1840) وأرساها على قواعد متينة سعيا إلى تحديث جيشه. ومن أجل ذلك انتدب مدرّسين ومدرّبين أوروبيين، وكان على رأس المدرسة الحربية ب[[باردو]] مستشرق من أصل إيطالي، اسمه كاليغاريس، كان قد عمل في الجيش التركي. وكان أحمد باي يريد تكوين ضبّاط جيشه حسب المثال الأوروبي. ولذلك قرّر تدريس اللّغتين الايطالية والفرنسيّة، وجعل منهما لغتي تدريس الموادّ العلمية والفنون العسكريّة.<br />
وإلى جانب هذا التعليم الجديد من النوع الأوروبي، أبقى تدريس اللغة والاداب العربيّة والعلوم الاسلامية في هذه المدرسة. وعهد بتدريس هذه الموادّ إلى [[محمود قابادو]] الذي كان قد التقى به أحمد [[أحمد بن أبي الضياف|ابن أبي الضياف]] في إستانبول، في أثناء مهمّة قام بها هناك بتكليف من أحمد باي. ويبدو أنّ [[أحمد بن أبي الضياف|ابن أبي الضياف]] هو الذي أشار على الباي بتعيين [[محمود قابادو]] في ذلك المنصب.<br />
لكنّ دوره في المدرسة لم يقتصر على التعليم اللغوي والديني، إذ أنّه مثل رفاعة رافع الطهطاوي، كلّف طلبته بنقل بعض كتب الفنون العسكريّة من اللّغات الأوروبية إلى اللغة العربيّة، بمساعدة كاليغاريس صاحب ترجمة نابليون التي نقلها الطالب حسين ([[الجنرال حسين]] لاحقا) إلى اللغة العربية بإشراف الشيخ قابادو.<br />
وفي مقدّمة ترجمة كتاب حول الفنون العسكريّة أعرب [[محمود قابادو]] عن وجهة نظره فيما يخصّ ضرورة اتّجاه المسلمين نحو العلوم والفنون الحديثة المنتشرة في الأقطار الأوروبية، حتى يبلغوا درجة راقية من الازدهار والثراء.<br />
وتلك هي بالضبط النقطة الأساسيّة من التفكير السياسي التونسي، التي سيتناولها بالدرس أصدقاء الشيخ [[محمود قابادو]] وتلاميذه، نخصّ بالذكر منهم الجنرال خير الدين والشيخ [[سالم بوحاجب]].<br />
ذلك أنّ الشيخ قابادو، بالاضافة إلى دروسه في مدرسة [[باردو]]، كان يدرّس أيضا في [[جامع الزيتونة]] منذ سنة 1855. وهكذا أمكنه إدخال أفكار جديدة في جامعة ظلّت مدّة طويلة من الزمن معارضة لأيّ تفكير إصلاحي.<br />
وسيكوّن الشيخ في هاتين المؤسستين أتباعا يحاولون مواصلة تفكيره ونشر أفكاره. ففي مدرسة [[باردو]]، حيث كان يدرّس "الأجروميّة" في النحو و"مقامات الحريري"، كان يحرص على الحفاظ على الصلة التي تربط طلبته بالاداب والحضارة العربية الاسلامية، في حين كان يسعى في [[جامع الزيتونة]] إلى تمكين تلاميذه من إدراك ما يمكن أنّ يجنوه من مزايا من دراسة علوم أخرى غير العلوم الدينية، وضرورة تفتّحهم على العالم الخارجي، وخصوصا العالم الأوروبي الذي تمكّن في آخر الأمر من معرفته من رحلات معاصريه، ومعاشرة رجال الدولة الذين عرفوا تلك الأقطار، أو بوساطة ما تمكّن هو ذاته من جمعه من وثائق، انطلاقا من المنشورات الأجنبيّة، عندما كان مكلّفا بتحرير افتتاحيّات جريدة "[[الرائد التونسي]]" التي كانت الجريدة الرسميّة التونسيّة، لكنّها لم تكن تقتصر مع ذلك على نشر النصوص التشريعية أو الرسميّة، بل كانت تتضمّن أخبارا مختلفة عن بعض الاختراعات والأحداث المتعلّقة بالعالم الغربي.<br />
<br />
== التلاميذ والتابعون ==<br />
<br />
كان للشيخ [[محمود قابادو]] تلاميذ مشهورون في مدرسة [[باردو]] و[[جامع الزيتونة]]، واصل ربط علاقات حميمة ومتينة بهم بعد أن أتمّوا دراساتهم وأصبحوا يحتلّون مناصب سامية في الادارة التونسية، في مختلف الميادين.<br />
ولئن لم يكن خير الدين من تلاميذه، فقد تعرّف إليه في مدرسة [[باردو]] وربطته به علاقات وديّة للغاية. ذلك أنّ الرجلين كانا من مؤيّدي الأفكار التحديثيّة الاصلاحية التي دافع عنها خير الدين في كتابه أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك. وكان قابادو متحمّسا لدعوته الاصلاحيّة المستلهمة من التراث السياسي الغربي الحديث.<br />
أمّا [[الجنرال حسين]] فقد تتلمذ لقابادو في مدرسة [[باردو]]، وهو الذي حرّضه على نقل بعض الكتب الفرنسيّة إلى اللغة العربيّة. وقد كان حسين مثل خير الدين يعرف جيّدا الأقطار الأوروبيّة التي تحوّل إليها للقيام ببعض المهامّ الرسميّة. ولذلك كان يستطيع إحاطة الباي علما بالحالة التي كانت عليها تلك الأقطار وبما بلغته من تطوّر. وقد عيّن في سنة 1858 رئيسا لبلديّة [[تونس|مدينة تونس]]، ثم أصبح في سنة 1874 وزيرا "للمعارف والنافعة" (التعليم والأشغال العامة)، لمّا أصبح خير الدين وزيرا أكبر. ولمّا تولّى مسؤوليّة إدارة جريدة "الرائد" عند ظهورها سنة 1860, عهد برئاسة تحريرها إلى شيخه قابادو.<br />
<br />
وأمّاّ تلميذ الشيخ [[محمود قابادو]] الاخر بالمدرسة الحربيّة، فهو الجنرال [[رستم]] الذي شجّعه أستاذه على دراسة العلوم الدقيقة باعتبارها أحسن وسيلة، لتخليص المسلمين من الانحطاط وتمكينهم من النهوض، على غرار الأمم الأوروبية. وسيكون الجنرال [[رستم]]، مثله مثل خير الدين وحسين، وزيرا للداخلية في سنة 1865 ووزيرا للحرب في سنة 1870. <br />
وإلى جانب تلاميذه من المماليك، كان للشيخ قابادو تلامذة من أهل البلاد منهم محمد بن الحاج عمر، أصيل مساكن، إحدى قرى الساحل. فهو الذي عوّض الضابط الفرنسي دي تافرن على رأس المدرسة الحربيّة، لما توفّي سنة 1862. <br />
وبالاضافة إلى مدرسة [[باردو]] كان للشيخ قابادو تلامذة ب[[جامع الزيتونة]]، منهم الشيخ [[سالم بوحاجب]]، رمز الجيل الذي عاش في الفترة التي سبقت الحماية الفرنسية. وهو الذي نشر في الوسط الزيتوني، بالاشتراك مع [[محمد السنوسي]] و[[محمد بيرم الخامس]]، الأفكار الاصلاحية التي بثهّ ا الشيخ [[محمود قابادو]]. وسيكونون كلّ حسب طريقته الأعوان الذين أدخلوا إلى حيّز التطبيق الأفكار التي كان قابادو يعتبرها نظريّة.<br />
هذا وإن ّ الطلبة الزيتونييّ ن وقدماء تلامذة مدرسة [[باردو]] الذين أصبحوا أصدقاء الشيخ قابادو والمؤتمنين على أسراره، حاولوا تطبيق ما يمكن أنّ نسمّيه وصيّة أستاذهم الأدبية، وقد كان يرى أن لا خلاص للأمّة إلاّ باكتساب العلوم والفنون الحديثة، حتى لو كانت مقتبسة من الغرب، بشرط أنّ لا تمسّ بأصول المجتمع الاسلامي الدينيّة. وكما رأينا فإنّ هذا التيّار الاصلاحي التونسي لم يكن حالة معزولة. فهو ينتمي إلى حركة الاصلاح في مصر أو في تركيا العثمانيّة.<br />
وقد كان التونسيّون يعلمون ذلك من الرحلات التي كانوا يقومون بها أو من الكتب التي كانوا يطالعونها أو من اتّصالاتهم المباشرة عهدئذ.<br />
وهكذا فقد اجتمعوا بأحمد فارس الشدياق قبل نشر كتابه بباريس: "الساق على الساق فيما هو الترياق". وكان الاصلاحيون التونسيّون يعرفون أيضا كتابه: كشف المخبّا عن فنون أوروبا الذي كان بيرم الخامس قد طالعه "و أحال عليه لمعرفة عادات الانڨليز".<br />
وهؤلاء الاصلاحيّون أنفسهم كانوا يعرفون أيضا مؤلّفات المصري رفاعة رافع الطهطاوي.<br />
من ذلك أنّ بيرم الخامس قد اقتبس بعض الأفكار من تخليص الابريز في تلخيص باريز ونقلها في كتابه صفوة الاعتبار، كما اقتبس منه خير الدين في كتابه أقوم المسالك. وسيجد الزيتونيّون وقدماء تلامذة مدرسة [[باردو]] أنفسهم ملتفّين حول خير الدين عندما سيعيّن وزيرا أكبر سنة 1873. <br />
<br />
== عملهم من أجل تعليم جديد ==<br />
<br />
كان جميع قدماء تلامذة قابادو أو أصدقائه يؤيّدون تطبيق إصلاحات مؤسّسيّة وإداريّة للنهوض بالتونسيين ماديّا وأدبيّا. وكانوا كلّهم مقتنعين، مثل أستاذهم، بأنه لا يمكن بلوغ هذا الهدف إلا بنشر العلوم والفنون، على غرار الأمم الأوروبية لتطوير الانتاج، وانطلاقا من ذلك خلق الازدهار.<br />
على أنّ الازدهار لا يمكن تحقيقه إلاّ إذا كانت الحريّة محترمة، وأصبح الأمير وأعوانه غير قادرين على ممارسة التعسّف. وبناء على ذلك لا بدّ من إصلاح المؤسّسات السياسيّة والادارة، وذلك بإقامة نظام ملكي دستوري في الحالة الأولى، وتكوين أطر إداريّة جديدة من الطراز الحديث، أي مقتبسة من المثال الأوروبي في الحالة الثانية. وقد أطنب خير الدين في بسط هذه الحجّة في كتابه أقوم المسالك، ملحّا بالخصوص على ضرورة نشر التربية. لذلك ما إنّ تقلّد السلطة حتى ألّف لجنة تحدّدت مهمّتها في إصلاح التعليم بالزيتونة، ولكن أيضا وبوجه خاصّ، في بعث تعليم جديد بإنشاء مؤسّسة مدرسيّة جديدة، ستكون المعهد الصادقي في سنة 1875. <br />
وفي إطار القسم الثالث من المعهد الصادقي نظّم تعليما من النوع الأوروبي يحتلّ فيه تعليم اللغات الأجنبية (الفرنسية والايطالية والتركية) والعلوم الكونية مكانة مرموقة إلى جانب التعليم الديني والأدبي التقليدي. وهكذا، مثلما كان الشأن في تركيا حيث أنشئ معهد غلطة سراي (المعروف بالمكتب السلطاني) سنة 1868, أصبح التعليم العصري في تونس، أي التعليم من النوع الأوروبي، منذ ذلك التاريخ، جزءا من النظام المدرسي الوطني، إلى جانب التعليم الاسلامي، مثلما كان التعليم ب[[جامع الزيتونة]] قائم الذات إلى جانب التعليم في مدرسة [[باردو]].<br />
وقد كان قدماء تلامذة مدرسة [[باردو]] ورجال الاصلاح بالزيتونة سببا في بعث هذا التعليم الجديد. وسيسهر فيما بعد على نشر هذا التعليم في الفترة الاستعماريّة الجيل الأوّل من قدماء تلامذة الصادقية، ورجال الاصلاح ب[[جامع الزيتونة]]، بمن في ذلك أصدقاء خير الدين القدامى وتلاميذ الشيخ [[محمود قابادو]]، مثل [[محمد السنوسي]]، وبالخصوص [[سالم بوحاجب]].<br />
وقد قاموا بهذا الدور في جريدة "الحاضرة" (1888) ثمّ فيما بعد في إطار [[الجمعية الخلدونية]] (1896). وقد كان [[سالم بوحاجب]] هو الذي ألقى الدرس الأوّل في موكب افتتاح الجمعيّة، وحاول أنّ يبيّن فيه، على إثر الشيخ [[محمود قابادو]]، أنّ العلوم الحديثة لا تتنافى أبدا مع الاسلام.<br />
ودخل تدريس العلوم الكونيّة والمعارف الحديثة بوساطة الخلدونية بفضل تطوّع نخبة من قدماء تلامذة [[المدرسة الصادقية]] المتكوّنين في الجامعات الفرنسيّة إلى [[جامع الزيتونة]]، حيث لا يريد تغيير نظام التعليم القائم الذات، لا أصحاب السلطة الاستعماريّة ولا الشيوخ المحافظون.<br />
ولم يفرض في آخر الأمر ذلك التعليم العصري إلاّ بتضافر جهود المدرّسين، والمنظمّات الطلابيّة الزيتونية. ففي أكتوبر 1951 أنشئت رسميّا ب[[جامع الزيتونة]] شعبة عصرية، حيث درّست اللغات الأجنبيّة والعلوم الدقيقة، وهو ما سمح لعدد من قدماء تلامذة الزيتونة بمواصلة دراستهم العليا بالجامعات العربيّة أو الأوروبيّة.<br />
وقد انبثقت عن هذا النوع الجديد من التعليم، كما كان يلقّن بالمعهد الصادقي، نخبة سياسيّة وثقافية جديدة، عرفت كيف تستلهم من أفكار قابادو وخير الدين الاصلاحية، ثم عرفت كيف تضعها موضع التنفيذ لمّا تقلّدت السلطة في فترة قصيرة من الزمن.<br />
وهذه النخبة التي تزعّمت [[الحركة الوطنية التونسية|الحركة الوطنية]] فيما بعد، كانت هي التي تسلّمت مقاليد الحكم إثر استقلال البلاد، وحاولت أنّ تمدّد التعليم الصادقي المزدوج اللغة وتوسّع نطاقه ليشمل كلّ المعاهد المدرسيّة التونسيّة، وذلك باستنباط إصلاح التعليم الأوّل وتطبيقه بداية من 1958. <br />
وتبدو لنا هذه العمليّة مثاليّة بتواصلها وديمومتها. ذلك أن ّ هذه المثافقة التطوعّ يةّ، المتعّرضة لمخاطر السياسة الاستعماريّة التي فرضت عليها معاييرها وأهدافها الذاتيّة، قد نجت في الجملة من تلك المخاطر، كما أن ّ ما دعا إليه الشيخ [[محمود قابادو]] من نشر للتعليم واكتساب للمعارف الجديدة، قد أيّده تلاميذه وطبّقوه، مسهمين بذلك في نحت العقلية التونسيّة الراهنة.<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:الاصلاح]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%85%D8%AD%D9%85%D9%88%D8%AF_%D9%85%DA%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B4&diff=4678محمود مڨديش2016-12-29T14:05:45Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>[1154 - 1228هـ/1741 - 1772م]<br />
<br />
محمود بن سعيد مقديش الصفاقسي، فقيه مؤرخ مدرس، ولد سنة 1154هـ/1741م في بيت قال عنه [[أحمد بن أبي الضياف|ابن أبي الضياف]] إنّه "من أنبه بيوت [[صفاقس]]" وأصل هذا البيت من أنشلة، وينسب إلى سيدي مخلوف الشرياني إحدى قرى [[صفاقس]] من الجهة الشرقية.<br />
اعتبره كراتشكوفسكي من المؤرّخين التونسيين القلائل في القرن الثامن عشر، وكذلك اعتبره [[أحمد عبد السلام]] إذ ابتدأ به تقديم المؤرّخين التونسيين في هذه الفترة ضمن أطروحته.<br />
نشأ على طلب العلم، تلقاه أولا في مدينة [[صفاقس]]، مسقط رأسه، عمن أدركهم من <br />
تلامذة الشيخ [[علي النوري]]، كالشيخ محمد الزواري، والشيخ رمضان بوعصيدة والشيخ علي الأومي، كما تلقّاه عن الشيخ محمد الدرناوي الليبي عند إقامته ب[[صفاقس]] قبل أنّ يستقرّ نهائيا بالحاضرة تونس. وكانت [[صفاقس]] آنذاك باقية على نهضتها العلمية الثقافية التي انطلقت مع الشيخ [[علي النوري]] وعبد العزيز الفراتي والتي هي في خاتمة المطاف وجه للنهضة الثقافية التونسية التي تأصّلت في القرن الثامن عشر، لعدّة أسباب، لعلّ أهمّها الاستقرار السياسي، والتقدم الاقتصادي واعتناء الحكام بالتعليم ببناء المدارس وتكوين المكتبات، وتنظيم الدروس بجامعة الزيتونة، وإكرام أهل العلم، وإجراء المرتّبات لهم والاحسان إلى الطلبة. وانساق محمود مقديش وهو في [[صفاقس]] مع التيارات الثقافية والعلمية السائدة فيها والتفاعل معها وهي التيار الديني الذي يشمل الفقه والأحكام والأصول والفرائض والقراءات والحديث والتفسير، والرياضيات بأقسامها:<br />
الحساب والفلك والميقات وصناعة الأرباع، ثم الأدبيات: النحو والشعر والأدب النثري.<br />
وانتقل محمود مقديش بعد ذلك إلى الحاضرة، متبعا عادة أسلافه المتعطّشين لمزيد من المعارف والعلوم. وفي رحاب [[جامع الزيتونة]] تتلمذ لعدّة مشايخ، منهم قاسم المحجوب، ومحمد الشحمي كبير علماء المعقولات في عصره، والمحدّث عبد الله السوسي السكتاني المغربي. ولمّا عاقته قلّة ذات اليد عن مواصلة طلب العلم بالحاضرة، انتقل إلى الزاوية الجمنية ب[[جربة]] التي كانت تتكفل بالانفاق على الطلبة المقيمين بها من ريع أوقافها وتبرعات أهل الفضل والكرم.<br />
وانتقل في آخر مرحلة من طلبه العلم إلى القاهرة حيث جاور الأزهر، وكان وقتها كهلا، متزوّجا وله أبناء. كان أثناء طلبه للعلم بالأزهر، يتعاطى نسخ الكتب الثمينة، ويتعاطى التجارة، وكان يعود بين الفينة والأخرى إلى مدينة [[صفاقس]]، يبيع الكتب التي نسخها، ويقوم باتّصالاته التجارية، ثمّ يرجع إلى القاهرة لاستكمال دراسته التي لم تكن تتسنّى له لولا اللجوء إلى طرق الارتزاق هذه.<br />
<br />
لا نعلم تاريخ التحاقه بالأزهر ومدّة إقامته الكاملة بمصر غير أنّنا نعرف من خلال "نزهة الأنظار" مصنفه في التاريخ الذي اشتهر به أنّه كان بالاسكندرية سنة 1201هـ/1786م. ولعل إقامته بمصر كانت محدودة، فقد ذكر كراتشكوفسكي، اعتمادا على نالينو، أنّ "محمود مقديش أمضى معظم حياته بمسقط رأسه ولو أنّه كما يبدو ساح كثيرا، وزار عدة مواضع، البندقية مثلا". وتقلّب بين أربعة أوساط حضرية: [[صفاقس]]، وتونس، و[[جربة]]، والقاهرة، مختلفة اجتماعيا، ومتفاوتة علما وتعليما مكنته من معرفة معمّقة لعلوم الفقه، والحديث، واللغة، والرياضيات، زادها نسخه للكتب إدراكا وعمقا.ورجع إلى بلده بعد أن تخرّج في الأزهر، قال ابن أبي الضياف: "ولمّا تضلّع بالعلوم، رجع إلى بلاده [[صفاقس]]، فأفاد وأجاد، ونفع العباد، وتزاحمت على منهله الورّاد، وأفنى عمره في هذا المراد، وأتى فيه بما يستجاد، وتلاميذه ب[[صفاقس]] أعلام، وأيمة في الاسلام"، وأثنى على علمه وتدريسه [[محمد مخلوف]] صاحب "شجرة النور الزكية".<br />
تصدّى للتدريس ب[[صفاقس]] للطلبة نهارا، والعوامّ ليلا. وكان يعتمد في تدريسه على أسلوبين يراهما متكاملين، يعتمد أحدهما الالقاء والتلقين ويعتمد الاخر التحاور مع الطلبة.<br />
كان يستخدم الأسئلة عن المشاكلّ والقواعد في قالب قصصي لاختبار ذكاء طلبته والتعرّف إلى مدى استيعابهم لما تلقّوه، وإثارتهم للمشاركة الحيّة ودفعهم إلى فهم أسرع وأعمق.<br />
وعلى غرار المشايخ المتضلّعين كان يقوم إلى جانب التدريس بالمطالعة للتعمّق في علوم عصره، والتأليف فيها بما يسمح له وقته الذي خصص جانبا منه للأعمال التجارية، مورد رزقه، إذ كان يدرّس مجانا، ورافضا للمناصب الادارية والقضائية.<br />
يقول الشيخ محمد المهيري في محاضرة له نشرها بمجلة الثريا (جويلية 1944) إنّ أهل [[صفاقس]] رفعوا إلى العامل رغبتهم في تولية الشيخ محمود مقديش قاضيا عليهم فامتنع وقال لهم:<br />
إذا تهيبوني وأنا من أفراد الناس فكيف بهم إذا صرت قاضيا عليهم، أتذهب منهم الأنفاس، فليطلبوا غيري، فما لهم عليّ من سبيل". فكان بسيرته هذه متبعا شيخ شيوخه، الشيخ [[علي النوري]]، رائد نهضة [[صفاقس]] التعليمية والعلمية.<br />
واختياره للتجارة للارتزاق أجدى إذ تعدّ من أشرف المهن ومحاصيلها آنذاك في [[صفاقس]] وافرة لثبوت قواعدها، واتساع دورتها المالية، وارتباطها ببلدان المشرق. ولا يستبعد أنّ يكون محمود مقديش عقد، على غرار سلفه الشيخ [[علي النوري]]، روابط تجارية مع مصر أثناء إقامته بها. والتجارة أسلم أيضا، إذ هي شريفة المقصد، مرموقة في المجتمع، ليس لها ما للفكر من خطر على الحاكم فلا تعرض صاحبها إلى أذيته. ومحمود مقديش ذاق تجربة هذا النوع من الأذى، الناتج عن الفكر المكتوب والمسموع. ذاقه مرّتين، مرّة بسبب وحشة وقعت بينه وبين أحد المستمعين إلى دروسه، إذ أوّل هذا كلامه على إثرها تأويلا خاطئا، واتّهم بالباطل، وضايقه عامل المدينة، ولم يسلم إلاّ بعد أنّ رفع ظلامته إلى الباي. ومرة ثانية لما صادرت الحكومة التونسية كتابه "نزهة الأنظار" لما ظهر، ولعلّ سبب ذلك يرجع إلى ما أبداه فيه من تقدير لعلي باشا الأوّل الذي نازع سلطة عمه حسين بن علي وذريته. وقد أكّد كراتشكوفسكي ذلك حين قال: "يبدو أنّ محمود مقديش قد مسّ مسائل معاصرة لأن حكومة تونس صادرت كتابه على الفور ولم ينشر".<br />
وبعد استقرار طويل ب[[صفاقس]]، وعمل في التدريس والتأليف والتجارة متواصل، "سافر من بلده في غرض الزيارة إلى [[القيروان]]" فتوفّي بها وحمله ابنه الشيخ محمود الذي كان معه إلى مسقط رأسه بتربة أجداده.<br />
اتفّق [[أحمد بن أبي الضياف]] في "الاتحاف"، و[[محمد مخلوف]] في "شجرة النور الزكية" على أنّه توفّي سنة 1228هـ/1813م، وأقرّ هذا التاريخ [[أحمد عبد السلام]] في أطروحته التي خصّصها للمؤرخين التونسيين، وخالفهم نالينو وكراتشكوفسكي اللذان اعتبرا 1233هـ/1818م سنة وفاته. وسنة 1228هـ/1813م هي أقرب إلى الواقع. فكما بيناه بعد تحليل ومقارنات في مقدمتنا لنزهة الأنظار، نشر دار الغرب الاسلامي، تمثّل سنة 1233هـ/1818م سنة الانتهاء من نسخ المخطوط الذي اعتمدته الطبعة الحجرية لهذا الكتاب حيث أضاف إليها ناسخها ملخّصا لأخبار عثمان باشا ومحمود باشا اللذين تعاقبا على رأس الدولة بعد وفاة حمودة باشا، فاختلط الأمر على نالينو واستخلص ما استخلص على خطإ.<br />
ولمحمود مقديش عدة تآليف هي:<br />
<br />
* حاشية على العقيدة الوسطى للسنوسي، مطبوعة على حجر بتونس سنة 1321هـ/1903م، جزءان في مجلد واحد.<br />
* حاشية على تفسير أبي السعود العمادي سماها:"مطالع السعود على تفسير أبي السعود" في 13 مجلدا. مخطوطة.<br />
* شرح على المرشد المعين في الفقه المالكي للشيخ عبد الواحد بن عاشر. جزءان<br />
* شرح جانب من تذكرة القرطبي، انفرد بذكره الشيخ محمد المهيري، في بحثه الذي نشره بمجلة الثريا، جويلية 1946. <br />
* شرح على كشف الأستار للقلصادي سماه "إعانة ذوي الاستبصار على كشف الأستار عن علم حروف الغبار" وهو مختصر من كتاب القلصادي "كشف الجلباب في علم الحساب".<br />
<br />
ويذكر في الخطبة قيمة علم الحساب، وحالته في عصره، والاقبال على تآليف القلصادي في القطر التونسي وخصائص كتابه "كشف الأستار".<br />
* القول الجاري في جواب وفقه الشيخ يحيى الشاوي في الفرق بين السبب والشرط. مخطوط محفوظ بالمكتبة الوطنية بتونس ضمن مكتبة [[حسن حسني عبد الوهاب]].<br />
* نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار المعروفة في الأوساط الشعبية بدائرة مقديش، وهي على الاطلاق أهمّ مؤلّفاته وبها اشتهر.<br />
<br />
كانت بداية كتابة النزهة فيما بين سنتي 1203<br />
<br />
* 1207هـ/1788 - 1793م. ويرى المستشرق الروسي كراتشكوفسكي أنّ محمود مقديش أتم الجزء الأوّل من مصنفه في سنة 1210هـ/1796م.<br />
<br />
اعتمد محمود مقديش لتصنيف كتابه على مصادر متنوّعة: رياض النفوس للمالكي، وزبدة التواريخ للبيضاوي، وعجائب المخلوقات للقزويني، وكتاب العبر لابن خلدون، ونزهة المشتاق للادريسي، ومعالم الايمان للدباغ وغيرها... هي تقريبا المصادر التي اعتمدها المؤرخون التونسيون في العصر الحديث كالوزير [[الوزير السراج|السراج]]، مستعملا لذلك مكتبته الخاصة التي كانت على ما يبدو تشتمل على كتب التاريخ والتراجم والبلدان.<br />
واعتمد محمود مقديش لكتابة النزهة النقل الحرفي، والنقل مع تغيير بعض الكلمات، والتلخيص مع استعمال بعض العبارات الجزئية من المرجع المستند إليه. واقتضى تصحيحه لكتابه، وترتيبه له، واقتضت نظرته التاريخية أنّ لا يتّبع تسلسل نصوص المراجع التي استعملها، بل كان في نقله وتلخيصه يستعمل ما جاء بالتقديم والتأخير دون ضبط وإشارة. أمّا المقدمة والاضافات التي تهم بعض المدن كالاسكندرية وتونس والجزائر و[[المهدية]] و[[صفاقس]]... وجلّ ما جاء بخاتمته فهو من تحريره الذي اعتمد فيه على تكوينه الخاص، ومشاهداته والأخبار والمعلومات التي تلقّاها من أصدقائه أو الوسط الاجتماعي الذي عاش فيه. وعن الوسط الشعبي الصفاقسي أخذ بعض مأثوراته، ومنها الطريقة التي سلكها الصفاقسيون لمقاومة احتلال النرمان لمدينتهم، كما أخذ الأساطير الدينية التي تتعلّق بآدم وذريته، والأنبياء والرسل، إذ لا نجد لهذه الأساطير أثرا في كتب التراث.<br />
قسّم محمود مقديش "نزهة الأنظار" إلى جزءين متعادلين تقريبا، يضمّ الجزء الأوّل مقدمة وعشرة فصول خصصها لتحديد المغرب وأسماء البلدان، والخلافة والخلفاء بالمشرق والمغرب، والدول والدويلات التي قامت هنا وهناك، ويضمّ الجزء الثاني مقالة خصّصها لدولة عثمان وخاتمة خصّصها لمدينة [[صفاقس]] ووطنها.<br />
ضبط محمود مقديش لنفسه وصف المغرب ورواية تاريخه ثمّ ركّز الاهتمام على مدينة [[صفاقس]]. والمتتبّع لحلقات الكتاب يشعر بأنّ مؤلّفه يتردّد فيما ضبطه لنفسه لأنّه يتأرجح بين المشرق والمغرب، وتاريخ المغرب وتاريخ الاسلام عامة، ومردّ ذلك إلى غاية منهجية جعلته يبدأ بالأصل ثم ينتقل منه إلى الفرع، هدفه منها الشمول والايضاح. لكنّ هل في متناول محمود مقديش التمييز بين التاريخ الاسلامي والتاريخ المغربي ؟ يجيب [[أحمد عبد السلام]] عن هذا التساؤل بقوله:"الحقيقة أنّ التمييز بين التاريخ الاسلامي والتاريخ المغربي ليس في متناول محمود مقديش ومعاصريه إذ أنّ تاريخ المغرب جزء من تاريخ العالم الاسلامي، وهذا التاريخ هو في نظر مقديش التاريخ كلّه، والمغرب يدخله عن طريق [[الفتح الاسلامي]]".<br />
والخاتمة أهمّ ما جاء بالنزهة، وإن لم تتجاوز في حجمها ثلثه، وأفردها المؤلف لمدينة [[صفاقس]]، وكأّنّ كلّ ما سبق سياق لها، وفيها يعطينا معلومات هامّة عن هذه المدينة ينفرد بها، تتعلّق بتأسيسها، وموقعها، وتاريخها، وحركتها الديمغرافية، وطبائع الناس، وحركة التعليم بها، وجملة من تراجم مشايخها وأدبائها وصلحائها، ويطنب في الحديث عن مقاومة [[صفاقس]] لأعدائها خاصة النرمان وفرسان مالطةن، في اعتزاز وفخر دون أنّ يهمل معنى ولا قصّة بطولية حتى ولو بدت خرافية. الخاتمة تمثّل مرجعا من أهمّ المراجع لمعرفة أحوال [[صفاقس]] في القرن الثامن عشر، وشتى ألوان حياتها على مرّ الزمن، كما تمثّل مرجعا مهمّا لبعض الأحداث العامّة أهمّها الحروب التونسية المالطية، والحروب التونسية البندقية.<br />
ولا بدّ من الحذر لمن يتناول نزهة الأنظار من أولها فالمؤلّف له ميوله الدينية والسياسية والميول السياسية امتداد للأولى، فهو سنّي راسخ العقيدة، فاختار ما يلائم هذا الاتجاه، وصنّف كتابه على أساسه، فهو يتحيّز للاسلام في معاركه ضد "الكفار" فأسقط من نزهة المشتاق التي ينقل عنها جلّ ما يتعلّق باحتلال النرمان لبلاد الاسلام. واتّخذ موقفا ممّاثلا تجاه الحركات الاسلامية المتطرفة المضادة للحكومات التي يراها شرعية، ومنها حركة أبي يزيد الخارجي، والحركة الشيعية الفاطمية، وحركة التتر. وفي آخر المطاف يتشيّع للسلطنة العثمانية التي يرى فيها منقذ بلاده من "أهل الكفر والضلال" فيمجد رجالها وأعمالها، كما يتشيع لعلي باشا الأوّل، ويشيد بالجزائر العثمانية، ويغضّ الطرف عن تدخلاتها الحربية في تونس. وإن قبلنا تشيّعه كرجل مؤمن مساير لتقاليد عصره فمن المتأكد على قارئ النزهة - إن عنّ له أن يبقى في حيّز التاريخ - أن لا ينسى اتّجاهات المؤلّف.<br />
إنّ المتتبّع لمؤلّفات محمود مقديش يجد داخلها الهش والمتين لغة ومضمونا، ومن السهل التمييز بين الكاتب والناقل، وميزته جلية حتى في نقله، فمقالاته التي خصّصها في النزهة للتاريخ تعتمد على النقل كما أشرنا، وهي وإنّ كانت أقلّ شمولا من عمل الوزير السرّاج الذي سار في نفس الاتجاه في حلله واستعمل نفس المراجع فهي أقلّ غموضا من هذا الكاتب الجادّ الذي سبقه زمنيا.<br />
ولغة المؤلف متفاوتة المستوى، فهي متينة في مقدمة نزهة الأنظار، ومتينة بليغة في خطبة شرحه لكشف الأستار للقلصادي، وهي ضعيفة في أغلب النزهة، يستعمل فيها الكلمات الدارجة على غرار عدول الاشهاد في ذلك الوقت. وفي القسم الأخير من مؤلّفه هذا يصل أسلوبه إلى حدّ كبير من الاسفاف والضعف خاصة عند كلامه على الصوفية والصالحين.واعتبار نزهة الأنظار مؤلفًا في التاريخ، لا قطعة أدبية تستوجب الديباجة المتأنّية، لا يبرر أسلوبه في الكتابة. هل كان في عجلة من أمره أم هل كان ذلك نتيجة نقص في معارفه؟ ذكر لنا في خطبة شرحه لكشف الأستار للقلصادي، أنّ تأليفه لهذا الشرح كان باقتراح من بعض الاخوان، ثمّ أكّد مسألة صعوبة الكتابة والشرح واعترف باستحالة بلوغ الكمال بكلام العماد الاصبهاني:"إني رأيت إنّه لا يكتب إنسان كتابا في يومه إلاّ قال في غده: لو غيرت هذا الكتاب لكان أحسن ولو زيد هذا لكان يستحسن، ولو قدم هذا الكلام لكان أفضل، وهذا من أعظم العبر وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر". وبعد سنوات عديدة يعيد الكرّة من جديد مع النزهة. فنزهة الأنظار تبدو من خلال ما كتبه بمقدّمتها وكأّنّه صنّفها لارضاء طلب وأن ّ سعيه لكتابتها كان صعبا، وأكّد ذلك بقوله: "فرأيت فيما دون ما طلب خرط العتاد سيما من مثلي ممّن لا مادة له في تعاطي هذا الخطب العظيم الشأن، ومع ذلك فلست أعدّ نفسي أهلا لأن أكون من فرسان هذا الميدان".أيعتبر هذا الاعتراف حقيقة أم تواضعا؟ لا شكّ في أنّ محمود مقديش بالنّسبة إلى مدينته، واعتبارا لحياته، وثقافته، ومستوى كتاباته يمثّل حدا فاصلا بين عصرين متباينين ثقافيا وعلميا هما القرن الثامن عشر المزدهر، والقرن التاسع عشر الذي نزلت فيه المعرفة والتدريس والكتابة وإقبال الناس على التعلم درجات. ففي السنوات الأخيرة من القرن الثامن عشر لاحت بوادر تدهور الحياة التعليمية والعلمية في [[صفاقس]]، وكان محمود مقديش واعيا بها إلى حدّ أنّه فسّر عدم إقبال الناس على التعلم والتعليم بإقبالهم على الدنيا وتشبّثهم بها وقال عندما علل الصعوبة التي لقيها في كتابته للنزهة: ".. وأحرى وأنا في بلد مطروح في زوايا الاهمال لاقبال أهله على تحصيل الدينار والدرهم والسعي على العيال، ولم يعتن الماضون بضبط أحوالها إلاّ بقدر ما ليس له بال". ونرى من جهتنا أنّ هذا التدهور مرتبط أيضا بالطاعون الجارف الذي انتشر في سنة 1199هـ/1784 - 1785م، إذ أخذ من المؤدّبين والمدرّسين ومن بقية العلماء عددا وافرا، نذكر مهم حسن بن أحمد الشرفي الفقيه والحيسوبي الفلكي، والشاعرين علي ذويب وإبراهيم الخراط، ومحمد المصمودي القاضي وعلي المصمودي الفقيه والنحوي وغيرهم. وكان عمل الطاعون فاحشا في النّاس إلى حدّ أنّه عطّل سير حركة العلم والتعليم في وقته وبعده أيضا بموت الكثيرين من رواد الحركة، ويبقى محمود مقديش أقرب إلى علماء القرن الثامن عشر ب[[صفاقس]]، انفرد دونهم بكتابة التاريخ، وعن طريق هذه المادة عرف وذكر.<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:الفقه]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%A7%D9%84%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A7%D8%B2%D9%8A&diff=4676محمد الدالي الجازي2016-12-29T14:04:52Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>[1942 - 2007 م]<br />
<br />
هو محمد الدالي بن عبد المجيد بن الشيخ العدل [[محمد الدالي الجازي]].ولد بمدينة [[نابل]]، في حيّ الأحواش، يوم 7 ديسمبر 1942, في عائلة عريقة جدّها الأعلى الفقيه المؤدّب الامام أبي عبد الله محمد بن أبي العبّاس سيدي أحمد الجازي النابلي. وتدلّ على ذلك وثيقة ثابتة موجودة عند العائلة، هي عقد زواج جدّ من أجداد عائلة الجازي.<br />
وفي سنّ الخامسة دخل الدّالي الجازي المدرسة الابتدائية ب[[نابل]]. وبعد نجاحه في امتحان الدخول إلى المعاهد الثّانوية، انتقل إلى تونس. وسجّله أبوه بالمعهد الثّانوي الفرنسي (ليسي [[قرطاج]]). وختم دراسته الثانويّة بمعهد كارنو بالعاصمة. وفيه حصل على الباكالوريا الفرنسيّة في جوان 1962. <br />
واصل دراسته العالية بكليّة الحقوق بباريس.وبعد سنة واحدة رجع إلى تونس. ودخل كلّية الحقوق بالعاصمة. وفي هذه الفترة انخرط الدّالي الجازي في الحزب الحرّ الدستوري التّونسي وكذلك في الاتّحاد العام لطلبة تونس سنة 1963. وهكذا تحمّس للعمل السّياسيّ والنقابيّ. وأصبح من المناضلين الشبّان. وسرعان ما انتخب رئيسا للشّعبة الدستورية بكلّية الحقوق. وصار في مقدمّة الطلبة العاملين في الحركتين السياسيّة والنّقابية.وبعد حصوله على الاجازة في الحقوق باشر مهنة [[المحاماة في تونس|المحاماة]] لدى المحاكم التّونسية. وفتح مكتبه بنهج الجزيرة بتونس العاصمة.ولكنّ نشاطه في الميدان السياسيّ أخذ الأولويّة ضمن شواغله، إذ انضمّ إلى ثلّة من السّياسيين البارزين الذين يطالبون بتطوير الحزب الاشتراكي الدّستوري آنذاك وبضرورة انفتاحه على الديموقراطيّة الحقيقيّة.وفشلت هذه المجموعة التّقدميّة في سعيها إلى تحويل الحزب وتغيير سياسته. فغادر الدّالي الجازي الحزب الاشتراكي الدستوري سنة 1971. وفي سنة 1974 انتخب نائبا لرئيس جمعيّة المحامين الشبّان.<br />
اهتم الدّالي الجازي بموضوع الحرّيات العامّة وحقوق الانسان. وفي سنة 1976 كان أحد أعضاء الهيئة المديرة المؤسّسة للرّابطة التونسيّة للدفاع عن حقوق الانسان. وهي أوّل منظمة تأسّست للغرض بالعالم العربي وإفريقيا. وانتخب الدالي الجازي في سنة 1982 في المؤتمر الوطني للرّابطة، أمينا عاما. ثم أعيد انتخابه سنة 1985 بصفة كاتب عام للرّابطة. وناضل من أجل الحريّات والحقوق. وبقي يشغل هذا المنصب إلى غاية نوفمبر 1988. <br />
وفي هذه الفترة كان للدّالي الجازي نشاط كثيف في الميدان السياسي، مع مجموعة من المناضلين لأجل التغيير السياسي. فشارك في تأسيس حزب جديد سمّي "حركة الديمقراطيين الاشتراكيّين". وانتخب بمكتبه السّياسي بصفة أمين عام مساعد مكلّف بالعلاقات الخارجيّة.وناضل داخل هذا الحزب. ومثّله في تونس وخارجها، في مؤتمرات دوليّة.<br />
شارك الدالي في نشر مجلّة اسمها (كونتاكت) أي (الاتصال) وجريدة المستقبل، لسان حال حركة الديمقراطيين الاشتراكيّين. وفي هذه الفترة كان يضطلع بالتّدريس في كلية الحقوق بتونس، مواصلا بحوثه القانونيّة وعلى اتصال بكلية الحقوق "البانطيون" بباريس. فحصل هناك على ديبلوم الدّراسات العليا في العلوم السياسيّة ثم على دكتوراه الدّولة في القانون العام سنة 1982 بأطروحة حول العلاقات بين الدولة والمواطن في تونس المستقلّة:مشكلة الحرّيات العامّة. وقد استعرض في الأطروحة الايجابيّات والسلبيّات لنظام الدولة التونسيّة في عهد [[استقلال تونس|الاستقلال]]. وشكر الأساتذة الفرنسيون أعضاءُ لجنة التحكيم، الدالي الجازي، على شجاعته في تقديم هذه الدراسة الموضوعيّة للوضع في تونس المستقلّة. ومنحوه ملاحظة "مشرّف جدّا". وبعد رجوعه إلى تونس، انتدب أستاذا مساعدا بكلية الحقوق بتونس. وكلّف بتدريس القانون العام والعلوم السياسيّة. وكان متخصّصا في القانون الدستوري.<br />
ولم ينقطع الدالي عن السّياسة فواصل نشاطه داخل حركة الديموقراطيّين الاشتراكيّين وكذلك في الرّابطة التونسيّة للدفاع عن حقوق الانسان.<br />
وقد كان بارزا في الميدانين. وشغل بعد سنة 1987 عدة مناصب منها:<br />
<br />
* عيّن سفيرا لتونس بالنمسا والمجر، في الفترة الفاصلة بين نوفمبر 1988 وأفريل 1989. <br />
وفي المدّة نفسها، كان الدالي الجازي ممثّلا لتونس لدى هيئات الأمم المتحدة بفيانّا، عاصمة النمسا، وممثّلا أيضا لدى الوكالة الدّولية للطاقة الذريّة ومنظّمة الأمم المتحدة للتّنمية الصّناعية.<br />
* وفي شهر أفريل1989، عيّن الدالي الجازي وزيرا للصحة العمومية. واضطلع بهذه المهمّة حتى جويلية 1992. <br />
* عُيّن الدالي الجازي رئيسا أوّل لدائرة المحاسبات، برتبة وزير، ورئيسا لدائرة الزجر المالي. وذلك من نوفمبر 1992 إلى نوفمبر 1994. <br />
<br />
وفي المدّة نفسها، انتخب الدالي الجازي أمينا عامّا للمنظمة العربيّة للمؤسسات العليا للمراقبة المالية.<br />
<br />
* عُيّن وزيرا للتعليم العالي في الفترة الفاصلة بين نوفمبر 1994 ونوفمبر 1999. <br />
<br />
وفيما بعد، شغل الدّالي الجازي منصب وزير معتمد لدى الوزير الأوّل، مكلّف بحقوق الانسان والاتّصال والعلاقات مع مجلس النواب.وهي وزارة جديدة، شغلها الدالي لفترة قصيرة.<br />
<br />
ثم عيّن وزيرا للدّفاع الوطني. ومكث على رأس هذه الوزارة من سنة 2000 إلى سنة 2004. <br />
عيّن رئيسا للمجلس الاقتصادي والاجتماعي. وعمل هناك حتى وفاته يوم 9 مارس 2007.<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:السياسة]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%8A&diff=4675محمد الحليوي2016-12-29T14:04:06Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>[1907 - 1978م]<br />
<br />
هو الأديب محمد بن عبد السلام بن أحمد بن الشّيخ علي بن الحاج قاسم الحليوي. ولد ب[[القيروان]] في 3 أوت سنة 1907 وتوفّي بها في غرّة سبتمبر 1978. تردّد في طفولته على الكتّاب بمسقط رأسه وحفظ القرآن الكريم. ثمّ انتقل إلى المدرسة القرآنيّة، وأتمّ دراسته الابتدائيّة بالمكتب العربي الفرنسي وحصل منه، سنة 1924, على الشّهادة الابتدائيّة التي كانت تعفي من الخدمة العسكريّة. واجتاز في السنّة نفسها بنجاح مناظرة مدرسة ترشيح المعلّمين بتونس العاصمة حيث أمضى بالقسم الاسلاميّ منها ثلاث سنوات. وتخرّج معلّما لتدريس اللّغة العربيّة بالمدارس الابتدائيّة.<br />
ولئن كان يعسر الكشف عن سرّ الموهبة التي تجعل من الانسان كاتبا مبدعا وأديبا مجلّيا فإنّ عوامل التّكوين وأسباب تنمية تلك الموهبة قد تبسّط الحليوي في تحليلها في أكثر من مناسبة في الرّسائل والمجلاّت وتناولها بالذّكر أو بالدّرس بالخصوص أصدقاؤه والباحثون بوجه عام.<br />
فقد عرف عن الحليوي أنّه كان ميّالا إلى العزلة. فهو قليل المغادرة لمنزله بعد عناء العمل وفي أوقات فراغه. بل إنّه كان، كما يذكر ابنه الأستاذ عبد الرّزّاق الحليوي، "يتراجع بعد أن يعزم على الخروج... وكان يجد في الكتب أنسا وسلوى فيحشر نفسه وفكره بين أوراقها ; ويحكم إغلاق مكتبته ليحاور في صمت القانتين نبغاء الفكر وعظماء الشعر". ولم يكن راضيا عن هذه النّزعة فيقول: "نعم لقد أغلقت باب مكتبتي حتّى لا تدخل إليّ ضجّة العالم، ولكنّني بإغلاقه انعزلت عن العالم، وأصبحت لا أعرف من الحياة إلاّ ما عرّفتنيه الكتب. والكتب تفسّر الحياة ألف تفسير، وتذهب فيه ألف مذهب، ولا تفيد إلاّ الحيرة واضطراب الفكرة". ولكنّه في الواقع، وإن تأثّر بالكتب في اتّجاهه الرّومنسي، فقد كان إفرازا موضوعيّا لتكوينه في أثناء الدّراسة ولتأثّره ببيئته التّونسيّة عامّة والقيروانيّة خاصّة.<br />
كانت الدّراسة في جيله غير موحّدة المشارب ولا المناهج والأهداف. فإلى جانب التّعليم الزّيتونيّ التْقليديّ المرتكز على تعليم اللّغة العربيّة وآدابها والتّبحّر في الاسلام دينا وحضارة، نجد المدرسة الصّادقيّة بتعليمها العصريّ وتأثّرها بالمنهج الفرنسي ومحافظتها قدر الامكان على تلقين اللّغة وأدبها، فهي " لم تسلم كل السلامة ولا أصيبت كل الاصابة" على حدّ قول [[محمود المسعدي]]. وكذلك معهد كارنو وما شابهه بتكوينه الفرنسي البحت واقتصاره فيما يخصّ التونسيين على تلقين اللغة العربية لغة ثانية. ولكن قل أن أشيد بالقسم الاسلامي من مدرسة ترشيح المعلمين بتونس الذي خرّج، بفضل دروس مشايخ من [[جامع الزيتونة]] مثل أبي الحسن النجار و[[أبو الحسن بن شعبان|أبي الحسن بن شعبان]] و[[محمد البشير النيفر]]، نخبة كان لها تأثير في الحياة العامة إسهام مهمّ في الساحة الأدبية في أثناء الثلاثينات والأربعينات وما بعدها من أمثال [[محمد البشروش]] ومحمد زيد وأحمد اللغماني وعلي بن هادية وفرج الشاذلي، وكان أبرزهم [[محمد الحليوي|محمّد الحليوي]] الذي تجاوزت سمعته تونس إلى المشرق العربي بمقالاته في مجلة "أبولو" وبعض الجرائد المصرية وانتصاره لعباس محمود العقاد في معركته ضد مصطفى صادق الرافعي.<br />
ولم يقتصر [[محمد الحليوي|محمّد الحليوي]] على هذا التكوين بل انضمّ بعد تخرّجه في مدرسة ترشيح المعلمين إلى المدرسة العليا للّغة والاداب العربية في عهد إدارة المستشرق الشهير وليام مرسي. ولكنه كان متبرّما من الترجمة فقد شكا إلى صديقه [[أبو القاسم الشابي|أبي القاسم الشابي]] "الانكباب على كتب الترجمة والاندماج في حماقاتها المضنية". وهو وإن تبرّم من ذلك فقد تمكّن من النفاذ إلى أسرار اللغتين، بعد أن تجذّر في لغته الأم. والترجمة كما يقال هي أن تتعلّم لغتك ثانية. ولكنه غنم في هذه المدرسة دروس الشّاعر والرّاوية محمّد العربي الكبادي الذي أقرأ مريديه أمّهات الأدب العربي مثل الكامل للمبرّد، والمثل السائر لابن الأثير، والعمدة لابن رشيق، والبيان والتبيين للجاحظ، والصناعتين وديوان المعاني للعسكري، وغيرها من الكتب العالية.<br />
وكان يعقب تلك الساعة بساعة أخرى في فقه المعاملات.<br />
كان إذن تكوين [[محمد الحليوي|محمّد الحليوي]] متينا في اللّغة العربيّة وآدابها يعضده في ذلك حذقه للّغة الفرنسيّة. فأكسبه هذا بعدا تميّز به، في هذا الباب، عن أصدقائه من أمثال [[أبو القاسم الشابي|أبي القاسم الشابي]] فأفادهم وأفاد السّاحة الأدبيّة بالتّعريف بكبار الكتّاب الأوروبيّين وخصوصا الرّومنسيّين منهم.<br />
كما كسب كثيرا من نشأته ب[[القيروان]] واحتكاكه بشعراء أفذاذ أمثال صالح سويسي والشّاذلي عطاء اللّه ومحمّد الفائز، المعروفين بحماستهم في الذّود عن مقوّمات الهويّة الوطنيّة.<br />
إنّ هذه العوامل كلّها جعلت [[محمد الحليوي|محمّد الحليوي]] يخضع للمضمونيّة الوطنيّة التّجديديّة مثل البشروش والشّابّي وغيرهما. وهي المحدّدة أساسا للأغراض الأدبيّة الّتي سيخصّص الحليوي حياته كلّها لطرقها بمختلف الأساليب والتّفريعات شعرا ونثرا.<br />
لكنّ شيوع الرّومنسيّة في تلك الفترة على أيدي كتّاب المهجر من أمثال جبران خليل جبران، وولع الحليوي بهم - وهو الذي قاده إلى الاطّلاع على الرّومنسيّين الأجانب في اللّغة الفرنسيّة - كان عاملا آخر من العوامل التي كيّفت إنتاج الحليوي.<br />
والرّومنسيّة تلتقي مع الأهداف الوطنيّة في عدّة أغراض وأهداف. وبالطّبع فإنّ مهد الرّومنسيّة كان في أوروبّا. وكانت أغلب أقطارها، عند شيوع هذا الاتّجاه، تناضل من أجل قوميّاتها. فكانت "بلدانها المستعبدة ليس لها من صوت إلاّ أدبها الذي يوحي لها بكيانها ذاته، ويؤجّج الحماس في ضميرها ويسمح لها بالتّعبير عن طموحاتها في فترة معيّنة من تاريخها". وهو وضع شبيه بالوضع السّائد في البلدان الرّازحة تحت نير الاستعمار ومنها تونس. "وإذا حاول الرّومنسيّ التّحرّر والوقوف على أرض صلبة فإنّه يرفض بقوّة تقليد القدامى الذين كان، قبل ذلك العهد، يأخذهم مثالا يحتذى، هذا يصحّ على الأقلّ في البلدان الّتي عرفت الكلاسيكيّة. وبما أنّه يصبح عدوّا للتّقاليد فهو يريد أيضا أن يكون كما هو، متفرّدا، صادقا قلبا وقالبا ; ويبدأ ترحاله بحثا عن ذاته، منطويا على نفسه وعلى عالمه الخاصّ، ليتسنّى له النّظر إلى نفسه وإلى الطبيعة الانسانيّة في كل مظاهرها. وهكذا يقدّم إلينا الرّومنسي طريقة جديدة في الاحساس والتّفكير والتّعبير وفي تصوّر الواقع تصوّرا جديدا وفي الوقوف تجاه الحياة موقفا جديدا".<br />
<br />
وانطلاقا من الموهبة الّتي هي أساس كلّ نبوغ يمكن الجزم بأنّ تضافر هذه العناصر كلّها، في سياق الأهداف الوطنيّة، وانسياقا إلى موجة الرّومنسيّة الغالبة في ذلك العصر، وتأثّرا بأدباء المهجر وقادة التّجديد في مصر من أمثال محمود عبّاس العقّاد وكبار الأدباء من جامع الزّيتونة في تونس العاصمة، وأساطين الأدب في العالم، وتفاعلا مع البيئة الأدبيّة القيروانيّة، كان إنتاج [[محمد الحليوي|محمّد الحليوي]] الأدبيّ زاخرا بقضايا عدّة، معبّرا عن خصوصيّته المتفرّدة، الضّاربة في عمق الأنا، فردية وعاطفة جيّاشة، وشعورا بالألم والحزن والكآبة، وميلا إلى الانزواء والخفي من المشاعر المبهمة ونزوعا إلى التمرّد على القديم، ونشدانا للتقدّم والتّجديد والرّفعة. ولكنّ هذه الخصوصيّة لم تقعده عن الالتحام بشعبه، والرّجوع إلى المنابع القوميّة، والايمان برسالة الشاعر والفنّان إلى حد النّبوّة.<br />
ويجدر التنبيه إلى أنّ [[محمد الحليوي|محمّد الحليوي]] واكب فترات عدّة من حياة الشّعب التونسي سياسيّا وفكريّا وأدبيّا. وكان دائما حسّاسا لما يحدث من مستجدّات في جميع الميادين. لذا كان يراجع نفسه في عدّة قضايا منها قضيّة الالتزام وخصوصا بعد استقلال البلاد. فكانت مشاركاته تدلّ على وعي عميق بدور الأديب والنّاقد والشّاعر.<br />
فهو يعتقد أن "ثقافة المستقبل بالنسبة إلى تونس يجب أن تكون... قوميّة أي تونسيّة عربيّة اللّغة، إسلاميّة الرّوح، لكنّها متّسعة الأفق، شامخة، تمقت الانزواء والانطواء، وتتطّلع إلى ما عند الأمم من ثروات روحيّة وفكريّة... ونحن ننعت الثقافة بالقوميّة وإن كان من طبعها الاتّساع والشمول والاطلاق، كي نحمي المثقّف التونسي... من أن تكون ثقافته ضربا من التلفيق والترف العقلي الذي لا يصلح نفسا، ولا يكيّف فكرا، ولا يهذّب سلوكا...".<br />
وهو وإن كان مجدّدا، مؤمنا بالتقدّم فهو لا ينفكّ يوصي بالحذر حتّى لا يختلط الحابل بالنّابل. فهو عندما يعلن عن ضرورة تطوّر اللّغة العربيّة ويرى وجوب تحديثها يغار عليها ويخاف "أن يفهم من تعطيهم الحريّة لكي يعقلوا اللّغة ويعوها الوعي الكامل أن يسيئوا الفهم والوعي وتمتلئ علينا الدّنيا بالأدعياء".<br />
وكان الحليوي مثل البشروش والشّابي يدافع دفاعا مستميتا عن الأدب التونسي سواء في الثلاثينات أو بعد [[استقلال تونس|الاستقلال]]، عندما عاد ليتحدّث عن اتّجاهات الشعر التونسي. يقول: " إنّ واجب الوفاء لأدبنا التّونسي يحتّم علينا أن نجنّد أقلامنا كلّ في ناحية اختصاصه لخدمة هذا الأدب وإبراز شخصيّته وخصائصه، والبحث عن اتجاهاته... ثم التفكير الجدّي في مسألة تيسير النشر. فنبدأ بنشر ما هو مطوي في بطون الصحف والمجلاّت من شعر ونثر... ولعّله إذا أصبحت لنا مجموعة من الكتب والدواوين المنشورة أمكن لمن ينكر وجود الأدب التونسي والقرائح المنتجة أن يعدل عن رأيه...".<br />
وإذا لم تبرز البحوث القليلة الخاصّة بالحليوي مكانته في النّقد الأدبيّ حتّى يعدّ مدرسة للنّقد قائمة الذّات، فإنّ له منهجه الخاصّ به ومقاييسه التّطبيقيّة ومعاركه ضدّ القدامى منتصرا للتّجديد والمجدّدين، خائضا لقضايا النّقد الّتي شغلت معاصريه على مدى ما يناهز الخمسين سنة مثل "الأدب القوميّ"، ولصوصيّة الشّعر، والالتزام وغيرها. وممّا يضفي على كتابات الحليوي النّقديّة أهمّيّة كبرى تجعله أحد أساطين النثر في الأدب التّونسيّ الحديث "انفراده بأسلوب يذكّر بأسلوب الأدباء الّذين كانوا يملؤون الدّنيا في الثلاثينات وبالأخص في مصر. فأسلوبه جزل لا ركاكة فيه ولا سقامة بل ينمّ على تمرّس وجهد تقف خلفهما خلفيّة لغويّة ثريّة، مستقاة من الطواف الكبير بين الشعراء والكتّاب العرب إبّان العصور الزّاهية".<br />
وإذا كان [[محمد الحليوي|محمّد الحليوي]] معروفا في الساحة الأدبيّة ناقدا أبدع في نثره وتميّز عن غيره فإنّه كان شاعرا أيضا. ولكنّه لم يكن "يعدّ نفسه من الشعراء. ويشبه شعره بشعر العقّاد في كثير من التواضع، إلاّ أنّ قرض الشّعر ساعده على إتقان صناعة النّقد، إذ أنّ الناقد الذي لم يجرّب القريض ولم يعرف معنى المعاناة يبقى فهمه للشّعر قاصرا وتذوّقه له محدودا". ذلك أنّ تصوّر الحليوي للشّاعر الحقّ ولما سمّاه فيما بعد بالشّعر الفنّي صعب المنال. "فالشّاعر الحقّ هو الذي يكون في الطّليعة يدلّ الأمّة على طريق الحريّة ويهبّ إلى مقاومة الظّلم والظّالمين".<br />
والشعر الفنّي عنده هو "الذي تكون فيه كلّ كلمة قد وضعت لغرض إيحائي أو تكون محمّلة بشحنة شعوريّة صادقة تترجم عن حالة نفسيّة أو صورة شعريّة بارعة تدلّ على عمق النّظرة وسعة الخيال، أو تعبير جديد مبتكر يبرز شخصيّة الشّاعر".<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:الأدب]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A7%D9%87%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%8A%D9%81%D8%B1&diff=4673محمد الطاهر النيفر2016-12-29T14:02:42Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>[1246 - 1311هـ/1826 - 1894م]<br />
<br />
هو محمّد الطاهر بن محمد بن أحمد بن قاسم بن [[محمد النيفر]] وُلد حوالي 1246هـ/1826م، كان من خريجي الجامعة الزيتونية ومن كبار مدرّسيها. أخذ عن كبار العلماء أمثال المشايخ محمد الخضار والشاذلي بن صالح ومحمد بن ملوكة ومحمد بن سلامة وغيرهم. وُلّي الامامة والخطابة بجامع النفافتة بباب الأقواس بتونس 1289هـ/1872م ثم انتقل منها إلى جامع باب البحر المعروف بجامع الزرارعية وولّي خطّة الاشهاد سنة 1263هـ/1846م ومشيخة مدرسة بئر الحجار ودرّس الحديث بها سنة 1277هـ/1860م. وعيّن عضوا بالمجلس الجنائي من مجالس قانون [[عهد الأمان وقانون 1861|عهد الأمان]] سنة 1279هـ/1862م قاضي الجماعة سنة 1290هـ 1873م. فكان لا تأخذه لومة لائم حتى إنّ الوزير المصلح خير الدين كان كثيرا ما يستعين به في إصلاحاته. توفي في 5 شوّال 1311هـ/أفريل 1894م ودفن بالزلاج.<br />
<br />
'''من مؤلفاته'''<br />
<br />
* شرح على بعض أبواب من صحيح الامام البخاري.<br />
* رسالة موضوعها قبول شهادة أهل الجزائر بعد الاستعمار الفرنسي، نشرت في كتاب التراجم الوفية لأعلام الأسرة النيفرية. وقد حقّقها الأستاذ الطيب العنّابي بعنوان: فتوى للشيخ [[محمد الطاهر النيفر]] في القرن الماضي، عدالة الشهود في البلد المحتل.<br />
<br />
<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:الفقه]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%A8%D9%86_%D8%B1%D8%A7%D8%B4%D8%AF&diff=4671محمد بن راشد2016-12-29T14:02:12Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>[ت737هـ/1336م]<br />
<br />
محمّد بن عبد اللّه بن راشد، البكري نسبا، القفصي بلدا، وكنيته أبو عبد الله. ولد ب[[قفصة]]، وبها نشأ وتعلّم. درس العربية والفرائض ثمّ رحل إلى تونس، فأقام بها زمنًا ملازما للاشتغال بالعلم; ينقل عنه "نيل الابتهاج" ما ذكره هو نفسه ملخّصا: "قرأت العربية والفرائض والحساب، وأدركت بتونس جملة من النّبلاء وصدورا من النّحاة والأدباء، فأخذت عنهم، ثم تشاغلت بالأصول والفقه زمانا".<br />
ثمّ رحل إلى الاسكندرية، في زمن الملك السّعيد، سنة 680هـ / 1281م، "فلقي بها صدورا أكابر وبحورا زواخر، كقاضي القضاة ناصر الدين بن المنير، والكمال بن التّنسي، ويدعى مالكا الصّغير، درس عليه "التهذيب"، وناصر الدّين الابياري، تلميذ أبي عمرو ابن الحاجب وضياء الدّين ابن العلاّق، وكان فروعيا مجيدا، ومحيي الدين حافي الرأس النّحوي الأديب".<br />
قال: "أخذت عنهم، ثمّ رحلت للقاهرة إلى شيخ المالكية في وقته، فقيد الأشكال والأقران، نسيج وحده، وقمر سعده، ذي العقل الوافي، والذهن الصّافي، الشّهاب القرافي، وكان مبرّزا على النّظار، محرزا قصب السّبق، جامعا للفنون، معتكفا على التّعليم على الدّوام، فأحلّني محلّ السّواد من العين والرّوح من الجسد، فجلت معه في المنقول والمعقول، فحفظت "الحاصل" وقرأته مع "المحصول"، فأجازني بالامامة في علم الأصول وأذن لي في التّدريس والافادة".<br />
وتردّد في الأثناء إلى مجلس قاضي القضاة تقي الدين بن دقيق العيد (ت702هـ / 1302م)، وكان يدرس "مختصر" ابن الحاجب، وإلى شيخ العقليات شمس الدين الاصبهاني، وإلى الشّريف الكركي "وغيرهم ممّن لا يحصى كثرة" وعاد، بعد أن حجّ سنة 680، إلى بلده بعلم جمّ، وشرع في الدّروس ومالت إليه النّفوس... و"تولّى القضاء، فضاق بأناس متّسع الفضاء، وسلقوه بألسنة حداد، وكان ذلك سببا في الظّهور وتضاعف الخسران عليهم حتّى سكنوا القبور".<br />
ولابن راشد عدّة مصنّفات نستعرضها حسب التّرتيب الذي ذكرها به "نيل الابتهاج":<br />
<br />
'''1)''' '''مختصر ألّفه في الأصول "أيّام الامتحان"'''التي انتهت بعزله عن القضاء، وسمّى هذا المختصر: "تلخيص المحصول في علم الأصول " وسهّله بأمثلة، وهو فيما يظهر أوّل تأليف له "لخصّ فيه، حسب التعليق الوارد في "كتاب العمر" (ج 1، ص 740) كتاب "المحصول"، في أصول الفقه لفخر الدين الرّازي، ابن خطيب الرّيّ (ت606هـ / 1209م).<br />
<br />
'''2)''' '''الفائق في معرفة الأحكام والوثائق'''، في سبعة أسفار من القالب الكبير. جاء في "كتاب العمر" ص 739:<br />
<br />
"وهو غزير الفائدة لمن يبحث عن العوائد والأخلاق ونظام البيئة التونسية في مدّة الدّولة الحفصية".<br />
يوجد بدار الكتب الوطنية بتونس ما لا يقلّ عن 23 نسخة مخطوطة من بعض أجزائه.ينقل صاحب "نيل الابتهاج" قول الشيخ أحمد الونشريسي عن إفراط ابن عبد السلام في الردّ على ابن راشد "مع ما له من مزية التقدّم في العلم والصّلاح وابتكار الشرح ونهج السبيل" ويروي "أنّه لمّا توفّي ابن راشد حضر جنازته ابن هارون وابن عبد السّلام وابن الحباب وكان ابن عبد السّلام وابن هارون مستندين إلى حائط جبانة. وجلس ابن حباب، إلى ظهر الحائط في الجانب الاخر ثم ترحّم ابن الحباب على ابن راشد وذكر مآثره وتفنّنه في العلوم وقال: لو لم يكن من فضائله إلاّ ابتكاره لشرح ابن الحاجب لكفاه فخرا، قال: وجاء هؤلاء السّراق بعده، (يشير إلى ابن عبد السلام وابن هارون) فسرقوا كلامه ونسبوه إلى أنفسهم، وأشار إليهما وهما يسمعان " (نيل ص 236).<br />
<br />
'''3)''' '''المذهب في ضبط مسائل المذهب في الفقه المالكي'''، في ستّة أسفار من القالب الصغير. يقول عنه عبد اللّه بن مرزوق: ليس للمالكية مثله. نسخة كاملة في خمسة أجزاء في المكتبة العاشورية: أرقام (ف. أ) 231، 232، 233 (ج 3 وج 4)، وجزء مفرد (ف. أ) 470.<br />
<br />
'''4)''' '''النظم البديع في الاختصار والتفريع.'''<br />
<br />
'''5)''' '''الموهبة السنّية في العربية'''.<br />
<br />
'''6)''' '''المرقبة العليا في تعبير الرؤيا''': نسخة المكتبة العاشورية له مختصره [الدّرّ النثير في علم التعبير] خ تونس 3203، 3369.<br />
<br />
'''7)''' '''شرح ابن الحاجب المسمّى''' ['''الشهاب الثاقب'''] في شرح لفظه وحلّ مشكلاته وإيضاح رموزه وإشاراته وعزو مسائله وتقرير دلائله، وقد استخرج مسائلها، في أماكنها، جزء منه خ جامع القرويين رقم 388.<br />
<br />
'''8)''' '''تحفة اللّبيب في اختصار ابن الخطيب'''، 4 أجزاء.<br />
<br />
'''9)''' '''نخبة الواصل في شرح الحاصل'''، في أصول الفقه.<br />
<br />
'''10)''' '''لبّ اللّباب فيما تضمّنته أبواب الكتاب''' [يعني الكتاب (3)] من الأركان والشروط والموانع والأسباب. وهو كتاب ألّفه في آخر عمره حسب ما جاء في مقدمته: "ولمّا رأيت نهار الشّيب قد تجلّى، وليل الشباب شمّر ذيله فرقا وولّى، رغبت في وسيلة أختم بها عملي، وأنتفع بها، إن شاء اللّه، عند حلول أجلي، فوضعت هذا المختصر ورتّبته ترتيبا لم أسبق إليه، لينتفع به المبتدي ويستبصر به المنتهي".ط. تونس 1346ه، خ المتحف البريطاني رقم 868.<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:الأدب]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%85%D8%AF%D8%B1%D8%B3%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%88%D8%AF_%D9%81%D9%8A_%D8%AA%D9%88%D9%86%D8%B3&diff=4669مدرسة العود في تونس2016-12-29T14:01:06Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>[[مدرسة العود في تونس]] فرعان.<br />
<br />
فرع أول يعرف بمدرسة العود العربي ويعني عند أهل الذكر العود التونسي وقد ذاع صيته في الساحة الفنية التونسية عبر مراحله التاريخية باسم العود العربي لتمييزه عن العود الافرنجي أي القيثارة.<br />
ويمتاز العود التونسي بصندوق رنينه الذي ينبعث منه رنين الأوتار وعددها أربعة مزدوجة التعديل.ويعزف ذلك العود التونسي بالريشة نقرا وبالابهام نبرا.<br />
ولم يبق من عازفي ذلك العود التونسي إلا زياد غرسه بعد رحيل والده الطاهر غرسه وأستاذه الفنان [[خميس الترنان]] الذي بدأ مشواره عازف ناي متأثرا بأستاذه الشيخ علي الدرويش.<br />
كما نشير من باب الأمانة التاريخية إلى أن الفنان صالح المهدي شهر زرياب قد برع أيضا في عزف ذلك العود التونسي إلى جانب الفنان خميس الحنافي أصيل قلعة الأندلس حيث ولد سنة 1928. <br />
لكن تبقى الريادة للفنان محمد المغيربي أصيل بلدة بني خيار وهو قائد الفرقة الموسيقية للبلاط الملكي لمحمد الهادي الباي ويعتبر أول عازف تونسي لتلك الالة الوترية مشكّلا ثنائيا مع عازف الكمان [[محمد التريكي]].<br />
ومن مميزات تلك المدرسة التونسية الخاصة بالعود العربي العزف بإصبعين السبابة والخنصر مثلما كان يفعل الشيخ [[خميس الترنان]]. وقفلاته تكون في الجواب لانعدام أوتار القرار في صندوق رنينه.<br />
لكن [[الطاهر غرسة]] تميز بعزف ذلك العود بكامل أصابع اليد اليسرى واستقدم الفرداش من خلال قلب الريشة في العزف ولا تزال تسجيلاتهما موجودة بخزينة [[الرشيدية]] أو بالاذاعة والتلفزة التونسية ومتحف النجمة الزهراء للصوتيات والمسمعيات أي قصر المستشرق الألماني البارون. ثم خلفه ابنه زياد الذي يكاد يكون العازف الوحيد لتلك الالة الوترية التونسية من جيل الشباب في العهد الحاضر.<br />
ومما تجدر الاشارة إليه أن العود التونسي أو العربي وفق مصطلح الشهرة قد حافظ على تركيبة أوتاره ودوزنة دساتينها وفق المصادر المعيارية للثالوث الفرابي وابن سينا والكندي بناء على الأخلاط الأربعة مثل السوداء في الجسم ويمثلها الوتر الأول وهو البم الأسود في حين يمثل الوتر الثاني وهو المثلث رمز البلغم ولونه أبيض والمثنى ولونه أحمر في إشارة إلى الدم والزير ولونه أصفر في إشارة إلى الصفراء.<br />
كما أن العود التونسي يعدّ الابن الشرعي للعود العربي القديم الذي مر بعدة أطوار تاريخية جاءت في قصيدة ابن الرومي:<br />
<poem><br />
وقيان كأنها أمهات <br />
عاطفات على بنيها حواني <br />
مطفلات وما حملن جنينا <br />
مرضعات ولسن ذات لبان<br />
كل طفل يدعى بأسماء شتى<br />
بين عود ومزهر وكران <br />
</poem><br />
<br />
وغير خاف أن العجز في البيت الأخير قد ضم أسماء العود عبر مختلف مراحل تطوره مع الاشارة إلى عود البربط الفارسي أي صدر البطة وعود الشبوط المستخرج من هيكل السمك والموتر وهو العود بوتر واحد وفق أسطورة مخترع العود "لامك ابن قايين ابن آدم".<br />
ومن الجزيرة العربية جاب العود العربي آفاق المعمورة في غزوه لأقطار العالم بأسره فحافظت البلدان العربية على المصطلح العربي عود في حين عمدت البلدان الاوروبية إلى اشتقاق الحقول الدلالية لذلك المصطلح خاصة بعد أن أدخله زرياب إلى بلاد الأندلس ومنها انطلق غازيا أوروبا الشرقية والغربية والبلدان الاسكندينافية ولا أدل على ذلك من وجود آلة العود في تلكم البلدان بأسماء مختلفة وصناعة مختلفة من حيث عدد الأوتار ودوزنتها وطريقة العزف نقرا بالريشة ونبرا بالبنان.<br />
كما تناسل ذلك العود فأنجب عدة آلات وترية مثل الماندولين والقيثارة والبانجو فضلا عن الالات الفارسية والتركية مثل البزق والطنبور ويعدّ [[أحمد القلعي]] من أبرز العازفين التونسيين لالة البزق.<br />
وإذا كان الشاعر ابن الرومي قد صوّر رسما بالكلمات لوحة فنية تجسد أطوار العود في رحلته عبر الزمان والمكان فإن الشاعر [[ابن شرف]] القيروان قد أجاب بقصيدة عصماء تكمل اللوحة الشعرية لابن الرومي في قوله:<br />
<br />
<poem><br />
سقى الله أرضا نبتت عودك الذي<br />
زكت منه أغصان وطابت مغارس<br />
تغنت عليه الورق والعود أخضر <br />
وغنت عليه الغيد والعود يبس <br />
فكأنه في بحرها ولد لها <br />
ضمته بين الترائب واللبان <br />
طورا تدغدغ بطنه فإن هفا <br />
عركت له أذنا من الاذان <br />
</poem><br />
<br />
== المدرسة الشرقية التونسية == <br />
ويمثل الفرع الثاني مدرسة العود التونسية الثانية فقد اعتمدت العود المشرقي. وهي تختلف عن المدرسة الأولى من حيث نوعية عودها الذي يحوي خمسة أوتار أي بإضافة الوتر الذي أدخله زرياب على تلك الالة الوترية.<br />
وحافظ على دوزنة أوتاره على النحو التالي:<br />
<br />
اليكاء (قرار) <br />
<br />
العشيران (قرار) <br />
<br />
الدوكاه (وسطي) <br />
<br />
النوى (وسطي)<br />
<br />
الكردان (جواب)<br />
<br />
وإذا كان العود الشرقي قد انتشر عند العازفين التونسيين الذين كانوا يفضلونه على العود التونسي أو العربي وفق المصطلح المتداول فإن عناصر الجيل القديم كانوا يعزفونه بإصبعين أي بالسبابة والخنصر.<br />
وقد كان [[خميس الترنان]] يعزف العودين التونسي والمصري بالاصبعين في حين أن جيل المخضرمين مثل [[علي السريتي]] و[[أحمد القلعي]] وصالح المهدي شهر زرياب وبعض الملحنين مثل [[الشاذلي أنور]] ومحمد رضا و[[قدور الصرارفي]] فكانوا يعزفون العود المشرقي بالأصابع الأربعة من حيث دساتين الملمس وتعديل عصافير الأوتار وفقا للدوزنة المذكورة سلفا.ومما لا شك فيه أن أولئك العازفين قد تأثروا بالعازفين المصريين من أقطاب الابداع الموسيغنائي لعل أبرزهم محمد عبد الوهاب وأستاذه محمد القصبجي وفريد الأطرش وأستاذه رياض السنباطي. على أن بعض العازفين قد انقسموا إلى ملحنين يستعملون العود في الابداع الموسيغنائي مثل محمد الموجي وبليغ حمدي الذي طور العود وكهربه على غرار القينارة الكهربائية في حين بقي البعض الاخر من العازفين مصاحبين لنجوم الغناء وحصلوا على مقاعدهم في صلب الفرقة الموسيقية العربية.<br />
أما في تونس فإن [[الشاذلي أنور]] كان يتخذه للتلحين فقط وكان يعزفه باليد اليسرى مثل أحمد الصباحي فعرفا بالجنفاوي أو الشلاوي أو اليساري في الاصطلاح الموسيقي لا السياسي طبعا.وكذلك الشأن بالنسبة إلى [[علي السريتي]] الذي يعدّ من أبرز رموز مدرسة العود التونسية ذات المنحى المشرقي.<br />
فبرع السريتي من خلال احتكاكه بالعازف التركي الحايك وبعض العازفين الأتراك مدة إقامته بالعاصمة الفرنسية في الثلاثينات من القرن العشرين. فكرع السريتي من حياض العزف على العود في عصامية نادرة شأنه شأن تلميذه [[أحمد القلعي]] الذي لحن له القرفي كونشرتو في النمطية الغربية برع فيه كعازف سنفوني مثل الراحل [[حسن الغربي]] كعازف قانون في الأركسترا السنفوني الفرنسي.<br />
أما في جيل الشبان الجدد فإن بصمات [[علي السريتي]] بدت واضحة التأثير على تلاميذه لعل أبرزهم أنور إبراهم في حين انتصب [[أحمد القلعي]] أستاذا لالة العود ب[[المعهد العالي للموسيقى]] غداة انبعاثه سنة 1982 وتأثر به كل من مراد الصقلي وكمال الفرجاني ومحمد الماجري في حين تأثر محمد زين العابدين بالعازف العراقي الكبير منير بشير سليل المدرسة العراقية التي بعثها محيي الدين الشريف وشقيقه الأكبر جميل بشير.<br />
أما العازف العراقي نصير شمة فقد تولى تدريس تلك الالة الوترية ب[[المعهد العالي للموسيقى]] بتونس في مطلع التسعينات وتخرج على يديه عدد من أبرز العازفين أمثال رضا الشمك ويسر الذهبي. ثم استقر نصير شمة شهر زرياب الصغير بالقاهرة حيث بعث البيت العربي للعود في صلب دار الأوبرا المصرية بدعوة من الدكتورة رتيبة الحفني ولكن نصير شمة قد برز في المهرجان الخاص بالعود الذي احتضنته تونس بالمسبح البلدي وقد أبهر الجمهور بعزفه بيد واحدة أي بالنقر بالريشة والنبر بالبنان وقد لحن معزوفة العامرية إثر غزو العراق حتى يتيسر للمعاقين العزف بيد واحدة.<br />
وخلاصة القول إن مدرسة العود امتازت بخاصية الازدواجية من حيث العزف على عودين عرف الأول بالعود التونسي وهو نادر الاستعمال نظرا لعزوف العازفين الشبان عن تعاطيه مفضلين العود المشرقي الذي شكل ثنائية تلك الازدواجية.<br />
وإذا كان العود التونسي لم يخرج من محيطه التونسي أي عزف نوبات المألوف والفوندوات والارتجالات في المعزوفات مثل التوشية أو الاستخبارات في المواويل التي تعرف بالعروبيات فإن رواد مدرسة العود المشرقية قد برعوا في عزف القوالب الفارسية والتركية مثل البشرف والسماعي واللونقا فضلا عن الارتجالات التي تعرف بمصطلح تقاسيم في محاسبة المطرب أي مرافقته في مواله الذي يستدعي دائرة مقامية واسعة تخول له الصولات والجولات في يمّ المقام المشرقي.<br />
ومسك الختام مع حاضر مدرسة العود بتونس بمميزاتها المشرقية مع عدد من العازفين الجدد أمثال الأخوين المرايحي من أبناء الحكيم الفنان الدكتور لطفي المرايحي والأخوين البشير ومحمد الغربي والشاب سميح المحجوبي وقد برز جميعهم في عزف العود المشرقي من خلال المباريات التي ينظمها مركز النجمة الزهراء للموسيقى العربية والمتوسطية في سيدي بوسعيد.ومما لا شك فيه أن تلكم المباريات وفرت لجيل الشبان من العازفين التونسيين فرصة إعادة تأهيل العود الذي تقلص ظله ردحا من الزمن وبقي في ظل الفرقة الموسيقية يرافق نجم الغناء في وصلته الغنائية مثل العازف السوري قدري دلال في مرافقته للمنشد صبر المدلل أو في مرافقة القصبجي لأم كلثوم. فالعازفون الشبان يقدمون عروضا فنية خاصة بآلة العود في أبرز المسارح الأوروبية على غرار آلة البيانو التي اختصت بتقديم الصونطات والكونشرتوات ويعود الفضل في ذلك إلى العراقي منير بشير الذي أضاف عدة أوتار لعوده حتى حوله إلى بيانو فطاف جل المسارح العالمية مقدما عروضا منفردة للعود تصل الابداع بالامتاع والمؤانسة واقتفى أثره تلميذه محمد زين العابدين الذي كان بعث فرقة العازفين سنة 1989 على غرار العازفات وقدّم عدة عروض صحبة زوجته سندة الخياطي، فيما شكل مراد الصقلي والأسعد الزواري ثنائيا مثلما كان الشأن بين كمال الفرجاني وأستاذه [[أحمد القلعي]] الذي برز أيضا كعازف على البُزق وتبقى الريادة لعلي السريتي الذي تبنى عازفات من اليابان لتشكيل فرقة البشرف عند زيارته إلى اليابان فيما برز تلميذه أنور إبراهم بالولايات المتحدة الأمريكية حيث شارك في مهرجان الجاز معتمدا على عوده وفي ذلك دعم لرواج العود وتكريم لعازفيه من جيل الشبان في رحلتهم الابداعية عبر الافاق المستقبلية.<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:الموسيقى]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%85%D8%B1%D9%83%D8%B2_%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A7%D8%AA_%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D9%88%D8%AB_%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9_%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A9&diff=4667مركز الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية2016-12-29T13:59:07Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>هو مؤسسة عمومية للبحث العلمي ذات صبغة إدارية تتمتع بالشّخصية المدنية والاستقلال المالي، خاضعة لاشراف وزارة البحث العلمي والتكنولوجيا وتنمية الكفايات.<br />
تأسّس المركز سنة 1962 باسم معهد التخطيط والاحصائيات والدراسات الاقتصادية والاجتماعية.وسمّي [[مركز الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية]] بمقتضى القانون 59 لسنة 1975 (الفصل 27). ثمّ أعيد تنظيمه في سنة 1972 (الأمر عدد 252 المؤرخ في 12 أوت 1972) وفي سنة 1998 (الأمر عدد 2412 المؤرخ في 30 نوفمبر 1998). <br />
يقوم المركز بكل مناشط البحث والدراسات في ميدان العلوم الاقتصادية والاجتماعية والانسانية. وفي هذا الاطار المتعدد التخصّصات وعلى سبيل الذكر هو مكلف خاصة ب:<br />
* إنجاز برامج البحث التي يكلّف بها في إطار عقود البرامج المبرمة مع الدولة.<br />
* القيام بناء على طلب الوزارات والهيئات الوطنية والمؤسسات العمومية والخاصة وفي إطار اتفاقيات تبرم للغرض سواء على المستوى الوطني أو في إطار التعاون الدولي بكل بحث أو دراسة تهدف إلى تشخيص وتحليل ومعالجة الظواهر الاجتماعية والاقتصادية الماضية أو الحاضرة والقيام بكلّ عمليات الاستباق والاستشراف المتعلّقة بها.<br />
* القيام ببحوث وثائقية تهدف إلى التعرّف إلى تأثير تطوّر التكنولوجيات في الميادين التي تهمّ المجتمع ومتابعة انعكاساتها الجارية والمنتظرة وكذلك تقييمها وتحليلها بالنظر إلى الأهداف التنموية الوطنية وتنظيم كلّ التظاهرات العلمية بالتعاون مع المؤسسات الاقتصادية ومؤسسات التعليم العالي والبحث.<br />
* الاسهام في تكوين الطلبة في مرحلة الدكتوراه. وذلك في نطاق برامج المركز.<br />
* تشجيع الشراكة في ميدان البحث العلمي وتطوير التكنولوجيا مع مؤسسات التعليم العالي والبحث وكذلك مع المؤسّسات والمنشآت العمومية أو الخاصة أو في نطاق التعاون الدولي.<br />
<br />
يتولى المركز منذ سنة 1964 نشر المجلة التونسية للعلوم الاجتماعية وهي مجلّة نصف سنوية تعنى بنشر نتائج أبحاث أكاديمية وأبحاث ميدانية ذات صلة بالمناشط البحثية الجامعية.وينشر المركز أعمال الملتقيات والنّدوات التي ينظمها ونتائج الدراسات التي يعدّها بها في شكل سلسلة من الكراساتب. وهي تتعلق بالمواد التالية: الجغرافيا، علم الاجتماع، العلوم الاقتصادية، الديمغرافيا، علم النفس، التاريخ، علوم التربية، الدراسات الأدبية، اللسانيات، العلوم الاسلامية.هذا ويعتزم المركز بعث سلسلة جديدة تعنى بالأنتروبولوجيا والأثنولوجيا.ينجز المركز دراسات ذات طابع استشرافي في إطار التطلّع إلى تطور المجتمع التونسي في بحر العشرين سنة القادمة. وقد أنجز أبحاثا حول الموضوعات التالية:<br />
<br />
* تعليم الكبار والتنمية بالبلاد التونسية.<br />
* هجرة التونسيين إلى الخارج.<br />
* المسنّون في المجتمع التونسي.<br />
* التراث الطبيعي والثقافي بالبلاد التونسية.<br />
* تأثير عمل المرأة في تنشئة الطفل.<br />
* توزيع الوقت الأسري والوقت المدرسي للطفل.<br />
<br />
أمّا الدّراسات التي هي بصدد الاعداد فتتعلّق أساسا بالمسائل التالية:<br />
<br />
* هجرة الكفايات إلى الخارج.<br />
* الهجرة الداخلية والتنمية المحلية.<br />
* السلوك الاجتماعي للأطفال واليافعين.<br />
<br />
ينظّم المركز كلّ سنة سلسلة من المحاضرات حول التجديد والاستشراف في العلوم الانسانية والاجتماعية ويدعو إليها عددا من المختصّصين من تونس ومن الخارج في الميادين ذات العلاقة.وأنجز المركز أيضا عددا من الخرائط (17) في إطار مشروع "الأطلس". ولديه مخبر لاعداد الخرائط،يوفر الخرائط في إطار الأبحاث التي يقوم بها المركز.<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:الاقتصاد]]<br />
[[تصنيف:الاجتماع]]<br />
[[تصنيف:الدولة]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%85%D8%B1%D9%83%D8%B2_%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A7%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9_%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%8A%D8%B1%D9%88%D8%A7%D9%86&diff=4666مركز الدراسات الاسلامية بالقيروان2016-12-29T13:58:29Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>أنشئ [[مركز الدراسات الاسلامية بالقيروان]] في 30 ديسمبر 1990, وقد صدر قرار إحداثه بالرائد الرسمي عدد 26 بتاريخ 17 أفريل 1990, وهو مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية المدنية و[[استقلال تونس|الاستقلال]] المالي. وتخضع لاشراف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيا، ويعود هذا المركز بالنظر إلى جامعة الزيتونة.<br />
تتحدّد مهامّه في:<br />
<br />
* التعريف بالحضارة الاسلامية وما قدّمته إلى الحضارة الانسانية في مختلف الميادين.<br />
* توفير المعلومات الموضوعية التي تساعد على فهم الاسلام وما يتّصل به من علوم ومعارف فهما صحيحا.<br />
* القيام بالدراسات والبحوث في ميدان العلوم الاسلامية.<br />
* الاسهام في دعم البحث العلمي في ميدان الدراسات الاسلامية والعمل على تطويره.<br />
* التعريف بنتائج الدراسات المنجزة ونشر البحوث وتعميمها.<br />
* مساعدة الباحثين وتوفير ما يحتاجون إليه من وثائق ووسائل مناسبة.<br />
* التعريف بأعلام تونس و[[إفريقية]] ومؤلّفاتهم وإنجازاتهم في كلّ العلوم ولا سيما علوم القراءات والتفسير والسُنَّ والفقه.<br />
* إحياء التراث الاسلامي ودعم العناية به.<br />
* تجميع المخطوطات المتعلّقة بالعلوم الاسلامية وإعداد فهرسة إعلامية لها.<br />
* إصدار مطبوعات لفهارس مخطوطات المركز وغيرها وجعلها في متناول الباحثين في تونس وخارجها.<br />
* ربط علاقات تعاون مع مراكز الدراسات الاسلامية والبحوث التي تهتم بالعلوم الاسلامية والتابعة لمختلف الجامعات الاسلامية وغيرها من جامعات البلدان الأخرى لتبادل المعلومات والبحوث والفهارس.<br />
* عقد ملتقيات علمية وندوات دورية وغير دورية يشارك فيها المتخصّصون في العلوم الاسلامية من تونس والعالم الاسلامي ومن غيرهما.<br />
<br />
وقد باشر هذا الفضاء العلمي مهامّه منذ تاريخ إنشائه فنظّم عدّة ملتقيات وأصدر مجموعة من التآليف المدرجة في محاور اهتمامه.<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:الإسلام]]<br />
[[تصنيف:التاريخ]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%85%D8%AF%D9%8A%D9%86%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%88%D9%85&diff=4664مدينة العلوم2016-12-29T13:58:03Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>في نطاق تفتّح الثقافة التونسية الحديثة على العلوم يمكن تبيّن الأهداف المرسومة لمدينة العلوم حسب ماجاء في قانون إحداثها الذي وافق عليه مجلس النوّاب في ديسمبر 1992. <br />
تتحدّد مهمّة [[مدينة العلوم]] في نشر العلوم بالبلاد، ودعم الفكر النّقدي، وجعل المواطن التّونسي يقف بالمعاينة والممارسة على أنّ المعرفة العلميّة في متناول كلّ من جدّ في طلبها. وهي بذلك مدعوة إلى:<br />
<br />
* الاسهام في نشر المعرفة قصد تمكين كلّ المواطنين من الاطّلاع على ما انتهى إليه جهد الانسان في الميادين العلميّة المختلفة، وذلك في إطار التكامل مع القطاع التّربوي.<br />
* إذكاء رغبة المواطنين في المعرفة، وإطلاعهم على الاكتشافات العلميّة المهمّة، وترسيخ مقتضيات النظر العلمي لديهم.<br />
* دعم ما في نفوس المتعلّمين منذ طفولتهم من ميل إلى العلوم، وذلك في إطار التكامل مع المؤسّسات التّربويّة.<br />
* التعريف بما بين حلقات تاريخ تونس في ميدان المعارف والمهارات من تواصل قصد ربط جهودنا في الحاضر بجهود أسلافنا في الماضي.وخدمة لهذه الأهداف جاء المثال المعماري معبّرا عن محتواه، معتمدا في هيكلته على ثلاثة مكوّنات مهمّة:<br />
* أولا، رمزيّة المدينة: تطمح هذه المدينة إلى أنّ تكون رمزا من رموز الفكر الحديث ببلادنا وتريد أنّ تكون فضاء من فضاءات التّعاون الدّولي الخصب في مجال نشر المعارف العلميّة.<br />
<br />
* ثانيا، موقع المدينة بحدائق أبي فهر: فإذا كانت هذه المدينة تجسّد بما تهدف إليه حرص التّونسي على أن يكون حاضرا في عصره وتائقا إلى الاسهام في إغناء الفكر الحديث فإنّ الموقع الذي قامت عليه يكشف عن انغراسها في التاريخ وانخراطها في جدليّة وصل الحاضر بالماضي. فهي تقع في جزء من سهل أريانة الذي أطلق عليه ثاني الحكّام الحفصيين أبو عبد اللّه المستنصر (الذي حكم من 1277 إلى 1294م) اسم حدائق [[أبو فهر|أبي فهر]]. وهي حدائق وصفها المؤرّخون والرحّالة بإعجاب شديد، ونخصّ بالذكر ماكتبه [[ابن خلدون]] في مقدّمة كتاب "العبر". وإن ّ وجود الفسقيةّ الكبيرة التي بناها [[أبو فهر]] في القرن الثّالث عشر على الأراضي التي أقيمت بها المدينة دعا إلى الاعتناء بالهندسة المائيّة اعتناء خاصا لربط جهود التّونسيين القديمة بتكنولوجيا المستقبل.<br />
* ثالثا، منبت الأشجار الغابيّة: وهو شاهد على التنوّع النّباتي، وعلى أهمّيّة الدّراسات في هذا المجال الذي نعتت به تونس منذ القديم بالخضراء.<br />
<br />
أمّا المثال المعماري فيشتمل على ممشى مستقيم للمترجّلين، طوله حوالي 500 متر، له سقف مقوّس كالحنايا، وهو يربط القبّة الفلكيّة بمنبع المياه بالبئر المحفورة في المنبت الغابي.وقد استغلّت في إنشاء الممشى والقبّة أحدث المعادن والتقنيات والخبرات. ويرمز الممشى المقوّس، بما يعبره من زوّار وينساب بجانبه من مياه، إلى أهمّ محاور [[مدينة العلوم]] وهي: الكون والأرض والمياه والحياة والحضارة الانسانيّة والمكانة العلميّة لتونس. ويرمز الشكل الكروي إلى كوكب الأرض ومحيطها المائي، كما يرمز تنّقل الزوّار إلى الحركيّة المعبّرة عن رسالة [[مدينة العلوم]].<br />
و[[مدينة العلوم]] ليست للفرجة ومتعة فقط، بل هي أيضا مدرسة مشاركة يتعامل فيها الزوّار والأطفال والشباب مع التجهيزات الحديثة المتوفّرة في كلّ جناح. وإلى جانب ذلك تنظّم معارض قطاعيّة كمعرض الدّيناصورات المشخّصة ومعرض الصّور أو اللّوحات العالمية، كما تنظّم ندوات علميّة كالتي تعلّقت بالمياه في تونس عبر العصور. وتنشر مطبوعات تحسّس وتعلّم كالتي تعلقت بالسماء والكواكب. ولا ننسى نشريّتها العلميّة "مدار".<br />
كل ّ هذا من أجل ثقافة علميةّ يشب ّ عليها الطّفل ويتعلّق بها الكهل دارسا وربما باحثا.<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:الثقافة]]<br />
[[تصنيف:التاريخ]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%85%D8%B1%D9%83%D8%B2_%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D8%AB%D9%8A%D9%82_%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86%D9%8A&diff=4663مركز التوثيق الوطني2016-12-29T13:57:07Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>يعتبر [[مركز التوثيق الوطني]] أوّل وحدة توثيق أحدثت بتونس لتغطّي قطاع الاعلام انطلاقا من مصلحة التوثيق بكتابة الدولة للأخبار سنة 1957, ومرورا بالادارة الفرعيّة للتوثيق سنة 1975, إلى أن حصل المركز على الذّاتية القانونية و[[استقلال تونس|الاستقلال]] المالي بالأمر المؤرخ في 18 سبتمبر 1982 بإشراف كتابة الدّولة للاعلام لدى الوزير الأول. ومن مشمولاته أنه:<br />
<br />
* يجمع جميع الوثائق المتعلّقة بمختلف مظاهر الحياة الوطنية والدّوليّة ويقتنيها ويعالجها، وخاصة منها المتعلّقة بالاعلام العام والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي وبالمعلومات حول علوم الاتصال.<br />
* ينفّذ السّياسة الوطنيّة للاعلام والتّوثيق بالتنسيق مع بقيّة المراكز القطاعية الوطنية.<br />
* يسهم في تركيز الشبكة الوطنية للاعلام والتّوثيق وفي العمل على التنسيق بين أطرافها وربطها بالشبكات الوطنيّة الأخرى والأجنبية.<br />
* ينظّم دورات تدريبيّة ويتعّهد بمهمة التّكوين المستمر لأعوانه ولأعوان ينتمون إلى وحدات توثيقيّة أخرى والطلبة في علوم الاعلام والاتّصال.<br />
* ينظّم مؤتمرات وملتقيات ومعارض.<br />
* يمثّل تونس في التظاهرات التّوثيقيّة المندرجة في حقل اختصاصه.<br />
* يشتمل على مركز موزّع للبنك الدولي للاعلام حول الدّول المستعملة للّغة الفرنسيّة، ويمثّل هذا البنك بالنّسبة إلى الدّول المغاربية ولبنان ومصر وجيبوتي.<br />
* يمثّل نقطة بؤريّة وطنيّة لنظام الأمم المتّحدة للاعلام العلمي والتّقني التابع لليونسكو منذ سنة 1992. <br />
* وهو منخرط منذ سنة 1978 بعدّة منظّمات دوليّة غير حكوميّة كالجامعة الدّوليّة للتوثيق والمجلس الدّولي للأرشيف، والفرع الاقليمي العربي للمجلس الدولي للأرشيف، وغير ذلك.<br />
<br />
ويقدّم مركز التّوثيق القومي خدمات متعددّة للباحثين والمستفيدين عموما. من ذلك أنه يؤدّي خدمات معلوماتيّة وثائقيّة، سواء على عين المكان أو عبر قنوات الاتّصال التّقليديّة.ويضع على ذمّة المستفيدين:<br />
<br />
* مكتبة بها حوالي 14000 كتاب في ميادين التاريخ التونسي تتعلّق بعدّة بلدان وفي السياسة والثقافة وعلوم الاتصال.<br />
* مصلحة للدّوريّات بها 2400 عنوان.<br />
* سير ذاتيّة تأليفية ومحيّنة لشخصيّات تونسيّة.<br />
* خزانة صور ذات 50.000 صورة فوتوغرافيّة لشخصيات ومعالم تونسيّة وأحداث وطنيّة ومناشط مختلفة.<br />
<br />
*مصلحة للتّوثيق الاعلامي ذات 10.000 ملفّ موضوعي بها قصاصات صحفيّة تغطّي مظاهر الحياة الوطنيّة والعلاقات الدوليّة وتاريخ [[الحركة الوطنية التونسية|الحركة الوطنيّة]] ومناشط المنظّمات الوطنيّة والدّولية وعلوم الاتّصال.<br />
ومن خدماته أيضا وضع قواعد المعلومات المختلفة على ذمّة المستفيدين، عن بعد وإحداث بوابته التوثيقية الالكترونية التي وُضعت على شبكة الأنترنات في ماي 2009. وتحتوي هذه البوابة لمركز التوثيق الوطني على ملفات توثيفية حول تونس بالاضافة إلى قاعدة للبيانات والقصاصات الصحفية تضم أكثر من 260 ألف مقال صحفي من مختلف الصحف الوطنية العمومية والخاصة والمستقلة.<br />
<br />
وتضم أيضا فهرسَا بيبليوغرافيا يحتوي على 14 ألف كتاب ومرجع ومعجم موضوعة على ذمة العموم والاعلاميين والباحثين.<br />
<br />
ويشتمل المركز على عدّة مصالح، وهي:<br />
<br />
* مصلحة الاطّلاع على الوثائق المصغّرة واستنساخها.<br />
* مصلحة استنساخ مصوّر للوثائق المنتقاة من قبل المستفيدين.<br />
*مصلحة لبيع منشورات المركز.<br />
*مصلحة لتوزيع منشوراته.<br />
* مصلحة للتّكوين والتّأهيل والتّأطير في ميدان اختصاص المركز.<br />
* مصلحة للتّوجيه الوثائقي.<br />
* مصلحة لاعداد البحوث الوثائقيّة حسب طلب المؤسّسات والأفراد. وهكذا يوفّر مركز التّوثيق الوطني للباحثين ورجال الاعلام والمستفيدين، عن كثب أو عن بعد، المعلومات المطلوبة والوثائق والمراجع المفيدة مع ما يقتضيه استغلالها من تقنيات سمعيّة وبصريّة وإعلامية، إسهاما منه في التنمية في مجالات الاعلام والتّوثيق والثقافة الشّاملة.<br />
<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:المؤسسات]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%85%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D9%83%D8%A7%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%8A%D8%B4_%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D9%86%D8%B3%D9%8A_%D9%81%D9%8A_%D8%AD%D9%81%D8%B8_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85&diff=4662مشاركات الجيش التونسي في حفظ السلام2016-12-29T13:55:55Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>أسهم الجيش التونسي منذ انبعاثه إثر [[استقلال تونس|الاستقلال]] عدّة مرات في مهام حفظ السلام في الكثير من الأماكن من العالم وذلك سواء في إطار منظمة الأمم المتحدة أو منظمة الوحدة الافريقيّة أو جامعة الدّول العربية.<br />
لقد كانت أول مشاركة للجيش التونسي خارج أرض الوطن منذ حرب القرم بالكونغو ضمن القوات الأممية وذلك ببعثتين عسكريتين : الأولى غادرت تونس يوم 15 جويلية 1960 وكانت أول قوة أمميّة تحل بالتراب الكونغولي وقد تألّفت من 2261 عسكريا، تشكّل لواء يتكوّن من فيلقين. وقد عهد إلى هذه الوحدة التونسيّة بحفظ الأمن في إقليم "كاساي" (Kassay) بالعاصمة "ليوبودفيل" (Léopoldville). لكن نداء الواجب الوطني للذود عن حرمته في أثناء معارك الجلاء في [[بنزرت]] والجنوب التونسي في جويلية 1961 عجل بعودة البعثة العسكريّة الأولى إلى أرض الوطن.<br />
أمّا البعثة الثانية فقد غادرت تونس في جانفي 1962 وكانت فيلقا يتركب من 1100 عسكري تمركز منذ حلوله بالكونغو بإقليم كاطنغا "Katanga" وأوكلت إليه:"مهام حفظ الأمن بمخيمات اللاجئين في "اليزابيتفيل" (Elisabethville) وحمايتهم من الهجومات الكاطنقية وتأمين عودة اللاجئين إلى قراهم والاسهام في عودة إقليم كاطنغا إلى السلط المركزية".<br />
وإثر هذه العملية الناجحة انتهت مهمة البعثة التونسيّة وعادت إلى أرض الوطن في مارس 1963 وقد نالت المشاركة التونسية استحسان الشعب الكونغولي وقيادته الشرعية وتقديرهما كما باركتها القيادة الأممية.<br />
<br />
هذا وشارك الجيش التونسي خارج أرض الوطن بتوجيه فيلق عسكري إلى الأراضي المصرية في مهمة قتالية إلى جانب القوات المصرية على إثر اندلاع حرب جوان 1967. <br />
كما أسهم في وقف إطلاق النار بين القوات الأردنية والفلسطينيّة في سبتمبر 1970 على إثر تأزم الوضع بين المملكة الأردنية الهاشمية والفلسطينييّن نتيجة خلافات داخلية.<br />
وفي 22 سبتمبر 1970 تكوّنت لجنة عربية ترأستها تونس في شخص وزيرها الأول آنذاك السيد [[الباهي الأدغم]] وضمت مراقبين عسكريين من عدّة بلدان عربية منهم مجموعة من الضباط السامين من القوات المسلحة التونسيّة واتصلت هذه اللجنة مباشرة بالطرفين الأردني والفلسطيني وتوصّلت إلى إقرار وقف إطلاق النار وتوقيع اتفاق سلام.<br />
<br />
وفي 1973, مباشرة إثر اندلاع الحرب في 6 أكتوبر بين قوات المواجهة العربيّة (مصر وسوريا) من ناحية والقوات الاسرائيليّة من ناحية أخرى تحركت القيادة السياسيّة في تونس وقرّرت إرسال قوات من الجيش إلى جبهة القتال للمشاركة إلى جانب القوات العربية.<br />
وللغرض شكّل فيلق مشاة محمولة يعد 1000 عسكري وُجّه إلى مصر في مهمة قتالية بسيناء بداية من 10 أكتوبر 1973 لمؤازرة القوات المصريّة من أجل استرجاع الأراضي العربيّة المحتلّة منذ جوان 1967. وفي شهر جانفي 1974 أرسل فيلق الطلائع لتعويض فيلق المشاة المحمولة وكانت عودة فيلق الطلائع إلى أرض الوطن يوم 19 ماي 1974. <br />
هذه مشاركات الجيش التونسي في عمليات عسكريّة خارج أرض الوطن منذ انبعاثه إلى سنة 1973. <br />
وكلّف الجيش الوطني سنة 1987 بالمشاركة في عمليات حفظ السلام في أماكن شتى من العالم وهي: كمبوديا والصومال ورواندا وبورندي وجنوب إفريقيا وهايتي.<br />
لم تقتصر مشاركات الجيش التونسي في عمليات حفظ السلام في أرجاء العالم على العمل العسكري الميداني وحفظ الأمن بل تعدت تلك المهمة الرئيسة إلى مهام أخرى مثل الاسهام في إعادة الحياة بالبلدان المبعوثة إليها بإعادة الاعمار ومد الطرقات والسكك الحديديّة وشبكات الكهرباء إلى جانب البعد الانساني المتمثل في العناية بالمرضى والجرحى وحماية اللاجئين ومساعدتهم ونقل الأدوية والمؤن إليهم.<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:السياسة]]<br />
[[تصنيف:الجيش]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%85%D8%B3%D8%AA%D8%B4%D9%81%D9%89_%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D9%84_%D9%86%D9%8A%D9%83%D9%88%D9%84&diff=4661مستشفى شارل نيكول2016-12-29T13:55:00Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>أنشئت هذه المؤسسة الصحيّة العموميّة سنة 1897 باسم المستشفى المدنيّ الفرنسيّ. ثم أطلق عليها اسم [[شارل نيكول]] (Charles Nicolle) تخليدا لذكرى هذا الطبيب الكبير (1866 - 1936) المتخصّص في علم الجراثيم وحمّى التيفوس والمحرز على جائزة نوبل في سنة 1928. <br />
وقد تولّى إدارة [[معهد باستور بتونس]] من سنة 1903 إلى مماته. وبعد [[استقلال تونس|الاستقلال]]، تحوّل المستشفى من مؤسّسة ذات طابع إداريّ إلى مؤسّسة ذات صبغة تجاريّة. وهو ما أدّى إلى إعادة تنظيمه وإحكام تسييره، خصوصا في مجال التصرّف، مع الابقاء على وظيفته الاجتماعيّة. وهي العمل الوقائيّ وتحسين صحّة المواطنين أفرادا وجماعات.<br />
أقيم [[مستشفى شارل نيكول]] على أساس توزيع المصالح على عدّة أجنحة وعدم حصرها في مبنى واحد. لذا توجد فيه حوالي ثلاثين بناية منتشرة فوق مساحة شاسعة (14 هكتارا). ورغم صعوبات التصرّف في مثل هذا العدد الكثير من الأجنحة، فإنّ مزايا التوزيع عدّة، إذ يراعي الجانب الانساني في التعامل مع المرضى ويوفّر لهم الظروف المناسبة للاقامة، كما يساعد الأعوان على أداء عملهم.وللمستشفى صبغة وطنيّة وأخرى إنسانية.<br />
فهو لا يستقبل المرضى من تونس الكبرى فحسب، بل من جهات البلاد كافّة. وهو أيضا مركز استشفائيّ جامعيّ يسهم في التكوين الجامعيّ وما بعد الجامعي للطلبة المتخصّصين في الطبّ والصيدلة وطبّ الأسنان وكذلك في تكوين أعوان الصحّة تكوينا مستمرّا.وبالاضافة إلى ذلك، يعدّ [[مستشفى شارل نيكول]] من أهمّ المستشفيات العامّة. فهو متعدّد التخصّصات، يحتوي على عدّة مصالح لاقامة المرضى وللعيادات الخارجية والحالات الاستعجاليّة وبه سبعة مخابر ومصلحة للأشعّة وصيدليّة كبرى.<br />
ويعتبر هذا المستشفى أكبر مؤسّسة صحيّة في البلاد التونسية باعتبار عدد الأسرّة. ومن أهمّ ميزاته أنه مستشفى طلائعيّ يعتمد فيه العلاج على آخر المبتكرات في عالم الطبّ وعلى أحدث التقنيات والتجهيزات العصريّة، كما ينفرد ببعض التخصّصات الطبيّة في تونس، إذ يأوي أوّل مركز مختصّص في الفحوصات الفيروسية والمصلحة الوحيدة للأمراض الوراثية وكذلك التخصّص الوحيد في بحوث الكلى المتعلقة بالأطفال.<br />
يتولّى [[مستشفى شارل نيكول]] الوقاية والعلاج والتّسكين والكشف والتّكييف الوظيفي المسبّق. وزيادة على هذه المهامّ يقوم المستشفى بمهمّة أساسية هي تكوين الاطارات الصحيّة بالتعاون مع كليّة الطبّ بتونس القريبة منه في الموقع. ففي سنة 2002 مثلا، بلغ عدد الأطبّاء المقيمين 133 طبيبا وعدد المتربّصين الداخليّين 139 متربّصا. ويجري فيه تكوين الاطار الطبّي الموازي والاطار التقني من ممرّضين وتقنيّين مختصّين ومهندسين، وغيرهم.<br />
ومن مهامّ المستشفى أيضا القيام بجميع أعمال البحث العلمي أو المشاركة فيها إلى جانب الهياكل الجامعيّة المتخصّصة، في مجالات الطبّ والصيدلة وطبّ الأسنان بالخصوص.<br />
إنّ [[مستشفى شارل نيكول]] ملتزم بتحقيق الأهداف التالية:<br />
<br />
* تطوير مناشط العلاج،<br />
* تحسين ظروف التكفّل بالمرضى،<br />
* تنمية الموارد البشريّة (رسكلة، تكوين مستمرّ، رفع المستوى وتحسينه...).<br />
* تطوير مناشط البحث الطبّي الذي خصّصت له في سنة 2004 ميزانية بلغت 70 ألف دينار منها 15 ألف دينار للأشعّة وحدها.<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:الصحة]]<br />
[[تصنيف:المؤسسات]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%85%D8%B5%D8%B7%D9%81%D9%89_%D8%AE%D8%B1%D9%8A%D9%81&diff=4660مصطفى خريف2016-12-29T13:53:56Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>[1910 - 1967م]<br />
<br />
وُلد مصطفى بن ابراهيم خريّف بنفطة سنة 1910 وتوفّي بتونس سنة 1967. نشأ وترعرع في رعاية والده الذي كان يقدّمه على بقية أولاده نظرا إلى حالته الصحية المتردّية.<br />
وفي الكتّاب الملاصق لمنزل الأسرة حفظ جزءا من القرآن الكريم وتلقّى مبادئ العربية على يد والده الذي لقّنه أيضا قصائد الفحول من الشعراء العرب. أمّا والدته فكانت تنتمي إلى عائلة بن ميلاد وكانت تحرّض زوجها وأبناءها على التحوّل إلى تونس حيث يقيم أهلها وذووها. ولهذا السبب هاجر بعض أفراد من الأسرة من نفطة سنة 1920, إلى جانب أسباب أخرى.<br />
ولئن أقام [[مصطفى خريف|مصطفى خريّف]] بعد ذلك إقامة دائمة بالعاصمة فإنّه لم يفتأ يحنّ إلى نفطة ويزورها كلّما سنحت له الفرصة. وفي تونس أدخله والده مدرسة "السلام" القرآنية التي كان يديرها الشيخ [[الشاذلي المورالي]]. ثمّ التحق ب[[جامع الزيتونة]] فتتلمذ للمشائخ البشير النيفر وصالح بن مراد ومحمّد مناشو ومحمد العنّابي وغيرهم. ولم يمكث بالزيتونة سوى سنة أو سنتين، لكنّه تعرّف في تلك الفترة إلى مجموعة من الشعراء الشبّان أمثال [[أبو القاسم الشابي|أبي القاسم الشابي]] و[[الطاهر الحداد|الطاهر الحدّاد]] و[[جلال الدين النقاش]] و[[محمود بورقيبة]]، كما تعرّف بالخصوص إلى الشيخ العربي الكبادي وإلى الأديب [[علي الدوعاجي]] اللذين كان لهما أثر في توجيهه.<br />
كانت علاقته بالشابّي علاقة "الروح بالروح" وكانت صداقة أدبية تمتّنت بحكم انتمائهما إلى جهة واحدة، جهة الجريد، وصداقة والديهما الشيخ إبراهيم خريّف والشيخ محمّد الشابي وبحكم إعجاب كلّ واحد منهما بشاعرية الاخر وبأفكاره وأحاديث روحه. وكان لوفاة أبي القاسم المبكرة وقع كبير في نفس صديقه فقال في ذكرى وفاته:<br />
<poem><br />
مهما توارت بعهدك المُدد <br />
فأنت فذّ الطراز منفرد <br />
وأنت كالنبع في تدفّقه <br />
لحن رخيم الغناء مطّرد <br />
فتحت للشعر عالماعجبا <br />
ما ارتاده قبل فتحه أحد<br />
</poem><br />
<br />
أمّا علاقته بالكبادي فقد تواصلت حتى وفاة شيخ الأدباء سنة 1961 وكان [[مصطفى خريف|مصطفى خريّف]] لا يكاد يغيب عن مجالسه يستمتع بما يسمع منه من شعر التراث الأندلسي بالخصوص. وكان يطالع بنهم المجلاّت والجرائد اليومية والأسبوعية وكتب الأدب الحديث ومذكّرات الفنّانين وأخبارهم ويستوعب كلّ ما يقرأه الشيخ الكبادي ويتمثّله وينشره ويتحدّث به ويكتب عنه.وتعرّف [[مصطفى خريف|مصطفى خريّف]] أيضا إلى [[جماعة تحت السور]] وعلى الدوعاجي "زميمهم" فوجد فيه الشخص المكمّل لجانب من جوانبه الخفيّة وانجذب إليه ورافقه في رحلته إلى الجريد في خريف 1937. وقبل ذلك أصدر [[علي الدوعاجي]] جريدته "السرور" سنة 1936 التي لم تظهر منها إلاّ سبعة أعداد فكان صديقه من جملة المسهمين في التحرير فيها.ولم يجعل [[مصطفى خريف|مصطفى خريّف]] الشعر همّا في حياته بل هو كما يقول: "تجارب ورياضات وملء للفراغ أو هو لعب ولهو". ولقد أصدر مجموعة شعرية أولى بعنوان "الشعاع" سنة 1949 ومجموعة ثانية بعنوان "شوق وذوق" سنة 1965, كما أصدر قصصا نذكر منها "عمّ خضير البوّاب" وخاصّة "دموع القمر" التي وصف فيها شيئا من طفولته وشبابه، هذا زيادة على مقالاته في مجلة "العالم الأدبي" و"المباحث" و"الندوة" وخصوصا "الثريّا" حيث تولّى على نحو منتظم الاشراف على ركن سمّاه "صفحة من أوراقي" ضمّنه ما استحسن من أشعار القرّاء ونوادرهم وأمثالهم.ولقد جرّب [[مصطفى خريف|مصطفى خريّف]] قلمه في ألوان شتّى من الشعر: الكلاسيكي والكلاسيكي الجديد والرومنسي والشعر المنثور وتناول أغراضا عدّة منها الوطن والثورة والحقّ والمجد والمغرب العربي والعروبة وعظماء الرجال والطبيعة والحبّ والحكمة... إلاّ أن أحسن قصائده في اللون الوجداني كالتي وردت في صفحات "ديوان الصبابة" كما يقول، تلك التي تمتاز بصدق العاطفة ورشاقة العبارة (رمل):<br />
<br />
<poem><br />
كم تساقينا الأماني وسهرنا <br />
وشربنا وحدنا حتى سكرنا <br />
وشكا العذّال منّا فسخرنا <br />
أفهل تهتمّ من قيل وقال؟ <br />
أنا في الحبّ جسور لا أبالي...<br />
</poem><br />
<br />
ومن ميزاته أيضا ولعُه بالألوان وتفنّنه في تنضيدها، كقوله في وصف راقصة (رمل):<br />
<poem><br />
وتراءت بنت حوّاء على الملعب تخطر <br />
في غلالات رقيقات من الوشي المحبّر <br />
رصّعتها يدُ فنّان بياقوت وجوهر <br />
نسجت فيها أعاجيب من الألوان تبهر <br />
أبيضا في أحمر في أزرق من بعد أخضر <br />
قزح تحكيه في يوم رقيق الغيم ممطر<br />
</poem> <br />
وكان مع ذلك مولعا بالغريب من الألفاظ وخاصة بالتضمين، وهو هوايته المفضّلة التي لا تكاد قصيدة من قصائده تخلو منها والتي تذكّرنا بكلف القدامى بالمحسّنات البديعية.<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:الشعر]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%85%D8%B5%D8%B7%D9%81%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%B1%D8%B3%D9%8A&diff=4658مصطفى الفارسي2016-12-29T13:53:02Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>[1931 - 2008م]<br />
<br />
ولد الأديب [[مصطفى الفارسي]] في 26 / 10 / 1931 ب[[صفاقس]]. زاول دراسته الابتدائيّة والثّانويّة بها. وحصل على البكالوريا سنة 1952. سافر إلى فرنسا. ودرس بباريس بجامعة الصّربون. وأحرز منها الاجازة في الاداب (1955). وشهادة الدّراسات الاسلاميّة العليا ببحث عن ثورة القرامطة (1956). وتأثّر في أثناء الدّراسة بالفكر الوجوديّ.<br />
عاد إلى تونس. فعمل بوزارة الأخبار ملحقا بديوان كاتب الدّولة للأخبار والارشاد آنذاك (1956), ثمّ بالاذاعة التّونسيّة مديرا لدائرة العلاقات الخارجيّة (1959) ثمّ عيّن مديرا عامّا للشركة التّونسيّة للانتاج والتّنمية السّينمائيّة (1962 - 1968) والتحق بوزارة الشّؤون الثّقافيّة (1969) وشغل خطّة كاهية مدير دائرة الاداب بها، ثمّ مدير دائرة المسرح بالوزارة نفسها. ثمّ سمّي مديرا لدائرة الاداب بها. (1971). وظلّ يعمل مستشارا بالوزارة إلى أن أحيل على المعاش المبكّر سنة 1986. وعيّن سنة عضوا في المجلس الاقتصادي والاجتماعي (1990). وهو يتقن إلى جانب العربيّة اللّغة الفرنسيّة.<br />
انتسب [[مصطفى الفارسي]] في الأثناء إلى جمعيّات ثقافيّة عدّة. وتقلّد فيها مسؤوليّاتمنها نادي القصّة بالورديّة والاتّحادّ الوطنيّ للكتّاب التّونسيّين منذ تأسيسه في بداية السّبعينات 1970 (وتولّى خطّة كاتب عامّ في الهيئة المديرة عدّة دورات من 1973 إلى 1987) وجمعيّة حقوق المؤلّفين والملحّنين (وكان خبيرا في هذا المجال لدى المحاكم التّونسيّة) واتّحاد كتّاب إفريقيا وآسيا ومجلّته لوتس النّاطقة بلسانها عندما كان مقرّها بتونس (وكان المؤلّف نائب رئيس تحرير بها). ورابطة التّضامن والسّلام بالمغرب العربيّ. وكان خبيرا لدى منظّمة اليونسكو.<br />
وربطته صداقات بكتّاب ومثقّفين من تونس خاصّة منهم التّيجاني زلّيلة والمغرب العربيّ والبلدان العربيّة والافريقيّة والاسيويّة والبلدان الاشتراكيّة. وله مواقف ساند فيها الاشتراكيّة والقضيّة الفلسطينيّة.نظم الفارسي الشّعر. وكتب القصّة القصيرة والرّواية والمسرحيّة وأدب الرّحلة والمقالة الصّحفيّة والنّقد الأدبيّ. وترجم الأدب من الفرنسيّة إلى العربيّة. وألّف بالفرنسيّة الدّراسة الحضاريّة. وأعدّ برامج إذاعيّة ثقافيّة عن المسرح وعن الاداب العالميّة. وقدّمها بنفسه أو مع التّيجاني زلّيلة.<br />
وأسهم في إخراج شريط عنوانه جحا (1958) أوّل شريط سينمائيّ مشترك تونسيّ - فرنسيّ مثّل فيه عمر الشّريف وكلوديا كاردينال وكان المؤلّف مساعدا للمخرج جاك براي. وقد اقتبست أربعة أفلام قصيرة من أقاصيص له.<br />
وصودر كتابه حركات إثر نشره سنة 1979. ومنع من التّوزيع. ثمّ طبع مرّة ثانية سنة 1996 بعد مضيّ حوالي 18 سنة من مصادرته ووزّع.<br />
وقد درّس الأستاذ محمود طرشونة كتاب حركات في الجامعة التّونسيّة ضمن مناظرة التّبريز في نهاية القرن العشرين في إطار "استعمال التّراث في الرّواية العربيّة". ونشرت الدّراسة في كتابه مباحث في الأدب التّونسيّ المعاصر (1998). وحلّل الباحث نفسه عددا من أقاصيص المؤلّف وروايتيه في كتابه من أعلام الرّواية في تونس (2002). ودرّس الأستاذ محمّد رشيد ثابت حركات في مادّة الأدب الحديث للسّنة الرّابعة في كلّيّة الاداب ب[[سوسة]] في بداية الألفيّة الثّالثة. وأنجز رسالة دكتوراه دولة أشرف عليها الأستاذ حسين الواد عن "التّجريب وفنّ القصّ" في الرّوايات العربيّة الجديدة منها حركات للفارسي والانسان الصّفر للمدني.<br />
<br />
وقد أدرجت طيلة عقود عدّة مقاطع من أقصوصاته في كتب التّعليم الأساسيّ والتّعليم الثّانوي. وبرمجت مجموعتاه القصصيّتان في حصص المطالعة الرّسميّة بالمعاهد الثّانويّة وأنجزت في الجامعة التّونسيّة عن أدبه عدّة رسائل.<br />
<br />
== مؤلّفاته ==<br />
<br />
سرديّة ومسرحيّة وحضاريّة، نذكر منها:<br />
<br />
* المنعرج: (رواية)، الدّار التّونسيّة للنّشر، ط1، تونس 1966 - ط2، تونس 1972 - ط3، تونس 1972. ثمّ دار شوقي، ط4، تونس 1999 - ثمّ ط5، تونس 2001. <br />
* حركات: (رواية تجريبيّة)، الدّار التّونسيّة للنّشر، ط1، تونس 1979. ثمّ دار سحر للنّشر، ط2، تونس 1996, تقديم جلّول عزّونة: (ص. 3 - 14) ودراسة محمود طرشونة في آخر الكتاب (119 - 109 .’). <br />
* القنطرة هي الحياة (قصص)، الدّار التّونسيّة للنّشر، ط1، تونس 1968. ثمّ ط2، دار شوقي، تونس 2002. <br />
* "سرقت القمر" (قصص)، الدّار التّونسيّة للنّشر، ط1، تونس 1971. ثمّ دار شوقي، ط 2،تونس 1999. <br />
<br />
وله مسرحيّات بالفصحى منشورة في كتب ألّف عددا منها بمفرده وألّف عددا آخر بالاشتراك مع التّيجاني زلّيلة ومثّل عدد منها على الرّكح:<br />
* الفتنة: (دار الكتب الشّرقيّة، تونس 1971) <br />
* [[رستم]] بن زال: (بالاشتراك، الشّركة التّونسيّة للتّوزيع، تونس 1979) *<br />
* الأخيار: (بالاشتراك، الشّركة التّونسيّة للتّوزيع، تونس 1979) <br />
* السّنابل: (بالاشتراك، الشّركة التّونسيّة للتّوزيع، تونس 1979) <br />
* والفلّين يحترق أيضا، الدّار التّونسيّة للنّشر، تونس1981، تقديم أبو زيّان السّعدي ثمّ ط4، دار شوقي، تونس 2002. <br />
* سور الصّين: مسرحيّة الصّيني ماكس فريش، نقلها المؤلّف إلى العربيّة بتصرّف. نشرت في مجلّة "فضاءات مسرحيّة"، العدد المزدوج 5 / 6. السّنة 2، تونس ,1986(119 - 72). ثمّ في كتاب عن دار شوقي للنّشر، تونس 1999(142.ص). <br />
<br />
== وللمؤلّف ==<br />
<br />
* من الشّرق تبزغ الشّمس: تاريخ كوريا الشّماليّة، تونس 1982 (بالفرنسيّة).<br />
* من أجل نظام اقتصاديّ عالميّ جديد، دراسة عن السّياسة الخارجيّة برومانيا، تونس 1983 (بالفرنسيّة).<br />
<br />
وله أشعار منها ما نشره عمر بن سالم: في مختارات لشعراء تونسيّين، الدّار العربيّة للكتاب، تونس 1992. أن تحيا وقسمات ممزّقة (508 - 512). <br />
قال المؤلّف ضمن شهادة ألقاها سنة 1960 "أنا من بين قلّة تؤمن بمستقبل القصّة في بلادنا إيمانا لا يخالطه الشّكّ. ومن لم يؤمن بفنّه لا يمكن أن يصل به إلى الكمال وأن يخرج به من طور المحاولة الأدبيّة إلى طور الأدب الفكريّ الخالد". (.). ويضيف في نفس الشهادة قوله:<br />
"يجب أن يكون إدراكنا للقضيّة واضحا وشعورنا بوجوب النّهوض بالقصّة في بلادنا كاملا شاملا. فإذا حصل لدينا هذا الادراك وهذا الشّعور هان الأمر. وكان ذلك منّا أوّل عمل في سبيل النّهوض بالقصّة، وكنّا أدّينا ولو جانبا من الرّسالة الأدبيّة المناطة بعهدتنا. أفليس هكذا تبدأ النّهضة؟... أعتقد أنّ القصّة التّونسيّة لا تنتظر إلاّ من يأخذ برقبتها وينزّلها من عالم الأفكار إلى ميدان الحبر والورق... نعم أعتقد هذا وأومن به إيماني بنهضتنا الحاليّة، وإيماني بمستقبل هذه النّهضة. نحن ماضون في سبيل خلق الرّواية القصصيّة التّونسيّة ذات الموضوع التّونسيّ والشّخصيّات التّونسيّة لأنّنا نعيش أوان خلق القصّة، ولأنّ القصّة الكامنة فينا هي التي تستحثّنا على الأخذ بيدها وإخراجها إلى الوجود".<br />
وقال الفارسي متحدّثا عن مسيرته الأدبيّة وعن الكتابة في سنة 1971: "الحياة عندي في صراعنا الدائم مع الحياة، في قلبنا للواقع المعيش وفي خلق واقع جديد يعتمد، أساسا، فعل الانسان في سبيل استكمال الذّات. وإذ لا كمال للذّات فيكفي أن نقضي العيش في المحاولات، إذ المحاولة في نظري بداية كلّ فعل. وقد قلت في المنعرج: "يقيّدونك بأصفاد من حديد ويقولون لك هلُمّ إلى السّباق فأنت حرّ".<br />
وأعتقد - يقينا - أنّ الحياة في علمكَ أنّكَ مقيّد بأصفاد من حديد وفي إقدامك رغم ذلك على خوض غمار السّباق، هذه نظرتي إلى الحرّيّة".<br />
(...) "وقد عقدت العزم على الصّمود وعلى الكفاح المستمرّ إذ لا مناص من المسؤوليّة بأيّة حال لأنّها في صميم المأساة، ولأنّي شخصيّة من شخصيّات المأساة أعيش محنة دائمة وأقضي العمر في المعاناة، لقد اخترت، ولا مناص من تبعة هذا الاختيار إن خيرا وإن شرّا". وبيّن أيضا:<br />
"ربّما حشرني بعضهم في زمرة المحافظين، من هذه النّاحية على الأقلّ، وهي تعلّقي بسلامة اللّغة التي يكتب بها كتّاب العربيّة أو الدّارجة.<br />
وإنّي لمُمْعن في هذه المحافظة لاعتقادي أن لا سبيل إلى وجود لغة ثالثة معلّقة بين سماء الفصحى وأرض الدّارجة، فإمّا أن نكتب في العربيّة ما لا يقضّ مضجع سيبويه، وإمّا أن نكتب في الدّارجة ما لا يستنكفه العروي أو المرحوم الدّوعاجي من قبره. هذا رأيي في اللّغة ويعزّزه اعتقادي أن لا سلامة للمعاني إذا لم تسلم اللّغة التي تكسوها أو تلبسها، فالاتّصال بين هذه وتلك عضويّ في نظري، والفصاحة إفصاح".<br />
وقال المؤلّف متحدّثا عن موقفه من الأدب والكتابة الأدبيّة: (1973) "ومن البديهي أنّ الكاتب إذا كان أديبا مفكّرا بحقّ سيكتب أكثر فأكثر رغم العراقيل التي تعرقل سيره ورغم التّنكّر له. وهذا الوضع الحرج الذي يجعله بين بين منبوذا من العامّة الجاهلة ومقهورا من قبل السّلط الرّجعيّة الحاكمة. من البديهي أنّ الكاتب سيكتب لايمانه بأنّ تحمّل الرّسالة أيسر عليه من غيره. وهي رسالة تاريخيّة تجعله مسؤولا عن مصير مجتمعه، مجنّدا لخدمة القضايا العادلة في وطنه ووراء حدود بلاده، وفي نفس الوقت شوكة في حلق الطّغاة، وصوتا صادحا يبشّر وينذر ويترنّم ويتوعّد. وهي مسؤوليّة لا يمكن في نظرنا أن يتحمّلها مذهب دينيّ أو ملّة أو نحلة أو نقابة أو حزب سياسيّ".<br />
<br />
== من أقوال النّقّاد والدّارسين==<br />
<br />
قال توفيق بكّار وصالح القرمادي في تعريفهما الموجز بالمؤلّف: "هو كاتب أديب وكاتب مسرحيّ تكشف أعماله حساسيّة اجتماعيّة كبيرة وميلا واضحا إلى تأمّل وجوديّ في آن معا. ويجدر أن نلاحظ أنّ من أعماله الأكثر شهرة: المنعرج (1963), والقنطرة هي الحياة، قصص 1968, والطّوفان وهي مسرحيّة كتبها المؤلّف مع التّيجاني زلّيلة" (انظر:توفيق بكّار وصالح القرمادي: ضمن كتّاب من تونس، سندباد للنّشر، باريس1981، صفحات: 32, 35, و224، 225) <br />
وقال الروائي والناقد محمود طرشونة في سياق قراءته رواية حركات: "هو أثر قصصيّ للكاتب التّونسيّ [[مصطفى الفارسي]] بعنوان حركات تضمّن لوحات فنّيّة طريفة مثقلة بالمعاني الهادفة إلى تحرير الانسان العربيّ من كلّ القيود التي تكبّل فكره وحرّيّته وتضغط على طاقاته الخلاّقة بدعوى مقاومة الفوضويّة والتّصدّي للتّمرّد".<br />
وأضاف: "هذا الكتاب يمتاز بتنويع في الأشكال الفنّيّة وصهر للأنواع الأدبيّة دالّ على موقف واضح من التّراث والحداثة ولما تضمّنه من شحنات فكريّة تتعلّق بقضايا العروبة والوحدة والنّضال المشترك وبمشاكل اجتماعيّة تهمّ علاقة الفرد بالجماعة ووظيفة المثقّف في المجتمعات النّامية. وبصفة عامّة كلّ ما يتعلّق بقضايا العدل والحرّيّة في العالم الثّالث. يضاف إلى كلّ ذلك حضور الكاتب بين السّطور، وبالخصوص في المساحات السّرديّة التي نستشفّ منها تمزّق المؤلّف بين الاصداع بمواقفه الشّخصيّة والضّغوط المختلفة التي تدفعه إلى الاقتصار على الايحاء والرّمز لكنّها رمزيّة شفّافة لا تكاد تخفي مقاصده مهما حاول الايغال في الزّمان والمكان والخيال". (ص 71). <br />
وأضاف أيضا: "ويتّضح من التّحليل الشّموليّ لهذا الأثر أنّ الخيط الرّابط بين مختلف عناصره هو الجمع بين المتناقضات، فإنّه تتعايش فيه دون تنافر أركان القصّة والمسرحيّة والخاطرة (ص 71) والأسلوب الايحائيّ والأسلوب التّقريريّ والأسلوب الرّمزيّ في نفس الوقت.<br />
وتجد فيه مستويات لغويّة متفاوتة بين الفصحى والدّارجة وما يسمّى باللّغة الثّالثة. وقد تضمّن صورًا من التّاريخ العربيّ القديم والتّراث الصّينيّ والتّاريخ المعاصر، كما احتوى مشاكل فكريّة وسياسيّة واجتماعيّة. والثّورات فيه ناجحة وفاشلة. وقد تكون مجرّد عدوان لا يراعي حسن الجوار، إلى غير ذلك من المتناقضات الدّالّة على تمزّق المثقّف العربيّ بين ثقافات وحضارات وأوضاع هي بدورها متناقضة. ولعلّ أزمته ليست سوى تعبير عن أزمة المجتمع الذي أفرزه فأفرز بدوره بنية أدبيّة متميّزة تشير إلى ما سمّاه [[مصطفى الفارسي]] في عنوان لاحدى رواياته ب المنعرج. وهذا المزج بين المتناقضات ليس إلاّ صورة لمختلف أوضاع البلاد العربيّة..." (ص 72). <br />
(كتاب مباحث في الأدب التّونسيّ المعاصر، تونس 1989 دراسة "مقوّمات قراءة شموليّة للأدب العربيّ مع تطبيق على حركات للفارسي"، ص. 83 - 63.ثمّ في آخر رواية حركات ط. 2. دار سحر للنّشر، تونس 1996. ص 109). <br />
ونقول ختاما في شأن تجربة الفارسي القصصيّة: الأديب [[مصطفى الفارسي]] من الكتّاب المؤصّلين والمجدّدين في القصّة والرّواية في تونس منذ [[استقلال تونس|الاستقلال]] إلى نهاية السّبعينات. له أعمال متنوّعة المضامين والأساليب متأصّلة في البيئة التّونسيّة ومنفتحة على قضايا إنسانيّة نحا في عدد منها منحى وجوديّا. وهي ذات بناء متين واضح ولغة فصيحة وخواتم محكمة. ولعلّ من الأقاصيص التّونسيّة الجيّدة أقصوصات المؤلّف ("سلسلة من ذهب" و"القنطرة هي الحياة" و"سرقت القمر"). وقد تدرّجت كتاباته من الواقعيّة الاجتماعيّة النّقديّة إلى الواقعيّة الجديدة وانتهت إلى التّجريبيّة.<br />
ولقد توفي الأديب [[مصطفى الفارسي]] بتونس يوم الخميس في 07 / 02 / 2008 عن سن تناهز 77 عاما وذلك بعد معاناته من مرض عضال ألزمه الفراش سنوات طويلة.<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:الأدب]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%85%D8%B5%D8%B7%D9%81%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B9%D8%A7%D9%83&diff=4657مصطفى الكعاك2016-12-29T13:49:01Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>[ 1893 - 1984م]<br />
<br />
ولد [[مصطفى الكعاك|مصطفى الكعّاك]] في تونس العاصمة يوم 17 أفريل 1893. والده هو الشيخ محمّد بن العربي الكعّاك رئيس إدارة الخزينة بالوزارة الكبرى وأحد عدول تونس وموثّقيها. كان أديبا لبقا راوية يحفظ الشعر ويحذق روايته ويحسن نطقه ويتمثّل به في أحاديثه.<br />
وللعميد الكعّاك ثلاثة أخوة من الذكور أوّلهم محمّد الكعّاك وهو أمين فلاحة، وثانيهم هو الأستاذ عبد الرّحمان الكعّاك أوّل رئيس لجمعيّة الوكلاء التي أسّست سنة 1934, أمّا الأخ الثالث فهو المؤرخ [[عثمان الكعاك|عثمان الكعّاك]] الذي كان مثالا للنّشاط العلمي الأدبي والمحرّك الأوّل للنّهضة الأدبيّة الفكرية في عصره خاصّة في نادي قدماء الصادقيّة.<br />
في هذه العائلة الأندلسيّة الأصل، وفي هذه البيئة العلميّة الثقافيّة نشأ [[مصطفى الكعاك|مصطفى الكعّاك]] ونهل من ينابيع المعرفة. والتحق ب[[المدرسة الصادقية|المدرسة الصادقيّة]] وانخرط في سلك تلاميذ مدرستها الابتدائية.<br />
كان يحدّثنا عن هذه الفترة ويذكر بعض زملائه فيها ومنهم الشيخ سيدي علي ابن الخوجة.<br />
وتخرّج الأستاذ الكعّاك في مدرسة الصادقيّة محرزا شهادة الديبلوم في اللغة والاداب بدرجة حسن جدّا، فاشتغل مترجما بالقسم الأوّل وتابع الدراسة حتى أحرز شهادة الباكالوريا فتخلى عن الوظيف والتحق بكليّة الحقوق بآكس آن بروفونس بفرنسا وهو يقصّ علينا العذاب الذي ناله ولحقه من جراء اجتياز الامتحان والالتحاق بالكليّة لنيل الاجازة.<br />
فقد كانت الحرب العالميّة الأولى قائمة سنة 1917 عندما التحق بمرسيليا عن طريق البحر بعد جهد جهيد وخوف شديد. وكان على متن باخرة مخفورة محروسة ودامت الرّحلة ساعات ووصل إلى السّاحل ودخل مرسيليا لكنّ بعد أنّ ابتدأ زملاؤه بآكس في تحرير النصّ الكتابي للموضوع. وكان النجاح حليفه إذ أنجده عميد الكليّة وسمح له بالمشاركة.<br />
وانتصب للمحاماة بعدما قضى فترة تدرّب في مكتب المحامي باتري. واشتهر بين أقرانه بعمق المعرفة والصّبر على الدّرس وسلامة أسلوبه في التّحرير بالعربيّة ولا عجب في ذلك وهو خرّيج الصادقيّة.<br />
وصدر أمر مؤرّخ في 26 نوفمبر 1917 يخوّل له المرافعة أمام المحاكم الأهليّة التونسيّة. وخاض المعارك واقتحم قاعات المحاكم ورفع كلمة الدّفاع وصانها وحافظ عليها. وكان مكتبه مدرسة تخرّج منها محامون بارزون منهم الأساتذة عبد القادر ابن الخوجة والبشير [[أحمد بن أبي الضياف|ابن أبي الضياف]] وعبد الرحمان المبزّع وفتحي زهير وسمير العنّابي وإسماعيل الكوكي.<br />
<br />
== مرشّح الأمة وعضو المجلس الكبير ==<br />
<br />
وفي أوائل 1934 كان النّاس على موعد مع انتخابات جزئية لتسديد شغور مقعدين بالمجلس الكبير. وتكوّنت لجنة تضمّ أفرادا من مختلف الاتّجاهات الفكريّة لتنظيم الدعاية وجلب الأصوات لمن يرشّحه الشعب.<br />
واجتمعت هذه اللجنة بدار الشيخ الشاذلي [[ابن القاضي]] بنهج الباشا بتونس. وحضر الاجتماع الأوّل عدّة أعلام منهم الزعيم [[الحبيب بورقيبة]] والمنصف المستيري و[[محمد المالقي|محمّد المالقي]] وجماعة من مشايخ ومدرّسي الزّيتونة. وكان الاتّفاق على ترشيح المحامي [[مصطفى الكعاك|مصطفى الكعّاك]] والصّحفي [[سليمان]] الجادوي والدّعاية لهما ليشغلا المقعدين الشاغرين.<br />
وقد كان الكعّاك محلّ عناية وثقة واعتراف بالمقدرة من قبل كلّ فئات الأمّة السياسيّة والثقافية والعلمية. وهكذا رأينا في هذه الفترة المبكّرة من حياة العميد الكعّاك أنّ الشّعب كان يحبّه ويحترمه ويرشّحه لتمثيله وأنّ النّخبة الوطنيّة رشّحته ودعت إلى التصويت له وقد نال الرضى بصرف النظر عن النّجاح والفوز بالمقعد.<br />
<br />
== جمعية قدماء تلاميذ الصّادقيّة ==<br />
<br />
في سنة 1924 انتخب على رأس جمعيّة قدماء الصادقيّة [[مصطفى الكعاك|مصطفى الكعّاك]] فأعاد لها نشاطها وحيويّتها وأوجد لها مقرا ثابتا ومناسبا يقع بنهج السيّدة عجولة.<br />
وتكوّن مجلس الجمعيّة من الكعّاك رئيسا والأعضاء: [[محمد المالقي|محمّد المالقي]] ومحمّد قاسم ومحمّد بن الحسين والشاذلي الخلاّدي والطّيب رضوان و[[عثمان الكعاك|عثمان الكعّاك]] والمحامي محمّد المقدّم والمختار المملوك وعلي بن عبد اللّه والقاضي [[أحمد العتكي]]. وفتح نادي الجمعيّة في وجه الطلبة زيادة على أعضاء الجمعيّة ومنخرطيها من الزوال حتى اللّيل. وعشايا الجمعة كانت تنظّم المحاضرات الاعتراضيّة التي يلقيها أعضاء النادي أو بعض الأدباء والعلماء. وفي أثناء المناقشة والمحاورة يُختار موضوع المحاضرة المقبلة ومن يلقيها. وكان من المحاضرين محمّد العربي الكبادي و[[محمد الشاذلي خزنه دار|محمّد الشاذلي خزنه دار]] وقريبه وزميله مصطفى آغة و[[عثمان الكعاك|عثمان الكعّاك]] ومحمّد بن الحسين و[[زين العابدين السنوسي]]، ويوسف المحجوب وأحمد الضحّاك. وبلغت المحاضرات في فترة رئاسة الكعّاك ما يربو عن المائتين. وعمّر النادي بالشباب وأقبل عليه المثقّفون من خيرة أدباء تونس وشعرائها ومفكّريها وعلمائها، وذلك بفضل النشاط الذي كان يبديه العميد الكعّاك ويحرّك به سير هذا النادي ويبعث فيه الحيويّة. ودامت رئاسة العميد الكعّاك لجمعيّة قدماء الصادقيّة من سنة 1924 إلى سنة 1931. <br />
<br />
== الوزارة ==<br />
<br />
كان النّصف الثاني من عام 1947 ساخنا وقد اشتدّ الضغط من الأحرار الوطنيين المكافحين على الحكومة الاستعماريّة الحاكمة المستبدّة بشؤون البلاد، فشعرت بأنه من الواجب سلوك سياسة التفاهم بوساطة أشخاص لهم مركز في المجتمع، لكن لا ينتمون إلى الحزب الحرّ الدستوري الذي كان يعرب عن إرادة الشعب وهي لا تريد أن تمدّ له يدها.<br />
واختارت فرنسا المراهنة على الكعّاك في هذه الفترة ولو بالتنازل بإعطاء بعض الاصلاحات المطلوبة نظير الهدوء السّياسي. ولمّا خوطب الكعّاك في شأن تولّيه الوزارة الكبرى كان جانبه قويا فهو يتمتّع بسمعة حسنة جدا وكانت مواقفه مميّزة بالمجلس الكبير، فانتهز الفرصة لاشتراط بعض الشّروط أوّلها إبطال هذه المهزلة التي كانت تضر ّ بسمعة [[المحاماة في تونس|المحاماة]] وهي أن ّ العميد لا يكون إلاّ فرنسيا طبق الأمر المؤرخ في 27 جوان سنة 1924, كما ينصّ على أنّ العمادة لا يتولاّها التونسي وهو في وطنه وبلاده، وقال الكعّاك إنّه لا يقبل الوزارة ولا تشكيل الحكومة إلاّ إذا أصبح الوزير الأكبر يرأس المجلس الوزاري المضيّق المتركّب من الوزراء التونسيين والمديرين الفرنسيين ويعيّن الوزراء بعد إجراء استشارات ويعرضهم على الباي. وطلب أن تطلق يده لتطهير الادارة من الموظّفين المتّهمين بالارتشاء وأن يسعى إلى إصلاح الحالة تدريجيا طبق برامج يعدّها ويعرضها على المجالس الوزاريّة الموسّعة. وقبلت شروطه وقبل ترشّحه إلاّ أنّه طلب إمهاله حتى يخوض انتخابات عميد المحامين بعد تنقيح أمر [[المحاماة في تونس|المحاماة]].<br />
وجاء يوم 18 جويلية 1947 واجتمع المحامون وانتخب الأستاذ [[مصطفى الكعاك|مصطفى الكعّاك]] لأول مرة من التونسيين عميدا لجميع المحامين بالاجماع.<br />
وحقّق بذلك أوّل انتصار له وأوّل إصلاح يجري على يديه. ومن الغد سمّي وزيرا أكبر مكلّفا بتشكيل الوزارة، وتكوّنت هذه الوزارة التي بقيت في الحكم بضع سنوات (1950 - 1947), إلا ّ أن ّ حكومة الاستعمار لم تف بجميع عهودها فتخلّى الكعّاك عن مهامّ الوزارة الكبرى إثر ضغوط من [[الحركة الوطنية التونسية|الحركة الوطنية]] ضده.<br />
<br />
== الرّشيديّة ==<br />
<br />
تأسّست الجمعيّة الرّشيديّة سنة 1934 بسعي حثيث من شيخ [[تونس|مدينة تونس]] مصطفى صفر. وكان [[مصطفى الكعاك|مصطفى الكعّاك]] أحد المؤسّسين بل هو الذي وضع القانون الأساسي لهذه الجمعيّة الفنيّة التي أنشئت لحماية التّراث الموسيقي التّونسي وصونه. ولمّا انتخب أوّل مجلس لهذه الجمعيّة كان الكعّاك نائب الرّئيس.<br />
وتكوّنت اللجنة الأدبية بعناية [[مصطفى الكعاك|مصطفى الكعّاك]] من فطاحل الأدباء والشعراء منهم محمّد العربي الكبادي ومحمّد الشّاذلي خزنه دار ومصطفى آغة وبلحسن بن شعبان وجلال الدّين النقّاش و[[محمود بورقيبة]] والطّاهر القصّار والصّادق الرّزقي ومحمود أسطا مراد ومحمود بن عثمان و[[عثمان الكعاك|عثمان الكعّاك]] والمكّي المعاوي والحاج عثمان الغربي والشّيخ محمّد بن [[سليمان]]. وعيّن على رأس لجنة الدّعاية أحمد بن مامي رجل المشاركات الأدبيّة والوطنيّة المعروف بحماسته واندفاعه في سبيل الخير.<br />
وفي أول مارس سنة 1941 إثر وفاة رئيس الرّشيديّة الأوّل مصطفى صفر انتخب العميد الكعّاك خلفا له واستمرّ على رأس الجمعيّة إلى سنة 1965. وقد كان الأب الحنون يحنو على المؤسّسة ويرعاها ويساعدها على الوصول إلى تحقيق هدفها الأوّل وهو إحياء التّراث الفنّي الموسيقي والمحافظة عليه.<br />
يقول صالح المهدي و[[محمد المرزوقي|محمّد المرزوقي]] في كتابهما عن المعهد الرّشيدي للموسيقى:<br />
"وتولّى الأستاذ [[مصطفى الكعاك|مصطفى الكعّاك]] رئاسة الجمعيّة الرّشيديّة واعتنى بها عناية كبرى فلم يتخلّ عن مواعيد تمارينها حتى حفّظته المجموعة كامل نوبة الأصبهان ولم يتخلّف عن جلسة واحدة من جلسات الجمعيّة واجتماعات لجانها، وتحمّل في فترة الحرب العالميّة الثانية جميع نفقات الجمعيّة من ماله الخاص".<br />
وهذه شهادة صادقة من ابن الرّشيديّة صالح المهدي الذي عاش في تلك الفترة وهو يعرف تاريخ الرّشيديّة ودور العميد في بعثها وإنشائها والمحافظة عليها ماديّا وأدبيّا، وما قدّمه في سبيل ذلك من تضحيات.<br />
ويبدو أنّ الكعّاك الذي كان شغوفا بالأدب وبتنشيط نواديه ورعاية المنتمين إليه شعر بفراغ عندما تخلّى عن رئاسة نادي قدماء الصادقيّة فسعى إلى إنشاء ناد آخر بمؤسّسة أخرى هي الرّشيديّة. وفعلا قد كان يسهر على جمع الأدباء في نادي الرّشيديّة وكان حريصا على أن يحضر هذه الاجتماعات كل ّ من له صلة بالأدب والفن.ّ وقد ضمّ إلى النادي عدّة رجال ساعدوه على الاضطلاع بمهامّه على أحسن وجه، من بينهم [[محمود الباجي]] ومحمّد الصّالح المهيدي والبشير العريبي و[[الهادي العبيدي]]، وغيرهم. وآخر عمل قام به في فترة رئاسته للرّشيديّة هو إقامة مهرجان كبير لسماع مراثي الأدباء والشّعراء في فقيد الأدب، عضو الرّشيديّة ومؤلّف بعض أغانيها، بلحسن بن شعبان. وكان يستدعي الوفود الأدبيّة من مختلف الأصقاع وذلك للاحتكاك بهم والاستفادة من خبرتهم وتجاربهم، وهكذا يسجّل التّاريخ بأحرف ذهبيّة مآثر الكعّاك ثاني المصطفين بهذا المعهد الفنّي، والنّادي الأدبي أقدم النّوادي وأكثرها إشعاعا.<br />
<br />
== [[مصطفى الكعاك|مصطفى الكعّاك]] الأديب المثقّف ==<br />
<br />
كان الكعّاك أديبا قبل أنّ يكون من رجال القانون، شاعرا مرهف الاحساس عالي الذوق، يحبّ الأدب ويحفظ عيون الشّعر، ويروي روائع المتنبّي، يقول الشّعر أحيانا ويضمّن خطابه بعض ما حفظ من شعر.وكان له نشاط آخر وهو التّسيير في الميدان الرياضي فقد ترأس أكبر النوادي وأعرقها وهو جمعيّة الترجّي الرّياضي التّونسي.<br />
وتوفّي [[مصطفى الكعاك|مصطفى الكعّاك]] يوم 6 جويلية سنة 1984 ودفن بمقبرة الزلاّج وأبّنه الأستاذ الحبيب شلبي بكلمة مؤثّرة والشاعر الأستاذ الهاشمي زين العابدين بقصيد رائع طالعه (كامل) :<br />
<poem><br />
قف بالضّريح ولا وقوف الباكي<br />
واذكر فضائل [[مصطفى الكعاك|مصطفى الكعّاك]]<br />
</poem><br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:المحاماة]]<br />
[[تصنيف:الثقافة]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%B5%D8%A7%D9%84%D8%AD_%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A7%D8%A8%D8%B1%D9%8A&diff=4655محمد صالح الجابري2016-12-29T13:45:44Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>[1940 - 2009م]<br />
<br />
ولد ب[[توزر]] في 8 فيفري 1940. درس المرحلة الابتدائية بالرديف و[[توزر]] والثانوية ب[[جامع الزيتونة]] بتونس العاصمة، حيث نال شهادة التحصيل سنة 1961. اشتغل على إثرها معلّما لمدة خمس سنوات. كان يتردّد في أثنائها على مجالس الثقافة ومقاهيها المشهورة في تونس العاصمة.<br />
ثم التحق بجامعة بغداد سنة 1967. ومنها حصل على الاجازة في اللغة والاداب العربية سنة 1971. عين إثرها أستاذا بالتعليم الثانوي لسنوات وملحقا بوزارة الثقافة منذ سنة 1973 ثم مديرا للمركز الثقافي التونسي في ليبيا. ومنذ سنة 1979 التحق بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم. فكان له الدور الكبير في التعريف بالثقافة العربية وآدابها وحضارتها وفي الاشراف على الموسوعات الأدبية والعلمية التي أنجزتها المنظمة ومنها موسوعة العلماء والأدباء العرب والمسلمين (وقد صدر منها 19 مجلّدا) ولم ينقطع عن تحصيل العلم الذي واصله بعد الالتحاق بوزارة الثقافة سنة 1973. فأحرز على شهادة الدراسات المعمّقة سنة 1980 من الجامعة الجزائرية ثم الدكتوراه في الاداب من الجامعة نفسها سنة 1987 بأطروحة تناولت موضوع النشاط العلمي والفكري للمهاجرين الجزائريين في تونس.<br />
<br />
== نشاطه التأليفي==<br />
لم يتخصّص [[محمد صالح الجابري]] في لون واحد من الكتابة. وإنّما ألف في مختلف الأجناس من شعر وقصّة قصيرة ومسرح ومقال صحفي. وأنتج للاذاعة والتلفزة بعض المسلسلات. وأخرج للناس بحوثا ودراسات أدبية وفكرية. واهتمّ بالتحقيق والتراث. فهو من هذه الجهة كاتب موسوعي جمع بين الابداع والنقد وبين إنتاج الأدب والتأريخ له.<br />
لمحمد صالح الجابري مؤلفات في الابداع بصنوفه وفي النقد والدراسة والتوثيق. ويمكن تصنيف كتاباته إلى أبواب:<br />
<br />
'''الرواية والقصة القصيرة''' <br />
يوم من أيام زمرا، (رواية، 1968). إنه الخريف يا حبيبتي،(مجموعة قصصية 1971), <br />
البحر ينشر ألواحه (رواية 1975) الرخ يجول في الرقعة (مجموعة قصصية 1977), ليلة السنوات العشر (رواية، 1982). <br />
<br />
* المسرح: كيف لا أحبّ النهار؟، (مسرحية 1979) <br />
<br />
''' البحوث والدراسات'''<br />
<br />
الشعر التونسي المعاصر، الشركة التونسية للتوزيع، تونس 1974. <br />
<br />
* القصة التونسية نشأتها وروادها، مؤسّسات بن عبد الله، تونس 1975. <br />
* ديوان الشعر التونسي الحديث، الدار العربية للكتاب، تونس 1976. <br />
* دراسات في الأدب التونسي،، الدار العربية للكتاب، تونس 1976. <br />
* أبعد المسافات، مؤسّسة بن عبد الله، تونس 1977. <br />
* يوميات الجهاد الليبي، الدار العربية للكتاب، تونس 1980. <br />
* النشاط العلمي والفكري للمهاجرين الجزائريين بتونس، الدار العربية للكتاب 1982.<br />
* الأدب الجزائري في تونس، [[المجمع التونسي للعلوم والاداب والفنون - بيت الحكمة|بيت الحكمة]]، تونس 1991. <br />
* [[محمود بيرم التونسي]] في تونس، دار الغرب الاسلامي، بيروت 1987. <br />
* رحلات جزائرية، دار الغرب الاسلامي، بيروت 2008. <br />
<br />
وأشرف على موسوعة العلماء والأدباء العرب والمسلمين التي أصدرتها الألكسو، كما سبق أن ذكرنا.<br />
<br />
== [[محمد صالح الجابري]] ناقدا== <br />
من شواغل [[محمد صالح الجابري]] نقد الأدب التونسي والتأريخ لأهمّ أعلامه واتجاهاته على مدار قرن، امتدّ من أواخر القرن التاسع عشر إلى العقود الأخيرة من القرن العشرين. ولم تقتصر دراساته على المدار الجغرافي التونسي. وإنمّا شمل القطرين الجزائري والليبي وعليه يمكن النظر في مدوّنته النقدية في محورين اثنين:<br />
<br />
=== دراسة الأدب التونسي شعره وسرده===<br />
<br />
تؤلّف مؤلفاته النقدية رافدا من الروافد الأساسية في دراسة الأدب التونسي شعره وسرده ونقده. ففي كتابه الشعر التونسي المعاصر يقف على معالم هذا الشعر طيلة قرن كامل امتدّ من سنة 1870 إلى سنة 1970 أي منذ تباشير النهضة الفكرية والأدبية في تونس. وفي فصول هذا الكتاب الخمسة يدرك القارئ المراحل الكبرى لمسار هذا الشعر وعوامل نشأته وخصائصه المضمونية والفنية. فقد خصّص الكاتب الفصل الأول لرصد ملامح الأدب التونسي في الفترة المتراوحة بين 1869 و1881، مبرزا خصائص مرحلة النشأة للشعر الحديث وما يربط بين شعرائه من وشائج الرؤية التي عمادها التتلمذ.<br />
أمّا الفصل الثاني فخصّصه لدراسة الشعر التونسي من عام 1811 إلى عام 1914. ويحلّل في هذا السياق الدور الثقافي الذي كان للصحف التي صدرت في تونس في تلك السنوات، في سياق ما عكسته حركة الانبعاث الأدبية من تأثير، مبرزا دور الأدباء في إنعاش الحركة الأدبية بكتاباتهم في الصحف. ولعلّ هذا ما جعل من الشعر العصري مدارا عليه تتنافس الصحف في نشر أجوده وأمتعه..ولمتابعة هذا المسار يخصّص الفصل الثالث للحديث عن هوية الشعر التونسي في الفترة المتراوحة من سنة 1914 إلى سنة1934، مبرزا العوامل السياسية والاجتماعية والفكرية الحافة بهذه المرحلة، محلّلا الدور النضالي الذي اضطلعت به ثلة من الأدباء، معتبرا أنّ الشاعر محمد الشاذلي خزندار هو أوّل مؤسس للشعر السياسي التونسي. وبمقتضى ذلك خصّص له ولمصطفى آغا حيّزا درّس فيه حياتهما وشعرهما ومواقفهما الوطنية.وعلى هذا المنوال من الرصد والتحليل يخصّص الفصل الرابع لرصد واقع الشعر التونسي من سنة 1934 إلى سنة 1940 ويبين أثر بعض المجلاّت في الحياة الثقافية والأدبية للبلاد وقتئذ من قبيل مجلة العالم الأدبي لصاحبها [[زين العابدين السنوسي]] ومجلّة الزمان التي أشرف عليها [[محمود بيرم التونسي]]. وفي هذا السياق أيضا يبرز دور المجالس والمقاهي والنوادي الأدبية في تشكيل المشهد الأدبي.ويخصّص المؤلف خاتمة هذا الفصل للاطلال على شعر [[محمد العريبي]] "ابن تومرت" وللحديث عن جوانب من شخصيته الناشطة والمناضلة وليدرس أيضا شعر [[محمود بيرم التونسي]]، كاشفا مواقف هذا الشاعر النضالية وإيمانه العميق بشرف الكلمة ونبلها. وفي الفصل الخامس من هذا الكتاب يبرز المؤلف دور الشاعر والباحث [[محمد البشروش]] الذي أصدر عام 1938 مجلّة المباحث. وقد التفّ حولها نخبة من الباحثين والكتّاب التونسيين ويشير إلى الدور التجديدي الذي وسم النتاج الشعري لموجات جديدة متلاحقة. ولم يكتف الدارس برصد تيّارات الشعر عامّة وذكر أعلامها في كل طور من أطوار تجدّده. وإنّما وقف على نماذج منها، دارسا حياة كل أديب ومحلّلا لجوانب من شعره مؤكّدا ما به تختصّ هذه الموجة الشعرية من نزعة إلى تجديد الأدب شكلا ومضمونا.<br />
ولعلّ أهم ما يحدّد منهج الجابري وأسلوبه في التأريخ للأدب التونسي كونه منهجا يجمع بين التأريخ وتحليل الظواهر الأدبية تحليلا نسقيا يربط بين الأديب وسياقه الثقافي العام وبين الأديب وسائر الأدباء الذين يشتركون معه في بعض الخصائص بغية رصد المختلف والمؤتلف بين أجيال الكتاب، وصولا إلى صيغة تصنيفية تشترك فيها زمرة من الأدباء.وعلى هذا النهج من الشمولية والافادة ستكون سائر مؤلفاته الأخرى.ويعدّ كتابه ديوان الشعر التونسي المعاصر الصادر سنة 1976 عن الدار العربية للكتاب امتدادا لكتابه الأول الذي جمع فيه مختارات من قصائد الشعراء الذين عرّف بهم في الكتاب السابق. وفيه يسعى إلى التعريف بالنصّ الشعري التونسي، باختلاف اتجاهاته وأزمنة تأليفه.<br />
ويجئ كتابه القصة التونسية نشأتها وروّادها لينقّب فيه عن النصوص القصصية المنشورة في الصحائف القديمة وينفض عنها الغبار، مسلّطا الضوء على الروّاد الأوائل من كتّاب القصّة في تونس. وما كتابه دراسات في الأدب التونسي الصادر سنة 1976 إلاّ جمع لمقالات أسماها الكاتب في مقدمته (محاولات أدبية)، ساعيا في إطار مشروعه الكبير إلى مزيد التعريف بتجارب الكتّاب المنتمين إلى بلد "يعيش تحوّلات فكرية متفاعلة مع أهمّ أحداث العصر، ومستجيبة لكلّ الطموح الانساني".<br />
ففي هذا الكتاب نجد بحوثا تتعلّق بالرواية من قبيل "المضمون السياسي في [[الرواية التونسية]]" وتتّصل بالقصّة تصنيفا وتنظيرا من قبيل "اتجاهات القصّة التونسية في الثلاثينات" و"نظرية القصّة التونسية في الثلاثينات". وقد أثار الباحث بعض المسائل التي تتّصل بتجربة [[مصطفى خريف]] ومدى اعتباره قصّاصا. وأعاد قراءة سيرة [[علي الدوعاجي]] الانسان والزجّال، معتبرا أنّه استبدل كلّ الكنوز بلقب "فنان الغلبة". وفي إطار التنويع بين أجناس الكتابة، اهتمّ [[محمد صالح الجابري]] في هذا الكتاب بشواغل الشعر التونسي والشعر الحرّ وبأهمّ كتاّبه وبحضور النضال الجزائري في هذا الشعر.وانفتحت بعض مقالات هذا الكتاب على التواصل الأدبي بين المشرق والمغرب وعلى إثارة ما يتعلق بأدب المرأة في تونس.<br />
<br />
===دراسة الأدب المغاربي الجزائري والليبي على وجه الخصوص===<br />
<br />
اهتمّ [[محمد صالح الجابري]] بالتأريخ للحركة الثقافية والأدبية للبلاد المغاربية، مركّزا اهتمامه على الجزائر وليبيا وتونس، كما يتجلّى ذلك في دراساته وبحوثه التي تتناول الثقافة والأدب التونسيين كما أسلفنا القول. ففي خصوص الأدب والثقافة الجزائريين وتحديدا في كتابه الموسم بالنشاط العلمي والفكري للمهاجرين الجزائريين بتونس (1900 - 1962) يسلّط الضوء على النشاط العلمي ودور ابن باديس فيه. ونظرا إلى الحضور اللافت للجزائريين بتونس في النصف الأوّل من القرن العشرين يرصد الباحث مختلف المناشط الطلابية والصحفية والوطنية للمثقّفين والمصلحين الجزائريين وطلاب العلم، معتمدا على أعداد هائلة من الصحائف والمجلات التونسية الصادرة في الفترة المدروسة.<br />
أمّا في كتابه الأدب الجزائري في تونس فقد درس موضوع الشعر والمقاومة مركّزا اهتمامه على عناصر الهويّة والعروبة والنهضة وصلة الوفاء بتونس. وبحث، أيضا، في السياق نفسه وفي مجال الأدب القصصي والروائي، طلائع القصة والرواية. وأبان عن الموضوعات التي اهتمّ بها هذا الأدب من قبيل نضال المرأة والضمير الوطني وقضايا تونسية في القصّة الجزائرية. وذيّل كتابه هذا بملاحق تعدّ مرجعا مهمّا من مراجع الأدب الجزائري في هذه الحقبة.<br />
وعلى هذا المنوال من التحقيق العميق والبحث الرصين كان درسه لتاريخ الجهاد الليبي الحديث في الصحافة التونسية. لذلك يعدّ كتابه يوميات الجهاد الليبي، الصادر عن الدار العربية للكتاب سنة 1980 وثيقة تاريخية عن النشاط النضالي الليبي وعن الصلات الحميمة التي تجمع الشعبين التونسي والليبي.<br />
وبالروح نفسها، روح المحقق المحلّل، المنتمي إلى القيم الجمالية والانسانية الرفيعة والمؤيد لأنفاس التجديد والتطوّر والتنوير عرّف بالأديب [[محمود بيرم التونسي]] وخصّه بكتاب في جزأين عنوانه محمود بيرم التونسيتفي تونس، دار الغرب الاسلامي بيروت1987، بعد أن كان تحدّث عنه وعن نضاله في تونس ونشاطه الأدبي والصحفي وعلاقاته ب[[جماعة تحت السور]] وبرجال السياسة في الفصل الرابع من كتاب الشعر التونسي المعاصر بعنوان "[[محمود بيرم التونسي]]، نصوص الزمرّد"<br />
<br />
== [[محمد صالح الجابري]] مبدعا==<br />
<br />
تميّز [[محمد صالح الجابري]]، فضلا عن كونه شاعرا، بكتاباته السردية القصصية والروائية.والمطّلع على مجمل هذه الأعمال يلاحظ ميله إلى الأدب السردي الواقعي الذي يجمع بين التسجيلي والتاريخي في أسلوب واضح مباشر، عليه مسحة جمال مصدرها التوهّج بالواقع الحيّ والكشف عن تفاصيله دون إسقاط. فقد اهتمّ في روايته "يوم من أيام زمرا" بأوضاع عمال المناجم في عهد الاستعمار وكشف عن معاناتهم وعن وجه من وجوه الكفاح النقابي الوطني في مناجم الجنوب، مركّزا اهتمامه على شخصية إبراهيم وترحّله بين الأزمات ورغبته في الخلاص الفردي والجماعي، ناسجا من قصته قصصا أخرى. ولعلّ هذا ما عناه محمود طرشونة بقوله "فهذا المسلك الواقعي الذي سلكه [[محمد صالح الجابري]] في مختلف رواياته وبالخصوص في "يوم من أيام زمرا" جعله يركّز على شخصية رئيسية يتتبع تطوّرها في ضوء الأحداث التي تعيشها أو تساهم في إنشائها كما يركّز على الشخصيات الأخرى التي لا يصحّ أن نعتبرها ثانويّة بما أنّ كلاّ منها تحمل وزر قصّتها، فيتكوّن نسيج الرواية من مجموعة قصص تتشابك وتتقاطع وتتعدّد بتعدّد الشخصيات".<br />
وعلى هذا النهج يطرح علينا الجابري قضية الانبتات عن الأصل والنزوح من القرية إلى المدينة وما يصاحب ذلك من أزمات نفسية واجتماعية وفكرية يعيشها النازح من جرّاء شبكة من العلاقات والحادثات، منها وبها تتناسل الحكايات: حكاية دربال وحبيبة. وهي الأصل الذي يستقطب أغلب فصول الرواية وحكاية رفيق ولمياء وحبيبة وحكاية حي برج علي الرايس الذي سكنه دربال، قبل أن ينتقل إلى حي [[ابن خلدون]]. ومن هذه الحكايات - وقد ركّبها الراوي تركيبا وجعل لها بناء زمنيا معلوما<br />
<br />
* تبدو لنا الشخصيات في ضوء عالمها الخاص والعام "لا يسعدها الوصل ولا الهجر، بل تبقى متذبذبة، حائرة تبحث عن طريق الخلاص في حلول الانهيار واليأس الكبير".<br />
<br />
أمّا روايته ليلة السنوات العشر فهي وإن نحت منحى الرواية الأولى وأبانت عن تفاصيل أحداث 26 جانفي1978، متّخذة من الحدث مرجعا تاريخيا، كاشفة عن أحوال العمّال ومعاناتهم، فقد شاء لها كاتبها أن تكون رواية أحداث تجمع بين الذاتي والموضوعي، عن طريق حكاية البطل النازح من الجنوب، هذا الذي ظلّ رغم المصاعب والاغراءات حمّال قيم ومبادئ، بصرف النظر عن عواقبها وهذا الذي عاش قصة "حب مستحيلة". وعموما تظلّ هذه الرواية مثل أخواتها، منغرسة في الواقع الموصوف وصفا أمينا. وقد أسبغ عليها مؤلفها [[محمد صالح الجابري|محمّد صالح الجابري]] من ألوان الفنّ والتخييل ما جعل الرواية وثيقة أدبية أغرت بعض السينمائيين. فأخرجت للناس شريطا مصوّرا يحكي وقائع زمن الجمر، ما دامت لعبة الزمن ببعديه الحدثي والنفسي مفتاحا من مفاتيح قراءة الرواية وتأويل أحداثها وتجسّد علاقة مروان بلمياء، مروان بوصفه صاحب المبادئ والأفكار الاشتراكية ولمياء باعتبارها الشخصية المتقلّبة بين الرجال، أساس الحكاية ومحورا من المحاور الرئيسة التي تتكشّف فيها أوضاع البلاد والعباد وتتداعى فيها القصص والمواقف القديمة والجديدة لتنشئ عالما روائيا يمزج بين سرد الواقع ونسج وقائعه نسجا قصصيا فنيا لا يخلو من صنعة ومهارة.<br />
لا شك في أنّ الراصد لمسيرة [[محمد صالح الجابري]]، يعسر عليه في هذا السياق أن يحلّل تحليلا تفصيليا جوانب معلنة وخفيّة من حياته وأدبه ومسيرته الثقافية العامة. فذلك موكول إلى الدراسات التحليلية المفصّلة من لدن الذين عاشروه وألفوا صداقته ونبل قيمه وظرف مجلسه.<br />
كان الجابري أديبا متكاملا مثله كمثل بعض أقرانه من أدباء جيله.وقد أشار محمود طرشونة إلى هذه الخصيصة بقوله "وبذلك وفّق [[محمد صالح الجابري]] بين النقد والبحث والابداع وظهر على الناس في صورة الأديب المتكامل الذي ينطلق من ملكة أدبيّة تخوّل له التعبير عمّا يغمر مخيّلته من صور ويجيش به وجدانه من مواجد ثم يصقلها باكتساب المعرفة وامتلاك أدوات الصناعة. فيراوح بين المجالين اللذين يتعايشان في ذاكرته وذائقته فيشقّ لنفسه مسلكا مخصوصا لا ينقطع مع السابقين ولا يذوب في الغير".<br />
<br />
== الجوائز والأوسمة== <br />
حصد [[محمد صالح الجابري]] بعد مسيرة من البذل والانتاج والعطاء الكثير من الجوائز منها:جائزة بلدية تونس عن روايته يوم من أيام زمرا وجائزة الدولة التشجيعية عن قصّته إنّه الخريف يا حبيبتي (1973) وجائزة الدراسات الأدبية عن كتابه الشعر التونسي المعاصر (1975) والجائزة المغاربية عن كتابه النشاط العلمي والفكري للمهاجرين الجزائريين في تونس (1982). <br />
<br />
== وفاته== <br />
توفّي الجابري في 19 جوان 2009 بعد مرض ألمّ به وبعد عملية دقيقة أجريت له توقّف في أثنائها قلبه النابض بالحياة والعطاء. دفن بمقبرة "سيدي الجبالي" بأريانة. ففقدت الثقافة في تونس والوطن العربي بوفاته علما من أعلامها المرموقين وعالما من علمائها الموسوعيين وأديبا من أدبائها الأفذاذ الذين سخّروا حياتهم للابداع والتأليف والتعريف بثقافة أوطانهم وأمتهم.وقد تحمّل الجابري عدّة مسؤوليات منها مسؤولية كاتب عام رابطة القلم الجديد وعضوية الهيئة الاستشارية لمعجم البابطين لشعراء العربية في القرنين 19 و20. وهو عضو بنادي القصّة ونادي اتحّاد الكتاب التونسيين.<br />
<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:الأدب]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%B5%D8%A7%D9%84%D8%AD_%D8%B1%D8%B6%D8%A7_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%B1&diff=4654محمد صالح رضا الأحمر2016-12-29T13:44:45Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>[1902 - 1961م]<br />
<br />
ولد محمد الصالح رضا بن معاوية الأحمر بتونس سنة 1902. وقد اشتهر منذ حداثته بحبّه للبحوث العلميّة التي بدأ يكتب فيها وعمره لم يتجاوز الثالثة والعشرين.<br />
وتولّى تدريس العلوم الطبيعيّة واللّغة الفرنسيّة بالمدرسة القرآنيّة الأهليّة بتونس، وقد استفاد تلامذته كثيرا من دروسه لأنّه كان يستعين دائما بالتجربة العلميّة لافهامهم أسرار الطبيعة.وأمضى أكثر من عشرين عاما وهو يحرّر البحوث العلميّة وينشرها في الصّحف والمجلاّت والتّقاويم والدّوريات التّونسيّة. ولقد تحدّث عن الذرّة وعن تجزئتها قبل أن تتناول الصحف هذا الموضوع بإطناب، كما كتب في شهر أوت سنة 1930 مقالا نشره بمجلّة "العالم الأدبي" تحدّث فيه عن إمكانية وصول الانسان إلى القمر.<br />
ولمّا كان يحذق الترجمة فقد أسندت له إدارة قسم الترجمة بالمجلس الكبير ثم أدار بكفاءة دائرة الترجمة بوزارة العدليّة فقام بأعباء وظيفه باستقامة وإخلاص إلى أن أحيل على التقاعد سنة 1958 فانتدبته الاذاعة مستشارا ومراقبا للانتاج الاذاعي إلى أن توفّي سنة 1961. <br />
كان صالح رضا الأحمر يمتاز بالتّفكير في المشروعات. فكلّما رجع إلى نفسه اختمرت في فكره رغبة في إحداث مؤسّسة من المؤسّسات.شارك في مجلس إدارة جمعيّة "التمثيل العربي" سنة 1930 ثم انشقّ عنها وأسّس مع ثلّة من رجال المسرح جمعيّة "المسرح" لخدمة المبدإ الذي نادوا به وهو تزويد المسرح التونسي بمسرحيّات محرّرة بأقلام تونسيّة، إلى أن سعى شيخ المدينة مصطفى صفر في سنة 1936 إلى توحيد الجهود بضمّ الجمعيّات والفرق المسرحيّة في جمعيّة واحدة فتحقّق ذلك وأطلق على الجمعيّة الجديدة اسم "الاتّحاد المسرحي".<br />
وفي سنة 1937 أصدرت الجمعيّة مجلّة "المسرح" فشارك صالح رضا الأحمر في تحريرها، كما شارك في تحرير مجلّة "الراديو والسينما" ومجلّة "الثريا"، وأدار مجلّة "المسرح والسينما" التي صدرت أعدادها سنة 1947 وانتخب بعد استقالة إحْمَيْدَة الحبيب من رئاسة جمعيّة "الاتّحاد المسرحي" رئيسا لهذه الجمعيّة فعمل على النّهوض بها. وانبرى للدّفاع عن المسرح التونسي وبعث في الممثّلين نشاطا لتكوين نقابة والدعاية لفكرة الاحتراف ليضمن بقاء المسرح التونسي. وشارك في وضع قانون أساس لهذه النّقابة كما شارك في عدّة لجان تكوّنت لابراز هذه الفكرة من نظريات القول إلى ميدان العمل.كان صالح رضا الأحمر لا يدّخر وسعا في خدمة المسرح التونسي في أيّ مكان حلّ به، من ذلك أنه انتهز فرصة انتدابه للترجمة بالمجلس الكبير واتّصاله بأعضاء ذلك المجلس فدعاهم إلى تقرير إعانة ماليّة للجمعيّات المسرحيّة.وقد عرّب [[محمد صالح رضا الأحمر]] بعض المسرحيات العالمية نذكر منها مسرحية "روي بلاس" لفكتور هيجو بالاشتراك مع [[محمد الحبيب]] سنة 1927 وقدّمت بنجاح في المسارح التونسية.<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:الفن]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D9%81%D8%A9&diff=4653محمد طريفة2016-12-29T13:44:10Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>[1844 - 1905م]<br />
<br />
الشيخ محمد بن الحاج [[محمد طريفة]] الصفاقسي أديب وفقيه ولد ب[[صفاقس]] سنة 1260هـ/1844م ومرض في صباه بالجدري ففقد بَصَره. وأودعه والده الكتّاب فحفظ القرآن حفظا جيّدا ثمّ جوّده على علماء القراءات وكان حسن الصوت. وأخذ شيئا من العلم عن علماء [[صفاقس]] ثمّ سافر إلى الحجّ وعند رجوعه من أداء مناسكه قصد تونس ليتلقى العلم في [[جامع الزيتونة]]، فتتلمذ لمشايخ مَحمد النيفر و[[سالم بوحاجب]] و[[عمر بن الشيخ]] حتّى حصل على شهادة التطويع.<br />
ولمّا عزم على الرجوع إلى [[صفاقس]] عيّنه الأمير محمد الصادق باي مفتيا بها فأقرأ وأفاد وأفتى وبها توفي في رجب سنة 1323 / 1905م.<br />
<br />
== من مؤلفاته==<br />
<br />
* مجموعة من الفتاوى<br />
* ديوان شعر منه نسخة مخطوطة بمكتبة الشيخ [[محمد الشاذلي النيفر]].<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:الدين]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%B9%D9%84%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A7%D9%85%D9%8A&diff=4652محمد علي الحامي2016-12-29T13:42:05Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>[1890 - 1928م]<br />
<br />
هو [[محمد بن علي]] بن المختار الغفّاري شهر الحامّي. ولد بالقصر من حامة [[قابس]]، مسقط رأس [[الطاهر الحداد|الطاهر الحدّاد]] رفيقه في النضال النقابي، في أواخر الثمانينات من القرن التاسع عشر وعلى أكثر تقدير سنة 1890. ونستشفّ من مجموع وثائق الأرشيف الفرنسي والشهادات التي خصّت بالذكر جوانب من حياة هذا الزّعيم النّقابي ونضاله، أنّه رائد الكفاح الاجتماعي الوطني وباعث أوّل منظّمة نقابية تونسية مستقلّة عرفت باسم جامعة عموم العملة التونسية (C.G.T.T). <br />
لم يذُق طوال حياته القصيرة، المليئة بالمخاطر والمحن، طعم الرّاحة. لكنّ حوادث الأيّام أكسبته عصاميّة نادرة: فهو، كما ذكر رفيقه [[الطاهر الحداد|الطاهر الحدّاد]]، "ابن سعيه في تخريج نفسه من كلّ الجهات". شظف العيش بجهة الأعراض أجبره على النّزوح في سنّ مبكّرة صُحبة والده إلى تونس العاصمة. ولقد اشتغل آنذاك في السّوق المركزية (فندق الغلّة) حمّالا ينقل البضائع المشتراة من هناك إلى المنازل ثمّ التحق بخدمة القنصل النّمساوي بصفة عون لقضاء شؤون عامة. وتحصّل على شهادة سياقة السيّارات في 26 فيفري 1908 حسب ما جاء في الدفتر عدد 1 للادارة الجهوية بتونس، التابعة لوزارة النقل والمواصلات. وتعاطى، كما ذكر الحدّاد، سياقة "الأتوموبيلات" (السيّارات).<br />
وتفاعلت الحياة المهنية والاجتماعية للشّاب محمد علي مع حدثين هامّين كان لهما تأثير عميق في سيرته الشخصية:<br />
<br />
1) اكتمال المشروع الاستعماري الرّامي إلى استغلال خيرات البلاد الفلاحية (الاستحواذ على أخصب الأراضي وتمكين المعمّرين منها بتسهيلات مهمّة) والمنجميّة (الفسفاط والحديد في الجهة الغربية من البلاد) في عهدي المقيمين العامين: ستيفن بشون (ديسمبر 1900-جانفي 1907) وغابريال ألابُوتيت (جانفي1907-نوفمبر 1918) وهو ما زاد في احتداد التناقضات بين الجالية المستعمرة والأهالي وترتّب عليه تفقير هؤلاء فنزحُوا أفواجا إلى العاصمة وعمّت ظاهرة التشرّد وتعددت "التكايا" (جمع "تكية" أي مأوى العجّز).<br />
<br />
2) أما الحدث الثاني فهو الحرب الطرابلسية سنة 1911 إثر الغزو الايطالي وما أثار من ردود فعل لدى السلطة العثمانية من جهة وصُمُود المجاهدين الليبيين وتضامُن التونسيين معهم من جهة أخرى.<br />
ويبدو أنّ محمّد علي سافر إلى إستانبول بحرا سنة 1911. وكان مُشاركا في الجهاد المفروض على المسلمين ضدّ الاستعمار الايطالي، إذ يذكر المحامي محمد نعمان أحد أعضاء حركة الشّباب التونسي أنّه التقى بمحمد علي في تركيا سنة 1912. وكان خروج محمد علي من البلاد اندفاعا لاحساسه الاسلاميّ. وسافر إلى بلاد الشرق من تركيا إلى مصر ثمّ طرابلس الغرب.<br />
وأورد محمد علي بعض التفاصيل عن الفترة التي قضّاها ببلاد الشرق في أثناء الحرب العالمية الأولى - وذلك في الرسالة التي وجّهها من برلين يوم 20 نوفمبر 1922 إلى ابن عمّه بلقاسم الشافعي (1891 - 1969) المستقرّ بباريس منذ 1913 - أنّه تعرّف إلى القائد التركي أنور باشا (1882 - 1922) أحد زعماء جمعية الاتحاد والترقّي التي وصلت إلى الحكم في الأستانة عام 1908, وقاد الجيش العثماني في حربي طرابلس والبلقان كما أقرّ بمشاركته بجانب هذا القائد في غمار الحرب العالمية الأولى بالمشرق العربي وحصوله على رُتبة ضابط.<br />
وتحدّد هذه الرسالة على نحو إجماليّ تاريخ انتقال محمد علي صحبة أنور باشا من إستانبول بتركيا إلى برلين بألمانيا إثر هدنة مُودروس (30 أكتوبر 1918) المبرمة بين الامبراطورية العثمانية والحلفاء. ويفضّل محمد علي البقاء ببرلين على مصاحبة أنور باشا إلى تركستان بالاتحاد السوفياتي وينكبّ على الدرس والمطالعة، وهو ما مكّنه من الالتحاق بإحدى الجامعات الشعبية الحرّة: جامعة Humboldt ببرلين، حيث تابع دروسا في الاقتصاد السياسي. وكان الوضع السياسي والاجتماعي في ألمانيا إثر الحرب مشحونا بالاضطرابات والأزمات التي عصفت بالحزب الاشتراكي ومهّدت الطريق للمدّ الشيوعي (الحركة السبارتكية) ولتصدّع الحركة النقابية.<br />
هذا الوضع تابعه محمد علي عن كثب بحكم إتقانه اللغة الألمانية واطّلاعه على نشاط "النادي الشرقي" ببرلين الذي ترأّسه الأمير شكيب أرسلان صديق أنور باشا بداية من شهر فيفري 1921. <br />
فلا غرابة إذن في أن ينتاب الشاب محمد علي الذي "كوّن نفسه بنفسه" وشاهد تحوّلات الامبراطورية العثمانية وألمانيا إثر الحرب شُعُورّ صادق عميق بالحيرة إزاء مصير بلاده وأهلها التي هاجرها سنة 1911. ولقد اطّلع عن كثب في أثناء زيارته إلى تونس في العطلة الجامعية لسنة 1923 على حالة السكّان ببعض الجهات وخاصّة بحامّة [[قابس]] والمدن التي كانت في طريقه إليها وعلى الحالة السياسية للبلاد. فقد كانت الحركة الدستورية تمُرّ بشبه انتكاسة داخلية إثر تأسيس الحزب الاصلاحي وهجرة الشيخ [[عبد العزيز الثعالبي]] إلى الشرق (جويلية 1923). ولم تكُن الحركة اليسارية أحسن حالا إذ كان الصراع على أشدّه بين "الشقيقين العدوّين": الفيدرالية الاشتراكية بتونس التابعة للحزب الاشتراكي الفرنسي (S.F.I.O) وجامعة الحزب الشيوعي بتونس (S.F.I.C) التابعة للأممية الثالثة.<br />
وعندما رجع محمد علي نهائيّا من برلين في أوائل مارس 1924, كانت البلاد تعيش غليانا اجتماعيا أجّجته الأزمة الاقتصادية لسنة 1923وأطّرته الثقافة الشعبية السياسيّة (الصحافة، المسرح، الجمعيات الثقافية والرياضية، المقاهي...). وهي الثقافة التي أفرزتها تحوّلات ما بعد الحرب. وليس من باب الصدفة أن يكون مقرّ "[[الجمعية الخلدونية]]" المكان الملائم الذي بيّن فيه محمد علي الخطوط الكبرى لبرنامجه الاقتصادي الاشتراكي الرامي إلى تأسيس شركات تعاونية زراعية وصناعية وتجارية ومالية في أهمّ مراكز البلاد، بيد أنّ الظروف السياسية (هيمنة رأس المال الأجنبي وسيطرته على الدواليب الاقتصادية) وحالة التخلّف التي كانت تكبّل المجتمع التونسي جعلت محمد علي يُدرك واقع البلاد فيُوجّه عنايته إلى بعث جمعية التعاون الاقتصادي في القطاع التجاري فحسب. وكان منشغلا بضعف الطاقة الشرائية للعمّال مقارنة بزملائهم الأوروبيين وبارتفاع أسعار المواد الأولية سنة 1924. <br />
وتأسّست هذه الجمعيّة يوم 29 جوان 1924 بفضل المساندة التي لقيتها لدى الأعضاء:<br />
الحبيب جاء وحده والعربي مامي والطاهر بوترعة و[[الطاهر صفر]] و[[الطاهر الحداد|الطاهر الحدّاد]]. وخطا المشروع في الدعاية له خطوة كبيرة غير أنّ حدوث اعتصاب عملة الرصيف بالعاصمة يوم 13 أوت 1924 - وجلّهم ينحدر من الجنوب التونسي وبالأخصّ من جهة الأعراض - غيّر مجرى الأحداث، إذ طلب العملة المعتصبون من محمد علي الذي ذاع صيته في الأوساط الشعبية النازحة بالعاصمة أن يتولّى أمرهم.<br />
فتكوّنت لجنة عمل متركّبة من محمد علي و[[أحمد توفيق المدني]] و[[أحمد بن ميلاد]] والمختار العيّاري وانتخب العمّال لجنة إضراب تتكوّن بالخصوص من البشير بودمغة والبشير الفالح. وكان هذا الاعتصاب بمثابة شرارة انطلاق حركة واسعة من الاعتصابات (ميناء [[بنزرت]]، معمل الاجر بمنزل جميل، عملة جبل الخرّوبة، عملة عربات النقل بسيدي أحمد).<br />
وكان الدافع الأساسي لهذه الحركة الاجتماعية الميز العنصري الذي كان مسلّطا على العملة من الأهالي (الفارق في الأجور وظروف العمل) وغطرسة رأس المال الأجنبي الذي استغلّ اليد العاملة التونسية بلا حدّ وغلاء المعيشة الذي عصف بضعاف الحال في صائفة 1924. ويشهد [[أحمد توفيق المدني]]، عضو اللجنة التنفيذيّة للحزب الحرّ الدستوري التونسي، المسؤول عن القلم العربي ومُمثّل الحزب في لجنة الاعتصاب أن محمد علي كان يُحدّثه "في الاقتصاد والعمّال، والحركات الاجتماعيّة، ووجوب تحرير الفرد من ربقة المؤسسات. وتلك موضوعات لم تكن - والحقّ يقال - ضمن دائرة أعمال (الحزب) وما اشتغل (.) قبل ذلك بقضيّة العمّال باعتبارها قضيّة خاصّة".<br />
<br />
وبدأت فكرة بعث منظمة عمّالية مستقلّة عن اتحاد النقابات الفرنسي تشقّ طريقها في أوساط العمّال التونسيّين. وشرع محمد علي في تشكيل هيئات نقابية تونسية منتخبة. وحصل على مساندة بعض الدستوريّين وبالأخصّ [[أحمد توفيق المدني]] الذي نصحه بأن تكون هذه المنظّمة مستقلّة عن الأحزاب السياسية.<br />
وشكّلت علاقة [[محمد علي الحامي]] بالأحزاب السياسية إثر تأسيسه لجامعة عموم العملة التونسيّة محور بحث وجدل في أوساط المؤرّخين والسياسيّين. وأوّل من أبدى تحفّظه من الحركة العمّالية المستقلّة ثم معارضته لها وهي في طريق التكوين اتحاد النقابات الفرنسي بتونس وبالأخصّ كاتبه العام: الاشتراكي "جواشيم دُورال" Joachim Durel. وقد حظيت هذه المعارضة بظروف ملائمة تمثّلت في الدعم الذي وفّره لها انتصار كُتلة اليسار Cartel des Gauches المكوّنة من الحزب الاشتراكي والحزب الرّاديكالي في الانتخابات التشريعية الفرنسية يوم 11 ماي 1924, فقد أوفد رئيس الحكومة الائتلافية الراديكالي إدوار هريُو Edouard Herriot(1925 - 1924) ليون جُوهُو لاوخصوقك noéL الكاتب العام للكنفدرالية العامة للشغل (C.G.T) إلى تونس لدراسة المسألة العمّالية.<br />
ولم يوفّق جُوهُو في محاولته إقناع القادة النقابيين التونسيين بالعدول عن تأسيس حركة عمّالية مستقلّة. انتخبت اللجنة التنفيذيّة الوقتية ل "جامعة عموم العملة التونسية" يوم الاربعاء 3 ديسمبر 1924 في قاعة الشغل بنهج الجزيرة.<br />
وانتخب محمّد علي كاتبها العام وإبراهيم بن عمر كاتبا مُعاونا ومحمّد قدّور أمين مال والبشير الجودي مساعدا لأمين المال. أمّا في لجنة الدعاية، فقد انتخب [[الطاهر الحداد|الطاهر الحدّاد]] والمختار العيّاري ومحمود الكبادي ومحمّد الغنّوشي والبشير الفالح. وفي لجنة المراقبة انتخب [[أحمد الدرعي]] ومحمّد الخياري والطاهر عجم ومحمد الدخلاوي.<br />
وأظهر الحزب الشيوعي بتونس مساندة فعلية للجامعة اقتضتها رؤيته الاستراتيجية المنادية بدعم حركة التحرّر الأهلية في المستعمرات واعتبار ذلك إسهاما مهمّا في إضعاف الامبريالية العالمية. وتبعا لذلك جنّد الشيوعيّون كلّ إمكاناتهم لدعم حركة محمّد علي خصوصا أنّ منظّمتهم النقابيّة الكنفدرالية العامّة للشغل الموحّد (C.G.T.U) لم تفلح في إزاحة اتحاد النقابات سنة 1922. فأحاط الشيوعيّون بجامعة عموم العملة التونسية "إحاطة السّوار بالمعصم" وبرز منهم بالخصوص جان بُول فيندُوري Jean Paul Finidori والمختار العيّاري. ويشهد الزعيم الشيوعي جُون بُول فيندُوري أنّ محمد علي ظلّ طوال نضاله النقابي (1924 - 1925) "الخادم الوفيّ والنزيه للطبقة الشغيلة التونسيّة".<br />
وبقدر ما كان الشيوعيون مؤازرين موضوعيا لجامعة عموم العملة التونسية، كان موقف الحزب الحرّ الدستوري التونسي حذرا. ويفسّر هذا الحذر بالرؤية التكتيكيّة التي كانت سائدة لدى الأغلبيّة من أعضاء اللجنة التنفيذية للحزب وهي أولويّة الظفر بمساندة الحزب الاشتراكي الفرنسي ورفض التحالف مع الشيوعيّين. ويكمُن هذا الرّفض في تباين طبيعة الحزبين: حزب وطني إصلاحي (الحزب الدستوري) يقابله حزب ثوري أممي (الحزب الشيوعي). ومن ثمّ يتجلّى تراجع موقف الحزب الحرّ الدستوري الذي أسهم في البداية إلى حدّ ما في بعث جامعة عموم العملة التونسيّة ثم أبدى تحفّظه منها أمام الضغوط التي سلّطها الاشتراكي دورال.<br />
وفي تلك الظروف كان من اليسير على المقيم العام الداهية لوسيان سان Lucien Saint(1929 - 1920) أنّ يستغلّ هذه المعطيات ليقدّم محمد علي الحامّي في صورة "العدو اللّدود" لفرنسا الذي صنعته "تركيا وألمانيا البغيضتين" جاعلا من جامعة عموم العملة التونسية منظّمة ملّية متعصّبة متواطئة مع الشيوعيّة العالمية تعمل على ضرب المصالح الفرنسية وداعية إلى إسالة الدماء وطرد كلّ الأجانب. وترصّد المقيم العام فرصة الدعم الذي قدّمته جامعة عموم العملة التونسية لحركة اعتصاب عمّال شركة الجير والاسمنت بحمّام الأنف يوم 19 جانفي 1925 ثمّ حركة الاعتصاب لعمّال برج السدريّة لشنّ حملته القمعيّة بعد أن حصّل على موافقة رئيس الحكومة إدوار هريو.<br />
ففي يوم 5 فيفري 1925 تمّ إيقاف محمّد علي والمختار العيّاري وأودعا السّجن المدني مع فيندوري ممثل الحزب الشيوعي في تونس بتهمة التآمر على أمن الدولة. فتظاهر حشد من العمّال بشوارع العاصمة وألقى البوليس القبض على محمود الكبادي ومحمّد الغنّوشي وعلي القروي. وبعد أيّام قليلة تدارس الاشتراكيّون بتونس يوم 21 فيفري 1925 مع ممثّلين عن الحزب الحرّ الدستوري التونسي والحزب الاصلاحي والمجلس الكبير واتحاد النقابات بتونس خطر الوضع الداخلي. وباقتراح من دورال وقع على نصّ بلاغ صدر بجريدة "النهضة" يوم 22 فيفري 1925 تضمّن دعوة إلى العملة لتونسيين كي ينضّموا إلى الكنفدرالية العامة للعمل الفرنسية.<br />
وبدأت محاكمة المسجونين النقابيّين يوم الخميس 12 نوفمبر 1925. ودامت خمسة أيّام فحُكم على محمد علي والمختار العيّاري و"فيندوري" بالابعاد خارج تونس والتراب الفرنسي لمدّة عشر سنوات، وعلى محمد الغنّوشي ومحمود الكبادي وعلي القروي بخمس سنوات نفيا. ونُفّذ الحكم عشيّة يوم 28 نوفمبر 1925 فأركبوا البحر إلى إيطاليا إلاّ محمود الكبادي الذي بقي ينتظر التعقيب فأيّد الحكم الأوّل، وأركب بعد شهر إلى منفاه. وألقى البوليس الايطالي بنابولي القبض على المجموعة المنفيّة (محمد علي ومحمد الغنوشي وعلي القروي والمختار العيّاري) وأبقاها في الايقاف التحفّظي من 6 إلى 12 ديسمبر 1925. ثمّ اتّجهت المجموعة نحو الحدود الايطالية اليوغسلافية. ومنها وصل محمد علي إلى تركيا، إلاّ أنّ سلط هذه البلاد منعته من الاقامة بها فاتّجه إلى طنجة في محاولة للالتحاق بثورة عبد الكريم الخطّابي بالرّيف المغربي. لكنّ السلطة المحلية قبضت عليه وأصدرت في شأنه قرار رفت بتاريخ 2 مارس 1926, واقتيد إلى مرسيليا. ولا نعلم على نحو يقيني كيف تحوّل إلى مصر حيث استقرّ بعض الوقت ثم انتقل إلى الحجاز. ويذكر "صديق له" أنّ الأمير ابن السعود عرض على محمد علي إحدى الوظائف السامية في مصلحة البريد. لكنه أبى واختار أن يبقى حرّا يلقي دروسا في الاقتصاد بمدرسة "الفلاح" ثم تعاطى مهنة سياقة سيارات الأجرة بين جدّة ومكّة إلى أن وافاه الأجل في حادث اصطدام بوادي المصيلة يوم الخميس 20 ذي القعدة 1346 الموافق ليوم 10 ماي 1928. وتناقلت الصحف التونسية الناطقة باللغة العربية نبأ الفاجعة: "الوزير" (7 جوان 1928) و"الصّواب" (أعداد يوم 8 و15 و22 جوان 1928).<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:السياسة]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%B9%D9%84%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%86%D8%A7%D8%A8%D9%8A&diff=4651محمد علي العنابي2016-12-29T13:39:56Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>[1906 - 1962م]<br />
<br />
تنتمي عائلة [[محمد علي العنابي]] إلى بلدة راس الجبل بشمال البلاد التونسية. استوطنت عائلته هذه البلدة منذ ما يقرب من المائة والخمسين عاما. وقد ذكر أحد أفراد هذه العائلة المؤرخ [[أحمد بن أبي الضياف]] في الاتحاف. وهو الشيخ [[محمد العنابي]] قاضي رأس الجبل سنة 1846م عند كلامه على دولة المشير الأول أحمد باي، ذاكرا أن الشيخ المذكور توجه إلى مقرّ السفارة البريطانيّة طالبا الأمان فارّا من صالح شيبوب أمير لواء عسكر غار الملح. أمّا والده فهو البشير العنابي من مواليد رأس الجبل وبها زاول دراسته الابتدائية ثم انتقل منها لمواصلة دراسته ب[[المدرسة الصادقية|المدرسة الصادقيّة]]. وكان من الموظفين الأكفياء. أمّا ولده [[محمد علي العنابي]] فقد ولد يوم 15 فيفري سنة 1906 بمدينة [[بنزرت]]. ولكنّه انتقل إلى تونس ودرس ب[[المدرسة الصادقية]] التي أسّسها الوزير خير الدين سنة 1875. ومنها انتقل إلى معهد كارنو. ثم توجه إلى فرنسا لاتمام دراسته. وهناك واصل دراسته بكلية الاداب ومكتب المناجم و"البوليتكنيك". ويذكر عن [[محمد علي العنابي]] أنه حلّل في هذه المدرسة نظريّة حسابية بطريقة لم يسبق إليها. وبعد تخرّجه في "البوليتكنيك" التحق بالمدرسة العمومية للمناجم (Ecole Nationale des Mines) في باريس. وحصل على شهادتها بعد مرور سنتين فحسب. ثم انتقل إلى المدرسة المركزية (Ecole Centrale). ثم دخل الصربون. فأحرز "الليسانس" في الاداب. ثم انخرط في كلية العلوم الحسابيّة بباريس. ونجح في الاجازة أيضا. وطلب منه أن يحاضر بكلية الصربون.فألقى محاضرات في الفلسفة والعلوم حتى اقترحت عليه إدارة الكلية إذاك أن يلتحق بها أستاذا شريطة أن يغير جنسيته. فرفض [[محمد علي العنابي]] أن يتنازل عن جنسيته التونسية.وآثر العودة إلى تونس. وفي بلاده سمي مهندسا بإدارة الأشغال العامة. وهو أول مهندس تونسي تسند إليه هذا الوظيفة. وكلف بالاشراف على الفنون والصّناعات التقليدية وهو خرّيج "البوليتكنيك". ثم انتقل إلى خطة مستشار فنّي في مصلحة البلدية. وإثر حوادث هيروشيما اهتم بالبحث في ميدان الطاقة الذرية والطاقة الشمسية ونشر عدّة بحوث في الصحافة العالميّة. وكان آخر بروزه على السّاحة الدولية في أكتوبر 1961 حين حضر مؤتمر الوكالة العالميّة للطاقة الذريّة بفينا وانتخب نائبا لرئيس الوكالة لمدّة عامين.ومن نشاطه الجمعيّاتي ترأس جمعيّة المهندسين الاختصاصيين التونسيين التي كانت موجودة بنهج القصبة، كما ترأس جمعية قدماء [[المدرسة الصادقية]] التي أسّسها [[علي باش حانبة]] سنة 1905 من سنة 1934 إلى سنة 1954. وكانت الهيئة وقتئذ تتكوّن من الهاشمي السبعي ومحمد بالحسين وموسى بن شعبان والشريف الهنتاتي وحمودة فارح ومحمد عبد الوهاب وحمّودة بوسن والطاهر الأخضر والعربي المهيري والهادي خفشه وأحمد القصاب. وقد ساعدته رئاسة جمعية قدماء [[المدرسة الصادقية]] على إعانة الطلبة التونسيين الذين يزاولون دراستهم العليا بأوربا.وقد كانت تقوم بهذا العمل جمعية أحباء الطلبة، كما سمي كاهية رئيس النادي الافريقي الذي كان مقره بنهج بوخريص بتونس.<br />
<br />
== دراساته ==<br />
<br />
دراسات [[محمد علي العنابي]] كثيرة نذكر منها:<br />
<br />
* تهيئة مدارس طلبة [[جامع الزيتونة]]<br />
* مشروع حي جامعي في الملاسين<br />
* تقرير حول أمطار مارث<br />
* مشروع تنظيم التعليم المهني<br />
* مشروع تجديد الصناعات التقليدية ومن محاضراته في [[جمعية قدماء تلامذة المدرسة الصادقية|جمعية قدماء الصادقية]] "الحضارة الاسلامية من منظور السيد لويس بارتران (louis Bertrand)". <br />
وفي يوم 3 أفريل 1962 توفي [[محمد علي العنابي]]. وشيع جثمانه من مقر سكناه ب[[باردو]] إلى مقبرة الزلاج.<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:الادارة]]<br />
[[تصنيف:الهندسة]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%BA%D8%A7%D9%86%D9%85&diff=4650محمد غانم2016-12-29T13:39:05Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>[1880م - 1948م]<br />
<br />
يُعدّ [[محمد غانم]] من أبرز شخصيات الموسيقى التونسية (عزفا وتلحينا) في النصف الأوّل من القرن العشرين، إذ مثّل مدرسة فنيّة قائمة بذاتها وتتلمذ على يديه الكثيرون، كما أسهم في الحفاظ على التقاليد الأصيلة في أداء الموسيقى التقليدية التونسية وعلى الأخصّ "المالوف" والتقاليد الموسيقيّة ذات التأثير الأندلسي.<br />
وعلى غرار أبناء جيله لم يتلقّ الشيخ [[محمد غانم|محمّد غانم]] تعليما أكاديميا في الموسيقى والغناء، وإنّما حذق العزف على آلات الجوق التقليدي التونسي المتكوّن من العود والرباب والرّق والنغارات، وبرّز في عزف آلة الرباب، وهي آلة نغمية ذات وترين تعزف بالقوس المجرور وتسند إلى الركبة، وقد حلّت محلّها آلة الكمنجة التي كانت تعزف في البداية بالطريقة نفسها. واشتهر الفنان [[محمد غانم]] إلى جانب كبار موسيقيي عصره من أمثال [[أحمد الوافي]] و[[خميس الترنان]]، وكان من شيوخ الموسيقى الذين اصطفاهم البارون [[رودلف ديرلنجي]] (1872 - 1932) لمساعدته على إنجاز أبحاثه حول الموسيقى العربية.وسجّل الفنان [[محمد غانم]] حضوره الفاعل في المؤتمر الدولي الأوّل للموسيقى العربية المنعقد بالقاهرة سنة 1932. وكان قائد الجوق وعازف الرباب ضمن مجموعة الموسيقيين الذين مثّلوا تونس في المؤتمر وهم: [[خميس الترنان]] (عود تونسي) وعلي بن عرفة (رق) وخميس العاتي (نغارات) ومحمد بلحسن "شهر مرميت" ومحمّد المقراني (غناء). وقد أنجزت مجموعة من التسجيلات لهذا التخت خلال الحفلات التي قدّمها على هامش المؤتمر. وصدرت مقتطفات منها على أقراص ليزريّة عن المكتبة الوطنيّة الفرنسيّة ومعهد العالم العربي بباريس.وعند عودته من مؤتمر القاهرة، تصدّر الفنان [[محمد غانم]] لعقد جلسات الفن والطرب بمقهى العباسية، وتتلمذ على يديه عدد مهمّ من العازفين الأوائل لفرقة المعهد الرشيدي التي بُعثت سنة 1934, واستمرّ نشاطه فيها إلى تاريخ وفاته سنة 1948. <br />
<br />
<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:الموسيقى]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D9%85%D8%A7%D8%B6%D9%88%D8%B1&diff=4649محمد ماضور2016-12-29T13:38:42Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>[1148 - 1226هـ/1735 - 1811م]<br />
<br />
هذا الأديب العالم هو ثالث المحمّدين في الأسرة الماضوريّة النازحة من الأندلس سنة 1019هـ/1610م، فرارا بدينها. استقرّ أوائلها ببلدة "[[سليمان]]" الحاليّة، بعد تحوّلهم عن قرية الجديدة من ضواحي قرنبالية، تفضيلا لتلك لخصبها، وطيب مناخها. ولنضارتها سمّيت بنت تونس.<br />
ولقب "ماضور" وارد بالظاء" في شجرة مخلوف، وبالضاد في المصادر الأخرى، كالاتحاف، فلعلّ صيغة ماضور اسم فاعل أي صانع المضيرة أو صفة سلوكيّة، أو خلقية بزنة فاعول.<br />
ولا نميل إلى خطإ مطبعي، وارد في كتابة ماضور (شجرة مخلوف ص 366) بالظاء، وإنّما هو تخفيف لهجي "أندلسي" لاسم منظور القيسيّ جدّ [[محمد ماضور]]، وكان عالم أشبيلية وقاضيها (ت520هـ/1126م). وعلى هذا فيكون ماظور اسما، لا لقبا، ومشتقّا من نظر وخفّفته اللّهجة الأندلسيّة فحولته إلى ماظور، بدل ناظور لاعتبار صوتيّ.وإذا كان ماضور عربي الن جار، أندلسيّ الاباء الأوائل فإنّه تونسيّ الوطن، مولدا ومنشأ كأّبيه وجدّه.<br />
لم تشتغل عائلته بالزراعة في [[سليمان]]، بل كانت إحدى العائلات القلائل التي اختارت سبيل الدّرس والتنوير، مواصلة لما كانت عليه أصولها في الأندلس علما وقضاء. لذلك كانت مدرسة [[محمد ماضور]] هي المنزل; فبعد حفظه للقرآن بمنهجية الكتّاب الأندلسي، أخذ أوّلا عن والده بمسقط رأسه، وعن غيره ببلدة [[سليمان]] على الأرجح والمظنون أنّ حفظه للقرآن كان مبكّرا، وفي محيط عائلي متنوّر عاش تلمذته الأولى على والد عالم، قاض، مدرّس وإمام، واع بأصول التربية، ومشارك في حركة الاحياء العلمي. وبالضرورة أن ّ ماضور الأب كان قد تخرج في الزيتونة، وعن أعلام فيهم الكثير ممّن تخرج عليهم الورغي. ولمّا كان هذا قد شغلته السّياسة واحتكره ديوان الانشاء لعلي باشا الأوّل فلم يلازم الدّرس ولا التدريس،فإنّ ماضور الأب سافر إلى الشرق، مكتمل التكوين فتزوّد من الأزهر، وأخذ عن طائفة من أعلامه منهم العدوي والحفني والدّرّي والطّحلاوي. وفي حجته سنة 164هـ/1751م حمل ماضور الأب بعض مؤلفاته إلى شيوخه، فقرّضوها وفي هذا اعتراف بكفايته ومنزلته، وإشارة مهمّة إلى شواغل هذه الأسرة العلميّة، والدينيّة ذات المناخ المثالي في التّربية والتّعليم. ولقد كان اشتهار ماضور الأب بالشرق وعلوّ منزلته بوطنه، حافزَ جدّ ومثابرة لهذا الابن وزيادة عناية من الأب، وسائر الأسرة به. وقد استكمل دراسته على والده بعد رجوعه من الحجّ سنة 1164هـ/1751م واستغرق هذا الاستكمال ستّ سنوات ليصبح عمره اثنين وعشرين عاما بانتهاء سنة 1170هـ وحلول سنة 1171هـ. ونرجّح أنّ الشاعر استوفى دروسه على والده، ومن شاكله ببلدة [[سليمان]] قبل 1171هـ/57 - 1758م ولكنّ اضطراب الأحوال أيّام علي باشا الأوّل وزحف أبناء عمّه، أولاد حسين بن علي الذين قضوّا على حكمه، وتدمير أتراك الجزائر للعاصمة.<br />
جعلت الأب يؤجّل إرسال ابنه إلى العاصمة; فلمّا استتبّ الحكم لأولاد حسين بن علي وتولّى الأمر محمد باي، استأنف [[جامع الزيتونة]] نشاطه، فالتحق الشاعر عندئذ بهذه الكعبة العلميّة. ولمّا لم يكتف ّ الأب بالزيتونة، وبل ضم ّ إليها الأزهر فمن الطبيعي أن لا يكتفي الوالد بأن يقتصر ابنه على بلدة [[سليمان]] فالأب نسج على منوال جدّه، ولا بدّ للابن من أن يكون على مثال أبيه; فلذلك توجّه إلى الزيتونة، وكانت في النّصف الثاني من القرن الثاني عشر كعبة العلم، ومطمح القصّاد.<br />
ولمعرفة علماء الزيتونة الذين درس عليهم ماضور الابن، وصفهم [[أحمد بن أبي الضياف|ابن أبي الضياف]] بأنهم "أعلام من أئمة الاسلام" وهم: حسين البارودي شيخ الاسلام الحنفي، ودرس عليه العلوم عامّة، وقاضي [[باردو]] وابن جهته منصور المنزلي في علوم البلاغة، وحمّودة إدريس في القرآن، وحمّودة باكير في العربيّة.<br />
وهؤلاء الأربعة أساتذة في العربيّة وعلومها، وهناك شيوخ آخرون درس ماضور عليهم، وأجازوه، وهم: مفتي تونس وعالمها الرّياضي محمّد الشّحمي و"شيخ التّربية والحقيقة وإمّام الطريقة" محمّد الغرياني، ومحمّد بيرم الأوّل الحنفي، والفقيه الموثّق الشيخ القلشاني. ويظهر أنّ إجازة هؤلاء الأئمّة الثمانية لماضور، أهّلته لأن يتصدّر للتدريس بالجامع الأعظم. ولا ندري المدّة التي قضّاها في المشيخيّة لأنّا نجهل السّنة التي تخرج فيها، ولا أقلّ من أنّ تكون ثماني سنوات. ولا نشكّ في أنّه كان يتردّد على مسقط رأسه، في عهديه التّلمذي والمشيخي إذ كان والده هناك القاضي والمدرّس، والامام، والرّجل الثاني بعد والي الولاية، إنّ لم يكن الأوّل فيها.<br />
وجاءت سنة 1199هـ/1784 - 1785م لتكون نقطة تحوّل في حياة ماضور; فقد مات والده، وشغرت مناصبه. وبرغبة من أهالي [[سليمان]] ودون رغبته هو، اضطرّ إلى مفارقة العاصمة ليحلّ محلّ والده في جميع خططه. ونفسّر كرهه للعودة إلى مسقط رأسه بحبّه لمهنة التدريس بالجامع الأعظم وتعلّقه بالعاصمة وطبعه المرح الشاعري النافر من كلّ خطّة لها صلة بالسّلطة والسلطان، وسنّه التي ماتزال تمدّه برحيق الشباب، وهو الأديب الرقيق قبل أنّ يكون العالم المتورّع الزاهد. فلذلك كره العودة وشكا لبعض صحبه مهنة القضاء بعد أن باشرها. وله الحق في هذا الكره، فقد قضّى قرابة ثلاثين عاما بالعاصمة بين درس وتدريس. وعرفنا من أدبه أنّ له إخوة اسم أحدهم أحمد، وأنّ له أختا حثّها على أن ترفض من اختاره لها أبوها، وهو ليس بكفء لها في مقطوعته الدّالية التي صوّر فيها أيضا لون الحياة النّاعمة التي تتمتّع بها الأسرة وجرأته على أن يدعوَ أباه بالوائد. وفي هذا الشعر يكشف أيضا هذه العلاقة المتقدّمة السابقة لذلك العصر، ذلك أنّه كان الأب الامر النّاهي في الأسرة، ولا أحد يجرؤ على الاعتراض عليه. كذلك عرفنا من شعره ورسائله أنّه تزوّج ولا يكون ذلك إلاّ بعد موت أبيه ورجوعه لبلدته سنة 1199هـ/84 - 1785م، وأنّه أنجب الأبناء وأنّ الأوبئة حصدتهم سنة 1221هـ/1806م. ولعلّ موته بعد ذلك بخمس سنوات كان من أثر هذا المصاب المروّع. وهو يذكرنا ب[[ابن أبي دينار]] قبله الذي أصيب بما أصيب به ماضور بعده.<br />
ولم تحل إقامته ب[[سليمان]] بينه وبين الاتّصال برجالات عصره من كبار العلماء، مثل شيخ [[تونس|مدينة تونس]] والمفتي محمّد بيرم الحنفي.<br />
ولقد كانت له سمعة طيّبة عند رجال السّياسة الحريصين على أن يروه عند كل ّ زيارة يزورون فيها الوطن القبلي كالقائد السهيلي أبي الفضل.<br />
ورغم خدماته الاجتماعيّة ومدّ يد العون لكلّ ضعيف، ومضطهد كدفاعه عن بعض الطلبة، فإنّ حياته ببلدته لم تسلم من المشكلات; فقد ضايقه أهلها ونالوا منه كما نال منه بعض أقاربه، إلى حدّ أنّه استنجد بالباي نفسه. ويفضح حياة هذه القرية التي يتعايش فيها الخنى والخيانة، والحسد والجهل والجمود، كما صوّر ذلك في مقامته. ولا نستطيع الحديث عن ماضور الأديب قبل أن نتوقّف ولو باختصار عند ماضور العالم، فإنّ ما تلقّاه من علوم رياضيّة وعلوم دينيّة وخاصّة عن أولئك العلماء الثمانية، قد أثمر. وكان ماضور يجيد استعمال الاسطرلاب والأرباع وهي من المخترعات العلميّة عند العرب، وكان الدارسون القدامى يكبرون تفوّقه في العلوم الهندسيّة والعلوم الحسابيّة. أمّا في مجال التأليف فقد ترك أعمالا متنوّعة الأغراض والفنون منها المختارات في الأدب والتعاليق المختلفة في ثنايا تآليف غيره ومنها الكتب التي دارت موضوعاتها على نواح متعددة دينيّة وغير دينيّة.<br />
ولكنّ الأهمّ هو ديوان شعر ليس بصغير، نسخة واحدة تفاوت عدد القصائد فيها بتعدد النسّاخ بدليل قول ابن أبي الضياف: "ولشعره ديوان معروف".<br />
وإذا كان تكوين ماضور طريفا، جامعا بين العلوم الرّياضيّة والعلوم الدينيّة والعلوم العربيّة، ومنتجا فيها، فإنّ أطرف ما ترك من إنتاج هو إبداعه في الشعر والنثر وقد جمع شعره ونثره وحققهما الأستاذ الهادي حمودة الغزّي بعنوان أعمال ماضور الأدبية. وضروب نثره ثلاثة:<br />
<br />
* مقامة.<br />
* مجموعة من الرسائل.<br />
* إجازات.<br />
<br />
أمّا مقامته فقصيرة، وبعض رسائله أطول منها. وهي تقوم على ما قامت عليه المقامة التقليديّة من محدّث هو أبو الذكاء، وراو هو أبو النّصائح. وموضوعها اجتماعي يقوم على تعرية قرية تحفل بضروب العيوب ولعلّها بلدته [[سليمان]]. وتخرج المقامة عن العرف التعليمي، وعن اللغة القاموسيّة. وتعدّ بداية إرهاص لتحول المقامة التونسيّة إلى فنّ الأقصوصة بداية من خمرية الورغي ومرورا بمقامة ماضور هذه.أمّا رسائله فلم تخرج عن محور المقامة، اجتماعيا، إذ صوّرت ظروفه والبيئة السليمانية خاصّة والتونسيّة بوجه عام.<br />
وموضوعاتها: الغزل والتعازي كتعزية المفتي الأكبر في والده وهو بيرم الأوّل، وتعزية "باش كاتب" في والدته، ثم ما تلقّاه هو من التعازي في أبنائه.<br />
ومن موضوعات رسائله الأخرى: وساطاته الخيريّة لاعفاء بعض الطلبة من الأداء الحكومي، والشفاعة في بعضهم وتلك نزعة خيريّة متأصلة وموروثة. ومن رسائله ما كتبها بمنزلة النّافذة، يسجّل بها حضوره في النطاق الرّسمي كتهانيه لمن تقلّد خطّة سلطانيّة، وكاعتذاره لأبي الفضل السهيلي، القائد، حين تغيّب عن التّرحيب به في [[سليمان]]. وتلك الرّسائل بمختلف موضوعاتها الاجتماعيّة تبرز مكانة ماضور الجهويّة و"القوميّة"، وما تحلّى به من تجرّد وعفاف وتنزّه.<br />
وبناء رسائله يقوم، أحيانا، على الاستهلال بالشعر القديم وقد يطول هذا الاستهلال وقد يقصر، ثم يكون الموضوع. وعادة ما يكون إخوانيا، متّصلا بحياته وحياة أهل عصره. وله قدرة حكائيّة مميّزة حتّى إنّ بعض رسائله التي تحدّث فيها عن مسؤول سابق رافقه في سفره وكان سببا في إحراق رحله، تعدّ من أطرف الرسائل في الأدب العربي وكأّنّها مقامة. ويمكن أنّ نسوّي بينها وبين رسالة الغراب العبائيّة المتكلّفة في هذه التسمية بالمقامة. فحياة ماضور من خلال رسائله تلك مأزومة مثقلة بهذا التمزّق الرّوحي بين ضرورات العيش في [[سليمان]] وذكريات الشباب في جنّته العاصمة تونس. ولم يسلم وهو في ذروة مجده من النقد والحسد، وهو ما سبّب له التبرّم بل التمرّد. ويبقى اللّون الثالث من نثره الفنّي وهو الاجازات كإجازته لرجل أراد أنّ يقدّم على جماعة العيساويّة، وهو ما يدلّ على أنّه إلى جانب مناصبه المهمّة، كان شيخا طرقيّا بل كان زعيما في [[الطريقة العيساوية|الطريقة العيساويّة]]، يحتاج إليه في الرأي والتزكية.ويجمع ماضور في أسلوب نثره عامّة، بين [[دقة|دقّة]] الصنع وخفّة اللّفظ وقصر الجمل، وبالأخصّ في نثره الوصفي مع قدرة على التّصوير، وبراعة في استخدام فنون البيان أكثر من الورغي، وإنّ جمعهما الافتتان بالأدب الأندلسي ككتاب نفح الطيب. ولئن كان ماضور ناثرا ساجعا، فقد سلم من طرائق متكلّفة، من أمثال الغراب، ويشترك مع الورغي في قوّة البناء، أسلوبا.<br />
<br />
وإذا كان هناك من يذكرنا به فالمعاصر له حمّودة بن عبد العزيز، لاتّفاقهما أحيانا في سهولة اللّفظ، وصفاء العبارة، وإحداث هذا التّناغم الموسيقى العام في الأسلوب. ولو أردنا أنّ نصف الكاتب ماضور وصفا موجزا، لقلنا إنّه أراد أنّ ينثر فشعر. ولكنّ ماضور يبقى دائما شاعرا قبل أنّ يكون ناثرا وأغراض شعره تقليديّة، تدور على المدح، والرثاء، والهجاء ولكنّ أهمّها الغزل.وطرافة مديحه من حيث الموضوع هي قصره على أساتذته كأّبيه أوّلا، ثمّ الشحمي، ومنصور المنزلي، والغرياني. وأمّا مدحه لذوي السلطة فلا تتجاوز قصائده الثلاث. اثنتان منها في علي باي حين أبطل الخمرة، ومن شكواه ممّا يحدث في جهته. وأمّا ثالثة الثلاث ففي القائد أبي الفضل السهيلي.أمّا مدح المدن فلا نجد غير قصيدة واحدة مدح بها [[سوسة]] وأهلها ردّا على هجاء الغراب لهم. وقيمة مدائحه تتجلّى في الجانب الاجتماعي.<br />
وأمّا مراثيه فمعظمها نظم موزون مقفّى، وتواريخ شعريّة معزولة عن صدق التجربة، وصدق العاطفة. ومن مراثيه هذه رثاؤه لوالده المتوفّى سنة 1199هـ/1785م، وكذلك رثاؤه لابن عمّ والده، ولكنّ ينقصها التوهّج العاطفي.<br />
فهل كان ماضور الابن على نفرة مع أبيه، وقد عرفنا قبلا أنّه أنكر عليه تزويج أخته ممّن ليس بكفء لها؟ (كامل) <br />
<poem><br />
هذا أبوك يريد دفنَك حيّة<br />
فابكي لنفسك إنّك الموؤودَه<br />
</poem><br />
ولئن لم يعرف ماضور بالهجاء فإنّ ما نظمه - وهو القاضي العفيف - ثريّ بالاقذاع والافحاش، مع العلم أن ّ شعره الهجائي قليل نادر. ومماّ يلحق بهذه النّدرة من شعره شعر الخمر، والشعر الدّيني. ولا ندري أسباب انصراف ماضور عن هذا الموضوع الأخير رغم أنّ الشعر الديني كان سمة عصره وهو المجيز لمن أراد أنّ يتقدّم على الجماعة العيساويّة. ويبقى الموضوع الذي استفرغ ماضور فيه شعره هو الغزل بنوعيه المذكر والمؤنّث. وإذا ساغ لقاض ومدرّس، وإمام، أن يتغزّل بالمؤنّث باعتباره شاعرا والشعراء "يقولون ما لا يفعلون"، وأن يتقبّل عصر ماضور مثل هذا الغزل فإنّه من العسير عرفا، أن يستسيغ أهل عصر الشاعر غزله المذكّر. وكان ماضور يفصل في شخصه وعواطفه إنّ لم نقل نزقه، من حيث هو شاعر، وبين صفات القاضي، والامام، والمدرّس، وعلى مذهب "لكلّ مقام مقال، ولكلّ سلوك حيثيّة." وكان في شعره الغزليّ حريصا على ذكر معشوقيه ومعشوقاته متّخذا خاصة طريقة التّرصيع بتوزيع حروف أسماء الأحبّة في أوائل أبيات القصيدة أو المقطوعة، فإذا جمعت تلك الحروف عرفت أسماء أحبّته.وللشاعر توصيات لرسله. وتقلّ ترصيعات ماضور بأسماء النّساء ومنهنّ شلبية المورالية. وكان لعائلة هذه الفتاة حضور سياسي لعصر الشاعر وعلى أيّام علي باي بن حسين. وكان أحد أبنائها واليا على الوطن القبلي وأهين بالعزل لظلمه.<br />
وقد تكون شلبية تلك بنت الوالي أو إحدى قريباته; فلذلك تغزل بها ورصّع باسمها.<br />
ولماضور أصحاب يساعدونه على قضاء أوطاره، ولا يتحرّج من كان ينوّه بهدايا صويحباته من باقات الزهور. ورغم ما يظهره ماضور من تكتّم، فإنّه لم يسلم من العتاب، والغيرة عليه بسبب شعره، وينسيك بشعره صفة القاضي والمدرّس والامام ويعطيك شعره الغزليّ صورة الشاعر المتّقد العاطفة، المحبّ، المتحرّق، وإنّ وصفه صاحب "الاتحاف" بالعفّة.<br />
لكنّ ماضور يبقى طلعة القرن الثاني عشر/18م الحسيني بين سائر الشعراء; فقد أضرب عن قصور الملوك، ونجا بنفسه عن تهافت الغراب، وأشباهه فهجر فنّ المديح، واستقلّ بخططه الشرعيّة في بلدته من جهة، وتفرّغ لعواطفه وملذّاته. وصوّر ذلك كلّه في جلّ شعره، وبعض نثره ليؤكد ضمنيا في ديوانه أنّه لا يمدح إلاّ النساء والغلمان، ولا يضع عدسته الشعريّة إلاّ على حياة عصره، ليترك لنا نصوصا هي وثائق اجتماعيّة نادرة، زيادة على طوابعها الفنيّة. ولئن كان غزله غزلا غير عذري، فإنّه في الجانب الفنّي مجدّد وتمدّ قصائد غزله ومقطوعاته قريحة خلاقة في التصوير بديباجة أندلسية مطعمة بديباجة مدرسة الشعر التونسي للقرن الثاني عشر الهجري/18م، القائمة في أصولها على استهداء بالتّراث من حيث الموضوع، والصياغة الأسلوبيّة بالرجوع إلى عيون الشعر العربي والنسج على منواله، احتذاء لا تقليدا. فكان بذلك علامة مضيئة على طريق الشعر التونسي الحديث، والفنّ المقامي نحو الأقصوصة والحكاية الذاتية.<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:الأدب]]<br />
[[تصنيف:الشعر]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D9%85%D8%AE%D9%84%D9%88%D9%81&diff=4648محمد مخلوف2016-12-29T13:37:26Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>[1864 - 1941م]<br />
<br />
هو محمد بن محمد بن عمر بن قاسم مخلوف المنستيري، فقيه ومؤرّخ وأديب وُلد حوالي سنة 1281هـ/1864م. حفظ القرآن الكريم على المؤدب الشيخ محمد خفشة وقرأ الحساب والفرائض على الشيخ حسين لاز وتوحيد المرشد المعين والعمل بالربع المجيب على الشيخ علي زهرة. ثمّ رحل إلى [[تونس|مدينة تونس]] لمواصلة تعلّمه ب[[جامع الزيتونة]] فأخذ العلم عن الأعلام أمثال المشايخ بلحسن النجار ومحمد البشير التواني ومحمّد الطيّب النيفر والشيخ محمد الصادق الشاهد ومحمود بيرم و[[أحمد بن مراد]] و[[سالم بوحاجب]] وحسين بن حسين.فتحصّل على شهادة التطويع سنة 1307هـ/1890م وأجازه الشيخ عمر ابن الشيخ من رواية قراءة كتب مذكورة في إجازات صادرة من العلاّمة محمد الشريف نقيب الأشراف. وفي سنة 1343هـ/1896م سمّي مدرّسا ب[[المنستير]] ومفتيا ب[[قابس]] وفيها أيضا تولّى القضاء ثمّ انتقل إلى [[المنستير]] وتولّى الخطابة بجامعها الكبير.وفي سنة 1355هـ/1937م سمّي باش مفتي [[المنستير]] وتوفي في 20 جمادى الأولى 1360 / 1941م.<br />
<br />
== مؤلفاته==<br />
<br />
* مواهب الرحيم في مناقب عبد السلام بن سليم<br />
* شجرة النور الزكية في طبقات المالكية ذيّله بتتمّة تاريخية.<br />
* المازرية.<br />
* شرح أربعين حديثا من ثنائيات الموطأ في 400 صفحة.<br />
* رسالة في ترجمة شيخه [[سالم بوحاجب]] أرسلها إلى ابنه الوزير الأكبر [[خليل بوحاجب]].<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:الأدب]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D9%85%D8%BA%D9%88%D8%B4&diff=4647محمد مغوش2016-12-29T13:36:45Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>[توفي سنة 1540م]<br />
<br />
محمد بن محمد التونسي المالكي الملقب بمغوش، معدود من العلماء. سمع الصحيحين والموطّأ والترمذي على العلاّمة أبي العبّاس أحمد بن أحمد الأندلسي المعروف بالمشّاط. ولي قضاء عسكر تونس في مدّة السلطان حسن بن محمد بن عثمان الحفصي الذي تولّى الحكم سنة 932هـ/1525م. ولمّا دخل خير الدين تونس نفاه لخوفه منه فخرج إلى المشرق متّجها إلى القسطنطينية فاجتمع بالسلطان [[سليمان]] الأوّل الذي تولّى الحكم سنة 926هـ/1520م فأكرمه وجعله إماما عنده وأسكنه في عمارة الوزير محمود باشا. والتقى بالشيخ أبي السعود صاحب تفسير إرشاد العقل السّليم إلى مزايا الكتاب الكريم.تتلمذ له طاسكُبْري زاده صاحب كتاب الشقائق النعمانية في علماء الدّولة العثمانية.<br />
وتوجّه إثر ذلك إلى مصر وحلب وتخرّج عليه نخبة من طلبة العلم منهم: رضي الدّين محمد بن إبراهيم الحلبي صاحب درّ الحبب في تاريخ أعيان حلب. ومن حلب قصد طرابلس الشام ثمّ توجّه إلى دمشق فشهد الدمشقيون بعلمه، خصوصا في علم التفسير والعربية والمنطق والكلام والعروض والقراءات.توفي في مصر سنة 947هـ/1540م. ويذكر أنّ أهل دمشق صلّوا عليه صلاة الغائب لمكانته عندهم ودفن بجوار الامام الشافعي.<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:الفقه]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%B4%D9%86%D9%8A%D9%82&diff=4646محمد شنيق2016-12-29T13:35:32Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>[1889 - 1976م]<br />
<br />
ولد السياسي ورجل الأعمال [[محمد شنيق]] ب[[تونس|مدينة تونس]] سنة 1889, وبعد أن اجتاز مرحلة التعليم الابتدائي التحق بالمعهد الصادقي سنة 1904. ولكنّه ما لبث أنّ غادره قبل إتمام دراسته الثانوية، كالكثيرين من أبناء جيله. وكان مولعا منذ نعومة أظفاره بالشؤون الاقتصادية، فما إن بارح الصادقية حتى التحق بمعهد [[الجمعية الخلدونية]] حيث تابع دروس الأستاذ [[عبد الجليل الزاوش]] في العلوم التجارية، وإثر ذلك دخل معترك الحياة، فاشتغل في المطحنة العصريّة لعبد الجليل الزاوش، ثم عيّن مديرا لشركة "الاتحاد التجاري" التي أسسها جمع من التجار "الجرابة" (نسبة إلى مدينة [[جربة]] بالجنوب التونسي) منذ سنة 1906. وإثر انهيار هذه المؤسسة في مطلع العشرينات، ترأس [[محمد شنيق]] "بنك التعاضد المالي" الذي مكّنه من احتلال مركز مرموق في الميدان التجاري ومن أداء خدمات مهمّة للاقتصاد التونسي بوجه عام والصناعات التقليدية بوجه خاص.<br />
إساهمه في [[الحركة الوطنية التونسية|الحركة الوطنية]] لم تمنعه شواغله المهنيّة من الاهتمام بقضية بلاده الرازحة تحت نير الاستعمار. فمنذ خروجه من الصادقية انضمّ إلى [[حركة الشباب التونسي]] التي أسسها الزعيم علي باش حانبه في سنة 1907. وانتمى إلى نزعة من نزعات تلك الحركة كانت تولي الشؤون الاقتصادية أهمّية بالغة وتسعى إلى بعث مؤسّسات مالية واقتصادية وطنية للنهوض بالاقتصاد التونسي. وكان يمثّلها على أحسن وجه [[عبد الجليل الزاوش]] الذي تفرّغ للنشاط الصناعي والتجاري رغم حصوله على الاجازة في الحقوق.<br />
ولمّا ركدت الحياة السياسية في البلاد حين أبعدت السلطة الاستعمارية زعماء [[حركة الشباب التونسي]] سنة 1912, ثم اندلعت الحرب العالمية الأولى سنة 1914, انقطع [[محمد شنيق]] إلى نشاطه المهني. ولمّا وضعت الحرب أوزارها سنة 1918 أسهم في انبعاث [[الحركة الوطنية التونسية|الحركة الوطنية]] من جديد، فشارك في الاجتماعات التي عقدها الوطنيون لضبط المطالب المزمع تقديمها إلى الحكومة الفرنسية، كما أسهم في إحياء [[جمعية قدماء تلامذة المدرسة الصادقية|جمعية قدماء الصادقية]] التي تعطل نشاطها طوال فترة الحرب، وانتخب عضوا في هيئة الجمعية التي تشكلّت برئاسة العلاّمة [[حسن حسني عبد الوهاب]] في 13 جوان 1919.<br />
أسهم [[محمد شنيق]] في تأسيس الحزب الحرّ الدستوري التونسي الذي أعلن عن نفسه يوم 15 جوان 1920 وعيّن عضوا في وفد الأربعين الذي زار الناصر باي بقصره بالمرسى يوم 18 جوان 1920 برئاسة المدرّس الشيخ [[محمد الصادق النيفر]] وعرض عليه المطالب الوطنية التي قدمها الشيخ [[عبد العزيز الثعالبي]] في اليوم نفسه إلى الحكومة الفرنسية بباريس.<br />
<br />
== انتخابه رئيسا للحجرة التجارية التونسية ==<br />
<br />
انضم [[محمد شنيق]] إلى الحجرة التجارية التونسية التي أنشأها المقيم العام إيتيان فلادان بمقتضى أمر مؤرخ في 6 مارس 1920. وينقسم أعضاء هذه الحجرة إلى 3 أصناف: 8 أعضاء يختارهم المقيم العام من 16 مترشحا تنتخبهم المجموعات الحرفية، و6 أعضاء ينتخبهم التجار المسلمون على نحو مباشر و6 أعضاء آخرين ينتخبهم التجار اليهود. وأمّا الأعضاء المسلمون الذين انتخبوا مباشرة، فقد أحرز المترشّح [[محمد شنيق]] دونهم على أكبر عدد من الأصوات، فقد انتخب بالاجماع أوّل رئيس للحجرة التجارية التونسية. وقد كانت صلاحيات هذه المؤسسة في أوّل الأمر محدودة وحريّتها مقيّدة، فسعى بالتعاون مع صديقيه الأخوين حمدان و[[محمد بدرة]] إلى تطويرها وتشجيع التجار والحرفيين التونسيين على الالتفاف حولها، إلى أنّ أصبحت مؤسسة وطنية عتيدة،كما توفّق إلى توحيد كلمة التجار المسلمين واليهود وبثّ الروح الوطنية في نفوسهم. وقد تولّى [[محمد شنيق]] رئاسة الحجرة التجارية التونسية فترات طويلة، ثم عوّضه على رأسها، إثر انتهاء الحرب العالميّة الثانية، صديقه الحميم [[محمد بدرة]] الذي عهد بإدارتها إلى المناضل الكبير [[الباهي الأدغم]]، وحوّلها إلى قلعة من قلاع [[الحركة الوطنية التونسية|الحركة الوطنية]].<br />
<br />
== انضمامه إلى المجلس الكبير ==<br />
<br />
لئن لم يثر انتماء [[محمد شنيق]] إلى الحجرة التجارية أي مشكلة، فإن ترشحه لعضوية المجلس الكبير أثار جدلا حادّا في الأوساط الدستورية، ذلك أنّ هذا المجلس الذي تأسس بمقتضى الأمر المؤرخ في 13 جويلية 1922 يندرج في إطار الاصلاحات التي أقرّها المقيم العام الجديد لوسيان سان إثر وفاة الناصر باي واعتلاء [[محمد الحبيب]] باي العرش. وكان الحزب الدستوري يعارض هذه الاصلاحات ويقاومها على صفحات جرائده وفي أثناء الاجتماعات العامة، وتسبّب ذلك في حصول انشقاق في صفوف الحزب، فقد انفصل عنه حسن قلاّتي ورفاقه الذين أسسوا الحزب الاصلاحي، ثم انفصل عنه ممثله بباريس فرحات بن عيّاد الذي أسس الحزب الدستوري المستقلّ بالتعاون مع بعض قدماء الدستوريين منهم [[الشاذلي المورالي]] والطيب بن عيسى. ثمّ انفصل عن الحزب أيضا بعض المناضلين الذين رأوا أنّ من مصلحة البلاد دخول المجلس الكبير للدفاع عن المصالح التونسية بوجه عام، ومصالح التجار والحرفيين والفلاّحين بوجه خاص، وذلك رغم الأمر الذي أصدره الحزب الدستوري بمقاطعة انتخابات هذا المجلس. وخالف هذا الأمر عدد من الدستوريين أمثال [[الطاهر بن عمار|الطاهر بن عمّار]] و[[محمد شنيق]] والطاهر التوكابري والجيلاني بن رمضان. فأثار ذلك حفخة الشيخ [[عبد العزيز الثعالبي]] وأنصاره، رغم أنّ بعض القادة الاخرين لم يستنكفوا من تشجيع بعض الوطنيين عن الترشح للمجلس الكبير في إطار سياسة الاندساس داخل المؤسسات الاستعمارية.<br />
وانتخب [[محمد شنيق]] بوصفه ممثل الحجرة التجارية رغم انتمائه إلى الحزب الدستوري، فقد غضّت السلطة الفرنسية الطرف عنه معتبرة أنّه لم يقم بدور بارز في هذا الحزب واقتصر نشاطه فيه على حضور بعض الاجتماعات. والملاحظ أنّه تولّى رئاسة القسم التونسي للمجلس الكبير مدّة طويلة بعد أنّ اضطلع بتلك المهمّة في فترة قصيرة النائب عمر البكوش الذي انفصل عن الحزب الدستوري وأصبح يحظى بثقة الادارة.<br />
<br />
== دور شنيق في المجلس الكبير ==<br />
<br />
حاول [[محمد شنيق]] وجماعته الأعضاء في المجلس الكبير اغتنام جميع الفرص للتخفيف من وطأة الكابوس الاستعماري والدفاع عن مصالح التونسيين من تجار وحرفيين وفلاحين.<br />
ومع ذلك تعرّضوا للحملة الشعواء التي شنّتها عليهم الصحف الدستورية رغم ضعف الحزب الذي انفصل عنه عدد كبير من المناضلين، وغادر زعيمه الشيخ [[عبد العزيز الثعالبي]] البلاد في جويلية 1923. وحمي وطيس المعركة في مطلع الثلاثينات، وتزعّم محيي الدين القليبي و[[حسين الجزيري]] و[[محمد الجعايبي]] الحملة على شنيق واعتبروه خصمهم السياسي. ففكّر في ردّ الفعل والدفاع عن نفسه وعن جماعته بإنشاء جريدة ناطقة باسمهم. ولكنّ الأوامر التي أصدرها لوسيان سان لم تكن تسمح بصدور أيّ جريدة تونسية جديدة. فتمكّن [[محمد بدرة]] من استئجار جريدة "الزمان" التي أصدرها محمد بنّيس منذ 26 فيفري 1929 وخصّصها للاشهار ونشر الاعلانات التجارية واستطاع تحويلها إلى جريدة أدبية وسياسية ملتزمة تناصر حركة التجديد السياسي والأدبي والاجتماعي وتأخذ بأيدي الأدباء الشبان. ثم تحوّل إلى باريس واتّصل بالأديب المصري التونسي الأصل محمود بيرم الذي كان يعيش في المنفى وأقنعه بالقدوم إلى تونس ليتولى رئاسة تحرير "الزمان"، فقدم إليها في شهر ديسمبر 1932 واضطلع بمهمّة رئاسة التحرير للجريدة ابتداء من 2 جانفي 1933, وشرع في نشر فصوله التي كانت تطغى عليها روح النقد اللاذع والسخرية والتهكّم. وتصدّى لمقاومة صاحب "النديم" [[حسين الجزيري]] أكبر خصوم [[محمد شنيق]] والناطق باسم المحافظين. ثم توجه بيرم بالنقد لزعماء الحزب الدستوري الذين كان يسميهم "قدماء بني آدم".<br />
وفي الوقت نفسه الذي كانت فيه المعركة دائرة بين "الزمان" و"النديم" تغيّر موقف [[محمد شنيق]] تجاه حكومة "الحماية" التي لم تحرّك ساكنا تجاه الأزمة المالية العالمية وقد ظهرت انعكاساتها على الاقتصاد التونسي. وتحوّل ذلك الموقف من المجاملة والمهادنة إلى النقد الصريح، وانتقاما منه فكّرت حكومة "الحماية" في اتّخاذ إجراءات ضدّ بنك التعاضد الذي كان يشرف على حظوظه، منذ عدّة سنوات، بكفاية فائقة. فتصدّت جريدة "العمل التونسي" (الناطقة بالفرنسية) للدفاع عن [[محمد شنيق]]، خاصة والمؤسسات التونسية التي تسعى حكومة الحماية إلى القضاء عليها عامّة. ونشر [[الحبيب بورقيبة]] - في إطار تعميق التناقضات بين الاستعمار والرجال الذين يعوّل عليهم - فصلين متتاليين في هذه الجريدة بتاريخ 21 و22 فيفري 1933, قائلا بالخصوص: "لقد اتّضح أنّ التعاون الصادق والنزيه مع الحكومة أمر مستحيل. هذا ما عبّر عنه اليوم بكل شجاعة وبعبارات قطعيّة الرجل الذي كان يمثّل سياسة التعاون أحسن تمثيل. وإذا وجدنا اليوم هذا الرجل معنا في مواجهة خصمنا المشترك في إطار كفاحنا من أجل الدفاع عن مؤسساتنا، فإنّنا لا نرى مانعا من مدّ يدنا إليه لنخوض معا المعركة الموفّقة".<br />
ولئن حظي هذا الرأي بموافقة أغلبية الأعضاء في هيئة تحرير الجريدة وهم الدكتور [[محمود الماطري]] و[[محمد بورقيبة]] و[[الطاهر صفر]] فإنّه أثار احتجاج عضوين آخرين هما [[علي بوحاجب]] و[[البحري قيڨة]] اللّذان استقالا من هيئة التحرير.<br />
على أنّ موقف [[الحبيب بورقيبة]] ورفقائه شجّع [[محمد شنيق]] على الاستمرار في معارضة السياسة الاستعمارية أكثر فأكثر. بل ذهب به الأمر إلى دعوة زملائه في المجلس الكبير إلى عدم التعاون مع الحكومة في الدورة الاستثنائية التي عقدها المجلس يوم 12 أفريل 1933, وبإيعاز منه ومن زميله [[الطاهر بن عمار]]، رفض القسم التونسي من المجلس الكبير للمرّة الأولى التصويت على الميزانية المعروضة عليه بأغلبية ساحقة وذلك على خلفية رفضهم "تقرير تاردي" (Tardy) الذي حمّل مسؤولية الأوضاع الصعبة للتجار والفلاّحين والحرفيين التونسيّين - ôللأزمة الاقتصادية العالمية - وإنما لهؤلاء المنتجين التونسيّين أنفسهم (تبذيرهم، عدم تحسبهم للمستقبل...) . وكان ذلك بداية الجفوة بين أغلب النواب التونسيين وحكومة "الحماية"، إلى أنّ اندثر المجلس الكبير تماما في مطلع الخمسينات، في عهد وزارة شنيق الثانية.<br />
<br />
== موقفه من الحزب الدستوري الجديد ==<br />
<br />
لا غرابة في أن يؤيّد [[محمد شنيق]] الحزب الدستوري الجديد الذي بعثته مجموعة "العمل التونسي" في أثناء مؤتمر [[قصر هلال]] المنعقد في 2 مارس 1934, ولا غرابة أنْ يتعاطف [[محمد بدرة]]، صديق [[محمد شنيق]]، مع زعماء الديوان السياسي الذين كانوا زملاء له في الدراسة ب[[المدرسة الصادقية]] وبفرنسا. ولا نشاطر رأي من يدّعون أنّ شنيق هو الذي أوعز إلى مجموعة "العمل التونسي" بالانفصال عن الحزب الدستوري وتكوين حزب جديد، لا سيما أنّ هذا الرأي صدر عن خصوم [[الحبيب بورقيبة]] وفي مقدمتهم محيي الدين القليبي مدير الحزب الدستوري القديم الذي أشار إلى ذلك في فصلين منشورين بجريدة "الارادة"، الأوّل بعنوان "المنشقّون و[[محمد شنيق]]"، والثاني بعنوان "شنيق والمأمورون".<br />
وقد عبّر عن مثل هذا الرأي بعض موظفي الاقامة العامة الذين أصبحوا مناهضين لمحمد شنيق، وحاولوا اغتنام الفرصة لتوريطه لدى بعض الأوساط الحكومية والبرلمانية بفرنسا.<br />
وكلّ ما في الأمر أنّ شنيق مدّ يد المساعدة إلى زعماء الحزب الدستوري الجديد، والدليل على ذلك أنّ رئيس الديوان السياسي الأوّل، الدكتور [[محمود الماطري]]، الذي سبق له أن انتقد سياسة شنيق الموالية للحكومة، أشاد في مذكراته بالجهود التي بذلها الرجل لمساعدة الحزب الدستوري الجديد، لا سيما في أيام المحنة إثر اعتقال زعمائه ومناضليه في 3 سبتمبر 1934, إذ تحوّل خصّيصا إلى باريس في صائفة سنة 1935 للمطالبة بإطلاق سراح المبعدين في برج البوف، كما أشار إلى المساعي التي قام بها [[محمد شنيق]] لدى المسؤولين الفرنسيين في تونس وفي باريس، إثر حوادث 9 أفريل 1938 لطلب الافراج عن المساجين والمبعدين الدستوريين. وذكر أيضا المقابلة التي جرت بين شنيق ورئيس الحكومة الفرنسية دلاديي عند زيارته إلى تونس من 3 إلى 5 جانفي 1939. وقد اغتنم رئيس القسم التونسي بالمجلس الكبير هذه الفرصة لتذكير فرنسا بأن مهمّتها في تونس ينبغي أنْ تكون مهمّة تقدّم وحرية. ولذلك وصف الدكتور الماطري في مذكراته [[محمد شنيق]] "بالوطني وصديق الحزب الدستوري الجديد الوفيّ".<br />
ورغم ذلك فإن الصحف المتعاطفة مع الحزب الدستوري الجديد التي صدرت منذ سنة 1936 إثر حذف الرقابة في عهد المقيم العام أرمان غيّون لم تتردّد في انتقاد أعضاء المجلس الكبير، بمن فيهم [[محمد شنيق]] وجماعته. فقد كتب محمود بيرم في جريدة "الشباب" التي أصدرها ابتداء من 10 أكتوبر 1936 ما يلي: "لا نعرف مصيبة نزلت بتونس أعظم وأفدح من المجلس الكبير، ولا نعتبر من اشترك في عضويته إلاّ أحد رجلين: إمّا أبله يتكالب على ضخامة اللقب ولا يدري ماذا يريد من وجوده في المجلس. وإمّا خبيث يعرف المقصود ويتغافل عنه في سبيل منفعته".<br />
ونشر في العدد الصادر في 26 نوفمبر 1936 من "الشباب" صورة كاريكاتورية تمثّل تونس وقد وجّهت مدفعا نحو المجلس الكبير وهي تقول: "لا بدّ من هدم هذه البؤرة كما هدّم الأحرار الفرنسيون سجن الباستيل".<br />
<br />
== تعيينه وزيرا أكبر في عهد المنصف باي ==<br />
<br />
توقّف كلّ نشاط سياسي منذ حوادث 9 أفريل 1938, ولم تنتعش الحياة السياسية في البلاد إلاّ إثر وفاة أحمد باي واعتلاء المنصف باي العرش في 19 جوان 1942. وقد كان العاهل الجديد معروفا بوطنيّته الصادقة، ومازال التونسيون يتذكرون الدور المتميّز الذي قام به لما هدّد والده محمد الناصر باي (1906 - 1922) بالتنازل عن العرش يوم 5 أفريل 1922 إذا لم تستجب الحكومة الفرنسية للمطالب الوطنية.<br />
ومن الاجراءات الأولى التي اتخذها المنصف باي تأليف مجلس خاص بإشراف أخيه الأمير حسين باي لمساعدته على تسيير شؤون الدولة، كان يضمّ بالخصوص [[محمد شنيق]] و[[محمود الماطري]] ومحمد العزيز الجلولي و[[محمد بدرة]] و[[محمد علي العنابي]]. وكان المنصف باي قد تعرّف إلى [[محمد شنيق]] من قبل وقدّر مشاعره الوطنية ومواقفه في المجلس الكبير للدفاع عن المصالح التونسية. وللتعبير عمّا يكنّه للرجل من مودّة، زار معمل النسيج "ستوفيت" الذي كان قد أنشأه قبل ذلك بسنة بالاشتراك مع صديقيه محمد العزيز الجلولي و[[محمد بدرة]]. وإثر الزيارة قلّده الصنف الأكبر من وسام الافتخار.<br />
وبرز دور شنيق وأصدقائه في القصر إثر نزول قوات المحور بتونس يوم 10 نوفمبر 1942 وورود رسالة الرئيس الأمريكي روزفلت إلى العاهل التونسي، يلتمس فيها السماح للقوات الأمريكية بعبور الأراضي التونسية. وقد أعرب شنيق وجماعته من أوّل وهلة عن تعاطفهم مع الحلفاء، في حين عبّر الشقّ المتألف من الوزراء وأعضاء الحاشية عن ضرورة الاقتداء برئيس الدولة الفرنسية المارشال بيتان المتضامن مع دول المحور، وبعد أخذ وردّ اقتنع المنصف باي باتخاذ موقف محايد إزاء المتحاربين. أسهم شنيق في تحرير رسائل في هذا المعنى إلى رؤساء دول الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا.<br />
ونظرا إلى الظروف العصيبة التي كانت تمرّ بها البلاد قرّر المنصف باي يوم أوّل جانفي 1943, دون الحصول على موافقة المقيم العام الأميرال أستيفا تعيين وزارة جديدة تضمّ [[محمد شنيق]] وزيرا أكبر، والدكتور [[محمود الماطري]] وزيرا للداخلية و[[صالح فرحات]] وزيرًا للعدلية. ورغم الصعوبات الجمّة التي واجهتها الوزارة الجديدة، فقد أقنعت المنصف باي باتّخاذ الاجراءات التالية:<br />
<br />
* تحقيق المساواة في المرتّبات بين الموظفين الفرنسيين والتونسيين.<br />
* إلغاء الأمر المؤرخ في سنة 1898 والقاضي بوضع مساحات معيّنة من أراضي الأوقاف على ذمّة وزارة الفلاحة كلّ سنة لتوزيعها على المعمّرين الفرنسيين.<br />
* إنشاء وزارة للأوقاف في مارس 1943 وتعيين شيخ المدينة محمد العزيز الجلولي على رأسها.<br />
* تأسيس لجان اقتصادية لتنظيم مسالك التوزيع وتشديد الرقابة على المحتكرين.<br />
* إسعاف ضحايا الغارات الجوية ومدّ يد المساعدة للمنكوبين.<br />
<br />
ورغم محافظة المنصف باي على موقفه الحيادي فقد قرّرت السلطة العسكرية الفرنسية، بعد دخول قوّات الحلفاء إلى تونس يوم 7 ماي 1943 إرغامه على التنازل عن العرش، بدعوى التعاون مع المحور. وحاول [[محمد شنيق]] وزملاؤه دون جدوى تفنيد هذه التهمة الباطلة وتبرير موقف الباي وحكومته في فترة الاحتلال، لكنّ الجنرال جوان، المقيم العام بالنيابة، أصرّ على تطبيق الأمر الصادر له من قائد القوات الفرنسية بشمال إفريقيا، الجنرال جيرو. ولما رفض المنصف باي التنازل عن عرش آبائه وأجداده بمحض إرادته، خُلع قهرا يوم 14 ماي 1943, وأُبعد إلى الأغواط في جنوب الجزائر، حيث أجبر على إمضاء وثيقة التنازل عن العرش تحت الضغط. وإثر ذلك نقل إلى مدينة تنّس الواقعة في الساحل الجزائري، ومن هناك نقل إلى مدينة "بو" بجنوب فرنسا، في سنة 1945.<br />
واستمرّ [[محمد شنيق]] طوال السنوات التي نفي فيها الملك الشرعي في القيام بالمساعي اللازمة لدى الحكومة الفرنسية والأوساط الحزبية والبرلمانية لرفع تلك المظلمة، وذلك بالتعاون مع وزراء المنصف باي وأعضاده ومع كلّ المنظمات الوطنية والأحزاب السياسية المنضوية تحت لواء ما أصبح يسمّى "الحركة المنصفية" والمطالبة بإرجاع المنصف باي إلى عرشه، إلى أنّ أدركته المنيّة بالمنفى يوم أوّل سبتمبر 1948.<br />
وبالاضافة إلى نضاله في سبيل قضية المنصف باي، انضمّ [[محمد شنيق]] منذ دخول الحلفاء إلى تونس، إلى "الجبهة الوطنية" المتألفة من مختلف الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنيّة، والمطالبة بمنح تونس الحكم الذاتي، كما ساهم في مؤتمر ليلة القدر الذي انعقد مساء يوم 23 أوت 1946 وصادق بالاجماع على لائحة تطالب ب[[استقلال تونس|الاستقلال]] التام وانضمام تونس إلى الجامعة العربية ومنظمة الأمم المتّحدة.<br />
<br />
== وزارة شنيق الثانية ==<br />
<br />
بعد سنتين من وفاة المنصف باي دعي [[محمد شنيق]] مرّة أخرى إلى رئاسة الوزارة التونسية التي شكّلها محمد الأمين باي يوم 17 أوت 1950, بالاتّفاق مع الحكومة الفرنسية وممثّلها بتونس المقيم العام لويس بيريي (Louis Périllier) من جهة، والحزب الدستوري الجديد ورئيسه الزعيم [[الحبيب بورقيبة]] من جهة أخرى. وكلّفت هذه الوزارة بالتفاوض مع الحكومة الفرنسية باسم الباي "حول الطرق الكفيلة بالسير بتونس نحو [[استقلال تونس|الاستقلال]] الداخلي".<br />
ولم يستنكف شنيق من قبول هذه المهمّة والعمل تحت سلطة محمد الأمين باي الذي كان يعتبره قبل وفاة المنصف باي مغتصبا للعرش، وذلك بعد أن ضمن مشاركة الحزب الدستوري الجديد الذي يعتبر أكبر قوّة سياسية في البلاد، ممثلا في شخص أمينه العام [[صالح بن يوسف]].<br />
أمّا الحزب الدستوري القديم فقد رفض كاتبه العام [[صالح فرحات]] المشاركة في هذه الوزارة، لأن ذلك يتنافى في نظر حزبه مع مبدإ [[استقلال تونس|الاستقلال]] التامّ الذي صادق عليه مؤتمر ليلة القدر.<br />
وضمّت الوزارة الجديدة، بالاضافة إلى شنيق وابن يوسف، وزيرين اختارهما الوزير الأكبر، هما الدكتور [[محمود الماطري]] و[[محمد بدرة]]، ووزيرا اختاره الباي وهو صهره الدكتور محمد بن سالم، ووزيرين آخرين اختارهما المقيم العام، هما محمد سعد الله ومحمد الصالح مزالي.<br />
ورغم ما يبدو من تنافر في هذه التشكيلة، فقد أبدى جميع أعضائها تضامنا تاما، ووافقوا بالاجماع على كلّ القرارات التي اتّخذتها الحكومة التونسية لمقاومة جميع أنواع الضغوط المسلّطة عليها.<br />
ولما تعثّرت المفاوضات التونسية الفرنسية في تونس، تحوّل [[محمد شنيق]] في شهر أكتوبر 1951 إلى باريس صحبة ثلاثة من زملائه: [[صالح بن يوسف]] و[[محمد بدرة]] ومحمد سعد الله، لاجراء محادثات مع الحكومة الفرنسية في أعلى مستوى. انتهت تلك المحادثات بمذكّرة 15 ديسمبر 1951 التي وجّهها وزير الشؤون الخارجية الفرنسي روبار شومان إلى العاهل التونسي عن طريق وزيره الأكبر [[محمد شنيق]]. وكانت هذه المذكّرة بمنزلة الاعلان عن فشل التجربة التونسية الفرنسية ودخول حركة الكفاح التحريري مرحلتها الحاسمة، ولمّا رجع [[محمد شنيق]] من باريس محمّلا بها صحبة زملائه، تصدّى بشجاعة لسياسة القمع التي توخّاها المقيم العام الجديد دي هوتكلوك، منذ وصوله إلى تونس يوم 13 جانفي 1952. ولم يتردّد في إمضاء الرسالة الموجّهة إلى الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة للمطالبة بإدراج القضية التونسية في جدول أعمال الجمعية العامة المنعقدة آنذاك في باريس، وتحوّل إليها في اليوم نفسه الذي وصل فيه المقيم العام إلى تونس، الوزيران [[صالح بن يوسف]] و[[محمد بدرة]] لابلاغ تلك الرسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة.<br />
أمّا الحكومة الفرنسية فقد طلبت مرارا إقالة وزارة شنيق وسحب الشكوى التونسية من المنظمة الأمميّة. ولما رفض الباي هذا الطلب رغم الضغوط المسلّطة عليه وإجراءات الترهيب المتّخذة ضدّه، أحال المقيم العام جميع السلط إلى الجنرال غرباي قائد قوّات الاحتلال الذي أمر يوم 26 مارس 1952 باعتقال [[محمد شنيق]] وزملائه: [[محمود الماطري]] ومحمد بن سالم ومحمد الصالح مزالي، وإبعادهم إلى قبلّي، وبنقل الزعيم [[الحبيب بورقيبة]] من [[طبرقة]] التي كان مقيما بها تحت الحراسة منذ يوم 18 جانفي 1952, إلى رمادة في أقصى الجنوب التونسي.<br />
فأصبح محمد الأمين باي في عزلة تامة، ولم يُفرج عن الوزراء إلاّ يوم 15 ماي 1952, بعد أنّ تمكن المقيم من فرض وزارة جديدة على رأسها صلاح الدين البكّوش. فتفاقم الوضع في البلاد ولم يستتبّ الأمن رغم إعفاء دي هوتوكلوك من مهامّه وتعويضه بمقيم عامّ جديد هو بيار فوازار في سبتمبر 1953. وتمكّن هذا المقيم من استمالة الباي لتشكيل وزارة جديدة على رأسها محمد الصالح مزالي، وأصدر إصلاحات 4 مارس 1954 التي لم تستجب لرغائب [[الشعب التونسي]].<br />
فحذّر الزعيم [[الحبيب بورقيبة]] من منفاه في جزيرة جالطة التي نقل إليها منذ يوم 7 ماي 1952 من سياسة فوازار المخادعة، واتّسع نطاق الثورة الملحّة التي تحوّلت إلى حرب عصابات في الجبال، فاضطرّ مزالي وبقيّة الوزراء إلى الاستقالة من مناصبهم، ولم يتجاسر أحد على تعويضهم، وحصل فراغ في هياكلّ الدولة لم يسبق له مثيل.<br />
وفي هذا الظرف بالذات تحوّل رئيس الحكومة الفرنسية منداس فرانس إلى تونس يوم 31 جويلية 1954 وألقى في قصر [[قرطاج]] أمام الباي خطابا أعلن فيه باسم الحكومة الفرنسية عن الاعتراف ب[[استقلال تونس]] الداخلي.<br />
جرت انتخابات عامة في البلاد يوم 25 مارس 1956, فآنتُخب أعضاء المجلس القومي التأسيسي ونجحت قائمات الجبهة القومية المتكوّنة من الحزب الدستوري الجديد وبعض المستقلين والمنظمات القومية: الاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والاتحاد العام للمزارعين التونسيين.<br />
وانتُخب [[محمد شنيق]] نائبا في المجلس التأسيسي في قائمة الجبهة القومية وحصل له شرف رئاسة الجلسة العامة الافتتاحية يوم 8 أفريل 1956 باعتباره أكبر الأعضاء سنّا.<br />
وانتخب المجلس إثر ذلك الزعيم [[الحبيب بورقيبة]] رئيسا له، وشرع يوم 13 أفريل في وضع الدستور التونسي وصادق على الفصل الأوّل الذي ينص ّ على "أن ّ تونس دولة حرةّ مستقلة دينها الاسلام ولغتها العربية".<br />
وبعد أن انتهت مهمّة [[محمد شنيق]] النيابية في آخر سنة 1959, اعتزل النشاط السياسي، وتفرّغ لشؤونه الخاصة، إلى أنّ توفّي يوم 20 نوفمبر 1976.<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:السياسة]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%B3%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D8%A9&diff=4645محمد سعادة2016-12-29T13:34:49Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>[1937 - 2005م]<br />
<br />
ولد الفنان [[محمد سعادة|محمّد سعادة]] سنة 1937 ونشأ في عائلة محافظة ولكنّها محبّة للفنون، فقد كان والده محمد المختار سعادة الزيتوني من عشاق المسرح والأدب حيث كان له نشاط داخل جمعية "الشّهامة العربية" كما أسّس في الثلاثينات جريدة "النسناس".<br />
دخل [[محمد سعادة]] "الكونسرفاتوار" في الثالثة عشرة من عمره وهناك تأكدّ ميله للموسيقى.<br />
وبعد حصوله على شهادتين الأولى في الموسيقى العربية والثانية في العزف على الناي، اتّجه إلى الرّشيدية للتعمّق في الموسيقى التونسيّة. وأصبح، وهو لا يزال دون السّابعة عشرة من عمره، أصغر عازف بفرقتها وأحد أعضاء إطار التدريس بها. وتابع في نفس الوقت دراسة الموسيقى الغربية. وفي سنة 1957 نجح بامتياز في مناظرة اختيار أساتذة تونسيين لتدريس الموسيقى العربية وتعويض الأساتذة الفرنسيين.<br />
ودرس الفنان [[محمد سعادة]] أيضا التأليف الغربي (الهارموني والكنتربوان والتوزيع) وحصل فيه على شهادة عالية. كما درس علم موسيقى الشعوب بباريس وتابع دروس التأليف والتحليل بكونسرفاتوارها. وهو أول موسيقي أقام مدّة سنة بالحي الدولي للفنون. وفي ايطاليا (البندقية) تابع دروسا في التأليف وقيادة الفرق.<br />
شارك الفنان [[محمد سعادة]] بالعزف مع عدّة فرق مثل فرقة المنار وفرقة العصر وفرقة الاذاعة وتولّى قيادة عدّة فرق وأسّس فرقة الفن العربيب وكلّف في الاذاعة بتدوين الموشّحات الشرقية عن الشيخ المصري فهمي عوض والمالوف عن الشيخ خميس التّرنان كما عهد إليه بتسيير مصلحة الموسيقى بالاذاعة والتلفزة لمدّة ثلاث سنوات وتولّى التدريس ب[[المعهد العالي للموسيقى]] إلى سنّ التقاعد.<br />
في مجال التلحين أنتج الفنان [[محمد سعادة]] عدّة أعمال من موشحات وقصائد وأغان ومعزوفات لأبرز مطربي عصره بالاضافة إلى قطع موسيقى تصويرية للسينما والمسرح.<br />
وحصل على العديد من الجوائز في التلحين ومنها جائزة مهرجان دمشق للموسيقى العربيّة (1972) جائزة أحسن إنتاج في مهرجان [[علي الرياحي]] (1981) مسابقة الأغنية الوطنية (1992) جائزة مهرجان الأغنية (1993).<br />
وإلى جانب نشاطه في التلحين كتب الفنان [[محمد سعادة]] العديد من الدراسات وقدّم عديد المحاضرات وأتاح له عمله في العزف وقيادة عدّة فرق موسيقيّة زيادة على كونه محاضرا زيارة عدّة بلدان عربية وأجنبية مثل تركيا واليابان وإيطاليا وإسبانيا وفنلاندا والولايات المتحدة الأمريكية.<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:الموسيقى]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%B1%D8%B4%D9%8A%D8%AF_%D9%82%D8%A7%D8%B1%D8%A9&diff=4644محمد رشيد قارة2016-12-29T13:34:22Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>[1930 - 2010م]<br />
<br />
ولع [[محمد رشيد قارة]] بالمسرح في سنّ مبكرة، وكان له فيه إسهام متواضع، إلى أن دخل مدرسة التمثيل العربي في أول دفعة لها سنة 1951 - 1952. بدأ حياته المهنية في فرقة بلدية تونس في بدايتها ومع أهم مخرجيها محمد عبد العزيز العقربي و[[علي بن عياد]]. وكانت أهم مشاركاته فيها ومن أهمها مسرحيّات كاليقولا ومراد الثالث والماريشال. وقد أخرج للفرقة البلدية مسرحية [[المعز بن باديس]] سنة 1962. <br />
وواصل نشاطه مع عدّة مخرجين ومديرين لفرقة البلدية منهم المنصف السويسي ومحمد كوكة الذي شارك معه في مسرحية يوليوس قيصر.<br />
أشرف [[محمد رشيد قارة]] على الشؤون الادارية للفرقة البلدية لمدة تقارب عشر سنوات (1963 - 1972). وأسهم في النشاط المسرحي لجمعية قدماء مدرسة التمثيل العربي وقدم دروسا للمبتدئين فيها. كما أسهم في نشاط اتحاد الممثلين المحترفين بتولّيه الرئاسة فيه.<br />
عيّن عضوا بلجنة التوجيه. فكان يحضر الكثير من المسرحيات منذ سنة 1986 وكذلك عضوا في لجنة قراءة النصوص المسرحية.<br />
أمّا في التلفزة فكانت البداية الأولى لمشاركة [[محمد رشيد قارة]] في "زوبعة في فنجان" عن نص لعلي الدوعاجي. واشتهر بأدواره في المسلسلات التلفزية "الواثق بالله الحفصي" و"يحيى ابن عمر" والأفلام التلفزية المقتبسة عن حكايات [[عبد العزيز العروي]].<br />
وفي السينما شارك [[محمد رشيد قارة]] في فيلم "المتمرد" للمخرج عمّار الخليفي سنة 1968 وفي أحد مشاهد فيلم "في بلاد الترارني" لفريد بوغدير عن قصص [[علي الدوعاجي]]، كما أسهم في أفلام أخرى مثل "عارضة الأزياء" للصادق بن عائشة و"أولاد القلق" لرشيد فرشيو.<br />
توّلى [[محمد رشيد قارة]] مسؤولية التحرير في مجلة "المسرح" التي صدرت سنة 1959.<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:المسرح]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%AC%D8%B9%D9%8A%D8%B7&diff=4643محمد جعيط2016-12-29T13:33:49Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>[1268 - 1337هـ/1851 - 1918م]<br />
<br />
محمد بن محمد حمودة بن أحمد بن عثمان بن قاسم ابن محمّد بن المبروك بن محمد جعيط، أصل سلفه من [[القيروان]]. وُلد في 8 ربيع الأول 1268هـ/25 ديسمبر 1851م. حفظ القرآن الكريم ثمّ أدخله جدّه [[جامع الزيتونة]] فأخذ العلم عن كبار الشّيوخ أمثال أحمد ابن الخوجة وأحمد كريّم والشاذلي بن صالح وحمدة الشاهد و[[سالم بوحاجب]] وغيرهم، وتدرّج في الرّتب العلمية فسمّي مدرّسا وكلّف بالنظّارة العلمية ب[[جامع الزيتونة]] ثمّ مفتيا مالكيا في 26 رمضان 1331هـ/28 أوت 1913م. توفّي في 15 ربيع الأنور 1337هـ/29 ديسمبر 1918م.<br />
<br />
'''من مؤلفاته:'''<br />
<br />
* اختصار فتاوى عَظّوم<br />
* كشف اللّثام عمّا ورد في احترام الطّعام<br />
* بيان التوصّل إلى صناعة الانشاء والترسّل<br />
* تراجم العلماء التونسيين<br />
* حاشية على مقدّمة الاعراب لابن هشام<br />
* ديوان شعر<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:الثقافة]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%AA%D9%88%D9%81%D9%8A%D9%82_%D8%AF%D8%BA%D9%81%D9%88%D8%B3&diff=4642محمد توفيق دغفوس2016-12-29T13:33:32Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div><br />
[1925 - 2004م]<br />
<br />
يعدّ الدكتور توفيق دغفوس المولود ب[[نابل]] في 24 مارس 1925 من أبرز المتخصصين في أمراض العيون. فقد تخرّج في كلّية الطبّ بباريس وأنهى بها دراسته سنة 1952. وقد شغل خطة مدير لمعهد طبّ العيون بتونس الذي اعتبرته منظّمة الصحّة العالمية مركزا متعاونا معها من سنة 1963 إلى سنة 1989.<br />
واضطلع الدكتور دغفوس بالتدريس في رتبة أستاذ محاضر بالمراكز الاستشفائية والجامعيّة في فرنسا سنة 1970، كما درّس طبّ العيون بكليّة الطبّ بتونس ابتداء من سنة 1973. وقاد حملات المقاومة لأمراض العيون المعدية وبرنامج الوقاية من العمى (1959 - 1989). ومن سنة 1975 إلى وفاته عيّن خبيرا لمنظمة الصحّة العالمية متخصّصا في الرمد والوقاية من العمى.<br />
وتقلّد الدكتور [[محمد توفيق دغفوس]] عدّة مناصب في مجالات اقتصادية واجتماعية.<br />
وأحرز على أوسمة وطنية وعربيّة، كما شارك في عدّة جمعيّات علميّة [[إفريقية|إفريقيّة]] وأوروبيّة ودوليّة متخصّصة في طبّ العيون ومقاومة الرمد. وتولّى رئاسة الجمعيّة التونسيّة لطبّ العيون (1978 - 1990) التي بثّ فيها نفسا جديدا بتنظيم اجتماعات علميّة دوريّة، منذ سنة 1982 وبتأسيس نشريّة صادرة عنها. وكان إسهامه مرموقا في تطوير طبّ العيون بتونس وتشجيع عدّة أطباء الشبّان على التخصّص في طبّ العيون واستكمال دراساتهم. وقد اعترفت الجمعيّة التونسية لطبّ العيون بفضله ودوره الرّيادي في هذا المجال. فمنحته فضلا عن ذلك ميداليتها الذهبيّة سنة 1998.<br />
وتولى رئاسة الجمعية المتوسّطية لطبّ العيون. وانتخب عضوا بالمجلس العالميّ لطبّ العيون.<br />
نال عدّة جوائز عالمية منها:<br />
* الميدالية الذهبية لمكافحة الرّمد في المؤتمر الدولي الثالث والعشرين.<br />
* الميدالية الذهبية لطبّ العيون من لجنة التحكيم الدولية الخاصّة بمكافحة الرّمد باليابان سنة 1978.<br />
* الميدالية الذهبية للجمعية الايطالية لطبّ العيون 1986.<br />
* ميدالية مائوية الجمعيّة الفرنسية لطبّ العيون.<br />
* الميدالية الذهبية للمجلس العربي لطبّ العيون 1993.<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:الطب]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%A8%D9%86_%D9%8A%D9%88%D8%B3%D9%81&diff=4640محمد بن يوسف2016-12-29T13:32:30Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>[1857 - 1939م]<br />
<br />
من مواليد [[تونس|مدينة تونس]]. ابتدأ دراسته بالمكتب القرآني ولمّا أتقن حفظ القرآن الكريم دخل [[جامع الزيتونة]] سنة 1289هـ/1872م فأخذ العلم من أشهر شيوخ عصره أمثال [[سالم بوحاجب]] وأحمد ابن الخوجة وعمر ابن الشيخ وحسين بن حسين ومحمد النجّار ومحمود بيرم.<br />
فحصل على شهادة التطويع سنة 1297هـ/1879م ثم انتخب للتدريس من الطبقة الثانية سنة 1298هـ/1880م ثمّ سُمّي مدرّسا من الطبقة الأولى سنة 1311هـ/1893م ثمّ عُيّن عدلا ب[[جمعية الأوقاف]] إلى أنْ سمّي كاتبا أول فعضوا في مجلس الجمعية بها. وعُيّن مبعوثا إلى باريس ليُمثّل المعهد الزيتوني في مؤتمر المستشرقين، وسمّي عضوا في مجلس إصلاح التعليم ب[[جامع الزيتونة]] وعضوا في لجنة إصلاح نظام العدول. وفي سنة 1350هـ/1931م، ولي الامامة والخطابة ب[[جامع حمودة باشا المرادي]].<br />
<br />
'''من مؤلّفاته'''<br />
<br />
* رسالة في تفضيل المتنبي على البحتري.<br />
* حواشي وتعليقات على حواشي عبد الحكيم على تفسير البيضاوي.<br />
<br />
وتوفّي سنة 1358هـ/1939م.<br />
<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
<br />
[[تصنيف:التعليم ]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%A8%D9%86_%D9%8A%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B4%D8%A9&diff=4639محمد بن يالوشة2016-12-29T13:32:14Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>[1844 - 1894م]<br />
<br />
[[محمد بن علي]] بن يوسف المعروف بابن يالوشة الشريف التونسي من علماء القراءات.<br />
وُلد بتونس وحفظ القرآن الكريم وتخرّج في [[جامع الزيتونة]] فتصدّر للتدريس به. وكان كتابه الفوائد المهمة في شرح الجزرية المقدمة من مقررات دروس التجويد ب[[جامع الزيتونة]] توفي سنة 1314هـ/1894م.<br />
<br />
'''من مؤلفاته'''<br />
<br />
* تحرير الكلام. طبع بهامش كتاب النجوم الطوالع للشيخ ابراهيم المارغني.<br />
* شرح على قسم الفرائض من الدرّة البيضاء، تركه على المسوّدة.<br />
* الفوائد المفهمة في شرح الجزرية المقدمة (في التجويد، طبع بتونس عدة مرّات).<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
<br />
[[تصنيف:المؤلف ]]<br />
[[تصنيف:الأدب]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%A8%D9%86_%D8%B9%D9%84%D9%8A&diff=4638محمد بن علي2016-12-29T13:31:14Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>[1932 - 1998 م]<br />
<br />
درس بالكتّاب، ثم انتقل إلى [[جامع الزيتونة]].وأحرز على شهادة الأهلية.بدأ حياته المهنية في الصحافة. ثم انتقل إلى المسرح والتمثيل بالاذاعة ثم بالتلفزة وبالسينما.<br />
أسهم [[محمد بن علي]] بالكتابة في "النهضة" و"الأسبوع" و"الاذاعة والتلفزة" و"الشروق" و"البيان"، كما كتب بالجرائد العربية المشرقيّة.<br />
فكان مراسلا في الستينات مجلتي "الفن" و"الحقيقة" المصريتين، وجريدتي "عكاظ" و"المسيرة" السعوديتين ومجلتي "ليبيا الحديثة" و"الاذاعة الليبية" الليبيتين.<br />
وأنتج للاذاعة عدّة برامج منها بداية من سنة 1962 (اختبر ذكاءك) و (عارف عرفان) و (ما يعجبنيش) و (حتّى هذا كلام) و (القصة الممثلة)، كما كتب عدّة مسرحيّات للاذاعة منها (السندباد) و (الطاهر سيف الدين) و (من القاتل؟) و (فاجعة عن المسرح) و (كليلة ودمنة) في ثماني حلقات و (الأمير الصعلوك).وأول عمل مسرحي إذاعي قام به كان في مسرحية (أبو شوشة) سنة 1952. ثم في مسلسل ([[الجازية الهلالية]]) تأليف [[محمد المرزوقي]]، ثم مثّل شخصية المفتش حسن في (اختبر ذكاءك) ثم شخصية سي الحطّاب في مسرحية (الحاج كلوف).<br />
بدأ نشاطه المسرحي مع فرقة المسرح الحديث المنبثقة عن فرقة الاذاعة سنة 1954. <br />
ومثل في مسرحيتي (مجنون ليلى) لأحمد شوقي من إخراج كمال بركات ومسرحية (رجل الساعة) تأليف يوسف وهبي.<br />
أما في المسرح الشعبي فقد شارك في مسرحيات (الحاج كلوف في الحمام) إخراج [[البشير الرحال]] و (رشاد وزينب) إخراج [[حمودة معالي]] و (الجمل ضحك ضحكة) إخراج [[البشير الرحال]] وفي مسرحيّتي (أشكون يغلب النساء) و (عمّتي عيشة راجل). ثم مع فرقة نجوم الفن (الجازية) و (علي بابا) تأليف [[أحمد بوليمان]] وإخراج [[شافية رشدي]] سنة 1958. وفي التلفزة شارك [[محمد بن علي]] منذ بدايتها في أهم أعمالها منها سلسلة (الحاج كلوف) ومسلسل (علي ولد أمي تراكي) و (سي الزهوان) وقام بدور العمدة في التمثيلية (القرية المطوّقة) ومسلسل (نحن والقرية).وواصل الدور نفسه عند تحويل مسلسل (أمي تراكي) سينمائيا. <br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
<br />
[[تصنيف:المسرح ]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D8%B2%D8%BA%D9%88%D8%A7%D9%86&diff=4635زغوان2016-12-29T13:28:47Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>تقع مدينة زغوان على بعد خمسين كيلومترا جنوب شرقي [[تونس]] العاصمة على ربوة متصلة بالجبل الذي تنبع منه عدة عيون شجّعت الانسان على الاستقرار بها عبر التاريخ حسب ما تشهد به آثار معبد المياه والحنايا وقوس المدينة وغيرها. ونقل الحميري في الروض المعطار عن البكري والادريسي أن ّ جبل [[زغوان]] يسمىّ كلب الزّقاق لظهوره وعلوّه واستدلال المسافرين به، وأن ّ ب[[زغوان]] قوما منقطعين للعبادة، وأن ّ قلعتها روميةّ قديمة منيعة، وأن ّ حساّ ن بن النعمان هو الذي فتحها صلحا.<br />
وبالفعل فإنّها لمناعة موقعها اختيرت ملجأ للعُبّاد والزّهاد ومنفى للمظلومين، واختارها شيوخ أندلسيي [[تونس]] الحاج علي كاطالينة ومحمد قرمطّو والقسطلي لتكون مقرّ جالية أندلسية سنة 1609م أثّرت في السكان الأصليين.فقد بنى الأندلسيون طواحين لغسل [[الشاشية]] في طريق العين وأخرى هوائية لاستخراج مياه الابار وريّ زراعات جديدة كالبرقوق المعروف بالشّاشي وحبّ الملوك والنّسرين والياسمين والزياتين التي غرسوا منها عشرة آلاف زيتونة سنة 1795م.<br />
وقد قدّر القسّ الاسباني فرانسيسكو خيماناث عدد سكان [[زغوان]] بألف نسمة عندما زارها سنة 1724م. فأصبح عددهم عشرة آلاف قبيل الحماية. وأعجب بمحافظة الأندلسيين في ذلك الوقت على الطابع الاسباني في مبانيهم وعاداتهم ولغتهم، كما أعجب الرحالة الأجانب الذين زاروها بطابعها الأندلسي الواضح في تخطيط المدينة ومبانيها وخاصة مقام سيدي [[علي عزوز|علي عزّوز]] المتوفّى سنة 1710م. وكان الأمير محمد باشا المعروف بالحفصي قد بنى هذا المقام سنة 1680م. ومن أتباع هذا الشيخ محمد الصغيّر داود النّابلي ومحمد بن مامي الحنفي الباجي ومحمد الأخضر الأندلسي الزغواني الذي رحل إلى مصر سنة 1713م، ونهب قراصنة النّصارى كتبه في الاسكندرية، ثم أصبح مدرّس أبناء الأمير حسين بن علي وإمّام جامعه. وقد عاش كلّ هؤلاء الأعلام في النصف الثاني من القرن 17م وبداية القرن 18م، فهم إذن معاصرون للولي [[علي عزوز|علي عزّوز]] شيخ أولياء [[زغوان]] في اعتقاد عامة السكان. وقد اضطلعت زاويته دورا هاما في إنشاد الأوراد الصوفية وتعليم المالوف.<br />
وتشتهر [[زغوان]] بالحنايا التي كانت تنقل المياه إلى [[قرطاج]] وبالذات إلى المعلّقة في العهد الروماني، ثم إلى تونس في العهد الحفصي، عندما رمّمها المستنصر بالله سنة 1268م، ثم هدمها الاسبان مدة احتلالهم لتونس من سنة 1535 إلى سنة 1574م. فرمّمها من جديد يوسف داي الذي حكم البلاد من سنة 1610 إلى سنة 1637م، وكان ذلك بأيدي الأندلسيين. وفي سنة 1859م اقترض المشير محمد الصادق باي من فرنسا مبلغا ماليّا لاصلاح الحنايا، فلم يتسنّ له ذلك لسوء تصرّف [[مصطفى خزنه دار]].<br />
ومازالت [[زغوان]] تحافظ إلى اليوم على التأثير الأندلسيّ في الحلي والألبسة خاصة بمناسبة احتفالات الزفاف، وتستهوي مختلف الزائرين بموقعها الجميل وجبلها وغاباتها وخاصة بالطريق التي تخترق البساتين لتربط المدينة بمعبد المياه مرورا بعدّة عيون جارية عذبة نذكر منها عين عيّاد. ومن أهمّ مزارات المدينة زاوية سيدي [[علي عزوز|علي عزّوز]] الرائعة بزخارفها وجليزها ونقوشها الأندلسية. وقد ولع أهالي [[زغوان]] باستخراج العطورات من أزهار النارنج العطرشاء والورد وخاصة النسرين جعلوا له مهرجانا سنويا.<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:المدن]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D8%B4%D8%AC%D8%B1%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AE%D9%8A%D9%84_%D8%A8%D8%AA%D9%88%D9%86%D8%B3&diff=4633شجرة النخيل بتونس2016-12-29T13:27:34Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>تعتبر تونس إحدى البلدان المنتجة للتمور والمهتمّة بشجرة النخيل في شمال إفريقيا. فقد كانت موطنا لاستقرار الانسان الأول، وقامت فيها حضارة زراعية مبكّرة، تركزت بالخصوص على الأشجار المثمرة وأهمّها الزّيتون والنخيل. وتعدّ أرض تونس إحدى منابت النخيل المهمّة، وذلك لتوافر عنصرين مهمّين لنموّه فيها هما : التربة المروّية، والمناخ الحارّ والجافّ. والتربة في تونس جيّدة ليس فقط لانتاج نخيل التمر بل لانبات أفضل الأنواع على الاطلاق، فالمناخ الحارّ والجافّ يعدّ مناسبا جدا لغراسة أشجار النخيل، وخصوصا الأصناف الجيّدة منه بفضل وجود موارد مائية هائلة في مختلف الطبقات.<br />
وسواء أكانت هذه الشجرة وافدة على تونس، أم أصيلة، فإنّ الثّابت أنّ جذورها ضاربة في أعماق تاريخها الحضاري، إذ تؤكّد الرسوم على النقود البونيقية وجود النخيل، وهو ما يشير إلى أهمية هذه الشجرة في الحياة الاقتصادية لقرطاج الزّاهرة. وبرزت أهمية النخيل بعد قدوم العرب المسلمين الفاتحين لتونس، واستقرار بعضهم في حقب متفاوتة، بمناطق زراعة النخيل بالجنوب.وقد أشاد الرحّالة والجغرافيون المسلمون الذين مرّوا بجنوب تونس ومنهم ابن حوقل والتجاني بأهمّية وجود النخيل وكثرته في المناطق التي مرّوا بها.<br />
ويتبيّن ممّا ذكروه أنّ أشجار نخيل التمر تركّزت في جنوب البلاد بالتحديد في منطقتين:<br />
<br />
* المنطقة الساحلية : وهي تضمّ واحات [[قابس]] والجهات المجاورة لها<br />
* المنطقة القاريّة المتاخمة للصحراء وتضم جهتين مهمّتين:<br />
الجهة الأولى: واحات [[قفصة]] والجريد<br />
* الجهة الثانية: واحات [[نفزاوة]] <br />
<br />
على أنّ أهمّ نخيل تونس كمّا وكيفا، يوجد في الواحات القارّية وهي واحات الجريد و[[نفزاوة]].وتغطّي مساحة المنطقتين ثلث المساحة الجملية للواحات التونسية، ويتجمّع بها نخيل الدقلة ذو القيمة التجارية العالمية إضافة إلى أنواع أخرى هي أيضا ذات قيمة غذائية وتجارية عالية.<br />
<br />
== النخيل في تونس في العصور الحديثة == <br />
إنّ أوّل معلومات دقيقة عن النخيل بتونس في العصور الحديثة تعود إلى عهد المشير أحمد باي في منتصف القرن التاسع عشر، إذ قدّم لنا هذا الباي أول إحصائية لنخيل البلاد وذلك عندما أراد فرض ضريبة على أشجار النخيل في المناطق المنتجة له. وكان هدف الباي توفير المال لمشروعاته الاصلاحية المكلفة. فوظّف ضريبة على أشجار النخيل والزيتون سمّيت بقانون النخيل والزيتون. لذلك أصبحنا منذ تلك الفترة نعرف الكثير عن أهمية هذه الشجرة ودورها الاقتصادي والاجتماعي. وقد وضّح لنا الاحصاء عدد النخيل وأنواعه وجهات إنباته بكلّ [[دقة|دقّة]] ومن ثم حدّدت لنا الدفاتر الجبائية ثلاث مناطق هامة :<br />
<br />
* واحات قابس: تضمّ ثماني واحات هي :<br />
جارة، المنزل، شنني، وذرف، المطوية، مطرش، تبلبو، الحامة، وكان عدد نخيل هذه المجموعة سنة 1841 : 741 187 نخلة.<br />
* واحات الجريد وقفصة: - منطقة قفصة:<br />
تحصي الدفاتر فيها أربع واحات هي : [[قفصة]]، لالة، القصر، القطار. وكان عدد نخيلها سنة 1851: 142 34 نخلة.<br />
* منطقة الجريد : تضمّ أربع واحات أيضا هي: [[توزر]]، الوديان، الحامة، نفطة، وبلغ عدد نخيلها في نفس السنة أيضا : 676 775 نخلة.<br />
* واحات [[نفزاوة]] : تحصي الدفاتر نخيل هذه الجهة في 43 تجمّعا سكانيا واحيا بلغ عدده سنة 1852 ما يزيد قليلا على 000 300 نخلة.<br />
<br />
ونلاحظ أنّ هذا الاحصاء عرّفنا على عدد النخيل المنتج وجهاته الهامّة بالبلاد وأبرز لنا ثلاث مناطق كبرى تعدّ وقتها : 559 297 1 نخلة.والعدد كما يبدو هامّ مقارنة بعدد سكان تلك المناطق في تلك الفترة التاريخية.<br />
<br />
== تطور غراسات النخيل في تونس خلال الفترة الاستعماريّة ==<br />
<br />
شهدت غراسة النخيل تطورا ملحوظا منذ بداية الفترة الاستعمارية، وبرز هذا التطور في أوائل القرن الحالي على أيدي المعمّرين وذلك بعد أن أدرك هؤلاء أهمية زراعة النخيل في مناطق الجنوب بوصفها مصدرا للربح الرأسمالي.<br />
خاصة أنّ بعض القادمين منهم من المناطق الجزائرية المجاورة والمنبتة لهذه الشجرة كانوا قد اكتسبوا خبرة في زراعة أنواعه وكيفيّة الاستفادة منها، وبالذات نوع تمور الدقلة الذي دخل التصنيع وسوق التصدير بعد ظهور فئة من التجار الفرنسيين في مرسيليا تتحكّم في تجارة التمور بأوربا. واستفاد المستعمرون من السيطرة الاستعمارية بعد صدور أمر من الحكومة في 24 ديسمبر سنة 1885 بتأميم الموارد المائية السطحية والباطنية للايالة التونسية ومن ثمّ احتكرت المصالح الاستعمارية حقّ توزيع رخص التنقيب عن المياه واستعمال التجهيزات المائية.<br />
لذلك شهد قطاع النخيل بواحات الجنوب ابتداء من سنة 1905 تجديدا على مستوى الغراسات وعلى مستوى السقي، وبرز هذا التطور في الفترت الأولى في مجالين :<br />
<br />
* المجال الأول: التركيز على نشر نخيل الدقلة بطرق حديثة كانت مطبّقة بالجزائر (كتصفيف أشجار النخيل والتخفيض من عددها في الضّيعة الواحدة وتحسين طرق الريّ وخدمة الأرض).<br />
* المجال الثاني: تحدّد في إدخال التقنيات في التنقيب عن المياه واستعمال تجهيزات مائية جديدة في سقي النخيل تتناسب والمساحات المغروسة.<br />
<br />
وكان لهذا التطوّر أثره الواضح في زيادة عدد أشجار النخيل الجيّد. ومن ثمّ أصبح يوجد في تونس قطاع نخيل عصري يهتمّ بغراسات الدقلة وتلبية حاجات السوق الخارجية، وقطاع نخيل تقليدي يهتمّ بالأنواع الأخرى لتلبية حاجة المواطن. ويشرف على القطاع العصري المعمّرون، ويسقى بمصادر مائية جديدة هي الابار الارتوازية. أمّا القطاع التقليدي فيهتمّ به الأهالي ويقوم حول العيون الطبيعية القديمة التي تأثرت مع مرور الأيام بعد الاكثار من حفر الابار الارتوازية في الفترة الاستعمارية بالنقص في المياه السطحية الجارية التي يستغلّها الأهالي في ريّ واحاتهم. وانعكس هذا التأثير على الانتاج الذي يديره الأهالي وبالتالي على أنشطتهم الفلاحية.<br />
وبرز التطوّر على مستوى الكمّ في عدد النخيل، ولكنّ الزيادة كانت واضحة في نخيل الدقلة أكثر من غيره. فقد كان عددها في نهاية القرن التاسع عشر لا يتجاوز 25 ألف نخلة بينما وصلت في 1920 إلى حدود 60 ألف نخلة.<br />
وتمّت التحوّلات في مرحلة ثانية في عهد الحماية على مستوى التصنيع والتسويق، فحتّى بداية الحرب العالمية الثانية كانت مرسيليا تحتكر تجارة التمور وتصنيعها في أوربا، حتى إنّ صناعة التمور في تلك المدينة وحدها ضمّت 6 آلاف عامل ووجد بها 50 معملا للتكييف. ممّا جعل تلك التجارة تحقّق مداخيل مهمّة وفرّت منها تمور الجزائر وتونس 60%.<br />
<br />
== أنواع النخيل وميزاتها بتونس == <br />
إنّ أهمّ ما يميّز غراسات النخيل وإنتاج التمور حاليا بتونس عن غيرها من الدول المنتجة - عدا الجزائر - هو جودة تمور النخيل بصورة عامة ووجود نوع تمور الدقلة بالذات على رأس هذه الأنواع. ونظرا إلى تعذّر حصر تلك إلى الأنواع جميعا وتعدّد ميزاتها في هذا المجال فإننا نكتفي هنا بذكرها بشكل عام دون الدخول في تفاصيل ونورد الاسمين الكبيرين: الدقلة، والمطلق.<br />
الدقلة : هذا النوع هو أجود أنواع التمور، ولا يتوفّر منه في العالم حاليا إلاّ في تونس والجزائر والولايات المتحدة. ولا نملك معلومات عن منبته الأصلي ولا عن بداية ظهوره بتونس. وكلّ ما نعرفه هو أنّه كان معروفا في القرن 19 كما ورد في الدفاتر الجبائية لدولة البايات الحسينيين قبل الحماية الفرنسية على تونس. وحتى النصف الأخير من القرن التاسع عشر لم يكن يمثل نسبة كبيرة قياسا إلى الأنواع الأخرى التي تدعى المطلق. ثمّ كان انتشاره بطيئا بعد ذلك بين السكان ولم يتحمّسوا كثيرا لغراسته، إمّا لجهلهم به بحكم جدّته أو لصعوبة الاهتمام بغراسته مع وجود ميزات أفضل في الأنواع الأخرى المنتشرة لديهم والمعروفة منذ القدم.<br />
<br />
* المطلق : هذا الاسم عام يطلق على عدد كبير من الأنواع غير الدقلة. وهذه الأنواع عديدة لا حصر لها أشهرها: العليق، الكنتة، الفرملة، الكسبة. ويضيق بنا المجال لتفصيلها لذلك نكتفي بإيراد ما تختلف به عن الدقلة بهدف توضيح الدور الذي تساهم به في الحياة الاقتصادية والاجتماعية وتأكيد أهميتها في هذا القطاع. وبالرغم من سيطرة تمور الدقلة حاليا على الانتاج والتسويق فإنّ الأنواع الأخرى بقيت موجودة حافظ عليها الفلاح لتلاؤمها مع إمكاناته وظروفه ولاتّصافها بعدة صفات هامة هي:<br />
* لا تتطلّب عناية كبيرة من الفلاح وذلك لتحمّلها نقص الماء والأسمدة.<br />
* تثمر بسرعة في مدّة لا تتجاوز ثلاث أو أربع سنوات.<br />
لا تحتلّ أشجارها مساحة كبيرة بل يمكن أن تعيش وتثمر في جذوع مشتركة.<br />
<br />
* تنضج مبكرا ومن ثمّة تطيل موسم الجني العام للتمور.<br />
* تنتج كميات كبيرة أكثر من الدقلة ولا تتأثر بالعوامل الطبيعية.<br />
* لها قيمتها التجارية في الأسواق المحلية والوطنية وحتى العالمية.<br />
<br />
أمّا نخيل الدقلة فله شروطه الخاصة للانتاج، إذ يتطلب الكثير من الجهد والعناية المكثفة من ذلك أنّه لا يتحمّل أي نقص في الماء أو السماد وهذا قد يصعب على المواطن العادي.<br />
<br />
== دور النخيل الاقتصادي == <br />
لقد تعزّزت مكانة النخيل في حياة الانسان بتطور الزراعات المختلفة في العصور الحديثة، وتعدد موارد العيش الزراعية العديدة وذلك باعتباره مورد عيش هامّ وعنصرا من عناصر الانتاج الغذائي في مواطن زراعته، لذلك تعتمد ثمار النخيل لدى عدد من الشعوب الفقيرة في كثير من الأوقات غذاء كاملا خلافا للثمار الأخرى وذلك لقيمتها الغذائية العالية.<br />
استفادت [[شجرة النخيل بتونس|شجرة النخيل]] من الطرق العلمية الحديثة سواء بتفجير المياه، أو تجديد الغراسات، أو بتنوع فصائل نخيل التمر. وبذلك ازداد النخيل أهمية، خاصة بعد دخول إنتاجه ميدان الصناعات الغذائية والتقليدية وبالتالي اقتحامه لسوق التجارة العالمية، ثمّ بما أكّده العلم من القيمة الغذائية والصّحية لثمرة النخيل.<br />
ومن ثم بدأت غراسة النخيل تحتلّ مكانا ضمن مخططات التنمية الفلاحية حاليا في البلدان المنبتة لهذه الشجرة بكثرة إدراكا منها لفوائده المتزايدة في القطاع الفلاحي والاقتصاد الوطني.<br />
فبلغ عدد أشجار النخيل بتونس حاليا قرابة 000و2.400 نخلة منتجة للتمور منها 000و1.000 نخلة بواحة [[نفزاوة]] و000و1.400 بواحات الجريد.وبلغ الانتاج حاليا أكثر من 60 ألف طن للمنطقتين.كذلك يلعب قطاع النخيل حاليا دورا هاما في الاقتصاد التونسي إذ يحتلّ المرتبة الثالثة بعد الزيت والسمك وذلك بما يوفّره من مادة غذائية جيدة، ومن العملة الصعبة التي تبلغ قرابة 15% من قيمة الصادرات.وهذا الدور الذي يؤديه نخيل التمور في تونس يتمثّل في مستويين : المحلّي والوطني :<br />
<br />
=== على المستوى المحلّي === <br />
يؤدي التمر دورا مهمّا في غذاء السكّان إذ يعتمد عليه محلّيا في فطور الصباح ثمّ يدخل في عدد من الوجبات، وتبرز أهميته في الربيع وشهر رمضان مع اللبن والحليب، ممّا جعل سكان الواحات يختزنون منه ما يحتاجون لهذا الغرض، وإلى وقت قريب يندر أن نجد أسرة لا تدّخر في المنزل التمور للأكل اليومي.<br />
<br />
=== على المستوى الوطني === <br />
رغم أنّ تونس تعتبر منتجا صغيرا للتمور مقارنة مع البلدان العربية الأخرى إلاّ أن جودة تمورها تجعلها من أهمّ البلدان المصدرة للتمور في العالم إذ تحتّل المرتبة الرابعة في العالم بعد العراق والسعودية والسودان من حيث كمية التمور المصدرة. وتحتلّ المرتبة الأولى من حيث القيمة ورغم أنّ كمّية الانتاج في تذبذب نتيجة عدة عوامل الطبيعية منها خاصة، فإنّ مكانة تونس في سوق التمور ما فتئت تتدعّم وذلك لأنّ قيمة التمور التي تصدّرها تونس من النوع الجيّد في الغالب، ويعود ذلك إلى سيطرة تمور الدقلة التي تطوّرت وفاقت كلّ الأنواع الأخرى بعد التوجّه الوطني للاكثار من أشجارها، ثمّ بما تدعّم في تونس من معامل التبريد والتعليب. وهي عملية أساسية وضرورية لتحسين الانتاج وضمان رواجه في الأسواق الخارجية بأثمان مرتفعة. ومن أقوى الأدلة على ذلك ناهز إنتاج الدقلة في الستينات ربع الانتاج ثمّ ارتفع إلى النصف وما تزال نسبته في ارتفاع وهو يقارب حاليا 80%.<br />
<br />
== دور النخيل الاجتماعي ==<br />
<br />
تساهم الواحات حاليا بدور نشيط في تونس، وذلك بتوفير مراكز الشغل القارة والموسمية بشكل لم يتوفّر في مناطق فلاحية أخرى. حتى أصبحت واحات النخيل بالجنوب منطقة جذب لليد العاملة خاصّة خلال موسم الجني الذي يتجاوز أربعة أشهر في الغالب. ولذلك ساهمت الواحات خاصّة بعد التوسّع الحديث في الغراسات، في تقلّص النزوح والهجرة اللذين تفاقما بعيد [[استقلال تونس|الاستقلال]]. ودعّمت الواحات حركة استقرار الرحل بالتقليل من الارتحال الدائم الذي كان سائدا بالمنطقة زمن الاستعمار. وبدأت اليوم حركة معاكسة في اتجاه النزوح، فتغيّر الاتجاه نحو مدن الواحات. وبالاضافة إلى ذلك ازدهرت فيها حركة الأسواق الأسبوعية في فصل الخريف والشتاء، ونشطت حركة المواصلات منها واليها.<br />
ويتجلّى لنا هذا الدور بشكل أوضح فيما يجنيه المواطن من فوائد مباشرة وغير مباشرة من النخلة نوجزها فيما يلي :<br />
<br />
* قيمة التمور الغذائية والصّحية.<br />
* نواة التمر وبقاياه مادّة مفضّلة لعلف الحيوانات في الشتاء وسنوات الجدب خاصّة.<br />
<br />
بقايا العراجين تستعمل حطبا ومكانس وعلفا للابل.<br />
<br />
ويستفاد من شجرة النّخيل ذاتها في شتى الأغراض الاجتماعيّة المحلية منها :<br />
<br />
* سعف النخيل مصدر لصناعات متنوّعة كصناعة المراوح والسّلال والسجّاد والطباق وأوعية أخرى عدّة متنوعة.<br />
* جريد النخيل مصدر مهمّ للحطب ومصدّات الرّمال وسياج للملكية والغرس الجديد.<br />
* يستعمل خشب النخيل في سقف المنازل والأكواخ وحتى أبواب البيوت.<br />
* تستخرج من "ليف" النخيل حبال متينة لأغراض متنوّعة.<br />
يتمّ استخراج اللاقمي من النّخل وهو شراب مباح ولذيذ ويوفر موردًا ماليا للفلاّح.<br />
<br />
وهكذا ساعد النّخيل وإنتاج التمور على توفير دخل قارّ للأسرة في مناطق الواحات، وبفضله وجدت حركية اقتصادية واجتماعية ميّزت الواحات بطابع خاصّ، أهمّ سماته التعلّق بالأرض والنخلة.أمّا الفائدة الصحّية في التمور فتثبت التحاليل الطبية الحديثة أنّه ذو قيمة غذائية عظيمة، مقوّ للعضلات والأعصاب، وهو من أصلح الأغذية لسهولة هضمه وسرعة تأثيره في تنشيط الجسم ينظف الكبد ويغسل الكلى ولا يمنع إلاّ على البدين والمريض بالسكري. وتضارع قيمته الغذائية ما لأنواع اللّحوم وثلاثة أمثال ما للسمك من قيمة غذائية مفيدة للمصابين بفقر الدّم وبالأمراض الصدرية، يحارب التراخي والكسل عند الصائمين والمرهقين.<br />
نتبيّن ممّا تقدم أنّ النخيل كان له دور حضاري بارز على امتداد تاريخ تونس وشاهد حيّ على استمرار الحضارة الزراعية فيها. وهو ما يزال إلى اليوم يواصل أداء دوره، ويحتلّ مكانة هامة في الاقتصاد الوطني. ويمثّل إنتاج التمور موردا فلاحيا ثابتا، متجددا متطورا بفضل ما يدرّه من فوائد تجارية عالية للمواطن والوطن.<br />
على أنّه بالرغم من المكانة التي أصبح يحتلّها إنتاج النخيل في المستوى المحلي والعالمي وبالرغم ممّا قدّم من الجهد في دفع هذا القطاع فإنّه مازال يحتاج إلى مزيد من العناية في الواحات القديمة بالخصوص لحاجتها إلى توفير المياه باستمرار وتحسين طرق الري القديمة وتجديد الغراسات. ويحتاج أيضا إلى مزيد من البحوث والدراسات العلمية الهادفة. سواء من جهة تحسين الانتاج، أو طرق الوقاية من الأضرار الطبيعية. وما تحقّق في هذا المضمار يعتبر متواضعا لا يتناسب مع الطموح في تدعيم هذا الانتاج وتطويره، خاصّة أنّ المياه الباطنية والأرض الصالحة للغراسة متوفرة.<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:الطبيعة]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%81%D9%86_%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B3%D9%8A%D9%81%D8%B3%D8%A7%D8%A1_%D9%81%D9%8A_%D8%AA%D9%88%D9%86%D8%B3&diff=4631فن الفسيفساء في تونس2016-12-29T13:25:46Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>تمتلك البلاد التونسية مجموعة فنية من [[فن الفسيفساء في تونس|الفسيفساء]] ذات شهرة عالمية ما انفكّت تنمّيها وتعزّزها اكتشافات جديدة. وقد اعتبر المتخصّصون في هذا الميدان الانتاج الافريقي وخاصة منه ما صدر عن ورشات مقاطعتي البروقنصلية Proconsularis والمزاق Byzacium (ما يعادل مساحة البلاد التونسية اليوم) من أغنى ما أنتجته المقاطعات الرومانية القديمة وأروعه، إلا أنّ دراسة هذا الفن لم تستقطب اهتمام المؤرخين والمتخصّصين في علم الاثار إلا في العقود الأخيرة. ولعل التئام المؤتمر الأوّل للفسيفساء الاغريقية الرومانية بباريس سنة 1963 هو الذي كان له الفضل في إظهار مقوّمات العمل الفسيفسائي النوعيّة التي لها ارتقى بعد ذلك إلى مستوى فنّ مستقلّ استرعت مظاهره المختلفة اهتمام الباحثين في العالم.<br />
ونستهلّ التعريف بهذا الفنّ وجذوره بالاشارة إلى أنّ تسميته ليست من أصل عربي بل إنّ كلمة فسيفساء فيما يبدو دخلت العربيّة من الأرامية ولكنّ أصلها إغريقيّ مثلما هو الحال بالنسبة إلى كلمة فص Psephos وهي تطلق على القطعة الصغيرة شبه مكعبة الشكل من الرخام أو الحجارة أو الزجاج أو الخزف التي تتألّف منها لوحة [[فن الفسيفساء في تونس|الفسيفساء]]، والراجح أنّ هذه التسمية دخلت اللغة العربية في عهدي الخليفتين عبد الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك اللذين ربما يكونان استقدما في أواخر القرن الأوّل الهجري (أواخر القرن السابع وأوائل القرن الثامن الميلادي) صناعا ماهرين من القسطنطينية لتوشيح قبة الصخرة بالقدس الشريف والجامع الأموي الكبير بدمشق.<br />
والملاحظ أنّه باستثناء الاغريق والروم ثم العرب الذين استعملوا لفظ "فسيفساء" فإن هذا النوع من الزخرف لم يعرف إلا بلفظ موزائيك المأخوذ عن اللاتينية موزيفوم (musivum) في جميع اللغات الأوروبية. على أنّ هذا النمط التوشيحي لم يكن وقفا على العالم المتوسطي والشرقي بل إنّ قبائل الأزتيك بالمكسيك مثلا استعملته زمن حضارتها ما قبل الكولومبية في تزيين الأقنعة.<br />
أمّا فيما يخصّ نشأة [[فن الفسيفساء في تونس|الفسيفساء]] فقد اختلف الباحثون في تحديدها فمنهم من يُرجع هذا الفن إلى حضارة ما بين الرافدين حيث كان السومريون والمصريون يوشّحون جدران قصورهم وأعمدة تيجانها بمخروطات طينية ملونة توضع في أشكال هندسية متنوعة. ومنهم من يرى في الأرضيات المرصعة بجصيات على شكلها الطبيعي المظهر الأوّل لهذا الفن. ولنا أمثلة على ذلك في القصور الاشورية التي تعود إلى القرن التاسع قبل الميلاد وبمدينة غرديون (Gordion) من مقاطعة فريجيا بآسيا الصغرى، وهي ترجع إلى القرن الموالي. وقد انتشر استعمال هذه الطريقة ابتداء من القرن الخامس قبل الميلاد في اليونان ثم في كامل أنحاء العالم الهليني وتطورت لتدرك أوجها في القرنين الرابع والثالث قبل الميلاد وذلك بإنجاز مجموعات أولانت (شمال اليونان) وبيلا (عاصمة مقدونيا) التي أكّدت أنّ هذه الصناعة قد تخطّت مرحلتها الوظيفية البحتة لتنتج أعمالا فنّية، إلا أنّ التحوّل المهمّ الذي جعل هذا النوع من الزخرف يأخذ بعده الحقيقي هو الابتكار الذي أدخل على تقنية إنجازه وهو في تعويض الحصيات الطبيعية بفصوص صغيرة (فص = tessella) منحوتة بإتقان في شكل شبه مكعّب يمكّن من ترتيبها ترتيبا محكما ويجنّب وجود الفجوات بينها وهو ما أكسب الأعمال الفسيفسائية روعة في التنسيق جعلها تنافس الرسم وحمل كثيرا من الباحثين على اعتبار ظهور هذه الطريقة المسماة التيسيلاتوم (tessellatum opus) بداية [[فن الفسيفساء في تونس|الفسيفساء]].<br />
وبعد أن كان الرأي السائد أنّ مدينة مرقنتينا (Morgantina) بصقلية أو الاسكندرية بمصر مصدر هذا النوع في غضون القرن الثالث قبل الميلاد جاءت الاكتشافات الأثرية الحديثة التي أجريت ب[[قرطاج]] وكذلك بكركوان لتغير هذا الافتراض بإثباتها وجود أرضيات من التيسيلاتوم ترجع إلى القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد.<br />
وتبقى صقلية، حسب المعطيات المتوفّرة لدينا الان مهد التيسيلاتوم في التصوير الادمي. على أنّ [[قرطاج]] لم تبتكر هذا النمط الزخرفي فقط بل عرفت في الفترة نفسها نماذج أخرى من البسط المتركبة من قطع خزفية فيقلينوم (figlinum) أو التي عرفت "بالبونية" والتي تمتاز بملاطها السطحي الأحمر المتكوّن من الجير والرمل والقرميد المدقوق والكسور الخزفية والفصوص البلورية وبقايا الصدف، وغيرها. وقد ترسم على هذه الأرضية أشكال هندسية أو رموز الالهة تانيت بوساطة المكعّبات.<br />
ويبدو أنّ هذه الأرضيات هي التي ربّما ذكرت في بعض المصادر القديمة باسم "البسط البونية" وهي سابقة لأنواع تشبهها ظهرت فيما بعد في إيطاليا تحت تسمية سقنينوم (signinum) نسبة إلى مدينة سقنية (Segnae) بإيطاليا. وأعاد الرومان استعمالها عند إعادة بناء [[قرطاج]] في عهد الامبراطور أوغسطوس. ثم إنّ تقنية التيسيلاتوم نفسها تطوّرت كثيرا في العالم الهليني وتفرّع عنها نمط جديد هو الفرمكولاتوم (vermiculatum) الذي يتميّز بحجم فصوصه الصغيرة جدا. وهذا التقدم التقني الجديد أسهم في مزيد تجنّب الفجوات بين العناصر التركيبية كما ساعد على اكتساب المشاهد الفسيفسائية وحدة تصويرية جعلها تنافس في روعتها أجمل أعمال الرسم. وكانت هذه المشاهد تزين لويحات تصنع بالورشة على سند خصوصي ثم تنقل على عين المكان لتنزل وسط البساط الذي تكون أرضيته من التيسيلاتوم.<br />
لذا، فقد أطلق على القطعة المنقولة من هذا الصنف اسم امبليما (emblema) وهي لفظة إغريقية تعني عنصرا يرصّع به آخر. وقد ظهر هذا النوع ب[[إفريقية]] في العهد الروماني، كما أنّها استوردت في الفترة نفسها تقنية أخرى متطوّرة تسمّى سكتيل (sectile) تستعمل في توشيح الأرضيات الفاخرة بالمنازل الفخمة و[[الحمامات]] العمومية وأحيانا بالساحات أيضا، وهي تتجسّد في جمع قطع من الرخام وترتيبها في أشكال هندسية أو نباتية.<br />
إنّ أنواع التكسية التي استعرضناها كانت تستعمل حسب المساحة المزمع توشيحها، فمنها ما يلائم الأماكن المقوسة والمحرابية الشكل أو القبوية كالموزيفون (musivum) ومنها ما يتماشى والمساحات العمودية والمسطحة مثل السكتيل. وتبقى الطرق التي استخدمت في تجميل الأرضيات هي الأكثر تنوعا: من فيقلينوم وتيسيلاتوم وسكتيل وغيرها.<br />
و[[فن الفسيفساء في تونس|الفسيفساء]] الأرضية بمختلف أنماطها وخاصة منها التيسيلاتوم انتشرت ب[[إفريقية]] وعمّ استعمالها في مقاطعة البروقنصلية (Proconsularis) ابتداء من القرن الثاني الميلادي فوشّحت بها المباني العمومية والمنازل بالمدن والأرياف وكُسيت بها القبور فيما بعد حتى إنّ الباحث الأثري أو العامل في حقل الفلاحة أو البناء أو التجهيز لا يكاد يجري سبرا أو يقوم بحفر في ناحية من نواحي البلاد دون أنّ يعثر على بساط جميل أو يقف على أطلاله.<br />
وقد أبرزت الدراسات الحديثة بعض ملامح المدرسة الافريقية للفسيفساء التي تميزت - وهذا باتفاق المتخصّصين - على بقية المدارس الاقليمية الأخرى، بوفرة إنتاجها وخصوبة ابتكاراتها وطرافتها وبجودة عملها التقني، كما مكّنتنا من معرفة الخطوط الكبرى لتطوّر فنّ [[فن الفسيفساء في تونس|الفسيفساء]] ببلادنا، هذا الفنّ الجميل الذي استمرّ استخدامه أربعة عشر قرنا. فبعد الفترة القرطاجية التي عرفت فيها "البسط البونية" رواجا منقطع النظير، نجد صداه في بعض النصوص الرومانية تلت حقبة فراغ وركود في جميع الميادين إثر الحرب البونية الثالثة تواصلت إلى أن أعيد بناء [[قرطاج]] في أيام حكم الامبراطور أوغسطوس، ثمّ استرجعت مقاطعة [[إفريقية]] ازدهارها الاقتصادي شيئا فشيئا في القرن الأوّل والنصف الأوّل من القرن الثاني الميلادي فنشطت بذلك الحركة المعمارية وظهرت مصانع [[فن الفسيفساء في تونس|الفسيفساء]] بعدة مدن كقرطاج و[[أوتيكا]] وأكولا (قرب [[صفاقس]]) و[[الجم]] وغيرها.<br />
وقد تميّز إنتاج هذه الفترة بالتأثير الايطالي الذي نتبينه من نوعية التركيبات الهندسية وكيفية خطها بمكعبات سوداء داخل أرضية بيضاء والذي تزامن انتشاره مع دخول عناصر شرقية تلوح في طرق موضوعات ميثولوجية كالتي ترتبط بديونيزوس إله الخمر عند الاغريق أو تصوير الحياة اليومية على ضفاف النيل أو مشاهد الطبيعة الميتة قسينيا (xenia). <br />
ثمّ تخلّص الفنانون الأفارقة في الحقبة الموالية التي تبدأ في النصف الثاني من القرن الثاني الميلادي من هذا التأثير البسيط لكن الأنيق رغم أنه خُطّ باللونين الأبيض والأسود فقط وكوّنوا مدرستهم التي سرعان ما تميزت بعدة خاصيات، منها تعدد الألوان وإغناء "سجلّ النماذج" بابتكار تركيبات هندسية وخاصة بتطوير الأسلوب الزخرفي النباتي الذي أبدعت فيه المدرسة الافريقية فقلدتها نظيراتها بالمقاطعات الأخرى.<br />
أمّا الرسوم التمثيلية فإنها لم تكن وفيرة الانتاج في هذه الفترة باستثناء ما صنع بمدن مقاطعة المزاق (وسط البلاد وجنوبها) حيث تجذرت التقاليد الفنية الهلينية الشرقية بتزدروس ([[الجم]]) وأكولا وطينا... وقد مكّنتنا الاكتشافات الحديثة من التعرف إلى خاصيات منطقة داخلية لهذه المقاطعة تتحدّد حول كبصا القديمة ([[قفصة]]).<br />
ولمّا زعزعت الاضطرابات الامبراطورية الرومانية في النصف الثاني من القرن الثالث تدهور الاقتصاد فحدّ من الأشغال المعمارية وتسبب في تقلّص صناعة [[فن الفسيفساء في تونس|الفسيفساء]]، إلا أنّ هذه الاضطرابات كانت أخفّ وطأة على مقاطعة [[إفريقية]]. لذا فإن المعامل لم تلبث أن استعادت نشاطها ودعّمته بتعدّد الورشات المتنقّلة حتى بلغ الانتاج ذروته في القرن الرابع وتواصل أيضا في العصر الوندالي محافظا على أسلوبه فازدانت المعالم العمومية والمنازل الضخمة في كلّ مكان بلوحات فسيفسائية تعكس بذخ طبقة البرجوازية "البلدية" التي كانت تسيطر على مختلف أوجه الحياة سياسيا واقتصاديا وثقافيا وحتى ترفيهيا. وقد أبدع الفنانون الأفارقة في تصوير مظاهر الواقع اليومي لأسلافنا. فهذا السيد جليوس في ضيعته ب[[قرطاج]]، وهذا قصر فخم ب[[طبرقة]] أنشئ وسط حديقة، وهذه إحدى النبيلات، عاشت بموقع سيدي غريب، نراها تتجمّل بعد أنّ استحمّت وارتدت ثيابها الفاخرة على حين خرج زوجها إلى الصيد مصحوبا برفيقين، وهذه المراحل المختلفة لعملية القنص تُقدّم إلينا في أسلوب روائي حي، وهذه بطولات رياضية، خطرة أحيانا وطريفة أحيانا أخرى، وهذه لوحات تهتمّ بعالم البحر وأخرى تجسّم الشواغل الثقافية والروحية...وقد تميّزت هذه الفترة بصنوف من الابداع في مجال التركيبات الهندسية والنباتية روجتها مصانع [[قرطاج]] و[[بلاريجيا]] ومكنين وبوبوت ([[الحمامات]]) وتبربومايوس (قرب الفحص) وغيرها.<br />
وقد مكّن هذا الانتاج المتميز كمّا وكيفا بفضل جودته الفنية وطرافة أسلوبه ورونقه الأفارقة من الاشعاع خارج منطقتهم في اتجاه صقلية حيث كانوا على الأرجح قد أنجزوا فيما أنجزوا مجموعة بيازا أرمارينا (Armerina Piazza) الضخمة (3500م²) وفي اتجاه سردينيا وكذلك جنوب إسبانيا وبلاد الغال وربّما نحو روما نفسها. ونذكر سقف كنيسة القديسة قسطانزة (Costenza Santa) الذي يشبه إلى حد بعيد بساطا رائعا كان يوشّح صحن منزل قرطاجي يصوّر نثير أغصان وزهور بعثرت على الأرض وانتشرت بينها طيور ودواب.<br />
إلى جانب كل هذه الوثائق التي تتنزّل في إطار المنهج التصويري الافريقي التقليدي والتي كانت تستجيب لذوق الطبقة الحاكمة المتشبّثة بقيم الثقافة الكلاسيكية ورموزها ذات الطابع الوثني، ظهر فنّ مسيحيّ يغلب عليه تيار شعبي يتجسّد خاصة في صنع بلاطات فسيفسائية لتغطية الأضرحة أو كسو التوابيت ب[[فن الفسيفساء في تونس|الفسيفساء]].<br />
ولئن بدأ الوثنيون استعمال هذه التقنية (مجموعة طينا) فإنّ تداولها وانتشارها قد تحقّق فيما بين القرنين الرابع والسادس ميلاديا، والأدلّة على ذلك كثيرة ب[[قرطاج]] وبالوطن القبلي ([[الحمامات]] وقليبية) وبالشمال ([[أوتيكا]]، الفوار، [[طبرقة]]) وبالساحل (النفيضة، هرقلة، [[سوسة]]، لمطة) وبالوسط ([[مكثر]]، تالة، [[حيدرة]]، سبيطلة) وبالجنوب (السخيرة، [[صفاقس]]). وهذا النمط الشعبي من خاصيات المدرسة الافريقية وبدرجة أقلّ جنوب إسبانيا ثمّ الساحل الأدرياتيّ.<br />
أمّا زخرفة اللوحات هذه فتتجسّد أساسا في رموز مسيحية وفردوسية مصحوبة أحيانا بصورة الميت ونصّ جنائزي.وبحلول الروم محلّ الوندال دخلت المنطقة مرحلة جديدة من الازدهار والنشاط المعماري أعطت دفعا لصنع [[فن الفسيفساء في تونس|الفسيفساء]] فاستوحى الفنانون محاور رسومهم من "سجلّ النماذج" الافريقية التقليدية التي أقرّتها الكنيسة كالفصول الأربعة والقنص وأرفيوس أو من التوراة كقصة دانيال ويونس. فأنتجوا روائع نذكر من بينها معمدانية كنيسة الأسقف فيليكس بقليبية ومعمدانية البقالطة المكتشفة سنة 1993 أو اللوحة المعروفة باسم "سيدة [[قرطاج]]" وهي صورة رمزية لها وجه وتسريحة امرأة على حين أنّ لباسها لباس رجل، نضيف إليها لوحات من [[قرطاج]] وقليبية رسمت عليها مشاهد صيد رائعة.<br />
وقد رجّحت الدراسات الحديثة المبنيّة على مقارنات أجريت بين تركيبات هندسية أو نباتية توجد بكثرة في [[إفريقية]] وشبيهاتها بصقلية أو الساحل الأدرياتيّ الغربي أو حتى في الشرق ظهور النماذج الافريقية قبل غيرها ومن ثمّة إشعاع الأسلوب الافريقي على هذه المناطق في تلك الفترة أيضا.<br />
وتقلّص بعد ذلك تطور [[فن الفسيفساء في تونس|الفسيفساء]] الأرضية شيئا فشيئا ليترك المجال للفسيفساء الجدارية التي ازدهرت خارج [[إفريقية]] برافينا (إيطاليا) وسالونيكا (اليونان) والقسطنطينية والشرق، إلا أنّ هذا الفنّ لم ينقطع في أواخر العهد البيزنطي وأوائل العهد الاسلامي في بلادنا بل تواصل حسب البحث الذي أجريناه أخيرا في هذا الصدد انطلاقا ممّا لدينا الان من وثائق.<br />
فهناك لوحتان اكتشفتا في جهة [[باجة]] تمثّل إحداهما تعليم السانتورس شيرون (Chiron Centaurus) فنّ القنص للبطل آخيل (Achilles) في حين تخلّد الأخرى حسب ظنّنا (هناك ثغرة تخلّلت [[فن الفسيفساء في تونس|الفسيفساء]]) أحد النبلاء يحضر مشهد صيد وقد أقبل عليه ثلاثة من خدمه يحملون إليه الشراب في الجرار والمراوح للتهوئة. وباستعراض المعطيات الأثرية والخصائص التقنية والفنية للأثرين رجّحنا أن تكون صنعت في ورشة واحدة بما أنّها لا تتلاءم مع نمط القرن الخامس الميلادي كما أرخت من قبل فاقترحنا إرجاعها إلى بداية الفترة الاسلامية. وهناك أيضا بساط متأتّ من منطقة أولاد حفّوز (على بعد 90 كلم غربي [[صفاقس]]) وإن كان محوره مستوحى من عالم الوثنية فإنّ طريقة رسومه الادمية تشبه أسلوب الفنّ الشرقي في العهد الأموي وكذلك شأن الأسلوب الذي صورت به أشخاص وحيوانات فسيفساء عرائس البحر التي اكتشفت أخيرا بموقع هنشير الواعرة بمنطقة سيدي علي بن عون. ونضيف إلى هذه المجموعة لوحة أخرى وجدت بمنزل قديم اكتشفت بالمكان المعروف ببئر النحال بقليبية ازدانت بتراكيب هندسية تذكرنا بزخارف البساط الفخم (60م² تقريبا) الذي كان يوشح أرض قاعة الاستقبال بقصر القائم بأمر الله الفاطمي ب[[المهدية]] الذي يعود انشاؤه إلى القرن الرابع الهجري والعاشر الميلادي.<br />
والملاحظ هنا أنّ عناصر هذه التخطيطات الزخرفية وإن خضعت لمتطلبات حتمية التجديد واختلاف أذواق الحرفاء وتطوّر الأسلوب عبر العصور فإنّها بقيت محافظة على طابعها الافريقي وأصالتها في مختلف الفنون والصناعات من خزف ورسم ونحت (على الرخام والخشب والجص) أو حفر على الجلد، إلخ... على أنّ ندرة استعمال [[فن الفسيفساء في تونس|الفسيفساء]] منذ أواخر القرن السابع الميلادي يمكن أن يعزى إلى الاضطرابات وانعدام الأمن التي عرفتها المنطقة أيام الغزوات الاسلامية المتلاحقة وقبل استقرار الحكم الاسلامي بتنظيم ولاية [[إفريقية]] في بداية القرن الثامن، وقد تكون هذه الظروف الصعبة دفعت بالفنانين إلى مغادرة [[إفريقية]] نحو صقلية أو شمال إيطاليا أو الشرق حيث ازدهرت [[فن الفسيفساء في تونس|الفسيفساء]] الجدارية.<br />
لكنّ اختفاء هذا النمط الزخرفي عُوّض تدريجيّا بطرق توشيحية جديدة نذكر منها الجليز الذي انتشر في [[إفريقية]] بتقنيات مختلفة منذ القرن الحادي عشر الميلادي حيث نجده بالأندلس ثمّ بالمغرب ثم ب[[جامع الزيتونة]] ثمّ بقلعة بني حماد بالجزائر كما نجده بالمسجد الاشبيلي بسوق البلاط في [[تونس|مدينة تونس]].<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:الفسيفساء]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%82%D8%B5%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AC%D9%85%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%87%D8%B1%D8%A7%D8%A1_%D9%84%D9%84%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%8A%D9%82%D9%89_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9_%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D9%88%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D8%A9&diff=4629قصر النجمة الزهراء للموسيقى العربية والمتوسطية2016-12-29T13:22:20Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>يعتبر قصر النجمة الزهراء أو كما يصطلح على تسميته سابقا قصر البارون ديرلنجي من أبرز المعالم التي اجتمعت فيها مظاهر تأثير ونزعات فنيّة ومعمارية مختلفة، خاصة منها التأثيرات الأندلسية والمغربية والتركية والايطالية والمشرقية، إضافة إلى كونها في جوانب مختلفة منها امتدادا للعمارة التونسية في أصالتها وانفتاحها.<br />
يُوجد قصر النجمة الزهراء بضاحية سيدي [[أبو سعيد الباجي|أبي سعيد الباجي]] وهي المسمّاة سابقا بربوة المنار.<br />
وقد كان البارون ديرلنجي يتردّد على البلاد التونسية منذ سنة 1902 فاشتدّ إعجابه بضاحية سيدي بوسعيد التي لاءمت حالته الصحية فاقتنى هناك دارا سنة 1909, وهي التي تعرف حاليا بالبلفدير، وكانت هذه الدار تحتوي آنذاك على طابق سفلي فقط. ونظرا إلى شدّة إعجاب البارون ديرلنجي بتلك الربوة المطلّة على البحر ونتيجة لتأثّره بنمط العمارة التقليدية العربية قرّر بناء قصر حذو داره.<br />
وابتدأت الأشغال سنة 1911 لتتواصل عشر سنوات كانت ضرورية لاقامة تلك البناية البديعة التي صمّم مثالها الهندسي البارون نفسه. وإضافة إلى العمّال والحرفيين التونسيين نقش على الجصّ متخصّصون من المغرب وقام عملة فرنسيون وإيطاليون بأعمال أجهزة التدفئة والاضاءة وتجهيز بيوت الاستحمام.ويبدو أنّ المثال الذي وضعه البارون لهذا القصر مستمدّ من تيّارات فنيّة ومعمارية مختلفة استطاع ضمّها في نموذج موحّد.ويكون دخول هذا القصر عبر بوّابات ثلاث رئيسة.<br />
<br />
* بوّابة في الجهة الغربية;<br />
* المدخل الرئيس الذي يوجد في الناحية الشرقية;<br />
* مدخل كان سابقا يستعمل بكثرة فتح انطلاقا من غرفة كانت توجد على يسار الداخل بالسقيفة الثانية في المنزل الأوّل "البلفدير".<br />
<br />
ويحتوي هذا القصر على طابقين، سفلي وعلوي، كما يحتوي على غرفة كبيرة مذهّبة، وغرفة شرقية تسمّى الغرفة الزرقاء وصحن مستطيل الشكل وغرفتين صغيرتين واحدة زرقاء وأخرى مذهّبة وحمام تقليدي وصحن ثالث مربّع الشكل وغرفة مكتبة وغرفة شرقية وصحن مربّع الشكل في الطابق الأسفل.<br />
وفي القسم الأعلى الفاصل بين الصحنين المربّع والمستطيل توجد نقيشة جصيّة بتوقيع محمد البناني، وهو نفسه الذي وقّع على نقيشة أخرى تعلو الباب المؤدّي إلى السقيفة الخارجية بها شعر مطلعه (كامل) :<br />
<poem><br />
قصر مشيد واسع الأركان<br />
جمع المحاسن والمنى بأمان<br />
</poem><br />
أمّا أبرز الغرف فالغرفة المخصّصة للموسيقى، وهي تفتح على الصحن في جداره الشمالي ولها تصميم يشابه تصميم الغرف الموجودة ببعض دور وقصور [[تونس|مدينة تونس]]، ولها من الطول 14م. وقد كسي كامل جدران الغرفة (إلى مستوى 3 / 4 من ارتفاعها) بلوحات رخامية بيضاء اللون، ويفصل الواحدة عن الأخرى شريط رخامي أسود اللون على حين زُخرف القسم الأعلى للجدران بنقوش جصيّة يفصلها عن الرخام الأبيض شريط آخر رخامي يميل لونه إلى الاحمرار. وهي تختلف في نماذج زخارفها عن بقية النقوش الموجودة بالقصر، وقد حلّيت بعض الأقسام الغائرة منها.<br />
وبعد أن حوّل هذا القصر مجدّدا إلى مركز للموسيقى العربية والمتوسطية سنة 1991, أنشئ به متحف ومعرض خاص بالالات الموسيقية القديمة وعلى الأخصّ الشرقية منها، كما يحتوي هذا المتحف معدّات وآلات وتحفا وزرابي ونقائش وسروجا تعود إلى أزمنة مختلفة من تاريخ الحضارة العربية الاسلامية.<br />
ومن الاحداثات المهمّة الأخرى التي أنشئت بقصر النجمة الزهراء للموسيقى العربية والمتوسطية:<br />
<br />
* الخزينة الوطنية للتسجيلات الصوتية، ومهمّتها الجمع والمعالجة الوثائقية مع نقل الأرصدة الخارجية والتبادل ثمّ الحفظ والترميم ثمّ الاصدارات.<br />
* المكتبة<br />
* قسم الدراسات والبحوث<br />
* قسم التنشيط والبرمجة<br />
* ورشة صنع الالات الموسيقية<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:المعالم]]<br />
[[تصنيف:القصور]]<br />
[[تصنيف:الموسيقى]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D8%B3%D9%84%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A7%D8%AF%D9%88%D9%8A&diff=4621سليمان الجادوي2016-12-29T13:10:42Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>[1871 - 1951م]<br />
<br />
ينحدر [[سليمان]] بن قاسم الجادوي من أسرة بربرية الأصل، تنسب إلى بلدة جادو التي تقع وسط جبل نفوسة بالقطر الليبي. ولقد عظم شأن هذه البلدة في بدء [[الفتح الاسلامي]]، خاصّة في عهد دولة بني [[رستم]] بتاهرت، حتّى قيل إنّه اجتمع بها نحو أربعمائة عالم في عصر واحد.<br />
ومن العلماء البارزين الذين اشتهروا بالعلم وسعة الاطّلاع، والحزم والصّلاح في تلك البلدة، أحد أجداد [[سليمان]] الجادوي، وهو الشيخ سعيد بن عبد اللّه الجادوي الذي رحل إلى مصر، وقضّى بها نحو ثلاثين سنة في طلب العلم، وتلقّى الدّروس على كبار علمائها وفقهائها.<br />
ولمّا رجع إلى تونس بعد ذلك، اختار الاقامة والاستقرار بجزيرة [[جربة]]، وانتصب للتّدريس بها، فالتفّ حوله عدد كثير من طلاّب العلم، منهم أبناؤه الذين واصلوا هم وأحفادهم بثّ العلم في صدور الرّجال.<br />
في هذا الوسط العلمي والثّقافي، ولد [[سليمان]] الجادوي بأجيم بجزيرة [[جربة]] في عام 1871م.<br />
وبعد إتقانه لمبادئ العلوم، قدم إلى العاصمة (تونس)، والتحق بجامع الزّيتونة، وتتلمذ لشيوخ أعلام، منهم: عثمان بن المكّي، وإسماعيل الصّفايحي، و[[محمد بن يوسف|محمّد بن يوسف]]، و[[أحمد بيرم]]، و[[مصطفى رضوان]]، وغيرهم...<br />
ولكن لم تدم المدّة التي قضاها [[سليمان]] الجادوي في الدراسة بالجامع الأعظم أكثر من ثلاث سنوات، إذ ارتحل بعدها إلى مدينة يفرن بجبل نفّوسة بليبيا لمتابعة الدروس هناك، وخاصّة للتفقّه في المذهب الاباضي، وقد لازم بالخصوص دروس الشيخ عبد اللّه الباروني الذي كان من ألمع مدرّسي هذا المذهب في المدرسة البارونيّة.<br />
وظهرت على الجادوي في تلك المدّة علامات التّفوّق والنّبوغ، وهو ما جعله محلّ تشجيع وتقدير. ولمّا رجع إلى تونس، بعد أن ملأ وطابه بثقافة عربيّة إسلاميّة واسعة، احترف التّجارة، وفتح له دكّانا بالعاصمة.<br />
وإثر هذه المرحلة من حياة [[سليمان]] الجادوي، تحرّكت في نفسه نوازع الوطنيّة الصّادقة، ففكّر في القيام بما يمليه عليه الواجب من تخليص الوطن ممّا يرزح فيه من المصائب والويلات، وتوعية الشّعب ليستفيق من سباته العميق، ودفعه إلى العمل الايجابي، وإظهار استنكاره لما يسلّط عليه من ظلم وقهر. فأنشأ جريدة "المرشد" لارشاد المواطنين التّونسيّين إلى ما ينبغي القيام به من التصدّي للمستعمرين الذين يدوسون كرامتهم، ويعتدون على حقوقهم، ممّا لا يتحمّله من كان له ضمير حيّ، وإيمان صادق.<br />
وإضافة إلى ذلك اهتمّ الجادوي في هذه الجريدة بالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر في أسلوب صحفي مبسّط، لا لبس فيه ولا تعقيد، وهو في متناول فهم الخاصّة والعامّة.<br />
وفي جريدة "المرشد" كتب [[سليمان]] الجادوي مقالات وطنيّة ملتهبة، سبّبت له كثيرا من الأتعاب والمعاناة، من غرامات وخطايا وسجن، علاوة على أنّ الادارة الفرنسيّة كانت تدعوه إلى مراكز الشّرطة في كلّ أسبوع تقريبا، لانذاره وتتوعّدُهُ بالويل والثّبور إن هو تمادى في مهاجمتها وفضح سلوكها، وكان في كلّ مرّة يسخر من هذا التّهديد، ولا يقيم وزنا لا للوعد ولا للوعيد.<br />
وقد صدر أوّل عدد من جريدة "المرشد" في 23 نوفمبر 1906, وحوكم صاحبها في شهر مارس 1907 بتهمة الثّلب، وعادت للصّدور في شهر جويلية 1907, ثم تمّ إيقافها من جديد بقرار إداري مؤرّخ في 13 ديسمبر 1908. <br />
ثم أصدر الجادوي جريدة ثانية هي "أبو نواس" وهي جريدة أسبوعيّة فكاهية سياسيّة واجتماعيّة، تصدر كلّ يوم جمعة باللّغة العربية والدّارجة، صدر العدد الأوّل منها يوم الثلاثاء 17 أوت 1909, وتوقّفت عن الصدور في 22 أفريل 1910. <br />
ثم أصدر جريدة ثالثة هي "مرشد الأمّة"، وهي جريدة علميّة سياسيّة تخدم الملّة والوطن، وقد صدر العدد الأوّل منها في سنة 1909, وآخر عدد في 10 ديسمبر 1950. <br />
ومجموع الأعداد التي صدرت من هذه الجريدة 243 عددًا، وكانت في بداية صدورها أسبوعيّة، ثم أصبحت نصف شهريّة، ومنذ سنة 1920 أصبحت من جديد أسبوعيّة.<br />
وتعطّلت بقرار مؤرّخ في 8 نوفمبر 1911 إثر حوادث الزّلاّج، ثم عادت للظّهور في سنة 1920, وتعطّلت مرّة أخرى إثر صدور العدد 121 بتاريخ 29 نوفمبر 1925 بقرار صادر في 5 ديسمبر 1925, ولم يُرفع قرار التّعطيل إلاّ في 3 جويلية 1936, فصدرت من العدد 122 إلى العدد 232، وتعطّلت مرّة أخرى، ثم عادت للصّدور في شهر سبتمبر 1948، وهو العدد 233، وتوقّفت بعد صدور العدد 243 في 10 ديسمبر 1950. <br />
والمتتبّع لمسيرة الشيخ [[سليمان]] الجادوي الاصلاحيّة والصّحفيّة والوطنية يستنتج منها ما كان لهذه الشخصية المتميّزة من مقدرة فائقة، وشجاعة نادرة، وذكاء وقّاد. وقد استطاع بفضل ذلك أن يساهم في خدمة القضيّة الوطنيّة بفكره وقلمه وماله، معتمدا على إمكاناته الخاصّة، دون أن يتلقّى إعانة من أيّ كان.<br />
أمّا روحه الوطنيّة الصّادقة، فقد أهّلته لأن ينتخب عضوا في اللّجنة التّنفيذية عند تأسيس الحزب الحرّ الدّستوري التونسي سنة 1920, وكان في مقدّمة وفد الأربعين إلى الملك محمّد النّاصر باي لطلب إعلان الدّستور.وقد بذل إلى جانب ذلك في سبيل القضايا الوطنيّة والاسلاميّة جهودا سيسجّلها له التّاريخ.<br />
انتخب مجموعة كبيرة من المقالات المهمّة التي نشرت في جريدة "مرشد الأمّة" وأصدرها في كتاب ضخم يشتمل على 784 صفحة بعنوان: "الفوائد الجمّة في منتخبات مرشد الأمّة" نشره على نفقته الخاصّة.وتوفّي في ليلة الاثنين 19 نوفمبر 1951, في بيته بحمّام الأنف.<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:الثقافة]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D8%B9%D9%84%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D8%B9%D8%A7%D8%AC%D9%8A&diff=4615علي الدوعاجي2016-12-29T13:03:39Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>[1909 - 1949م]<br />
<br />
هو علي بن صالح الدوعاجي، أديب تونسيّ جمع بين الفنّ والأدب والصحافة والشعر والزجل والمسرح والموسيقى.ولد بحاضرة تونس في 4 جانفي 1909. وهو من أصول تركية. ولقبه دالّ عليه وعلامته (جي) التي تلحق عند الأتراك بمهنة الشخص التي يمتهنها.تربّى [[علي الدوعاجي]] بين أحضان أمّه نزهة بنت شقشوق (تونسية من جزيرة [[قرقنة]]) ذات الأصول الثريّة تربية مدلّلة. وأحاطته برعاية مفرطة لأنّه الوحيد الذي بقي لها من البنين، ولأن والده تركه يتيما وهو في سنّ الثالثة أو الخامسة حسب الروايات.ولم يطل التحاقه بالتعليم الزيتوني وتردّده على المدارس العرفانية إذ سرعان ما ألحقته أمّه بالتجارة. فعمل صانعا لمدة سنة في متجر بن عوالي ثم معاونا في متجر باجي المبزع. ولكنه وانقطع عن عمله بسبب إقباله على مخدر الكوكايين. ولزم بيته يكتب الأزجال والقصص والتمثيليات ويرسم ما طاب له من رسوم ساخرة. ويجمع الباحثون في سيرته والمدوّنون لأطراف منها على أنّ أمّه بحنانها الفيّاض قد ولدت فيه الصدمة تلو الصدمة لأنهّا منعته خوفا عليه من ممارسة حقّه في العمل سواء في متجر كان يفكّر في بعثه أو في فلاحة كان يبتغي من ورائها رعاية أملاكهم. ولعلّ بعض هذه الخيبات عمّقت في نفسه الشعور بالصغار والشعور بعدم القدرة على تحمّل المسؤولية. فكانت جولته بين حانات المتوسّط محاولة منه للخلاص من ربقة الأم. لكن كل ذلك لم يزده إلاّ إحباطا وإفلاسا معنويا وماديا.فزاد إقباله على المخدرات يطلبها حتى أصيب بالسلّ ومات في [[مستشفى الرابطة]] بالمدينة يوم 27 ماي 1949 ميتة المشرّدين وشيّعه مشيّعون لم يتعدّ عددهم أربعة عشر شخصا كان من منهم [[زين العابدين السنوسي]] و[[الهادي العبيدي]] و[[محمد بن فضيلة]].<br />
<br />
==التعليم والثقافة==<br />
<br />
لئن كانت "مقاعد الدرس لم تقطّع سراويله" إذا استعرنا عبارة صديقه [[محمد العريبي]]، فإنّ ثقافة الكتب والدوريات التي كان يقبل على النهل منها بعد أن تطيب سهراته وثقافة الحياة بهزلها وجدها التي كان يعبّ منها، ليلا نهارا كانتا لديه المعين الذي لا ينضب، يستقي منه ما طاب له من موضوعات وأساليب ورؤى هي جوهر ما به يكتب في صنوف الأدب والفن. وقد تناول دارسو سيرته بالرصد والتحليل جوانب من ثقافته وسلوكه وشخصيته. والمحصّل من كلّ هذا ميله إلى السلوك البوهيمي ونزعته إلى قراءة الأدب الخفيف الساخر الذي لا يخلو من ظرف ومجون في المجلات على وجه الخصوص،. كما يسجّل له إقباله على الأدب العربي والعالمي وإتقانه للاقتباس والترجمة.<br />
<br />
== الشخصية والسلوك والرؤية للحياة==<br />
<br />
[[علي الدوعاجي]] مزيج عجيب من كلّ شئ، عصاميّ وبوهيمي يعاقر الكتاب والخمر والحشيش والنساء مثلما يدمن على مجالس الفن والأدب والتمثيل والموسيقى والغناء.<br />
والكلّ في عرفه تسلية وسخرية ومعرفة وإمتاع والكلّ مادّة للكتابة والتأمل والضحك المرّ، ينهل من معينها، ويشتقّ من رحيقها مرّ الكلام وعذبه ولاذع القصّ وأطرفه وهجين الكلام وأفصحه.فهو حرّ كطيف النسيم وساخر بالريشة والفرشاة والقلم وصادح بمواقف لا تلين مادام يعاشر أساطين الأدب التونسي وروّاد فكر النهضة والتجديد.لذا لم يكن إلاّ واحدا من ثلاثة هو والشابي والحدّاد. ولم تكن زمرة جلاّسه لتتّسع أو تضيق إلاّ بحسب المقاهي التي كان يقبل على الجلوس فيها أو حسب أحواله النفسية والماديّة وإن اتّسعت الدائرة فلتشمل طائفة من المبدعين والكتاب كلّ في مجاله يحلّي هذه المجالس بالطرفة النبيهة والفكرة اللامعة وما تجود به الذاكرة من تالد التراث أو طارف القراءة والابداع في ثقافات الأمم.<br />
لقد أقبل [[علي الدوعاجي]] على الحياة بملاذها إقباله على القراءة والكتابة بأنواعها والفن بصنوفه.ولم يحفل برعاية صحّته ولا بالبحث عن الأمان والاستقرار تحت سقف أسرة وزوجة بل كان ينام النهار ويسهر الليل بأكمله ثلثاه للمتع والأصحاب وما تبقى للقرطاس والقلم. وكان الدوعاجي متقلّب المزاج سوداويّ الطباع يغلب عليه التشاؤم والشعور الممضّ بالغربة حينا ويقبل على الاخرين بالنكتة ويبشّ في وجوههم ويهشّ إقبال المتفائل بالحياة. ويملأ مجالس خلاّصه بالسرور والحبور أحيانا. ولم تكن حياته على وتيرة واحدة من الرضى والقبول. وإنّما اهتزّ كيانه لمّا بدا يفقد ما ورث من أرض ومال وهو الغنيّ بثروة أهله لا بأعماله.فساءت صحّته واكتسح حياته الفقر والعوز. وتسلّل إليه اليأس والقنوط. وزاده خبر موت صديقه الأعزّ [[محمد العريبي]] بؤسا على بؤس.<br />
أخذ [[علي الدوعاجي]] يتردّد على مقاه ب[[تونس|مدينة تونس]] منها "المرابط" و"القصبة" و"البانكة العريانة" ومقهى "الحاج علي" بربض باب سويقة الشعبي حذو السّور. وهناك كان يحضر مجالس أدبيّة يشارك في مناقشة نخبة من مبدعي العصر من فنّانين وصحافيين ورجال مسرح وشعراء منهم [[أبو القاسم الشابي]] و[[مصطفى خريف|مصطفى خريّف]] و[[عبد الرزاق كرباكة]] الشعراء، و[[الطاهر الحداد|الطاهر الحدّاد]] المصلح الاجتماعي وعلي الجندوبي (1909 - 1966) و[[الهادي العبيدي]] (1911 - 1966) الصحفيان، و[[عبد العزيز العروي]] رجل الاعلام والمسرحي و[[محمد العريبي]] الأديب والصحفي المذيع و[[محمود بيرم التونسي]] الصحفي والشاعر والزجّال و[[زين العابدين السنوسي]] (1901 - 1965) الأديب صاحب مطبعة العرب ومؤسّس مجلة "العالم الأدبي". وقد نعت هؤلاء وغيرهم ب[[جماعة تحت السور]]<br />
<br />
== لمحة عن أدبه ==<br />
<br />
لا يختلف اثنان في القول بنزوع أدب [[علي الدوعاجي]] ومسرحه إلى الواقعيّة على وجه الخصوص وبتنوّع مرجعياته الثقافية، وبخصوصية أساليب معاملته للأدب والفن.<br />
ف[[علي الدوعاجي]] في هذا السياق هو بامتياز "فنان الغلبة" وفنان السخرية، جمع بين فنون القول قصّا ومسرحا وشعرا وأزجالا وصحافة،وبرع في الترجمة، وفصّح العامّي وأنزل الفصيح من برجه العاجيّ، مثلما جمع بين الاداب غربيها وشرقيها، قديمها وحديثها. وصهر كل ّ ذلك صهرا وأذاب هذا الرحيق بشخصيّته الطريفة الظريفة ذوبانا حتى لكأنّه، وهو ابن عصره وزمانه الكوسموبوليتي، قد فاض على زمنه المحلّي فبشّر بالحداثة وأثار قضايا الفقر والحبّ والمرأة والزجل. وتندّر بشخصياته بريشة الفنان الساخر وتعاطف مع الهامشيين والمهمشين تعاطف الكاتب الملتاع بغربة الذات والزمن وبحرمان الفنان من تعاطي الحياة.ولم يكن ليتاح له ذلك كلّه إلاّ باشتغاله بفن القصّ الذي برع فيه عرضا ووصفا، تصريحا وتلميحا، وذروة مكثّفة وقفلة تنمّ عن جودة الصانع في صناعته دون تصنّع، في لغة جزلة صافية الجوهر تنبع من معين اللغة اليومي وترقى به إلى مصافّ الأدب الانساني المسكون بالأوجاع، الصائد لxمال تخييلا والأوهام واقعا مرّا تعيشه فئات الشعب المقيد بسلاسل الفقر والجهل والاستعمار.<br />
<br />
إنّ مدارات الكتابة والابداع عنده متنوّعة يمكن تبيّنها في الوجوه الأساسية التالية:<br />
<br />
=== [[علي الدوعاجي]] قصّاصا===<br />
<br />
يجمع مؤرخو الأدب ونقّاده على أنّ [[علي الدوعاجي]]، على حدّ قول توفيق بكّار، هو "أبو القصة التونسية بلا منازع". وتعتبر مجموعته القصصية سهرت منه الليالي التي جمع مادتها عزالدين المدني من النصوص المؤسسة لفن الكتابة القصصية بالمعنى الدقيق للمصطلح. ولا يختلف اثنان في طرافة الموضوعات القصصية التي طرق وفي جزالة الأسلوب الفني الذي اختار، وفي فنيات القصّ التي بها عالج هذه الموضوعات الاجتماعية والنفسية. ويجمع دارسو فنّه القصصي على ريادة الدوعاجي في هذا الصنف من الكتابة سواء من جهة الموضوعات المطروقة التي كسر فيها حواجز الأخلاق السائدة والعادات البائدة القائمة على الميز بين الفقير والغنيّ وبين المرأة والرجل أو من جهة تقنيات الكتابة القصصيّة التي برع فيها براعة مخصوصة في عرض الوقائع ووصف الشخصيات وصفا دقيقا بتركيز الاهتمام الذكيّ على التفاصيل الموحية والحركات الدالّة والسمات المفيدة في هيئة من التكثيف وأسلوب من التوليد والتشخيص حينا والترميز الشفيف أحيانا، ترفده في كلّ هذا ثقافة متنوّعة صنعها بالكدّ والجهد ومداومته على تعلّم اللغة الفرنسية التي تعرّف بواسطتها إلى الاداب الأجنبيّة. فكان لبودلير وجاك لندن وشتاينبك وارنست همنقواي النصيب الأوفر في مكوّنات هذه الثقافة. وبمقتضى ذلك كانت له القدرة على الترجمة والاقتباس في مجالي القصّة والمسرح. وبحكم انغماسه في التعرف إلى ثقافة الاخر وآدابه ازداد حذقه لأساليب الكتابة وفنياتها. وانعكس ذلك في موقفه من الأدب العربي السائد وفي منجزه الابداعي حتى دوّخ النقاد في "راعي النجوم" وحيرهم في تجنيس النصّ :فمن قائل إنها قصّة بناء على نشرها في "المباحث" تحت هذا الاسم. ومن قائل إنّها مسرحيّة ومن الدارسين من سمّاها خطابا حواريا أو خطابا قصصيا أو قطعة. وما هذا الاختلاف إلا دليل على براعة الدوعاجي في استخدام الحوار قائما بذاته كما هو الشأن في "راعي النجوم" وفي مسرحه التمثيلي أو مدمجا بالسرد والوصف كما في سائر أقاصيصه.ولكتاباته خصائص جمالية أخرى يعسر حصرها في هذا المقام التعريفي العام أبرزها قدرته على صناعة الحدث المدهش من البسيط وتركيب العقدة وبناء القفلة أسوة بأساطين كتّاب الأقصوصة وعلى رأسهم جوركي وتورجنيف وموباسان. وعموما فقد أجاد إنتاج شخصيات متنوّعة من شرائح اجتماعية وعمرية مختلفة. ورسمها على الورق رسما واقعيا. فأبان عن خيرها وشرّها وحبّها وحقدها واستقامتها وشذوذها. وشرح لنا صدرها وما يدور في خلدها. وكشف عن أحوالها المتناقضة بين الظاهر والباطن والأقوال والأفعال بحسّ الانسان ومشاعر الفنان يغالب الحياة فتغلبه ويصارع الأهواء فتصرعه.<br />
وعموما فقد "وهب هذا الأديب من رهافة الحسّ ويقظته ما جعله سريع الالتفاتة رقيق الملاحظة تحسب العين فيه عدسة تختطف الصور والمشاهد اختطافا ثمّ تودعها ذاكرته حتى تكوّنت له ذخيرة هائلة من المشاهد أفرغها قصصا.." ولعلي الدوعاجي وعي بفن القصّة وبحدود وظيفة كاتبها. فهو القائل بصدد تعريف الأقصوصة: "هي صورة صادقة لمنظر شاذ، وعلى شذوذه هذا لا يستغربه القارئ ولا يستنكره، وإنّ دور كاتب القصّة هو عرض الواقع البحت بكلمات واضحة نيّرة وأن يمسك زمام قلمه عن التعاليق الزائدة وعن وصف شعوره الشخصي وعن الوعظ الثقيل"<br />
<br />
=== [[علي الدوعاجي]] كاتبا مسرحيا===<br />
<br />
جمع توفيق بكار مختارات من مسرح الدوعاجي الاذاعي ناقلا إياها من أصولها "مخطوطة بيده، ممضاة باسمه،مذيّلة بتواريخها". ووضعها وضع المحقّق في كتاب هو على سبيل الدفعة الأولى أسماه مسرح علي الدعاجي نشرته دار الجنوب تونس في طبعته الأولى سنة 2002. والكتاب يحتوي على مسرحيات ثمان مكتوبة باللهجة الدارجة.<br />
ومسرح الدوعاجي الاذاعي متنوّع، طريف المسمع. ومازال الباحثون المحقّقون في نصوصه لا يضبطون له عددا إلاّ على وجه التقريب :فهذا الأستاذ بكّار يذهب إلى القول "لاندري إلى اليوم، على تقصّينا في البحث كم بالضبط ألّف من مسرحيات. جملة ما وقع في يدنا منها وطالعناه يبلغ نحو المائة بين ركحيات وإذاعيات ومن هذه الوفرة انتقينا للقراء خير ما رأينا من النصوص. وشتىّ أنواعها: كوميديا ودرام، وميلودرام، وأوبريت، وأوبرابوف. وكان له ولع بالغنائيات..." وهذا الشيخ [[زين العابدين السنوسي]] يرى أنّ [[علي الدوعاجي]] كتب ما يربو على مائة وستين تمثيلية إذاعية وخمس عشرة مسرحية ركحية وأنّه كان يقف على إخراج الكثير من مسرحياته بنفسه. وكان ميله واضحا إلى المسرح الهزلي والساخر المكتوب باللهجة التونسية الدارجة.وجعلها "فونتان" قرابة 266 تمثيلية إذاعية يميل أغلبها إلى التمثيل الهزلي وقد مثّل الدوعاجي فيها بعض الأدوار.<br />
وما من شكّ فإن الدوعاجي المسرحي لا ينفصل عن الدوعاجي القصّاص "القنّاص" صاحب القلم اللاذع والدوعاجي الشاعر الزجّال صاحب الصور الطريفة واللغة السهلة الجزلة.<br />
والدوعاجي رسّام الكاريكاتور الذي يضحك من الاخرين ومن نفسه هجّاء غمّازا بلغة موليير وبكّاء لمّاحا إلى حدّ الضحك بلغة راسين ما دام "كاتبا ساخر الروح، جريء الفكر، يخفي نابا حديدا وراء البسمة الظاهرة، حيلته، ربّما، في التعبير عمّا لا يباح له أن يقول..فقصر همّه على نقد مظاهر التأخّر في عقلية الناس وسلوكهم عسى أن يتخلّص المجتمع من عبء العادات المعرقلة لنموّه، فيصلح من نفسه، فيقوى، فيتحرّر من كلّ عبوديّة..." وما دام كما قال عنه عزالدين المدني "يضحك من النظام الفاسد القائم في زمنه، ويضحك من نفسه أيضا، لأنّه عاش بائرا مغبونا، مغلوبا طول حياته..."<br />
<br />
=== [[علي الدوعاجي]] شاعرا زجّالا ورسّاما كاريكاتوريّا===<br />
<br />
تبدو العلاقة بين الأشعار الزجليّة التي أنتجها على الدوعاجي والرسوم الكاريكاتورية التي أجراها شديدة الصلة بعضها ببعض لأنها حقّقت مبدأ التحام الصورة بالكلمة في سياق نقد ساخر متنوّع يشمل أوضاع المجتمع وحالات الأفراد عن طريق التصوير الحيّ المباشر. وهو ما يحوّل الأزجال نفسها إلى رسوم ويجعل من الرسوم الكاريكاتورية تنبع من الروح المرحة اللاقطة للتفاصيل التي بها يكتب الدوعاجي أدبه. وعن مضامين هذه الأزجال وشكلها التعبيري يقول محمد صالح الجابري: "لقد كانت أشعار الدوعاجي كلّها من نوع الأزجال الشعبية في لهجة تونسية يتكلّمها أهل العاصمة بعضها أغان عاطفية، وأغلبها مقطوعات من الزجل الفكاهي.<br />
ويلفت النظر في هذه الأزجال أنّ بضعة منها تميّزت بطابع الفن وطرافة الموضوع الذي وقع عليه الشاعر. هي أزجال في الفنان، والشاعر وموقف كلّ منهما من مجتمعه مع إضفاء مسحة اللامبلاة والاحساس بالغبن، والثورة على النفس، إنها مخاض حياته، وبارقة وجدانية مما خلفت ذكريات تحت السور الذي تركته الحرب العالمية الثانية أنقاضا من ماض مندثر".<br />
وقد خصّ عزالدين المدني هذه القصائد العامية المشبعة بنزعة السخرية بقسم مهمّ من أعمال [[علي الدوعاجي]] وأسماها ديوان الأزجال والأغاني. ويحتوي هذا القسم على تسعة وثلاثين نصّا زجليا كتبت في أغراض مختلفة وفي مناسبات متعدّدة. ومن هذه النصوص وعددها ثلاثة عشر نصّا ما ينشر لأول مرّة حسب ما يصرّح به جامع النصوص ومحقّقها في الهوامش. ومدار هذه الأزجال والأغاني على موضوعات طريفة ترشح بالظرف واللطافة اللذين تميّز بهما الدوعاجي فنانا وإنسانا. وهي تجمع بين الغزل الخفيف والحكم الساخرة النابعة من التأمّلات في عالم الناس وفي سلوكهم وعلاقاتهم وعواطفهم وتتّصل بعادات المجتمع في الخطبة والزواج والحبّ والغرام والهجر والبعاد ولا تعدم الحديث عن الذات ومغامراتها في الصحو والسكر. بل تتحوّل الذات نفسها إلى موضوع للسخرية واللوم والاحساس بالذنب في إطار كاريكاتوريّ ملئ بالغمز واللمز. وكثيرا ما تطرّقت هذه الأشعار إلى موضوعات مسكوت عنها كتصنيفه للصنائع والأعمال بنفس كوميدي وحديثه عن أنواع البوس والقبل بلهجة المجرب الفطن. وكثيرا ما سمت إلى رصد وضع الفنان المغبون، فنان الغلبة وأبانت عن روح أديب واع بالكلمة وأنواعها وأثرها في الذات والاخرين.مترحمّا حينا على أيام زمان، داعيا الانسان إلى تجاوز النوائب والمواجع ونسيانها بالضحك والبشاشة متغنيا بتراب تونس وألقها وقد لقيت بعض هذه النصوص الحظوة لدى بعض الموسيقيين، فنالت الشهرة ولحّنت في المجالس وفي غير المجالس.<br />
<br />
=== [[علي الدوعاجي]] الصحفي الساخر ===<br />
<br />
جمع الدوعاجي في كتاباته الصحفية بين الأدب والفن. فنقد ظواهر المجتمع وتابع ما يجري فيه من حوادث طريفة. ونقل لنا صورة بيئته ومجتمعه وما كان يدور من محاورات بين [[جماعة تحت السور]]. وكان تأسيسه لصحيفة السرور سنة 1936 دليل رغبة في فسح المجال له ولغيره من حملة القلم ليعبّروا عن مواقفهم مما يجري حولهم في المجتمع، تاركا الخوض في موضوعات السياسة لصحيفة الزمان لبيرم التونسي. ولم يكن الخيط الفاصل فيما نشره من مقالات بينّا بين الكتابة الصحفية والكتابة الأدبية القصصيّة. وسعى على نحو متفاوت إلى الابلاغ مستخدما بلاغة السخرية وطلاوة اللغة الفصيحة السهلة وحلاوة وقع العامية في النفوس ليصل إلى شرائح القراء المتعددة. وقد نشرت أغلب مقالات [[علي الدوعاجي]] الصحفية والأدبية في الصحف والمجلات مثل "السرور" و"الزمان" و"العالم الأدبي" و"المباحث" و"الزهرة" و"الثريا" و"الأسبوع" و"الشباب" باثا بعض مواقفه الاصلاحية من خلال نقده لعيوب المجتمع ودفاعه عن المرأة والمهمّشين والمبدعين في فنون الكتابة والتصوير والموسيقى.<br />
<br />
== أعماله==<br />
<br />
* سهرت منه الليالي (مجموعة قصصية منشورة في الصحف بين 1935 و1949) ، الدار التونسيّة للنشر،1969، منشورات نادي القصة، جمعها وأعدّها وقدمها عزالدين المدني ولهذا المؤلف طبعات أخرى من بينها طبعة "دار شوقي" 1999 وطبعة "دار الجنوب للنشر" 2002 وطبعة "المغاربية للطباعة والنشر" 2003.<br />
* جولة بين حانات البحر المتوّسط (في أدب الرحلة وسيرة الذات) ، الشركة التونسية للنشر والتوزيع، 1962. ولهذا المؤلف طبعات أخرى، منها طبعة الدار التونسية للنشر، 1973وقد ترجم [[الطاهر شريعة]] هذا المؤلف ونشرته الدار التونسية للنشر، 1979.<br />
* تحت السور (مذكرات ويوميات وأزجال ومقالات أدبية جمعها عزالدين المدني) ، تونس، الدار التونسية للنشر، 1975.<br />
* راعي النجوم (نص مزيج بين القصة والمسرحيّة) ، منشورات ثقافية، دار [[ابن خلدون]]، 1969 قدمه توفيق بكار وترجمه إلى الفرنسية صالح القرمادي.<br />
* [[علي الدوعاجي]]، الأعمال الكاملة، (يضم أقاصيص الدوعاجي ورحلة بين حانات البحر المتوسط) تقديم بوشوشة بن جمعة، الجزائر، موفم للنشر 1993.<br />
* [[علي الدوعاجي]]، حياته وأعماله، (في جزأين، الجزء الثاني مخصّص لأعماله) درّة المشاط، تونس الدار المغاربية للنشر والتوزيع، مارس 2001.<br />
* مسرح [[علي الدوعاجي]] (جمع ومراجعة وتقديم توفيق بكار) دار الجنوب للنشر، تونس 2002.<br />
* أعمال [[علي الدوعاجي]] (وتضم جولة بين حانات البحر المتوسط وسهرت منه الليالي وتحت السور ورواق [[علي الدوعاجي]] للرسوم ومسرح وسكتشات وديوان الأزجال والأغاني، فضلا عن شهادات عنه وبهذا المؤلف نصوص جديدة تنشر لأوّل مرة) إعداد عزالدين المدني، تونس، بيت الابداع العربي، 2010.<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:الأدب]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%AF%D8%A7%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B1%D8%AA%D8%AA%D8%A7%D9%86%D9%8A&diff=4608محمد المقداد الورتتاني2016-12-29T12:58:56Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>[1875 - 1950م]<br />
<br />
محمد المقداد بن نصر بن عمّار الورتتاني، ولد في منازل ورتتان بجنوب [[الكاف]] قرب مدينة أبّة. حفظ القرآن الكريم ثمّ التحق ب[[جامع الزيتونة]] سنة 1310هـ/1892م وأخذ العلم عن أعلامه أمثال المشايخ [[سالم بوحاجب]] و[[صالح الشريف]] و[[محمد بن محمود]] ومحمد النّخلي ومحمد المكي بن عزّوز و[[مصطفى رضوان]].أحرز شهادة التطويع سنة 1316هـ/1896م ثمّ تولى التدريس وتابع دروس المدرسة الخلدونيّة، وإثر ذلك ولاّه [[البشير صفر]] نائبا لجمعية الأوقاف بمدينة [[القيروان]]. فعمل بها من سنة 1319هـ/1901م إلى سنة 1333هـ/1915م لتنظيم المكتبات والوثائق، وعلى رأسها مكتبة جامع عقبة. فأضحى ذا خبرة في ميدان المخطوطات وآثار مدينة [[القيروان]] التاريخيّة، ولم يزل يرتقي إلى أن سمّي ملحقا بالوزارة الكبرى.<br />
<br />
'''مؤلفاته'''<br />
<br />
* البرنس في باريس، طبع 1330هـ/1912م وهي رحلته إلى فرنسا وسويسرا.<br />
* دليل الديباجي في أخبار محمد الدّغباجي.<br />
* دراسة في تاريخ الأطعمة التونسية في العصر الحفصي.<br />
*الرحلة الأحمدية في وصف رحلة أحمد باي الثاني إلى فرنسا (طبع).<br />
* رسالة في تاريخ الشابية ب[[القيروان]].<br />
* المفيد السنوي (طبع).<br />
* النفحة الندية في الرّحلة الأحمديّة (طبع).<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:الأدب]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%82%D8%B5%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AC%D9%85%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%87%D8%B1%D8%A7%D8%A1_%D9%84%D9%84%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%8A%D9%82%D9%89_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9_%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D9%88%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D8%A9&diff=4600قصر النجمة الزهراء للموسيقى العربية والمتوسطية2016-12-29T11:30:45Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>يعتبر قصر النجمة الزهراء أو كما يصطلح على تسميته سابقا قصر البارون ديرلنجي من أبرز المعالم التي اجتمعت فيها مظاهر تأثير ونزعات فنيّة ومعمارية مختلفة، خاصة منها التأثيرات الأندلسية والمغربية والتركية والايطالية والمشرقية، إضافة إلى كونها في جوانب مختلفة منها امتدادا للعمارة التونسية في أصالتها وانفتاحها.<br />
يُوجد قصر النجمة الزهراء بضاحية سيدي [[أبو سعيد الباجي|أبي سعيد الباجي]] وهي المسمّاة سابقا بربوة المنار.<br />
وقد كان البارون ديرلنجي يتردّد على البلاد التونسية منذ سنة 1902 فاشتدّ إعجابه بضاحية سيدي بوسعيد التي لاءمت حالته الصحية فاقتنى هناك دارا سنة 1909, وهي التي تعرف حاليا بالبلفدير، وكانت هذه الدار تحتوي آنذاك على طابق سفلي فقط. ونظرا إلى شدّة إعجاب البارون ديرلنجي بتلك الربوة المطلّة على البحر ونتيجة لتأثّره بنمط العمارة التقليدية العربية قرّر بناء قصر حذو داره.<br />
وابتدأت الأشغال سنة 1911 لتتواصل عشر سنوات كانت ضرورية لاقامة تلك البناية البديعة التي صمّم مثالها الهندسي البارون نفسه. وإضافة إلى العمّال والحرفيين التونسيين نقش على الجصّ متخصّصون من المغرب وقام عملة فرنسيون وإيطاليون بأعمال أجهزة التدفئة والاضاءة وتجهيز بيوت الاستحمام.ويبدو أنّ المثال الذي وضعه البارون لهذا القصر مستمدّ من تيّارات فنيّة ومعمارية مختلفة استطاع ضمّها في نموذج موحّد.ويكون دخول هذا القصر عبر بوّابات ثلاث رئيسة.<br />
<br />
* بوّابة في الجهة الغربية;<br />
<br />
* المدخل الرئيس الذي يوجد في الناحية الشرقية;<br />
<br />
* مدخل كان سابقا يستعمل بكثرة فتح انطلاقا من غرفة كانت توجد على يسار الداخل بالسقيفة الثانية في المنزل الأوّل "البلفدير".<br />
<br />
ويحتوي هذا القصر على طابقين، سفلي وعلوي، كما يحتوي على غرفة كبيرة مذهّبة، وغرفة شرقية تسمّى الغرفة الزرقاء وصحن مستطيل الشكل وغرفتين صغيرتين واحدة زرقاء وأخرى مذهّبة وحمام تقليدي وصحن ثالث مربّع الشكل وغرفة مكتبة وغرفة شرقية وصحن مربّع الشكل في الطابق الأسفل.<br />
وفي القسم الأعلى الفاصل بين الصحنين المربّع والمستطيل توجد نقيشة جصيّة بتوقيع محمد البناني، وهو نفسه الذي وقّع على نقيشة أخرى تعلو الباب المؤدّي إلى السقيفة الخارجية بها شعر مطلعه (كامل) :<br />
<poem><br />
قصر مشيد واسع الأركان<br />
جمع المحاسن والمنى بأمان<br />
</poem><br />
أمّا أبرز الغرف فالغرفة المخصّصة للموسيقى، وهي تفتح على الصحن في جداره الشمالي ولها تصميم يشابه تصميم الغرف الموجودة ببعض دور وقصور [[تونس|مدينة تونس]]، ولها من الطول 14م. وقد كسي كامل جدران الغرفة (إلى مستوى 3 / 4 من ارتفاعها) بلوحات رخامية بيضاء اللون، ويفصل الواحدة عن الأخرى شريط رخامي أسود اللون على حين زُخرف القسم الأعلى للجدران بنقوش جصيّة يفصلها عن الرخام الأبيض شريط آخر رخامي يميل لونه إلى الاحمرار. وهي تختلف في نماذج زخارفها عن بقية النقوش الموجودة بالقصر، وقد حلّيت بعض الأقسام الغائرة منها.<br />
وبعد أن حوّل هذا القصر مجدّدا إلى مركز للموسيقى العربية والمتوسطية سنة 1991, أنشئ به متحف ومعرض خاص بالالات الموسيقية القديمة وعلى الأخصّ الشرقية منها، كما يحتوي هذا المتحف معدّات وآلات وتحفا وزرابي ونقائش وسروجا تعود إلى أزمنة مختلفة من تاريخ الحضارة العربية الاسلامية.<br />
ومن الاحداثات المهمّة الأخرى التي أنشئت بقصر النجمة الزهراء للموسيقى العربية والمتوسطية:<br />
<br />
* الخزينة الوطنية للتسجيلات الصوتية، ومهمّتها الجمع والمعالجة الوثائقية مع نقل الأرصدة الخارجية والتبادل ثمّ الحفظ والترميم ثمّ الاصدارات.<br />
* المكتبة<br />
* قسم الدراسات والبحوث<br />
* قسم التنشيط والبرمجة<br />
* ورشة صنع الالات الموسيقية<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:المعالم]]<br />
[[تصنيف:القصور]]<br />
[[تصنيف:الموسيقى]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D8%B2%D8%A7%D9%88%D9%8A%D8%A9_%D8%B9%D9%8A%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%A7%D8%A8%D9%88%D9%86&diff=4599زاوية عين الصابون2016-12-29T11:30:16Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>أقيمت هذه الزاوية سنة 1845 بقرية القصر بمرقب شواش كما جرت التسمية في تلك الفترة. والقصر عمادة راجعة اليوم إلى معتمدية [[مجاز الباب]] من ولاية [[باجة]]. وزائر هذه الزاوية ينتبه إلى خصائص قلّ نظيرها. فهي منتصبة في جبل محاط بجبال أخرى غابية تكثر فيها الحيوانات. وهي تتوسط عينين، العين العليا إلى جوار الزاوية على اليمين بالنسبة إلى الزائر تسمّى "العين المرّة" وهي عند قاصدي الزاوية والساكنين فيها ومن حولها ذات بركة تشفي من الأمراض الجلدية بوجه خاص، وهي عند أهل الاختصاص في علم الجيولوجيا غنية بحامض الكبريت ذي المنافع الصحية المعلومة. والعين الثانية إلى شمال الزاوية في المنحدر تسمّى "عين الصابون". وقد ذهب في اعتقاد الرّواد أنّ لها ميزة متصلة بطاقة على التنظيف عجيبة فضلا عن كونها ماء معدنيا يتّجه صوبه أهل الزاوية وسكان محيطها القريب (حاجة) والبعيد (تبرّكا) للتزويد. والعلاقة بين الزاوية والماء تكشف عن التلازم المعروف بين الخير الروحي والخير المادي.<br />
أسّس الزاوية الشيخ محمد الصّالح بن أحمد الحسيني الشريف العمراني، ونسبه كما وقفنا عليه ضمن شجرة طولها أربعة أمتار ينتهي إلى الحسين بن علي بن أبي طالب، وهو ما يبرر اللقب الأوّل "الحسيني" ويدعمه اللقب الثاني بالانتساب إلى آل البيت "الشريف". أمّا اللقب الثالث "العمراني" فهو متصل بالرحلة من الحجاز إلى المغرب (وبصفة أدق فاس) إلى تونس وهو يعود رأسا إلى سلالة الأدارسة.<br />
المصادر والمراجع ضنينة بالأخبار عن الشيخ الصالح ولم نظفر بتاريخ محدد إلاّ بتدقيق النظر في عدد من الوثائق بالأرشيف الخاص بالعائلة أو بالأرشيف الوطني، فوقعنا على سنة 1845 تاريخ بناء الزاوية، وعلى سنة 1867 سنة صدور الأمر العليّ عن المشير الثالث محمد الصادق باي في تعيين ابن الشيخ الأكبر وهو محمد بن محمد الصالح على رأس الزاوية وتوافق سنة 1284 هجريا. وإذا كانت الأوامر الصادرة عن الباي مستعجلة في عقد الولاية على الزوايا من هذا النوع فالمرجّح أنّ وفاة الشيخ المؤسّس توافق سنة 1867. <br />
<br />
انتمى الشيخ محمد الصالح إلى [[الطريقة الرحمانية|الطريقة الرحمانيّة]] وقد تشبّع بمبادئها مذ كان ريّضا بزاوية أبي الحسن الدهماني الكائنة بنهج المر بربض باب الجديد. وترجع [[الطريقة الرحمانية]] إلى الشيخ محمد بن عبد الرحمان (الجزائري) المريد الروحي للشيخ عمر الخلواتي (ت1398م بالشام) وللشيخ البكري (ت1735م). والناظر في ملف [[الطريقة الرحمانية]] بالأرشيف التونسي (ملف 3 - 97) يدرك كثرة أتباعها في الايالة التونسيّة. ولعل هذا الانتشار يفسر جانبا من الأسباب التي جعلت الزاوية محل تقدير من أهل الطريقة وأهل السلطة إلى هذا اليوم، وجعلت لسلالة الشيخ المقيمة بالزاوية أو [[باجة]] أو [[مجاز الباب]] أو تونس العاصمة مكانة ووقارا.<br />
لم تكن الزاوية إطارا للذكر والمجاهدة فحسب، بل كانت مدرسة أيضا فيها مبيت للطلبة المؤهلين لطلب العلم ب[[جامع الزيتونة]]،وكان بيت الصلاة يلبي حاجتهم تعبّدا وتعلّما. فهذه الزاوية تعلّم القرآن حفظا وتفسيرا يسيرا وتعلّم الفقه والحديث وتحافظ إلى اليوم على عدد من الوثائق المحيلة إلى مضمون التعليم وبرامجه.<br />
وكان لها نظام قائم الذات كسائر الزوايا المعروفة، يتلخّص في التراتب المحترم لدرجة العلم والورع والمجاهدة. فإلى جانب الشيخ (شيخ الزاوية) يشرف على المريدين المقدّم (لكل جهة منتسبة إلى الزوايا مقدّم خاص بها) ويعينه في مرتبة دونه باش شاوش، وهو بذاته المشرف على الشواش المنسقين بين بقية المريدين ويطلق عليهم إلى يومنا هذا اسم : "الاخوان". والنظام يجري به العمل إلى هذه الفترة ويجد الزائرون الكثر آثار هذا التّراتب في حالات الذكر والدعاء أو الألعاب، و"الحضرات". وقد وقفنا على أبرز المريدين والتابعين فوجدناهم منتشرين جغرافيا على النحو التالي:<br />
<br />
* شمالا: كلّ محيط الزاوية، شواش، حيدوس، توكابر، [[مجاز الباب]]، مقعد، بازينة، تينجة، عمدون، الطبابة وصولا إلى نفزة ووشتاتة فضلا عن [[باجة]].<br />
*وسطا: أرض جلاص وأطراف من [[القيروان]] وأجزاء من الفراشيش وماجر.<br />
*جنوبا: وجدنا الصّلة مع نفطة بوجه خاصّ. وللمقيمين بالحاضرة ([[تونس|مدينة تونس]]) من أهل هذه الجهات علاقة زيارة وذكر مع الزاوية معلومة.<br />
<br />
ولقد تميّزت الزاوية بحدث تاريخي ذي بال نقله [[أحمد بن أبي الضياف]] في "الاتحاف"، وهو يتّصل بحركة علي بن غذاهم. فقد كان الشيخ محمد الصالح شيخ الزاوية مؤاخيا للشيخ مصطفى عزّوز (ت 1866م) صاحب الطريقة بزاوية نفطة. ولقي الشيخان من الباي محمد الصادق من الخديعة والمكر ما يفسّر جوانب من المعاملة التي أساءت إلى علي بن غذاهم وأدّت إلى هلاكه. ونفهم من هذا الخبر ومن الوثائق التي اطلعنا عليها من الأرشيف الرسمي أو الخاص، الدور الذي كان يضطلع به عدد من الزوايا وفيه من الدلالات الاجتماعيّة ما ينطق عن وظائف ثقافيّة بالمعنى الأنثروبولوجي ذات بال. فلم يكن هذا النوع من الزوايا بدعا وتجاوزات بل كان جامعا للتقوى المنشودة والمشاركة في الحياة الاجتماعيّة الناجعة (التربية والتعليم والصلح بين العروش...).<br />
ولعل هذا المظهر يستدعي الاقبال على أعمال مخبريّة تفرض مقاربة نقديّة علميّة قد تساعد على تطهير الموروث من الزيف.<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:المعالم]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%81%D8%B1%D9%8A%D8%AF_%D8%BA%D8%A7%D8%B2%D9%8A&diff=4598فريد غازي2016-12-29T11:22:54Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>[1929 - 1962م]<br />
<br />
ولد [[فريد غازي]] (محمد بن غازي) في أول فيفري سنة 1929 بتونس العاصمة، زاول دراسته الابتدائية بمدرسة خير الدين من 1935 إلى 1941 والثانوية بمعهد كارنو والمعهد الصادقي حيث وجّه في السنة الثالثة إلى شعبة الديبلوم فحرم من شهادة البكالوريا. ومن أساتذته فيها [[أحمد عبد السلام]] وأحمد بكير و[[محمود المسعدي]]. وفيها تجلّى ميله إلى الأدب والنقد فنشر منذ سنة 1946 سلسلة من المقالات عن الحركة الكشفية في العالم وأخرى في تسع حلقات عن [[أبو القاسم الشابي|أبي القاسم الشابي]]. وفي السنة نفسها شرع في تسجيل مذكّراته في كراس بعنوان "الليالي إلى الأبد: صحائف من حياتي"، كما كتب مجموعة أقاصيص نشر بعضها، ونظم مقطوعة بعنوان "علمي"، وأعدّ دراسة عن "المرأة والاسلام" فاز بها بالجائزة الأولى في مسابقة مجلّة "سلام إفريقيا" الصادرة بالفرنسية في الجزائر. وحصل [[فريد غازي]] على ديبلوم الصادقية سنة 1948 فتولّى إدارة المدرسة العربية الفرنسية بمركز بوغدير في السنة نفسها. وفي السنة الموالية انتقل إلى إدارة مدرسة توجان. وفيهما لم يكن ملتزما بالتوجيهات الرسميّة ولا متّفقا مع المتفقّدين وهو ما جعله يشعر بالوحشة في المناطق النائية فعوّض عنها بالانغماس في تراث الريفيين مشاركا في الأعراس، جامعا الأشعار، مستفيدا من دفاتر العدول. وتزوّج ثم تخلّى عن زوجته متفرّغا للأدب.<br />
نشر ديوانه ليل (Night) وبعض القصائد الأخرى بالعربية والفرنسية. ولم ينشر غيرها ممّا جمعه في ديوانه الثاني المخطوط: "الرجل الحرّ". فكان الأول كافيا للفت أنظار الصحف إلى نبوغه فنشرت له الشعر والدراسات.<br />
سافر [[فريد غازي]] إلى باريس سنة 1950 ولكن لم تتعلّق همّته بالاجازة إلاّ سنة 1954. وفي تلك السنوات الأربع نشر من جملة ما أعدّ من الدراسات دراسة عن عمّال شمال إفريقيا المهاجرين في مجلة "Esprit" سنة 1952, وأخرى عن "[[أبو القاسم الشابي|أبي القاسم الشابي]] من خلال يومياته"، وفصولا من روايته هربت من الماضي، ودراسة عن "ابن المقفّع وآثاره" في مجلة سشمصقس سنة 1954 مقتطفة من رسالة جامعيّة. وأعدّ في السنة نفسها أطروحة عن الشابي بمعهد الدراسات العليا بإشراف المستشرق جاك بارك. تلتها أخرى عن "رسالة الصحابة" لابن المقفّع مع ترجمتها. وكان قادرا على الترجمة، متكسّبا من ترجمة أطروحات المشارقة الذين لا يحسنون الفرنسية.<br />
ويفترض بعضهم أنّه أعدّ مجموعة من الرسائل الجامعية في الوقت نفسه ، وحتى قبل الاجازة، فما إن تحصل عليها سنة 1956 حتّى أردفها بديبلوم الدراسات العليا في السنة الموالية ثمّ بدكتوراه الدولة في السنة التالية وبالتبريز بعدها بسنة.<br />
وظلّ غازي الجامعي مثقّفا متواصلا مع الحياة الأدبية والفكريّة في باريس وتونس، فردّ في مجلة "الأزمنة الحديثة" (Les Temps Modernes) - التي كانت تربطه علاقة بصاحبها سارتر (J.P.Sartre) - على مقال روبار مسراحي (Robert Mesrahi) حول إسرائيل والعرب، كما عبّر في مجلة "الفكر" عن آرائه في الثقافة والقصة، وساند [[البشير خريف]] في إجراء الحوار بالدّارجة بما كتب عن روايته "إفلاس أو حبّك درباني".<br />
تتجلّى طرافة [[فريد غازي]] في شخصيته بدءا بالاسم الذي يمضي به، والذي لا تخفى دلالته، وانتهاء بمواقفه الثورية. وليس صدفة أن يدرس الشابي وابن المقفّع شعراء البصرة في أطروحتيه الرئيسة والتكميلية. ولم يكن هؤلاء، باستثناء أخيهم أبان، متكسّبين بشعرهم، بل كانوا أوفياء لأذواقهم، متمرّدين على تقاليد المربد. وكأّنّه وجد ضالّته فيهم، فكشف عن مذهبهم ودافع عنهم.<br />
وبالروح نفسها أعدّ غازي دراسته الشهيرة عن "الأدب التونسي المعاصر" لمجلّة "الشرق" (Orient), فكانت تتويجا لجلّ ما كتب عن الرواية والأقصوصة في تونس. وكانت جملة دراساته مرجعا متميّزا للباحثين، فيها تألّق اسمه بباريس وفي تونس التي عاد إليها سنة 1959 بحنين المغترب وبأعمال عدّة وآمال كبيرة حال دونها الموت الذي اختطفه في عزّ الشباب والعطاء يوم 19 جانفي 1962. <br />
وفي بلاده شكّك زملاؤه في شهائده العلمية وهو ما أثّر في موقف الوزارة منه، فلم تعيّنه في الجامعة بل في معهد الدراسات العليا مكلّفا بالدروس التطبيقيّة، ثمّ في دار المعلمين العليا في السنة الموالية موجّها للطلبة في بحوثهم، غير أنّه وقف على زهدهم في البحث بدعوى قلّة وسائله فأعدّ لهم المراجع مرقّمة في مظانّها، وأعدّ للوزارة تقريرا في النهوض بالبحث العلمي، غير أنّ تألّقه تحقّق في الساحة الثقافية مذ شارك بدار الجمعيات في إحياء ذكرى الشابي بمحاضرة عن "تأثير الاداب الأجنبيّة في شعر الشابي"، فكانت فاتحة معاركه الأدبية مع الشاذلي بويحيى والشاذلي الفيتوري وفرحات الدشراوي حول كامو. وازداد نجمه تألّقا بإنتاجه الاذاعي وخاصة ببرنامج "هواة الأدب"، وبمنشوراته في مجلّة "عبقر" التي ترأّس تحرير عدديها الثالث والرابع.<br />
على أنّ مناوئيه تعقّبوه في أخطائه اللغويّة التي ربّما كان سببها تلهّفه على نشر مقالاته دون مراجعة. ولا شكّ في أنّهم لو اطّلعوا على بحوثه الجامعية التي ظلّت منسيّة بمكتبات الجامعة الفرنسية لكفّوا عن تبرّمهم به. لفريد غازي إنتاج غزير ظلّ بعضه مخطوطا فيما ضاع بعضه الاخر.<br />
<br />
* في القصة: مع الزمن (’ 78), علياء (’ 90), قطرة دم (’ 44) ومن المعذّبين في الأرض (’ 75) مهداة إلى طه حسين، انتصار الحبّ (’ 49). <br />
* في الرواية: الضوء البعيد (’ 166) المأساة يوميّة (225 ص بالفرنسية) <br />
* في المسرح: ثورة الهند (’ 58) عن "كليلة ودمنة".<br />
* في المذكرات: الليالي إلى الأبد: صحائف من حياتي (5 - 29) مارس 1946 وبالفرنسية من 1946 إلى 1950 ومن 6 نوفمبر إلى 16 ديسمبر 1948. <br />
* في الشعر: الرجل الحرّ (’ 60) مجموعتان (60 ص + ص 108) <br />
* في النقد: [[أبو القاسم الشابي]]، حياته وشعره (’ 134) <br />
* أدب السيرة (100 ص بالفرنسية) <br />
* الأدب الجزائري (156 ص بالفرنسية) <br />
* الموشحات الأندلسية، دراسة ونصوص مختارة (’ 86, تقديم إيميليو قارسيا قوميز) <br />
* مختارات للشعراء العرب بأمريكا الشمالية والجنوبية (250 ص بالفرنسية) <br />
* أبولينار، الشاعر المحروم من الحبّ (91 ص) <br />
* في الترجمة: النهر الحرّ لطاغور (’ 127) المناهج لمجموعة من المستشرقين (’ 200) <br />
* مقامات الهمذاني (’ 120) تقديم ريجيس بلاشير وممّا نشر له من الكتب: - ليل (Night) مجموعة شعرية بالفرنسية، منشورات الشمال، تونس، ط2 / 1949.<br />
*نصوص مختارة من قصّاص العرب المعاصرين، تونس، الديوان التربوي، 1960. <br />
*الرواية والقصة في تونس، بالفرنسية، الدار التونسية للنشر، تونس 1970. <br />
*الشابي من خلال يومياته، الدار التونسية للنشر، تونس 1975. <br />
ومن المقالات: الدكتور محمد [[فريد غازي]]، مقالات انتخبها وقدّم لها فوزي الزمرلي، المركز الوطني للاتّصال الثقافي (سلسلة ذاكرة وإبداع)، وزارة الثقافة، تونس 2000.<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
<br />
[[تصنيف:الأدب]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D8%B9%D9%87%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%A7%D9%86_%D9%88%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86_1861&diff=4597عهد الأمان وقانون 18612016-12-29T11:21:11Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>لم تكن البلاد التونسية في القرن التاسع عشر بمعزل عمّا يحدث من تحوّلات مؤشّرة على تداعي البنى التقليدية في العالم العربي والاسلامي الواقع تحت آثار الصدمة الحضارية الناجمة عن سيطرة الانڨليز على الجزء الهندي المسلم وغزوة نابليون الفرنسي لمصر وما ولّدته من شعور حادّ باتساع الهوّة بين تقدّم المجتمعات الأوروبية وتخلّف المجتمعات العربية الاسلامية.<br />
وفي محاولة من السلاطين العثمانيين تجسير هذه الفجوة، وتحقّقت منذ أواخر النصف الأول من القرن التاسع عشر بعض الاصلاحات السياسيّة أبرزها خطّ كلخانة (1839) وخطّ همايون (1856), وقد استهدفت هذه القوانين التي كان لضغط الدول الأروبية أثر واضح في إصدارها، تحديث الادارة وفرض سلطة المركز على الولايات ووضعها تحت النظر المباشر للسلطة المركزية، وتكوين مجتمع يتساوى فيه المسلمون وغيرهم، إلى جانب العمل على تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وتحديث المؤسسات التعليمية.<br />
وعلى غرار ما حصل في الاستانة، وتحت ضغط الدول الأروبية وقناصلها المقيمين بتونس اضطر محمد باي الذي تولّى من 1855 - 1859 أمر البلاد إلى منح "[[عهد الأمان وقانون 1861|عهد الأمان]]" المستوحى من قوانين التنظيمات العثمانية والدساتير الأوروبية مع مراعاة الخصوصية التونسية (1857). <br />
سوّى [[عهد الأمان وقانون 1861|عهد الأمان]] بين التونسيين في الحقوق والضمانات واتّجه إلى صيانة حريّة الأفراد والممتلكات دون اعتبار للديانة أو المكانة الاجتماعية أو السياسية إذ جاء فيه "تأكيد الأمان لسائر رعيتنا وسكّان إيالتنا على اختلاف الأديان والألسنة والألوان، في أبدانهم المكرّمة وأموالهم المحرّمة".أعطى [[عهد الأمان وقانون 1861|عهد الأمان]] للرّعايا الأجانب امتيازات كبرى كحقّ شراء الأراضي والاستقرار النهائي بالبلاد التونسية، وفتحت الفقرة الأخيرة منه الباب لتسرّب الاقتصاد الأروبي إلى البلاد التونسية، إذ نصّت على "أنّ الوافدين على إيالتنا لهم أن يحترفوا سائر الصنائع مثل أهل البلاد لا فضل لأحدهم على الاخر".<br />
شجّع صدور "[[عهد الأمان وقانون 1861|عهد الأمان]]" المصلحين وعلى رأسهم الوزير خير الدين باشا على دفع الباي للقيام بإصلاحات أخرى تطول مختلف المؤسسات السياسية، وأدّى ذلك إلى الضغط على محمد الصادق باي الذي تولّى من 1859 - 1882 إصدار دستور هو الأوّل من نوعه في المجتمعات العربية الاسلامية، وذلك بتاريخ 29 جانفي 1861. وكان يصدر تباعا في أول جريدة عربية تونسية هي "[[الرائد التونسي]]".<br />
أعلن عن هذا القانون في جوّ احتفالي كبير في قصر [[باردو]] ترأّسه الباي ووزراؤه بحضور أعضاء المجلس الشرعي والمجلس البلدي لتونس وكبار موّظفي الدولة وضباط الجيش ورجال الدين المسلمين والمسيحيين واليهود، وقناصل الدول الأوروبية إلى جانب وفود جاءت من داخل البلاد.<br />
اشتمل هذا الدستور الذي أقسم الباي وحاشيته وأعوانه وضباط الجيش أمام الملا على العمل به، على ثلاثة عشر بابا و114 فصلا حدّدت حقوق الحكّام والمحكومين وواجباتهم، كما ضبطت نظام السلطة، وتضمّنت الفصل بين السلطات الثلاث :<br />
<br />
* التنفيذية (الباي ووزراؤه) <br />
* التشريعية (المجلس الأكبر الذي يشتمل على 60 عضوا يعيّنهم الباي ويُغيرون كل 5 سنوات) <br />
* القضائية (القضاة ويعيّنهم الباي) سوّى دستورعهد الأمان بين التونسيين أمام القانون "فلا فضل لأحد على آخر بوجه من الوجوه. من غير نظر لمقام ولا لرياسة في الحكم".<br />
<br />
وفيما يتعلق بالجاليات الأجنبية، ثبّت دستور 1861 ما جاء في [[عهد الأمان وقانون 1861|عهد الأمان]] 1857 من "التسوية بين المسلم وغيره من سكان الايالة في استحقاق الانصاف" وأعطاه طابع الاستمرار والتوسع، وهو دستور لائكي. <br />
وأشار [[أحمد بن أبي الضياف]] أحد أعضاد الباي وعضو المجلس الأكبر ومن محرّري نصّ الدستور في كتابه "إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس و[[عهد الأمان وقانون 1861|عهد الأمان]]" إلى :<br />
<br />
* غياب تمثيل الأهالي في المجالس الثلاثة والاعتماد على التونسيين ذوي الأصول التركية والشركسية وغيرها.<br />
* غياب تمثيل العلماء في المجلس الأكبر.<br />
* تقديم أهل الوجاهة الدنيوية في هذه المجالس على غيرهم.<br />
<br />
وليس غريبا في ضوء هذه الهنات أن يقابل الأهالي هذا الدستور بعدم الاكتراث، لأنّه لم يعدّل من أوضاعهم الحقيقية شيئا يذكر، "لذلك لم يظهر على جوامع المسلمين ما ظهر على غيرهم من السّرج ومظاهر الزينة. واقتصر الاحتفال على أعيان التّجار من اليهود والأروبيين إضافة إلى الأعيان"، كما أورد [[أحمد بن أبي الضياف|ابن أبي الضياف]].<br />
ولم يلبث التونسيون أن عبّروا عن عدم رضاهم عن الأوضاع البائسة والحالة المتردّية الرّاجعة إلى ارتفاع ضريبة المجبى ارتفاعا مجحفا، في انتفاضة عارمة (سنة 1864) تزعّمها علي بن غذاهم وشملت مناطق عديدة من الايالة، واتّخذ الباي ذلك ذريعة لتعليق الاصلاحات وإيقاف العمل بالدستور.<br />
وإذا أمكن من الناحية التاريخية اعتبار إصدار التنظيمات في تونس ([[عهد الأمان وقانون 1861|عهد الأمان]] والدستور والمحاكم العصريّة) مؤشرا على بداية وعي الطبقة السياسية بضرورة الانخراط في التحديث السياسي المستلهم من التراث السياسي الأوروبي الحديث، إلاّ أنّ سرعة تداعيه (أقل من 4 سنوات) تقيم الدّليل على أنّ الطبقة السياسية والفئة الاصلاحية في البلاد التونسية كما في البلدان العربية الاسلامية لم تتمثّلا بعمق الحقيقة التاريخية التي تفيد أن التحوّلات الصّحيحة - وهي التي تتراكم فيها المكاسب ولا تتراجع - تأتي نتيجة تغيّرات هيكليّة تمسّ البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في جوهرها لا في شكلها، كما تمسّ الذهنية والتصوّر والوعي سواء بسواء.<br />
أمّا الاصلاحات السياسية في تونس القرن التاسع عشر سواء في [[عهد الأمان وقانون 1861|عهد الأمان]] (1857) أو في دستور (1861) فإنّها تكاد تكون فوقية لم تتجاوز المستوى الاجرائي.<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:التاريخ]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%82%D8%AF%D9%88%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B1%D9%81%D9%8A&diff=4596قدور الصرارفي2016-12-29T11:20:24Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>[1913 - 1977م]<br />
<br />
نشأ الفنان عبد القادر الصرارفي، شُهر باسمه الصّغير قدّور الصّرارفي في بيئة فنيّة عميدها شقيقه الأكبر محمّد الصّرارفي الّذي كان قائدا للفرقة الاسلاميّة للموسيقى النحاسيّة.<br />
لم تجد الالات النفخيّة هوى في نفسه وإنما تأثر بشقيقه الأوسط الطّاهر الصّرارفي الّذي كان يعزف الوتريّات مثل العود والكمان والمندولين والبيانو. لذلك، بدأ قدّور الصّرارفي حياته الفنيّة عازفا هاويا لالة البيانو التي سرعان ما هجرها ليهيم بآلة الكمنجة أسوة بأخيه.لم يقتف أثر أخيه الذي كان عازفا عصاميّا، ودرس آلة الكمان وفق منهجيّات المدرسة العربيّة حيث أخذ عن الشيخ [[محمد غانم|محمّد غانم]] الّذي كان يعزفها على الرّكبتين مثل الرّباب، ليكمل دراسته وفق المدرسة الغربيّة، بتعلّم التقنية الأوروبيّة على يد الفنان الايطالي رفايالو سترينو قائد أركستر الكازينو بتونس.أمّا النظريّات الموسيقيّة فقد درسها على الفنان السّوري علي الدرويش الحلبي عندما حلّ بتونس سنة 1930 وألقى دروسا في الموسيقى بنادي الخلدونيّة ثم بالرّشيديّة سنة 1938.وكانت للشابّ قدّور الصّرارفي هوايتان إضافيتان هما، التصوير السنيمائي - فقد أنتج بعض الأفلام القصيرة - والرّياضة فقد فاز ببطولة تونس في الجمباز سنة 1933. لكنه هجر الرّياضة ليتفرّغ للفنّ. ولمّا دخل ميدان الاحتراف لفت الانتباه عازفا متميزا على الكمان إلى حدّ أن لقب بأمير الكمان مثل سامي شوّا في مصر وامتاز بارتجاله المتقن في الطّبوع التونسيّة.<br />
وامتاز قدّور الصّرارفي أيضا بحسن القيادة الأوركستراليّة للفرق الموسيقيّة التونسيّة منها فرق [[شافية رشدي]] و[[فتحية خيري]] و[[الهادي الجويني]] ثمّ فرقة الخضراء لعلي الرّياحي في الأربعينات من القرن الماضي وقد أسس سنة 1942 فرقته الخاصّة شباب الفنّ التي ضمّت عازفين ورّاقصين ورّاقصات وقد بلغ عددهم سبعين فنّانا.<br />
ومن أعماله المهمّة أيضا ألحانه التصويريّة لفلم "الحبيب" - وهو شريط سينمائي قصير ألفه [[الهادي العبيدي]] وشاركت في أداء ألحانه المطربة شهرزاد - لفائدة شركة أفريكا للانتاج السينمائي سنة 1948. وذلك في أثناء إقامته بالجزائر حيث تزوّج من والدة الفنانة أمينة الصّرارفي وقد دوّن في هذه الفترة الموسيقى التي وضعها علي الرّياحي لفلم "أنشودة مريم" أداء محمّد الجمّوسي وإنتاج شركة أستوديو إفريقيا.<br />
وفي مطلع الخمسينات رافق صفيّة الشاميّة إلى باريس لتسجيل أغانيها على إسطوانات لفائدة شركة باتي ماركوني.وفي الجزائر أيضا تولى تدريس الموسيقى ثم فور عودته إلى أرض الوطن أسّس مدرسته الخاصة بعد أن تنقل بين المدارس الثانويّة أستاذا للموسيقى.وفي سنة 957 انضم إلى فرقة الاذاعة غداة انبعاثها ليتولّى قيادتها.<br />
وعلى الرغم من سنه المتقدّمة فقد تابع دروس الهرمنة والتوزيع الموسيقي بمعهد نهج زرقون على أيدي الفرنسي قافا والمجري هايدو.وفي مطلع السّتينات أرُسل قدّور الصّرارفي إلى ليبيا في نطاق التعاون الفنّي والتبادل الثقافي بين القطرين الشقيقين التونسي والليبي. وبقي بطرابلس إلى غاية 1962 يشرف على تكوين الفرقة الموسيقيّة للاذاعة الليبيّة ومعهد الموسيقى بطرابلس.<br />
وفور عودته إلى تونس عاد إلى الرّشيديّة عازفا على آلة الرّباب. ثم تولى قيادة فرقتها. وفي السّبعينات تولى قيادة فرقة "نجوم المنار" للفنان [[الهادي المقراني]] في إحياء السّهرات الرّمضانيّة بباب سويقة.لكن نشاطه الغزير لم يُثنه عن خوض مغامرة التلحين فلحّن عدّة أغان ومعزوفات، وغنت له عدّة أصوات تونسيّة مثل [[شافية رشدي]] التي ألفت له أغنية "خليني منك غضبانة" وأغنية "تعرفني في دمّي نغير" وأغنية "ما بين العقل والقلب حار دليلي" "يا ورد أريانة" وقد ضاعت هذه الأغاني لأنها لم تسجّل إذاعيّا.<br />
أمّا أغانيه المسجّلة بالاذاعة فقد توزّعت بين [[صليحة]] وأغنية "ساق نجعك بالرّنة" - وهي من كلماته وألحانه وأغنية "كي تغنّي يا محلاها" غناء الهادي اللجمي و"يا راعي الغنم يا راعي" غناء صفية الشامية كلمات علي خلاف و"يا سمرة يا حلوّة يا لون القهوة" كلمات [[محمود بورقيبة]]. وبالاضافة إلى ذلك لحّن قصيدة أبي القاسم الشابّي "لله ما أحلى الطّفولة" أداء عز الدّين إيدير وغنت له عليّة "قلبي اللي هجرته" كلمات عبد المجيد بن جدّو وسجّلت له نعمة "يا طير تعدّيت منين" كلمات حمّادي الباجي الذي أردفها بأغنية ثانية "ايا موجة حالك كيف حالي".وألف له حمّادي الباجي أغنية "قولولها يا ناس" غناء عائشة. ولحّن لأحمد حمزة و[[فتحية خيري]] حواريّة غنائيّة بعنوان "أنظنّ اللي نحبّ" كلمات عبد العزيز الرّياحي.<br />
وتبقى من أغانيه الخالدة "آه م العينين 3 عينين" لمحمّد أحمد وكلمات علي بوجمعة و"لا نمثلك بالشمس ولا بالقمرة" أداء مصطفى الشرفي وتأليف حمّادي الباجي والمطرب مصطفى زغندة في أغنية "يا راحلة" كلمات [[محمود بورقيبة]].لقد لحّن قدّور الصّرارفي مجموعة من المعزوفات التي تعرف خطأ بالموسيقى الصّامتة لعلّ أبرزها "ليالي إشبيلية" في النهاوند و"ليالي الأندلس" في الكردي و"حياة فنان" في العجمْ و"فرحة" في رصد الذيل احتفالا بعيد [[استقلال تونس|الاستقلال]] سنة 1956 وكذلك "سمّاعي" في طبع الذيل التونسي.<br />
وهكذا ضرب قدّور الصّرارفي بسهم صائب في جُلّ الأنماط الابداعيّة من أغان ومعزوفات وأوبريت وموسيقى سنيمائية تبرز مدى شغفه بالسينما. ذلك أنّه كان يمتلك معدّات التصوير بالكاميرا. تضاف إلى ذلك كتاباته في الصّحف والمجلاّت التونسيّة وقد حوتها مكتبته الزاخرة بالمصادر المعياريّة في الموسيقى العربيّة والعالميّة.<br />
لقد أصيب قدّور الصّرارفي في آخر حياته بداء السكّري. وتوفي يوم 13 أكتوبر سنة 1977.<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:الموسيقى]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%83%D9%8A_%D8%A8%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B3%D9%8A%D9%86&diff=4595محمد المكي بن الحسين2016-12-29T11:13:32Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>[1882 - 1962م]<br />
<br />
[[ملف:محمد المكي بن الحسين.jpg|إطار|[[محمد المكي بن الحسين]] [1882 - 1962م]]<br />
<br />
ولد في مدينة نفطة بالجنوب التونسي سنة 1882 وانتقلت أسرته إلى [[تونس|مدينة تونس]] في عام ولادته، والتحق للدّراسة بجامع الزّيتونة وحفظ القرآن الكريم وأحرز على شهادة التطويع. وفي عام 1220ه / 1912م هاجر مع أسرته إلى دمشق حيث باشر التعليم بمدارسها، والتقى بأعلام دمشق أمثال خير الدين الزركلي وسليم الجندي والشيخ عبد القادر المنزي ومحمد كرد علي.وفي عام 1228ه / 1920م رجع إلى تونس وتفرّغ للمطالعة والبحث. وكان شَغُوفا بالأبحاث الفنية الدقيقة في اللّغة وعادات العرب في الجاهلية، وقد نشر بعض هذه البحوث في الصّحف والمجلات، كما درس قاموس الفيروزبادي دراسة متأنّية دقيقة، واستخرج منه ما يوافق اتّجاهه في البحث عن العادات عند عرب الجاهلية وأدواتهم.<br />
كان ذكيّا، سريع البديهة، يتحدث الفصحى وفي حديثه مرح وابتهاج، وكان يعيش عيشة الكفاف بعيدا عن السّلطة وأصحابها، وقد طلب منه مرات أن يتسلّم منصبا علميا إلا أنّه كان يرفض ذلك المنصب خوفا من أن يبعده عن البحث العلمي.أوّل صلة له في النشر والشعر قصيدته "مفاخر النفس" التي نشرها في جريدة "إظهار الحق"، عدد 8 بتاريخ 21 جانفي 1906 ومعظم بحوثه وقصائده منشورة في الصحف (الزهرة الأسبوع العالم الأدبي المشير).<br />
أما ميدانه الأوسع والأرحب فقد كان على صفحات مجلة "الهداية الاسلامية" التي كان يرأس تحريرها شقيقه الامام [[محمد الخضر حسين]]، ويكاد لا يخلو عدد من أعداد المجلة من مقال أو قصيدة. وقد اشتهرت "لغوياته" وتناقلتها الصحف والمجلات الأدبية.<br />
توفي ب[[تونس|مدينة تونس]] ودفن بها يوم 20 شعبان 1282ه / 26 جانفي 1962م.<br />
<br />
'''مؤلفاته المطبوعة:'''<br />
<br />
* عادات عربية.<br />
* نوادر في اللّغة.<br />
* نوادر في الأدب.<br />
* أسماء لغوية.<br />
* أمثال عربية.<br />
* حكم وأخلاق عربية.<br />
* كلمات للاستعمال.<br />
* لغويات "المستدرك".<br />
<br />
له ترجمة في كتاب "الأدب التونسي في القرن الرابع عشر" لمؤلفه [[زين العابدين السنوسي]] طبعة عام 1928م، وفي "تراجم المؤلّفين التّونسيين" لمؤلّفه محمد محفوظ طبعة عام 1984، وفي كتاب "محمد المكي بن حسين حياته وشعره" لمؤلفه علي الرضا الحسيني.<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:الأدب]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%83%D9%8A_%D8%A8%D9%86_%D8%B9%D8%B2%D9%88%D8%B2&diff=4594محمد المكي بن عزوز2016-12-29T11:12:54Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>[1270 - 1334هـ/1856 - 1916م] <br />
<br />
محمد المكي بن مصطفى بن محمد بن عزوز الحسيني الادريسي، هو نجل شيخ طريقة (الرّحمانيّة) الشهير مصطفى بن عَزّوز. ولد بنفطة (الجريد) حوالي 1856. كان من نوابغ طلبة [[جامع الزيتونة]]. وقد ألّف كتابين وهو لا يزال طالبا. تولّى خطة الافتاء في نفطة من 1880 إلى سنة 1888. وفي السنة الأخيرة، استقال من هذه الخطة وعاد إلى [[تونس]] ليدرّس بجامع الزّيتونة مجانا. لكن هناك وثيقة من الأرشيف الوطني التّونسي تفيد بأنّه فُصل من خطة الافتاء بسبب خصومة بينه وبين حاكم الجريد ومن سنة 1894 إلى سنة 1896, كان الشيخ المكّي يجوب زوايا الطريقة الرّحمانيّة بالجريد وشرق الجزائر وقد كان أخوه الأكبر شيخها الأوّل في البلاد التّونسيّة.<br />
وعلى الرغم من أنّه تردّد على مدينة [[تونس]]، عدّة مرّات، وأقام بها لبضعة أشهر في تسعينات القرن التاسع عشر (وعيون السلط تراقب تنقّلاته) ، فليس هناك ما يدلّ على أنّه تزعّم حركة من أيّ نوع كان بين علماء الدين التّونسيين. وتشير الأدّلة المتوفّرة إلى أنّه كان على الأرجح، معاديا للاحتلال الفرنسي، ولكنّه كان معارضا للسلفيّة، وهذا يعني أنّه كان مؤيّدا للطرقيّة ومناهضا للتّحديث. ألم يفنّد في أحد كتبه "السّيف الربّاني" هجومات أبي الهدى الصيّادي مستشار السلطان العثماني؟<br />
وفي سنة 1898, هاجر الشيخ محمّد المكي، إلى استانبول ليبدأ حياته من جديد فكان من العلماء الذين هاجروا من [[تونس]] إلى دار الخلافة حيث نددوا بالاستعمار الفرنسي.<br />
وابتداء من سنة 1906 وحتّى قبل ذلك، أصبحت الامبراطوريّة العثمانيّة ملجأ الوطنيّين التّونسيّين، أنصار "الجامعة الاسلاميّة" أمثال الشّيوخ: محمّد المكّي بن عزّوز، وصالح الشّريف، وإسماعيل الصفائحي، وعبد العزيز جاويش وغير هؤلاء، وسيتمكن الشّيخ محمّد المكّي، وزملاؤه، خاصة في أثناء الحرب العالميّة الأولى، من شنّ حملة دعائيّة قويّة للدّفاع عن الامبراطوريّة العثمانيّة وحلفائها وخاصّة للتّنديد بالاستعمار الفرنسيّ والايطاليّ في شمال أفريقيا. أسهمت هذه الحملة إلى حدّ ما في بلورة حركات التحرّر الوطنيّة الخامدة في ربوع الغرب الاسلامي.وفي 7 جانفي 1908, أشار سفير فرنسا في إستانبول، (J.A.E.Constans) إلى أنّ محمدّ المكّي بن عزّوز "يسكن، منذ 9 سنوات في "بشيكتاش" (Bechiktache) في إستانبول [...ّ، وقد يكون السلطان العثماني أسند إليه منحة في المدّة الأخيرة ومنصبا في مكّة...<br />
وقد اشتبه في الشيخ محمّد المكّي نفسه بأنّه يقوم بزيارات سريّة إلى صهره الشيخ مصطفى بوخريص في تونس وإلى ابنه كامل بن عزّوز الشيخ الأكبر للطريقة الرّحمانيّة في سوق أهراس بالجزائر: [انظر: سلسلة من التّقارير الصّادرة من القنصل الفرنسي إلى وزير الخارجيّة (Briand) وخاصّة المؤرّخة في 10 أكتوبر 1913 و30 جانفي 1914 و19 فيفري 1914 <br />
(ANT:E-550-30/15(d.886)<br />
وتشير وثيقة رسميّة إلى أنّ الشيخ عبد العزيز جاويش - (وهو من أصل تونسي) - قد يكون كلّف الشيخ [[محمد المكي بن عزوز]] ب"تأسيس جامعة إسلامية (Université) بالمدينة"، وقيامه (المكّي) بدور مهم في هذا التّأسيس والاتّصال بشخصيّات إسلاميّة من [[تونس]] تعتنق فكرة الجامعة الاسلامية (Panislamise) وذلك لتنظيم دعاية مضادّة للاستعمار الفرنسي.<br />
وفي 1913, أنشأ محمّد المكّي بن عزّوز في المدينة "جمعيّة الشّرفاء". وهذا ما أكّدته وثيقة مفادها "أنّ الجامعة الاسلاميّة التي أنشئت حديثا، أصبحت مقرّا لحركة الجامعة الاسلاميّة بزعامة الشّيخ [[محمد المكي بن عزوز]] وبتحريض من الشيخ عبد العزيز جاويش. وهناك مجموعة من الجزائريّين من الطبقة الميسورة قد تكون انضمّت إلى هذه الجامعة وأنّ نداء قد يكون وُجّه إلى الشباب المسلم في الجزائر، ومصر، والهند يستدعي هؤلاء للقدوم إلى المدينة من أجل الدّراسة بالجامعة المذكورة".<br />
ومن الطرافة أن يرسم لنا السفير الفرنسي بإستانبول كونستانس صورة مشرقة عن الشيخ [[محمد المكي بن عزوز]]، وفيها من الاطراء الكثير، إذ كتب: "إنّ المكّي بن عزوز رجل كريم، ومتضلّع من الاداب العربيّة والمسائل الدّينيّة. فهذا الشيخ التونسي هو محلّ احترام شديد سواء كان ذلك من سكان الحيّ الذي يسكن فيه أو من العرب المقيمين في القسطنطينيّة".<br />
توفّي الشّيخ محمّد المكي بن عزّوز في إسطمبول عام 1916. <br />
له مؤلّفات في التّوحيد والتفسير والقراءات والفقه والتصوّف والاداب بلغ عددها نحو الثلاثين كتابا منها:<br />
<br />
* "مغانم السعادة في فضل الافادة على العبادة".<br />
* "طريق الجنّة في تحلية المؤمنات بالفقه والسنّة".<br />
* "الذّخيرة المكيّة".<br />
* "السّيف الربّاني".<br />
* "إقناع العائب في آفاق المكاتب".<br />
* "الأجوبة المكيّة عن الأسئلة الحجازيّة".<br />
* "الدّيوان في مذاكرة الأجنّة ب[[القيروان]]".<br />
* "تلخيص الأسانيد".<br />
* "التّنزيه عن التّعطيل والتّشبيه". <br />
<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
<br />
[[تصنيف:الدين ]]<br />
[[تصنيف:التصوف]]</div>Marwahttp://www.mawsouaa.tn/w/index.php?title=%D9%81%D8%B1%D8%AD%D8%A7%D8%AA_%D8%AD%D8%B4%D8%A7%D8%AF&diff=4593فرحات حشاد2016-12-29T11:12:12Z<p>Marwa: </p>
<hr />
<div>[1914 - 1952م]<br />
<br />
ولد النقابي فرحات بن محمّد حشاد يوم 2 فيفري سنة 1914 بقرية العبّاسيّة بجزيرة [[قرقنة]].ينحدر من أسرة متواضعة الحال امتهنت الصّيد البحري إذ كان والده يكدح ليوفّر القوت لعائلة كثيرة العدد. فنشأ على الكفاف والصّبر والجلد.<br />
ولمّا بلغ سنّ التّعليم التحق بالمدرسة العربيّة الفرنسيّة الابتدائيّة بقرية "الكلاّبين" الواقعة على مسافة كيلومترين من مسقط رأسه "العبّاسيّة".وكان طيلة فترة دراسته محلّ إعجاب معلّميه لما أظهر من فطنة وجدّية في دراسته. وتعرّض إلى مرض تمكّن بفضل رعاية عائلته ومربيّه من الشفاء منه والترشّح إلى اجتياز امتحان الشهادة الابتدائية التي نالها بتفوّق سنة 1928. وبالرغم من شدّة رغبته في مواصلة الدراسة بإحدى المدارس الثانويّة فإنّه لم يجد بدًّا من الوقوف عند رغبة والديْه الملحّة في أن يطلبا له عملا ما يرتزق منه. فعمل في بعض دور التّجارة بمدينة [[صفاقس]]. ثمّ اتّجه إلى مدينة [[سوسة]] حيث استقرّ أخواله منذ العشرينات في حيّ جمع أصيلي [[قرقنة]] يعرف بحيّ "وادي [[الخروب|الخرّوب]]" ولم يبلغ بعد السّنة السّادسة عشرة من عمره فاستقرّ بمنزل خاله حسن بن رمضان وطفق يبحث عن العمل حتّى تمّ له ذلك في الشّركة التّونسيّة للنّقل بالسيّارات في السّاحل (S.T.T.A.S) التي استأجرته قابضا على سيّارات في جهة [[صفاقس]] ثمّ عيّنته كاتبا محاسبا في قسم حساباتها. وقد كسب [[فرحات حشاد]] ثقة إدارته لما أظهره من تفان ورغبة في تحسين مردوده المهني إذ تعلّم الرقن على الالة الكاتبة وارتقى إلى رتبة كاتب إداري وهي الوظيفة التي فتحت له باب الاطّلاع على دواليب الشّركة من جهة ومكّنته من الظّفر بصداقة زملائه سواء من الاداريين أو السوّاق أو من العملة على وجه الخصوص.<br />
فهذه الصّداقة أهّلت [[فرحات حشاد]] إلى أن ينغمس كلياًّ في الحياة النقّ ابيةّ حين انخرط في النّقابة الأساسيّة للشّركة التّابعة للكنفداراليّة العامّة للشّغل بداية من جويلية 1936. ويمكن تحقيب مسيرة حشّاد النّقابيّة في ثلاثة أطوار كبرى:<br />
<br />
* الفترة الأولى: 1936 - 1944: الكنفدراليّة العامّة للشّغل ذات التوجّه الاشتراكي الديمقراطي ترعى تكوين حشّاد النقابي.<br />
* الفترة الثّانية: 1944 - 1948: استقلالية العمل النّقابي التّونسي بين اتّهامات اليسار (تقسيم الطبقة الشغيلة وتوخّي التعصّب الديني والقومي) ومتطلّبات الحرب الباردة.<br />
* الفترة الثالثة: 1948 - 1952: التّوافق الاستراتيجي بين الاتّحاد العام التّونسي للشّغل و[[الحركة الوطنية التونسية|الحركة الوطنيّة]] يثير ارتباك والسّلطة الاستعمارية وهلعها.<br />
<br />
==الكنفدرالية العامة للشغل ذات التوجّه الاشتراكي الديمقراطي ترعى تكوين حشّادالنّقابي (1936 - 1944) == <br />
<br />
لا يمكن رصد خصوصيّة هذه الفترة وتلمّس حيثياتها وفهم خلفياتها وما ترتب عليها من مواقف دون الرّجوع إلى مجموعة من الأحداث المهمّة التي كان لها أثر بالغ في بدايات نضال حشاد النّقابي منها : لقاؤه مع ألبار بوزنكي A.Bouzanquet(1971 - 1897) الكاتب العام لاتّحاد النقابات الاقليمي التابع للكنفدرالية العامّة للشغل (1936 - 1944) وانعكاسات الصراع الدّاخلي في صلب قيادة اتّحاد النّقابات بين الشّيوعيين والاشتراكيين الذي طفا مرّة أخرى على السّطح إثر إمضاء معاهدة عدم الاعتداء الألمانيّة الرّوسيّة (أوت 1939) من جهة، ومواكبة حشّاد للتّحولات الاجتماعيّة والسّياسيّة والعسكريّة التي هزّت الايالة التّونسيّة منذ انتصار الجبهة الشّعبيّة بفرنسا في ماي 1936 إلى جلاء قوات المحور في ماي 1943, مرورا بأحداث 9 أفريل 1938 وانهزام فرنسا في جوان 1940 وارتقاء المنصف باي العرش الحسيني في 19 جوان 1942, من جهة أخرى.<br />
تؤكّد مجمل المصادر حقيقة العلاقة الوطيدة التي كانت تربط [[فرحات حشاد|فرحات حشّاد]] بألبار بوزنكي دون تبيان تفاصيلها. فلقاء [[فرحات حشاد|فرحات حشّاد]] الذي انتدب بالشّركة التّونسيّة للنقل بالسيّارات في السّاحل.إ.ش.ئ.ئ.إ وهو لم يتجاوز الثّانية والعشرين من العمر سنة 1936 ببوزنكي الذي شارك في الحرب العالميّة الأولى ثمّ عمل بالادارة العسكريّة الفرنسيّة سنة 1921 وهو الاشتراكي النّزعة منذ 1926 والنّقابي المعروف بالايالة التّونسيّة منذ 1930 اقترن بظرف تاريخي مميّز في العمل النقابي على المستويين الفرنسي وعلى المستوى التّونسي. ولا بدّ من الاشارة إلى أنّ [[فرحات حشاد|فرحات حشّاد]] تمكّن في وقت قصير من الاضطلاع بمهامّ كاتب ثمّ كاتب عام لنقابة موظفي الشّركة التّونسيّة للنّقل بالسيّارات بالسّاحل ثمّ كاتب مساعد للاتحاد المحلّي ب[[سوسة]] التّابع للكنفدرالية العامّة للشّغل (C.G.T.). وتتجلّى بما لا يدعو إلى الشكّ قدرات الشّاب حشاد على الاقناع والتأطير والاشعاع بين عمّال وموظّفي الشّركة المذكورة، وهو ما لاحظه الكاتب العامّ ذو النّزعة الاشتراكيّة ألبار بوزنكي، فقد كان حشاد محلّ ثقة القاعدة النّقابيّة التي انتخبته وتكفّل بالدّفاع عن حقوقها.<br />
وتبيّن المقالات التي أصدرها [[فرحات حشاد]] بجريدة Tunis socialiste (النّاطقة باسم الفيدرالية الاشتراكيّة يقعإ بتونس) في سنتي 1938 و1939 مدى إخلاصه وتفانيه في الدّفاع عن حقوق الشغّالين وثباته على تثبيت مبدإ الحقّ النّقابي وفضح تجاوزات الأعراف الفرنسيين. ومن المعلوم أنه في الثلاثة أشهر الأولى من سنة 1938 صعّد المستعمر قمعه إذ حلّ الحزب الدّستوري الجديد إثر أحداث 9 أفريل 1938 وأعلن حالة الحصار، وهو ما ساعد العناصر الرّجعية والأشدّ عنصرية في الادارة الفرنسيّة على استرجاع قوّة نفوذها وشنّ حملة اعتقالات ومحاكمات واسعة ضدّ الوطنيّين التّونسيّين.<br />
على أنّ هذا المناخ السياسي والاجتماعي المتوتر طيلة سنة 1938 قد سبقته أحداث ومؤشرات في سنتيْ 1936 و1937 جعلت مسألة الاستقلاليّة النقابيّة إزاء الأحزاب السياسيّة من جهة (الطرح الاشتراكي الديمقراطي، ميثاق آميان Amiens 1906) وضرورة ارتباط العمل النقابي بالقضيّة الوطنيّة في البلدان المُستعمَرة من جهة أخرى (الطرح الوطني: الحزب الحرّ الدستوري الجديد) محلّ جدل بين الزعيم [[الحبيب بورقيبة]] والنقابي ألبار بوزنكي. فقد أبدى بوزنكي بعد أن ناهض حركة [[محمد علي الحامي]] النقابيّة سنة 1924, معارضته المتجدّدة لتأسيس جامعة عموم العملة التّونسية سنة 1937متذرّعا بالحفاظ على وحدة صفّ الطبقة الشغيلة ومقتديا بميثاق "أميان" Amiens الدّاعي إلى استقلاليّة العمل النقابي عن الأحزاب السياسيّة. في حين ركّز الزعيم [[الحبيب بورقيبة]] كلامه على شرعية تأسيس نقابة تونسيّة مستقلّة باعتبار "أنّ القوميّة التّونسيّة هي في الواقع وحسب القانون تختلف عن القومية الفرنسيّة". وإذا أمعنّا النظر في جَوْهَر ميثاق "أميان" نلاحظ أنّه لم يدع قط إلى استقلاليّة العمل النقابي إزاء القضايا السياسيّة. فالنقابي حرّ في أفكاره السياسيّة بشرط أن لايوظّفها داخل النقابة. وقد لمس [[فرحات حشاد]] ذلك في تصرّف صديقه ألبار بوزنكي الذي انخرط في صف مقاومة الاحتلال النازي بفرنسا إثر انهزامها في جوان 1940 وفي الايالة التّونسيّة عند الاحتلال الألماني - الايطالي (نوفمبر 1942-ماي 1943). ففي الفترة من جويلية 1940 إلى نوفمبر 1944, أقدم ألبار بوزنكي بصفته الكاتب العام لاتحاد النقابات بتونس على إنجاز عدّة مبادرات وأعمال سرّية (تكوين خليّة للتجسّس لفائدة الحلفاء، تحرير تقارير حول الحالة العامة للسكّان الأهالي والأوروبيين بتونس وإرسالها إلى الجنرال دي غول المستقرّ بلندن، القيام بعمليات تخريب وراء الخطوط الأماميّة للجيش الألماني والايطالي على طول الظهر التّونسي...).<br />
<br />
وعلى أيّ حال فإنّ انخراط [[فرحات حشاد]] في العمل النقابي سابق لجامعة عموم العملة التّونسيّة (C.G.T.T.) التي لم تعمّر طويلا إذ اعترضتها صعوبات داخليّة (النزاع بين بلقاسم القناوي وأنصاره والديوان السياسي للحزب الحرّ الدستوري التونسيّ) وخارجية (معارضة الكنفدرالية العامّة للشّغل إثر مؤتمر إعادة التوحيد: تولوز 1936). <br />
أثّرت كلّ هذه العوامل في اتساع رقعة العمل النقابي إثر تكوين حكومة الجبهة الشعبيّة. فقد أقبل التّونسيّون سواء كانوا عملة أو موظفين على الانخراط في مختلف النقابات: الكنفدريالية العامة للشغل، الجامعة العامة للموظفين التّونسيين، جامعة عموم العملة التّونسية. وارتفع عدد العملة التونسيين في تركيبة إدارة الاتحادات المحليّة للكنفدرالية العامة للشغل حيث بلغ سنة 1938 37.3%. ولعلّ المزاحمة التي احتدّت بين الكنفدرالية العامة للشغل وجامعة عموم العملة التونسيّة من جهة والشيوعيّين من جهة أخرى تفسّر انفتاح الكنفدرالية العامة للشغل واعتمادها على المناضلين التّونسيين. فقد انتخب [[فرحات حشاد]] في الهيئة الادارية لاتحاد النقابات سنة 1939 في إطار التصدّي للزحف الشيوعي وأصبح سنة 1940 عضوا باللجنة التنفيذيّة.<br />
واعتبارا لما سبقت إليه الاشارة حول مقاصد ميثاق "أميان" فإن بقاء [[فرحات حشاد|فرحات حشّاد]] في الكنفدرالية العامة للشغل ورفض الانسلاخ عنها سنة 1937 والانخراط في جامعة عموم العملة التّونسيّة لا يعنيان البتّة إهماله للقضيّة الوطنيّة وعدم اكتراثه بالمسائل السياسيّة. ولكنّه ارتأى أنّ الوقت لم يحن بعد لتأطير العملة التونسيّين في كنف نقابة مستقلة انطلاقا من معاينة للواقع السياسي والاجتماعي للايالة التونسيّة سنة 1938وبالاضافة إلى نشاطه النقابي، برز حشاد في هيئة الهلال الأحمر التّونسيّ ب[[صفاقس]] في أثناء الحرب العالميّة الثّانية.<br />
يمكن القول في خاتمة هذا الطور الأوّل من مسيرة حشاد النقابيّة إنّ الظرف السياسيّ والاجتماعيّ الذي كان سائدا في الايالة طوال هذه الفترة مكّن حشاد من التعرف جيّدا إلى الواقع اليومي للطبقة الشغيلة بانخراطه في اتحاد النقابات الاقليمي التابع للكنفدرالية العامة للشغل واضطلاعه تدريجيا بمسؤوليات تسييرية على المستوى المحلي ثم الجهوي ثم الوطني.ومكّنته صداقته مع ألبار بوزنكي من عدم الفصل بين العمل النقابي والمسائل السياسية ومعارضته للتمشي الشيوعي في استقطاب الحركة النقابيّة، كما مكّنته فترة الاحتلال الألماني - الايطالي للايالة التّونسيّة من متابعة انتعاشة [[الحركة الوطنية التونسية|الحركة الوطنيّة]] بجميع مكوّناتها (الحزب الدستوري الجديد والحركة الزيتونيّة واللجنة التنفيذيّة) في فترة حكم المنصف باي (19 جوان 1942 - 13 ماي 1943) علما بأنّ المقيم العام الأميرال (Esteva) بادر منذ نوفمبر 1940 بحلّ كلّ النقابات بالايالة التّونسيّة تطبيقا لسياسة حكومة "فيشي" Vichy. <br />
فكيف سيؤول الأمر بعد جلاء قوّات المحور في ماي 1943 وحلول الحلفاء وسيطرة الادارة الاستعماريّة من جديد على دواليب الحكم بالايالة التّونسيّة؟ <br />
<br />
==استقلالية العمل النقابي التّونسي بين اتهامات اليسار ومتطلبات الحرب الباردة(1944 - 1948) == <br />
<br />
إثر قرار المقيم العام القاضي بحلّ النقابات (نوفمبر 1940), عاد [[فرحات حشاد|فرحات حشّاد]] إلى مسقط رأسه [[قرقنة]] حيث اجتاز بنجاح مناظرة الدخول إلى إدارة الأشغال العموميّة وانتدب عون مكتب بفرعها ب[[صفاقس]]. ورُسّم في خطته في جانفي 1943. وتعدّ هذه الفترة التي قضاها حشاد بين [[قرقنة]] و[[صفاقس]] طوال الحرب العالميّة الثانية من 1940 إلى 1945 حاسمة في تطوّر مسيرته النقابيّة إذ تعرف إلى رفاق الدرب الذين سيكون لهم دور رئيس في عمليّة تأسيس اتحاد النقابات المستقلّة بالجنوب (نوفمبر 1944). فحالما غادرت قوات المحور الايالة التّونسيّة (ماي 1943), رجع حشّاد إلى نشاطه النقابي وشارك في إعادة تركيز النقابات الأساسيّة للاتحاد المحلي ب[[صفاقس]] التابع للكنفدرالية العامة للشغل صحبة رفيقيْه [[الحبيب عاشور]] وعبد العزيز بوراوي.<br />
وأجمع الاتحاد المحلي ب[[صفاقس]] على ترشيح [[فرحات حشاد]] لعضوية الهيئة الاداريّة لاتحاد النقابات بمناسبة انعقاد مؤتمره الثامن عشر بتونس يومي 18 و19 مارس 1944.وبلغ عدد نوّابه للمؤتمر 18، ونسّق حشاد جهوده مع صديقه ألبار بوزنكي، لكنّها باءت بالفشل أمام الأغلبيّة الشيوعيّة التي أحرزت على 17 عضوا بالهيئة الاداريّة من مجموع 21. ويفسّر عدم انتخاب [[فرحات حشاد]] بالهيئة الاداريّة بما صدر عنه في أثناء أشغال المؤتمر من نقد للسّلوك غير الديمقراطي الذي أبداه الشيوعيون إزاء الاشتراكي بوزنكي.<br />
وقرّر [[فرحات حشاد|فرحات حشّاد]] صحبة [[الحبيب عاشور]] وعبد العزيز بوراوي الاستقالة من اتحاد النقابات، وشرع في تنظيم حملة دعائية ضدّ الهيمنة الشيوعيّة أدّت إلى عدّة استقالات في صفوف مناضلي الاتحاد المحلي.<br />
على أنّ ما يجب تأكيده في هذه المسألة هو اقتناع حشاد ورفاقه بعدم الجدوى لمواصلة النضال في اتحاد النقابات الذي أولى كلّ اهتمامه لدعم مجهود الحرب إلى جانب الحلفاء وأهمل المطالب الملحّة للشغّالين التّونسيّين مثل المساواة في الأجور وتحسين ظروف عملهم وعيشهم. ويذكر النقابي محمّد بن رمضان الذي استضاف حشاد وعاشور في غرفته ب[[المدرسة المرادية|المدرسة المراديّة]] يومي انعقاد المؤتمر حالة الغضب التي بدت على محياهما إثر فوز الشيوعيين: "كان الخيار بالنسبة إلينا بين الوطنيّة الفرنسيّة والوطنيّة الروسيّة، فآثرنا الانسحاب، وبقدر ما كان عاشور متحمّسا للاستقالة كان حشاد متريّثا يحبّذ مقاومة الاكتساح الشيوعي من الداخل".<br />
في تلك الظروف، لم تبد الفيدرالية الاشتراكيّة (SFIO) بتونس معارضة لقرار استقالة حشاد ورفاقه من اتحاد النقابات بل ساندته.وتطوّرت الأوضاع النقابيّة بسرعة سنة 1944 إذ تمكّن فرحات ورفاقه بعد جهود مضنية من خلق أرضيّة ملائمة لتأسيس اتحاد النقابات المستقلّة بالجنوب (19 نوفمبر 1944) الذي جمعت تشكيلته الاداريّة عناصر دستوريّة مثل [[الحبيب عاشور]] ورشيد القلال وعبد العزيز بوراوي ومحمد الحلواني. وارتفع عدد المنخرطين في هذه النقابة الفتية على نحو ملحوظ حتّى ناهز 8000 في بداية سنة 1945 واتّسعت دائرة تأثيرها حتّى شملت 22 نقابة أساسيّة. وبقدر ما ترَيّثَت الفيدرالية الاشتراكيّة في تحديد موقفها من هذه التحوّلات التي حدثت في الساحة النقابيّة بالجنوب ([[صفاقس]]، قفصة، [[قابس]])، سارعت الهيئة المديرة الجديدة لاتحاد النقابات التابعة للكنفدرالية العامّة للشّغل بتوجيه اللّوم إلى [[فرحات حشاد]] ورفاقه واصفة مبادرتهم بالمرتجلة وداعية إيّاهم إلى التفاوض. وقد بالغ حسن السعداوي الكاتب العام المساعد لاتحاد النقابات في تهجّمه على حشاد ورفاقه متهما "اتحاد النقابات المستقلّة بالتواطؤ مع شركة [[صفاقس]] - [[قفصة]]".<br />
واختارت الفيدرالية الاشتراكيّة منهج المساعي الحميدة لاقناع حشاد ورفاقه لوضع حدّ لتجربة اتحاد النقابات المستقلة والانخراط من جديد في اتحاد النقابات. وتكفّل بهذه المهمّة كاتبها العام أندري بيدي A.Bidet لكن مساعيه فشلت. وتجلّت تدريجيّا إستراتيجيّة حشاد الذي كثف من اتصالاته بالأوساط النقابيّة الوطنيّة بالعاصمة حيث عقدت الجامعة العامة للموظّفين التّونسيّين مؤتمرها الأوّل بعد الحرب في غرّة أفريل 1945 بالخلدونيّة وانتخبت هيئة مديرة جديدة عبّرت عن استعدادها للاسهام في بعث نقابة وطنيّة تجمع اتحاد النقابات المستقلة بالجنوب والجامعة العامة للموظفين التّونسيّين واتحاد النقابات المستقلّة بالشمال الذي تأسّس يوم 6 ماي 1945 والذي جمعت هيئته الادارية المؤقتة عناصر دستورية مثل الهاشمي بلقاضي وكيلاني الشريف وبشير بلاغة. واتضح للعيان أن مبادرة حشاد في الاستقالة من الكنفدرالية العامة للشغل وتأسيسه اتحاد النقابات المستقلّة بالجنوب حظيت بمساندة فعلية من كلّ القوى الوطنيّة (الحزب الحرّ الدستوري الجديد، اللجنة التنفيذيّة، الحركة الزيتونيّة).<br />
وتأكّد التوافق بين إستراتيجيّة حشاد التوحيدية وتوجّهات القوى الوطنيّة لبعث نقابة مستقلّة. وكانت التظاهرة الاستعراضيّة لانتصار الحلفاء ب[[صفاقس]] يوم 9 ماي 1945 المناسبة الأولى الدالة على حقيقة التنسيق بين الحزب الحرّ الدستوري الجديد واتحاد النقابات المستقلّة بالجنوب.<br />
وبدأت السلطة الاستعماريّة تسلك منهج الاحتياط من النجاح الذي حققه اتحاد النقابات المستقلة ودعم القوى الوطنيّة لمسيرته، وعبّر حشاد بمرارة عن موقف الادارة الاستعمارية السلبي من طلبات الاتحاد الشرعيّة في خصوص رفض تمثيله باللجنة الجهوية المكلفة بمراجعة الأجور ومسائل أخرى لها علاقة بالطبقة الشغيلة. وآلت جهود حشاد ورفاقه إلى تحقيق الرغبة التي عبّر عنها الشغالون وكلّ القوى الوطنيّة ألا وهي تأسيس نقابة وطنية مستقلة يوم 20 جانفي 1946 حملت اسم الاتحاد العام التونسي للشغل انتخب حشاد كاتبا عاما لها وقبل الفاضل [[ابن عاشور]] عرض المؤتمرين اختياره رئيسا شرفيا للاتحاد. وأمام هذه الأحداث، سارعت الفيدراليّة الاشتراكيّة بالتذكير بموقفها من مسألة الوحدة النقابيّة متهمة "الأحزاب السياسيّة بالتدخل في الشؤون النّقابيّة". ففي البداية، ركّزت نقدها على التوجّه الشيوعي الذي طغى على اتحاد النقابات، ثمّ أبدت عداءها لمشروع حشاد الرامي إلى بعث نقابة وطنيّة مستقلة، في حين ساندت دون تحفظ تيّار الأقليّة غير الشيوعيّة بالهيئة الاداريّة لاتحاد النقابات. هذا التيّار عارض قرار توْنسة اتحاد النقابات الذي صادقت عليه الأغلبيّة الشيوعيّة بهدف تسهيل مفاوضات التوحيد مع الاتحاد العام التونسي للشغل. وأفضت هذه المفاوضات التي انعقدت جلساتها طوال صائفة 1946 واختتمت يوم 16 أوت بإمضاء اتفاقيّة "تنصّ على مبدإ قبول الوفدين تقديم اقتراح يوم 14 سبتمبر 1946 لهيآتهم الاداريّة موعدا لانعقاد مؤتمر التوحيد بين النقابتين واختيار اسم الاتحاد الوطني للشغل للنقابة الموحّدة التي ستقدّم طلبا في الانخراط بالجامعة النقابيّة العالميّة (F.S.M). <br />
<br />
ولئن لم يُكتب النجاح لهذا الاتفاق المبدئي نظرا إلى الشروط الثلاثة التي قدّمها الاتحاد العام التّونسيّ للشغل: الجنسيّة التّونسيّة لكافة أعضاء المكتب المدير للنقابة الجديدة واختيار اللغة العربية لغة رسميّة لها والمصادقة على إطلاق اسم الاتحاد العام التونسيّ للشغل على النقابة الجديدة، فإنّه أحدث رجّة في أوساط الأقليّة النقابيّة غير الشيوعيّة التي كانت تحظى بمساندة الاشتراكيين في صلب اتحاد النقابات.وعبّرت عن قلقها بنشر مجموعة مهمّة من المقالات بجريدة "تونس الاشتراكية". فقد نادت بتحقيق مبدإ التوحيد النقابي في صلب اتحاد النقابات، لا كما نصّ عليه الاتفاق المؤرّخ في 16 أوت 1946 مذكرة بالانجازات التّاريخيّة التي حققتها الكنفدرالية العامة للشغل بتونس.والحقيقة أنّ حشاد لم يترقّب موعد بدء المفاوضات المتفق عليها مع اتحاد النقابات لتبيين موقفه من مسألة تحرير البلاد من ربقة الاستعمار بل جهر بها في اجتماع نقابي انعقد يوم 8 أفريل 1946: "لا يمكن أن نبقى بصفة أزليّة في جرّة الأجانب. إنّ الوقت قد حان كي نستعدّ ليوم المعركة الكبير إذ لدينا واجب مؤكّد لتحقيق رقي بلدنا واستقلاله". واتضح للسلطة الاستعماريّة موقف [[فرحات حشاد]] الثابت لنصرة القضيّة الوطنيّة في التصريحات التي أدلى بها إثر انعقاد مؤتمر ليلة القدر (23 أوت 1946), هذا المؤتمر الذي جمع كلّ ممثلي الأحزاب الوطنيّة والمنظمات القومية وبعض الشخصيات المستقلة، فقد بادر حشاد - وكان قد أفلت من قبضة البوليس الذي داهم مقرّ اجتماع المؤتمرين<br />
* بالمشاركة في الاجتماع السرّي الذي عقدته جمعيّة حقوق الانسان يوم 29 رمضان 1365(30 أوت 1946) إذ أكد أنّ "مؤتمر ليلة القدر" عمل مشروع، لم يتجاوز فيه التّونسيّون حدود ما كان ينبغي لهم أن يقفوا عنده، فمن حقّهم كبشر أن يطالبوا بالحريّة، ويهتفوا ب[[استقلال تونس|الاستقلال]]، لأنّ هذا أوّل ما يجب أن يعترف به من "حقوق الانسان" للتّونسيّين ولغير التّونسيّين، فكيف يصبح جناية تستحق المقاومة؟...".<br />
<br />
وفي سياق المفاوضات التي جَرَت في صائفة 1946 لتوحيد الصف النقابي، لم يتردّد اتحاد النقابات في شن إضراب عام تضامني مع الاتحاد العام التّونسي للشغل يوم 30 أوت 1946 دفاعا عن الحرّيات العامة إثر الحملة القمعيّة التي سلّطها المقيم العام الجنرال ماست ضدّ الوطنيّين يوم 24أوت وهو ما أثار تحفظ الفيدرالية الاشتراكيّة التي حمّلت الهيئة الاداريّة لاتحاد النقابات "مسؤوليّة ارتباك الطبقة العمّاليّة وإضعافها أمام السلطة العموميّة، أمام الرأسماليّين الفرنسيّين، وأمام الرّأسماليين التّونسيّين". لكن تعثر المفاوضات بين الاتحاد العام التّونسي للشغل واتحاد النقابات استوجب تدخل الجامعة النقابيّة العالميّة (FSM) التي أوفدت لجنة تحقيق برئاسة ماك وينّي Mac Whinnie والتي فشلت هي أيضا في تقريب وجهات النظر بين الطرفين، إذ أكّد الاتحاد العام التونسيّ للشغل من جديد شروطه المذكورة سابقا للانصهار في نقابة موحّدة.وقبيل انعقاد مؤتمر اتحاد النقابات يوميْ 26 و27 أكتوبر 1946, جدّد تيّار الأقليّة المناهضة لاتفاق 16 سبتمبر 1946 نداءه من أجل الاتحاد في صلب الكنفدرالية العامة للشغل. لكن المؤتمر أقرّ ب338 صوتا ضدّ 80 صوتا مع إمساك 9 أصوات تحوّل اتحاد النقابات إلى الاتحاد النقابي لعملة القطر التّونسيّ (U.S.T.T.) الذي انضوى يوم 13ديسمبر 1946 تحت راية الجامعة النقابيّة العالميّة (FSM), في حين لم يحظ ترشح الاتحاد العام التونسي للشغل بالقبول.<br />
وتوتر الوضع في صلب الاتحاد النقابي لعملة القطر التّونسي بين الأغلبيّة التي صادقت على قرار المؤتمر والأقليّة الرافضة التي تزعمها بوزنكي وساندها ليون جوهو (Léon Jouhaux). وآل الأمر إثر فوز لائحة "تولي" Tollet الممثلة لرأي تيّار الأغلبيّة إلى انسحاب شق الأقليّة الذي أسّس يوم 23 فيفري 1947 كتلة النقابات المتحدة بتونس (Cartel des syndicats de Tunisie). وهكذا اقترن حلول سنة 1947 باتساع الشرخ النقابي الذي كان محلّ جدل في الأوساط الشيوعيّة والاشتراكيّة والنقابيّة. وفي هذا الاطار، توالت مقالات الاشتراكيين اندري دران إنقليفيال وإيلي كوهن حضرية محمّلة الأحزاب الوطنيّة والحزب الشيوعي مسؤوليّة تفرقة الصفّ النقابي و"تَعَاطُف" الاتحاد العام التّونسيّ للشغل مع هذه الأحزاب. وأمام خطر هذه الاتهامات، بادر [[فرحات حشاد]] بالردّ على هذه المزاعم مبيّنا بالخصوص "أنّ الطبقة الشغيلة في كلّ بلدان العالم منظمة في إطار حركات نقابيّة قوميّة. وأنّ الحركة النقابيّة بتونس لم تأخذ هذه الخاصيّة القوميّة إلا مع جامعة عموم العملة التّونسيّة في 1924 - 1926 وفي 1936 - 1938 ومنذ سنة 1944 مع النقابات المستقلّة والاتحاد العام التّونسيّ للشغل (.). وإذا كنّا نمتنع من الدخول في الحسابات والألاعيب السياسيّة فإنّنا كمواطنين أو منظمة لايمكن أن لا نكترث بمصير بلدنا وهو ما يحصل في سائر بلدان العالم، فالوطني ليس بشرطه رجل سياسة (.)". <br />
ونتبيّن من مسيرة حشاد النّقابيّة طوال سنتيْ 1946 و1947 وعيه بخصوصيّة الكفاح الاجتماعي في المستعمرات حيث يؤدّي الميز العنصري بين السكّان الأصليين ومختلف الجاليات الأوروبيّة إلى تناقضات في مستوى الأجور وظروف العمل.أمّا معارضة الفيدرالية الاشتراكيّة لمشروع حشاد الرّامي إلى تركيز نقابة مستقلة بمساندة القوى الوطنيّة فإنّها تفسّر بعوامل سياسية مرتبطة بتركيبة المنخرطين والناخبين، إذ بيّنت التحوّلات السياسيّة والاجتماعيّة التي حدثت في الايالة إثر الحرب العالميّة الثّانية تراجعا واضحا للفيدرالية التي فقدت الجانب الأوفر من منخرطيها وخاصّة الموظفين منهم نتيجة تعاطفهم مع الحزب الاستعماري. وليس من باب الصّدفة أن يختار حشاد ذكرى إمضاء معاهدة [[باردو]] (12 ماي 1881) التي أقرّت انتصاب الحماية بتونس ليذكّر مرّة أخرى بجدليّة الكفاح الاجتماعي والقضيّة الوطنيّة وارتباطهما الوثيق:"(.) فكفاح الشغالين لتحسين حالتهم الأدبيّة والماديّة مرتبط أمتن ارتباط بمصالح البلاد العليا لأنّ ذلك التحسين يستوجب انقلابا اجتماعيّا لا يمكن التحصيل عليه مادامت البلاد ترزح تحت النظام الاستعماري". ثمّ يدحض حشاد مقولة عدم الفصل بين العمل النقابي والشواغل السياسيّة مستشهدا بما قامت به الكنفدراليّة العامة للشغل من مقاومة وطنيّة أثناء فترة الاحتلال الألماني: "ولنا أدلّة كثيرة من التاريخ النقابي تؤيّد ذلك وليكفينا موقف الكنفدرالية العامّة للشغل بفرنسا من مقاومة الألمان زمن احتلالهم لفرنسا ثم معارضتها للجنرال دي غول حينما أراد أن يحجّر عليها إعطاء رأيها في النظام الدستوري الجديد وفي أسلوب الانتخابات (.)". <br />
ويمكن القول إن سنة 1947 كانت بمثابة سنة النضال من أجل الاثبات الشرعي والأممي لحقيقة تمثيليّة الاتحاد العام التّونسيّ للشغل على المستوى النقابي إذ كان عرضة لكلّ العراقيل، ومن أبرزها مماطلة الجامعة النقابيّة العالميّة ذات التوجّه الشيوعي لقبول مطلب انخراطه والقمع الذي تعرّض له إثر الاضراب العام يوم 5 أوت 1947 ب[[صفاقس]]، وكذلك اتساع القطيعة بين الاتحاد العام التّونسيّ للشغل وكتلة النقابات المتحدة التابع للكنفدرالية العامة للشغل ذات التوجّه الاشتراكي. ولعلّ هذه الجبهة المناهضة لنشاط الاتحاد والمتألّفة من أطراف مختلفة وفي بعض الأحيان من أضداد تشمل الادارة الاستعماريّة الفرنسيّة والاتحاد النقابي لعملة القطر التّونسي ذا التوجّه الشيوعي وكتلة النقابات المتحدة التابعة للكنفدرالية العامة للشغل ذات التوجّه الاشتراكي هي التي ستقوّي اللحمة بين الاتحاد العام التونسي للشغل و[[الحركة الوطنية التونسية|الحركة الوطنيّة]] لمقاومة الاستعمار.<br />
<br />
==التوافق الاستراتيجي بين الاتحاد العام التّونسي للشغل و[[الحركة الوطنية التونسية|الحركة الوطنيّة]] لمقاومة الاستعمار يثير ارتباك الاشتراكيّة الديمقراطية الفرنسيّة (1948 - 1952) == <br />
لم يلبث تطوّر الوضع العالميّ سنة 1948 (تصعيد التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي في إطار الحرب الباردة وانقسام الحركة النقابيّة العالميّة) أن انعكس على توجّهات العمل النقابي إذ أجبر الاشتراكيون الفرنسيّون على الخروج عن حيادهم الشكلي في شأن الفصل بين العمل السياسي والنشاط النقابي وذلك بإعلان مساندتهم لنقابة "القوّة العمّاليّة" Force ouvrière. ففي 29 ديسمبر 1947, قدّم ليون جوهو ورفاقه باسم تيّار الأقليّة المنشط لحركة "القوّة العمّاليّة" استقالتهم من المكتب الفيدرالي الموحّد للكنفدرالية العامة للشغل، ثمّ بادرت هذه المجموعة بتأسيس الكنفدرالية العامة للشغل - القوّة العمّاليّة (.ي.ع/.ئ.غ.غ) يوم 13 أفريل 1948. وأصبحت كتلة النقابات الموحّدة بتونس فرعا لها.<br />
وتوطّدت الصّلة بين الفيدرالية الاشتراكيّة (SFIO) بتونس وحركة (.ي.ع/.ئ.غ.غ) حيث نشط عدد كثير من قياديي الفيدرالية ومناضليها، أبرزهم Appaix عضو المكتب الفيدرالي الذي أصبح عضوا بالهيئة المديرة لنقابة "القوّة العمّاليّة".ي.ع. ويفسّر هذا التقارب بما أحدثته الحرب الباردة من تفاعلات في الوضع النقابي العالمي في سنتي 1949 - 1950 (تصدّع الحركة النقابيّة العالم}ّة). فبعد ترقّب استمرّ ثلاث سنوات، قُبل مطلب الاتحاد العام التّونسيّ للشغل للانخراط في الجامعة النقابيّة العالميّة.ن.إ.ع (28 جانفي 1949). وتزامن هذا الحدث مع تأسيس الكنفدرالية العالمية للنقابات الحرّة (C.I.S.L.). ثمّ انسلخ الاتحاد العام التونسي للشغل من الجامعة النقابيّة العالميّة (FSM) في جويلية 1950 وانخرط في الكنفدرالية العالمية للنقابات الحرّة (مارس 1951). <br />
ونتيجة لذلك، تعزّز التوافق الاستراتيجي بين الاتحاد العام التونسي للشغل والحزب الحرّ الدستوري الجديد الذي تركّزت أسسه القاعديّة طوال سنة 1948. <br />
لمسنا ممّا سبق في شأن الظرف الذي تأسس فيه الاتحاد العام التّونسيّ للشغل تضافر الجهود بين قرار [[فرحات حشاد]] صحبة رفاقه تأسيس اتحاد النقابات المستقلّة والدعم الذي وجده لدى القوى الوطنيّة، إذ تبيّن لحشاد إثر تأسيسه الاتحاد العام التّونسيّ للشغل الموقف الاستعماري المناهض لمنظمته وما سعى إليه الاشتراكيون والشيوعيون من محاولات لاضعاف نشاطها وعرقلتها. هذه الجبهة المناهضة لنشاط الاتحاد العام التّونسيّ للشغل جعلت حشاد يصدع برأيه ويحدّد موقفه في الصحف الوطنيّة وأبرزها صحيفتا (Mission) و"الحريّة". فقد نشر حشاد بجريدة الحزب الحرّ الدستوري الجديد الأسبوعيّة الناطقة بالفرنسيّة)Mission((1952 - 1948) عدّة مقالات خصّص الجانب الأوفر منها للدّفاع عن مصالح الطبقة الشغيلة التونسيّة وما كانت تقاسيه من استغلال رأسمالي استعماري، مندّدا بالميز العنصري المهيمن على عقليّة العامل الأوروبي وموقفه وخاصّة الفرنسي ومركّزا اهتمامه على جدليّة الارتباط بين الكفاح النقابي ونصرة القضية الوطنيّة.<br />
وتوالت مبادرات حشاد لنصرة القضيّة الوطنيّة لا على المستوى المحلي فحسب بل على المستوى العالمي، وذلك بإثارته مسألة حق الشعوب في تقرير مصيرها والقضاء على الاستعمار. فالكفاح النقابي عند [[فرحات حشاد]] أداة لتحرير الشعب وتخليصه من الاستعمار والاستثمار في تونس وبقيّة أنحاء العالم محذرا العامل الأوروبي من مغبّة الانسياق وراء دعاية الحزب الاستعماري: "هؤلاء السّادة غالطوك عندما أوهموك بأن تونس ليست ملكا للتونسيين بل للغزاة الفرنسيّين وللتفوق الفرنسي (.) وإذا أردت أن تُصغي إليهم وتختار طريق الحقد فاعلم أيّها الرفيق أنّه ليس في أي نقطة من العالم قانون يُلزم بالضيافة الاجباريّة وأنّك ستتخلّى تحت الضغط على اعتبار تونس وطنا ثانيا لك لأنّ ليس في الامكان أن يحتضنك وطن وفي نفس الوقت تعلن الحرب ضدّ شعبه".<br />
<br />
هذا النداء جعل الفيدرالية الاشتراكيّة تردّ عليه بصرامة متهمة حشاد بأنّه تجاوز حدود العمل النقابي وأصبح من دعاة التعصّب القومي:<br />
"إنّي لم أيأس بعد، فإذا أردت أن تلقن درسا لمستشار الجمهوريّة (الموظّف أنطوان كولونا، رئيس الحزب الاستعماري) وأن تبيّن أن لمواجهة قوميّة الأعراف المتطرّفة، يمكن توظيف قومية التونسي، فإذا أردت ذلك فأنت على صواب، لكن الان وقد تحصّلت على مبتغاك يجب التصرّف دون أن تُخجل النقابيين، بلباقة تتماشى مع عبقريّتك، تتماشى مع الزمن الذي لم يعد زمن العربة ولكن المحرّك النفاث.<br />
لا يمكن لك أن تطالب بغلق أبواب الادارة للأجراء الفرنسيين خصوصا إذا كانوا من مواليد الأرض التّونسيّة، يجب عليك قبولهم بصفتهم أعضاء من نفس العائلة (.)". <br />
والحقيقة أنّ الاضراب الذي شنّه الموظفون الفرنسيون في بداية أفريل 1948 والذي حظي بمساندة الفيدرالية الاشتراكية وساندته جميع النقابات (الاتحاد النقابي لعملة القطر التونسي، الكنفدرالية العامة للشغل، القوة العماليّة، والنقابات المسيحيّة) إلاّ الاتحاد العام التونسي للشغل بيّن بجلاء تباين المصالح والمواقف بين الوطنيين من جهة ودعاة الاستعمار من جهة أخرى. وممّا زاد في حنق الاشتراكيين نجاح سعي الاتحاد العام التونسي للشغل إلى الحصول على مساندة الكنفدرالية العالمية للنقابات الحرّة (CISL) التي أبدت اهتماما متزايدا بالحركات النقابيّة في البلدان المستعمرة. وأصبح [[فرحات حشاد]] مصدر قلق للسّلطة الاستعماريّة بشمال إفريقيا عندما شرع في إنجاز مشروعه الرّامي إلى توحيد الحركات النقابيّة التّونسيّة والجزائريّة والمغربيّة في إطار فيدرالية نقابيّة مغاربيّة. ولا تخفي هذه المبادرة ما سينجرّ عنها من تعديل لموازين القوى بين المعسكر الشرقي (الاتحاد السوفياتي) والمعسكر الغربي (الولايات المتحدة الأمريكية) من جهة، ومن احتداد للتناقضات بين الدولة الاستعماريّة الفرنسيّة وسياسة الولايات المتحدة الأمريكية واتحاد النقابات الأمريكيّة، من جهة أخرى.<br />
وكانت لمشاركات حشاد سواء في أشغال المؤتمر الثاني للجامعة النقابية العالمية (29 جوان - 12 جويلية 1949 بميلانو) أو اجتماعات المكتب التنفيذي للكنفدرالية العالمية للنقابات الحرّة ببروكسال (ديسمبر 1951) وأشغال مؤتمر اتحاد النقابات الأمريكيّة AFL (سبتمبر 1951) الدوي الهائل في جهاز الدولة الاستعمارية. وفي هذا الاطار، عرّج حشاد في مقال صدر بجريدة (Mission) على طبيعة العمل النقابي الذي تنتهجه "القوّة العمّاليّة" ذات التوجّه الاشتراكي ذاكرا بالخصوص ما يلي: "إنّ نقابة "القوّة العمّاليّة" لا زالت ماضية عبر تهجّماتها الاذاعيّة الأسبوعيّة وبلاغاتها النادرة في التنديد بالعمل النقابي المسيّس وفي المطالبة بإبعاد الحركة النقابيّة عن كلّ عمل سياسي. إنّ مجلسها الفيدرالي القومي سقط كجثة هامدة في براثن السّياسة...<br />
الاستعماريّة! إن نقابة.ي.ع لم تفعل إلا نقل صيغ الاستعمار البالية في خصوص دعايته المنافقة وأدبياته المغشوشة إلى الحقل النقابي. فهي تطرح نفس موضوع الانفصال، وتحبّر نفس التعليمات ضدّ "الاقطاعيّة القروسطية" وتؤكّد أنّه لا يمكن القيام بأيّ مبادرة في الحقل الاجتماعي دون الدولة الحامية... وتختم بالصيغة المعتادة، تلك التي تحتم العيش معا مع تعويض "اتحاد لا تنفصم عراه" ب"اتحاد وثيق العرى".<br />
"إنّ جوهو قد ناهض سابقا جامعة عموم العملة التّونسية وتحمّل جانبا من المسؤوليّة في عمليّة قمع حركة محمّد علي ورفاقه. (.) إنّ منظمته اليوم أي (F.O.) باقية على نفس شعور التفوق الذي كان يلازمها منذ 22 سنة. نحن لا نريد أن نخوض جدالا مع نقابة.ي.ع التي لا تمثل في تونس سوى صفر صغير. وبالرغم من الجهود الرّسميّة وشبه الرسميّة المبذولة لتنميتها، يبقى نشاطها غير ملموس (.). <br />
"إنّ الحماية التي تريدها (للعمّال في المستعمرات) تتمثّل في الاستحواذ على حركتهم على نفس المنوال الذي انتهجته فرنسا لادارة هذه البلدان وحكمها هي تناهض الاصلاحات التي تضمن استقلالية أكثر للشعوب المستعمرة على نفس المنوال الذي يرتضيه التجمّع الفرنسي. هي لا تريد أن تقدّم أي تنازل في مسألة الانتداب في الوظيفة العموميّة حتّى لا تنقص من صلاحيات الحضور الفرنسي وسرمديّة حقوق الفرنسيين في أيّ ميدان من الحياة العموميّة والأنشطة الخاصّة، هي تتحدّث عن "الهيبة الفرنسيّة" حتّى تكوّن قاعدة صلبة لانتداب العناصر الأكثر رجعيّة. وهي تناهض قيمة أي منظمة نقابيّة أخرى وصلوحيّتها إذا لم تشاطرها الرّأي في هذه النقطة الأساسيّة (.). "(.) إنّ الحركة النقابيّة هي حركة تحرير لايمكن لها أن تقبل مثل هذه العقليّة، عقليّة التفوّق، التي تسيّر شركات الهيمنة الامبرياليّة، ومن واجب كلّ حركة نقابيّة حرّة أن تقاومها. إنّ السّبب الذي جعل الاتحاد العام التّونسيّ للشغل يسحب انخراطه من الجامعة النقابية العالمية راجع إلى كون هذه المنظمة أصبحت أداة دعاية فاعلة لا تولي أي عناية بالمصلحة العليا لعالم العمل. وبما أنّها ابتعدت عن هدفها الحقيقي، أصبح من الحتمي أن تندثر.<br />
"والاتحاد العام التّونسي للشغل لا يرضى أن يحاول هؤلاء، "متخلّفو التفوّق النقابي"، أن يضعوا تحت هيمنتهم الشعوب التي كان من المفروض مساعدتها على التحرّر. إنّ الاتحاد العام التّونسي للشغل واثق من الاتجاه الثّوري الذي يحرّك نقابيي العالم الحرّ، والذين يدركون واجباتهم ومسؤوليتهم إزاء الحركات النقابيّة القوميّة في البلدان المستعمرة (.)". <br />
أصبحت القطيعة كليّة بين الزعيم النقابي الوطني [[فرحات حشاد]] ودعاة العمل النقابي "على النمط الاستعماري"ومن ضمنهم صديقه القديم ألبار بوزنكي الذي تولى إدارة صحيفة "القوّة العمّاليّة" (Force ouvrière) إلى حدود سنة 1950. <br />
فقد بادر الاتحاد العام التّونسي للشغل بالتشاور مع الحزب الحرّ الدستوري الجديد بتأسيس "لجنة العمل من أجل الضمانات الدستوريّة والتمثيل الشعبي" يوم 13 ماي 1951 وقد ضمّت بالاضافة إلى الاتحاد العام التّونسيّ للشغل ([[فرحات حشاد]] والنوري البودالي و[[محمود المسعدي]] وعبد اللّه فرحات والطّاهر بن عبد اللّه) والحزب الحرّ الدستوري الجديد ([[المنجي سليم]] و[[الهادي نويرة]] و[[علي البلهوان]]) ممثلي الاتحاد التونسي للفلاحة (إبراهيم عبد اللّه ومحمود بن الحاج) والاتحاد التّونسيّ للصناعة والتجارة (فرجاني بلحاج عمّار وعبد السّلام عاشور) وشخصيّات ممثّلة لكلّ تيارات الرّأي العام التّونسيّ (جمعيّة الشبّان المسلمين، الصحافة التونسيّة، الصيادلة التّونسيّون قدماء المحاربين التّونسيّين). وتكوّن مكتب تنفيذي لهذه اللجنة يتألّف من [[الهادي نويرة]]، فرحات حشاد، فرجاني بلحاج عمّار، إبراهيم عبد اللّه، الشيخ محمّد [[صالح النيفر]]، وطالب بتأسيس مجلس تشريعي منتخب وإقرار نظام بلدي تمثيلي تونسي في القرى والمدن.<br />
وكانت سنة 1952 نهاية المطاف لتجربة حشاد النقابيّة بعد أن تحمّل مسؤوليّة الدفاع لا عن حقوق الشغالين فحسب بل كلّ التّونسيّين جاعلا قضيّة تحريرهم من ربقة الاستعمار في المقام الأوّل من أولويّاته. فبقدر ما كانت الكنفدرالية العامة للشغل تنادي بحصر النضال في تحسين ظروف العمل للعامل الأوروبي والحفاظ على امتيازاته في إطار الحماية (أي قبول النظام الاستعماري)، كان حشاد يناضل من أجل الاطاحة بنظام الحماية، وهو عنده الشرط الأساس لتحسين ظروف العامل التّونسيّ.<br />
ولقد وطّد التوافق الاستراتيجي بين الاتحاد العام التّونسيّ للشغل والحزب الحرّ الدستوري التّونسي فيما يخصّ معارضة الشيوعية والسّعي للحصول على مساندة الولايات المتحدة الأمريكيّة، والتحالف بين الرّأي العام الفرنسي بالايالة والادارة الاستعماريّة فأخذ منحى عدائيا ضدّ حشاد. ولقد تمكّن بفضل العمل الدعائي الذي حققه طوال زيارته للولايات المتحدة الأمريكية (4 - 30 أفريل 1952) من كسب نصرة العالم الحرّ للقضيّة الوطنيّة.<br />
وإثر اعتقال الزعماء الوطنيّين في 18 جانفي 1952, تحمّل [[فرحات حشاد|فرحات حشّاد]] بشجاعة وإخلاص مسؤولية تنسيق المقاومة الوطنيّة مع رفاقه في الديوان السياسي السرّي للحزب الحرّ الدستوري الجديد. وأصبح رمز الصمود الوطني ضدّ سياسة القمع والارهاب التي شنّها المقيم العام جان دي هوتكلوك حال وصوله إلى الايالة التّونسيّة يوم 13 جانفي 1952. واشتدّ حقد غلاة الاستعمار على [[فرحات حشاد]] وبعثوا بالتعاون مع الادارة الاستعماريّة منظّمة إرهابيّة لتصفية الوطنيّين تدعى "اليد الحمراء" (La Main rouge) فأقدمت على اغتيال الزعيم [[فرحات حشاد|فرحات حشّاد]] يوم 5 ديسمبر 1952 وهو في طريقه إلى نادي الاتحاد العام التّونسي للشغل. وقد أثار اغتياله موجة استياء عارمة في العالم كله وخاصة في المغرب الأقصى (مظاهرات داميّة) ويمكن الجزم بأنّ ملابسات اقتراف هذه الجريمة تتحمّلها كلّيا الادارة الاستعماريّة وبصفة أدق حكومة الجمهوريّة الرّابعة. فقد تواترت الشهادات لتأكيد ذلك من ضمنها على وجه الخصوص: مذكّرات المقيم العام جان دي هوتكلوك وشهادة الوزير الفرنسيّ الاشتراكي آلان سافاري.<br />
<br />
[[تصنيف:الموسوعة التونسية]]<br />
[[تصنيف:السياسة]]</div>Marwa